صعدة ..عنما تتحول طرقها الى المملكة لتهريب خبز وحشيش وسلاح

2010-11-22 02:53:50 تحقيق/ نايف علي أنور قايد

أبكاليبس :
طرق الموت التجاري بـ"13" عيناً
 
ليس عن طريق الحرير التجاري الشهير, ولا حتى عن طريق البن والبخور القديم , أو طرق القوافل التجارية والمتعددة الأسماء ( درب أسعد الكامل ،ودرب أصحاب الفيل ) وهي طرق تجارية قديمة عالمية كانت تمر من هنا : حيث كانت ( صعده ) القديمة محطة مهمة على خط سير القوافل بكل ما تجود به أرض ويبدعه إنسان .. عن كل ذلك لا ينصب حديثنا فيما يلي , فقط هو ما يتعلق بالموت التجاري وليست الحياة التجارية القديمة .

يبقى الموت بأي حال واحداً حتى وإن تعددت أسبابه – طرقه – التجارية , إلا أن هذه الطرق استبدل فيها البن والبخور واللبان والأقمشة والنصال الصعدية وغيرها الكثير , استبدلت جميعها بـ ( خفيف الظل وثقيل الدم ) من الأسلحة النارية , وأيضاً هناك بديل، للسلع التجارية القديمة , وهو بديل بحق ،خف وزنه وغلى ثمنه ,غير أنه لا يلمع تحت شمس النهار.. إنها باختصار ( المخدرات ) فبأي حديث يا ترى سوف يؤمن القارئ الكريم؟، إن ما سيأتي بيانه بلسان عربي , ليس مجرد تحقيق صحفي يبحث في بقايا ما أكله السبع فحسب، بل محاولاً أن يثير قضية تحولت إلى ظاهرة بردت نارها وبهتت ألوانها ، ليسقط واجب السكوت لدى المعنيين .
إنها مجرد عناوين رئيسية لحديث يطول وتتشعب تفاصيله , لا إلى حد الملل منها , بل الخوف من واقع ملغوم بآلة الموت, وليس أقل منه الخوف من مستقبل سيولد مشوهاً بأجيالٍِ , همها الأول والأخير في جرعة مخدر خطيرة .. حقائق تتحدث عنها الأرقام – لا نحن – وتكشف عن خفايا ما كانت أبداً في الحسبان.
- ثرثرة ... لا بد منها -
ولنعترف أولاً بخطئنا الفادح قبل أن يكشفه غيرنا وهو: إننا وقعنا بين شقي مقص – ليس من عقيق – بل من حديد بارد لا يرحم , وهذا الخطأ الماثل , في مغامرتنا الطائشة للحديث عن قضيتين كل واحدة منهما أدهى وأمر من الأخرى .. إنها قضية ترويج المخدرات وتهريب السلاح في بلد يبحث عن الحلول المعقولة لتوطيد الأمن والاستقرار فيه ولو بالدم إذا لزم الأمر , وتلك قضية لا يرافع لها بمجرد كلمات عابرة وأرقام غابرة ... ثم هناك قضية تهريب المخدرات أو الاتجار بها وترويجها , وهنا فقط تتضح لنا ثلاثة أسماء لقضية واحدة, وفي الحقيقة أن لكل تسمية عالمها الذي لا يشبه أخاه كثيراً .
ثم بعد أن أوضحنا خطأنا الفادح , نعود إليه لنوجد له المبررات والأعذار التي قادتنا إليه حتى لو كانت واهية , فما يهمنا أولاً وأخيراً هو تسليط الضوء على أكثر جوانب الحياة، رغبتاً في مجتمع يعيش في غياهب كهوف الجهل , وهي بالتأكيد قضايا ما عادت تتدرج تحت ستار ( المسكوت عنه ) وهنا المصيبة العظمى والتي جاء بها المجتمع القبلي في كل من صعده وغيرها , جاء بها هذا المجتمع بعكس ما قاله الشاعر العربي القديم . .
( إن كنت تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم .. !)
ولقد سمعنا ما فيه الكفاية وزيادة عن قضية تهريب السلاح من وإلى بلادنا العربية السعيدة قبل أن نشرع في الكتابة عنها كظاهرة خطيرة وليست قضية فحسب , إلى جانب ظاهرة تهريب المخدرات .. وإن تهريب السلاح والاتجار به ليست ظاهرة جديدة في المجتمع القبلي الذي حددنا موقعه الجغرافي في الشمال من اليمن السعيد.. فالرجال ومن مختلف الفئات العمرية يحرصون على اقتناء السلاح كجزء من شخصية الرجل القبيلي وكجزء أيضاً من الموروث الشعبي الذي لا تنقصه الأصالة , وبمبرر الدفاع عن النفس أحياناً أثناء الخطوب التي تفرضها ظروف الحياة القبلية هنا .. وكل ذلك يكفي أن تتوافر له أسباب وجود أسواق عديدة لتجارة السلاح وصناعته، كما كان في صعده قديماً حوالي ( 700 فرن ) لصناعات الحديد من بينها النصال الصعدية , كذلك إن في توافر أسباب تجارة السلاح مبرر وهو وجود طرق عديدة وليست طريقاً واحداً فحسب أو سوقاً واحداً فحسب , فأما سوق الطلح هو أشهرها على الإطلاق في هذه المنطقة الحدودية الشمالية بجوار الشقيقة الأغنى – عربياً – والكبرى – جغرافياً –المملكة العربية السعودية .. ولا جديد نأتي به حين نقول ذلك , فهو ما صرحت به قبل اليوم مصادر حكومية وفي أكثر من مناسبة , خاصة عندما يكون حديث الناس واهتمامهم منصب ,في شؤون حمل السلاح كظاهرة سلبية , وللحد منها اجتهدت الحكومات اليمنية السابقة على التوالي , وليست الحكومة الحالية من تعاني رغم جهودها المبذولة من قصور الوصول إلى حلول ناجحة لهذه الظاهرة والآفة المستشرية .
مع ذلك ما زالت ظاهرة حمل السلاح وتجارته تلقى تأييداً قوياً من قبل المواطن اليمني الغير مقتنع أصلاً بفكرة ( يمن خالي من السلاح ) تماماً كفكره ( يمن بلاقات ) بل وربما أكثر .
- ضحيان ... ولا تعليق -
ما العلاقة بين ضحيان وتحقيقنا الصحفي هنا ؟! .. سؤال مهم وذكي , لكن الأذكى منه إجابة مفادها أنه ليس مجرد ما تخيلناه عن ضحيان هو ما قادنا إليها لولا أنه المبرر الأول , ثم أن ضحيان لم يكن خيالنا عنها رجماً بالغيب .. وإليكم الخلاصة إبتداءً من هناك ، فالمقام لا يتسع لتناول تفاصيل المهمة التي أوكلت لنا.
الثامنة صباحاً .. المدينة عامرة بطقوس الموت الناري , أسلحة على أكتاف شباب وصغار ومسنين , على صدورهم تتمترس الذخائر الحية , باردة هي لا تدفئها الشمس , وتشعلها ناراً لا تبقي ولا تذر وعقلية أغلقها الجهل بألف رتاج ورتاج .
الثامنة صباحاً .. والمدينة هنا لا تفوح بالعبير , بل بأوهام نتنة الرائحة لحربٍ , ضارية مع عدو مزعوم , لم يره أحد هنا , ولكنه سيأتي من واشنطن حيث بيت الشيطان الأبيض , ومن ( تل أبيب ) بنساء كاسيات عاريات , مائلات مميلات , رؤوسهن نووية , وشرفهن بلاهوية .. عدو مزعوم يندد به لسان ناعم كالحرير قاطع كالسيف , حتى وإن كان من برلين .. وبإختصار أكثر , هنا ضحيان .. ولا تعليق .
- قرار .. في الاتجاه المعاكس ! -
من ( ضحيان ) وعلى الطريق إلى الحدود اليمنية السعودية.. كنا على متن سيارة ترقل مفاصلها كشيخ مسن في أرذل العمر , والسيارة هنا لا ترقل مفاصلها فقط لأنها عجوز إنتهى عمرها الإفتراضي , ولكنها في الحقيقة ترتعد خوفاً من طريق ملغمة بالمخاطر, كما أنها ليست مستقيماً تماماً ليمكن العبور عليها بيسر وسهولة بل هي كثير الانحناءات يمنة ويسرة ، أضف إلى كل ذلك أنه ما عاد يحمل من هوية الإسفلت سوى التسمية القديمة جداً . كما أنه طريق مشاة الليل ـ على ضوء القمر وشفق النجوم ـ من المغضوب عليهم والظالين فقط ..على هذه الطريق الرهيبة الملامح , كنا وكانت السيارة العجوز تجهد نفسها كي تصل بنا إلى وجهتنا سالمين , حيث كان من المفترض أن نبدأ رحلة أخرى للإطلاع والتعرف عن قرب على طرق تهريب السلاح والمخدرات عبر الحدود اليمنية السعودية , وهي أيضاً ذات الطرق التي يتم عليها تهريب الأطفال والنساء لغايات غير شرعية, بالإضافة إلى تهريب العمالة الكادحة من جنة على الأرض كان اسمها ( اليمن ) وهي الجنة التي ما عادت تثمر ولا ماؤها يروي , فالهروب من هنا كان إلى أوهام جنة أخرى تخبئها رمال صحراء وأدغال سقر وبئس المصير .
سرنا والطريق إلى وجهتنا المنشودة بأنشودة المطر – مجازياً فقط – وعلى الجانب الأخر من الطريق لفت انتباهنا مرور سيارات من أحدث الموديلات والتي كانت متواجدة على هذا الطريق .. وإنها لقصة أخرى لا يتوقعها أحد حين يأتي زائراً لصعده التي أنهكتها الحرب على مدى السنوات الماضية ..وهي نفس القضية التي تأملناها ولفتت أنظار غيرنا وفي مناطق مختلفة من صعدة ومع أناس كانوا يتعسون في توفير لقمة العيش وبين عشية وضحاها أضحوا ذو شأن في دنيا المال والأعمال وبصورة غير عادية.. وهل يا ترى ابتدأت من جديد – ولا ندري – تؤيلات رؤيا عزيز مصر في جزئها الثاني بسبع خضر بعد سبع يا بسات ؟! ..
وقبل أن نهتدي إلى إجابات شافية من تكهنات أسئلة كطلاسم السحر الأسود , استوقفنا سائق سيارة أخرى في الاتجاه المعاكس من الطريق ... كان خطابه المبحوح رغم علاته واضحاً وصريحاً ( الطريق مقطوع يا خبره , به حرب قارحة بين قبايل منبه وقطابر من شق , وبين الحوثيين من شق ثاني , ها وذي يشتي رأسه يسلم يشترية من هِنا ويرد )
لم نستمع له , ولكن سائقنا القبيلي – على غرار الدولي – لوى عنان سيارته العجوز كي يعود سالماً من حيث أتى , وبعد أخذ ورد , وهات وخذ , ترجلنا عن ظهر هذه السيارة في انتظار أخرى ستحملنا إلى حيث نريد ... فكنا مجدداً وحدنا وكانت الطريق , لساعات تحت الشمس السافرة لا رابع لنا إلا خبر جاءنا باليقين .. ولكن بعد حين .
- خبز وحشيش و ... سلاح -
داهمنا الجوع والخوف ـ جزاءً لعنادنا الأرعن من قبول النصيحة المجانية والأخذ بالقرار الحكيم حتى لو أنه كان في الاتجاه المعاكس لغاياتنا النبيلة ـ فتخيلنا أنفسنا ونزار قباني ،قد عاد من جديد ليصف لنا مأساتنا كما وصفها عن العرب المهزومين جميعاً قبل اليوم , حين قال :


 السر في مأساتنا..
صُراخُنا .. أكبر من أصواتنا
وسيوفنا .. أطول من قاماتنا ! ..
إنها فعلاً الحقيقة المرة بعيوبنا التي لم نعترف بها أبداً .. وها نحن بعد الجوع والخوف , نتضرع بالدعاء إلى الله قائلين : ( يا من أطعمت قريشاً من جوع وأمنتهم من خوف , أعطنا خبزنا كفاف يومنا وأمنا من خوف .. ( آمين ) .. ثم جاءنا الخبز أخيراً والأمان , ولكنهما لم يحملانا إلى حيث نريد , بل ليعودا بنا من حيث أتينا فالنبأ اليقين أن حرباً حامية , إنها أندلعت بين ( .. ) وبين ( .. ) من كل ضلع وزاوية , فكل راكب رأسه الأرعن وماضيٍ , لرؤيتها ( أمه هاوية ..)
وأخيراً انقطع شكنا باليقين فقررنا العودة معزين أنفسنا بأن ( العود أحمد ) .. وفي هذه المرة لم ننس أن نمنح أعيننا فرصة التملي في جمال الطبيعة الرباني لهذه الجنات الزراعية من أرضنا الطيبة ووطننا الغالي , ومن منازل القوم على جانبي الطريق، كأننا لا نرى منها ما طاف عليها طائف من ربك (فأصبحت كالصريم ) .. فقط كنا نرى – متعمدين – المباني الجديدة والسيارات الفارهة الحديثة ونرفه عن أنفسنا المتعبة بفلسفة إجابات عن أسئلة من نوع : قد الحروب الدامية التي عانت منها محافظة صعدة واشتكى من نتن رائحتها الوطن , كل الوطن .. لم تمر من هنا , فلماذا ؟! .. الأهالي هنا أنعم الله عليهم بأرض خصبة كل ما فيها خير .. ولكننا صحونا من أوهامنا على صوت رجل خمسيني العمر , كان يجلس بجوارنا واستمع إلى همهمات من أوهام إجاباتنا الهامسة , فبدا وكان بيننا حديثاً طال لحوالي 20 دقيقة قبل أن نأمن جانبه لنسأله ببراءة الأطفال عن سر ما نراه من تناقض – وهو تناقض يخص عقليتنا فقط – بين بذخ ومظاهر نعمة وبين حرب كانت .. وبصراحة نقولها لقد صعقتنا إجابة الرجل وإن جاءت همساً وبلهجته : ( هولا القوم يا عيالي ما عادهم بحاجة يتزيرعوا ويكدوا في أرض ما يجي حلوها إلا بعد مرها , به شيء وأشياء تبدل الثعل سبع في ليله ويوم .. ) سكت لبرهة ثم تابع حديثه لنا همساً كما كان ،لنكتشف السِر أخيراً في مظاهر الثراء التي نراها بعد أيام الحروب الدامية .. لقد قال : ( حشيش يا عيالي , حشيش وسلاح ) ! .
- أخبار اليوم .. في ضيافة سوق السلاح -
لقد نسينا أن نحكي لكم عن تنكرنا الإجباري لكل ما يتعلق بالصحافة عموماً وما يتعلق بالدولة على نحو خاص جداً , وليس سرياً للغاية .. لقد تركنا أوراقنا وأدوات المهمة الصحفية وكذلك أوراق هوياتنا الحقيقة التي تفضح سر مهمتنا هنا باسم مهنتنا الصحفية الحكومية – الكافرة – بحسب ما يقوله ( حمران العيون ) في هذه المناطق الملغومة بالكفر السياسي فقط باسم عمامة الدين الجديد .. ولأن ( حمران العيون ) في هذه المناطق النائية والبعيدة عن متناول يد النظام والقانون , هم أكثر من مجرد خبراء دوليين , وأكثر من مجرد دهاه عيونهم تعرف ( الشاه الجلحاء ) من ( الشاه القرناء ) .. فلأجل ذلك تركنا هوياتنا ومضينا في طريقنا الطويل في سبيل الإعداد لهذه المادة الصحفية ( اللزجة ) كتعبير مهذب , لأن كل ما يتعلق بالدولة على هذا الطريق , مدان مدان مدان .. و ..
عموماً ها نحن الآن في ( سوق الطلح ) الشهير منذ القدم بالسوق السوداء لكل ما يخطر وما لا يخطر على بال بعد تعثر وصولنا إلى الحدود اليمنية السعودية, وها نحن الآن لنا حاجة لا تقضى إلا بحجة التسوق , فلم نتمكن من التقاط الصور للسوق المتراص المحال إلا بصعوبة , وذلك لأن ( حمران العيون ) عيونهم ترقب كل شاردة وواردة .
 هنا في عقول المواطنين العاديين إرشيف ضخم للسلاح بأنواعة وأحجامه وأسعاره والبلدان المصنعة له وحتى .. الطرق الأسهل لوصولها إليك بعيداً عن ( عين ومقص الرقيب ) وكذلك لو أردت إيصالها إلى أي جهة من العالم , خاصة دول الأشقاء من الخليج العربي , أما تجار السلاح في هذي السوق السوداء فلا ،هم لهم إلا أن تكون تجارتهم رائجة لا كساد فيها وبالعملة الصعبة فقط فعملة ( أبو يمن ) كما يسمونها لا يعترفون بها أصلاً , فضلاً على أنها لديهم لا تغني ولا تسمن من جوع .. إن طرق الموت التجاري هنا سالكة ولم لا تكون سالكة في ظل غياب يد السلطة عنها , أضف إلى ذلك عامل أخر لم نحسب له حساباً من قبل ولكننا انتبهنا إليه مؤخراً بعد أن شاهدنا ما شاهدناه في زوايا هذه السوق السوداء الكاحلة , وهو : أن هناك بعض الوجوه في المؤسسة الأمنية للدولة – وبكل أسف– من يبيع ويشتري بالسلاح علناً في هذه السوق الموبؤة بخليط من الفساد المتواطئ ضد أمن الوطن الغالي.
- هروب ... إلى تهريب أخر - ! .
لنتخلص الآن من عقدة الثرثرة عن السلاح وسوقه السوداء إلى غيرها , ولكن بحقيقة لا يمكن إنكارها أو التغاظي عنها وهي : كيف يصل السلاح بمختلف أنواعه إلى هذه الأسواق ؟! أن زوال الأمور السيئة محال طالما وأن هناك فساد لعين ينهش في هذا البلد وينخر جسده .. هناك إذاً مصدر قوي يغذي تجارة الموت في بلادنا الحبيبة وكذلك في بلدان الجوار الشقيق من الخليج العربي –والخلاصة التي ستمكننا من الهروب إلى الحديث عن تهريب من نوع أخر غير تهريب السلاح وتجارته , هي الخلاصة التالية :
( اليد الواحدة لا تصفق , وبالتعاون الجاد من الدول الشقيقة في مجلس التعاون الخليجي , تتحقق الأهداف والغايات النبيلة للقضاء على كافة أشكال وأساليب تجارة الموت في عموم شبه الجزيرة العربية ) .
بالتالي فإن ما وضع بين قوسين سابقاً لنقل أنها خلاصة حكيمة .. لولا أن ما تزال في الأمور أمور كما يقال .. والحقيقة الغائبة عن العين المجردة ها نحن بكل تواضع نضعها تحت المجهر .
- حقيقة تحت المجهر -
لم نكتف بالحديث العابر على الطريقة السياسية المحنكة مع عامة الناس ممن كان لنا معهم حديث طويل ذو شجون .. ولأننا تعلمنا درساً لا ينسى من الجزء الأول من رحلتنا الصحفية لكتابة هذه المادة – النصف الخطير على الأقل - .. كان لنا حديثاً آخراً وبصفة رسمية مع أكثر من رجل دولة حقيقي , ومع أكثر من رجل ذو مكانة مرموقة في المجتمع القبيلي ..
ومن هنا اتضحت لنا رؤية أساليب جديدة لتجارة الموت التي كنا واهمين حتى وقت قريب أنها تخص تجارة السلاح وحسب .. بإختصار إن الحقيقة التي تتبعناها بجهد مضني هي وجود طرق تجارية للموت عبر حدود بلادنا الحبيبة في محافظة صعدة مع الجارة السعودية، كما في الشكل رقم (1).. وهي قبل أن نقدم خلاصة بأسمائها , أشبه بـ ( طرق نمل في أناملها ) وليت أنها ( روضة رصعتها السحب بالبرد ) !. تعبر رمال صحراء وأودية وشعاب وأدغال سقر .

أنظر الشكل رقم (1)
 

بهذه المحصلة البيانية للطرق ( الثلاثة عشر) .. ليس لنا إلا أن نوجز الخلاصة التالية : إن أجرة الحمولة الواحدة على هذه الطرق تتراوح بين ( 300 – 1000 ريال سعودي ) وذلك بحسب المادة المهربة والمسافة التي تختلف من طريق إلى أخرى, وهو ما يشجع الكثير من الشباب اليمني الكادح وغيره من اللاجئين والمقيمين غير الشرعيين في البلاد إلى مزاولة مهنة التهريب على هذه الطرق , والتهريب لا غيره من المهن التي لعدة أسباب وأسباب تحقق لهم مدخولات وعوائد مادية كبيرة جداً , لا يمكن تحصيل مثلها أو حتى أقل منها بأعمال شرعية أخرى في عموم البلاد .

- أهرب من فقر العالم .. بمزاجك ! -
ماذا عن تهريب المخدرات وتجارتها ؟!
من البديهي ألا تكون في نتيجة زيارتنا لسوق الطلح – السوداء –إجابة شافية عن مسألة المخدرات بحديها ( المجهول والمعلوم ) .. وهذه من الأمور البديهية لأنه ليس بإمكان أحد, أن يتخيل وجود باعة متجولين وعلى قارعة الطريق للمخدرات في بلادنا الحبيبة والتي ما زالت بحمد الله محتفظة بالكثير من ماء الوجه دينياً وأخلاقياً .. والحمد لله , لسنا في كولومبيا أو تايلاند لتوجد سوق مخدرات علناً في وضح النهار وان راجت فهي في الغالب تجارة لا ولعة, حتى وإن كانت أسواق السلاح تحتل مواقع استراتيجية من البلاد , وحتى لو كانت ( نبته القات ) قد أدرجت ضمن لائحة النبات المخدر من قبل بعض الجهات العالمية المعنية بالصحة وشؤونها .
إن شجرة القات يسميها المواطن اليمني – من باب التندر والسخرية – بـ ( شجرة الزقوم ) والكثير من المواطنين اليمنيين أيضاً يطلقون تسمية ( سوق إبليس ) على سوق بيع القات أينما وجد وأيضاً من باب السخرية لا أقل ولا أكثر , رغم تعاطيهم لها ساعات وساعات من نهار يومهم وليله .. عموماً لسنا بصدد الحديث عن القات كنبات مخدر أو لا , ولا حتى عن أسواقه التجارية وعوائده الإيجابية والسلبية على اقتصاد الوطن والمواطن .. وفقط لأننا لم نخرج بنتيجة ملموسة عن المخدرات من سوق الطلح ، استطلعنا أراء عدد من المواطنين الذين خلصت أرائهم ( بان هذه الظاهرة بدأت في الانتشار خصوصاً في السنوات الأخيرة بعد انسحاب الدولة من المناطق والمديريات الحدودية ..المعلومات عنها عبارة عن أخبار يتناقلها الناس هنا وهناك نظراً للأساليب الشيطانية التي تستخدم في تجارتها – أطراف ووجهات كبيرة في البلد وراء الاتجار وتهريب السلاح والمخدرات ) .
 لجأنا إلى النيابة العامة وإدارة المخدرات في محافظة صعدة للتعرف عن حجم هذه الآفة من خلال ما وصل إليها من قضايا ،لكن تلفونات مسؤوليها أغلقت واختفوا خلف الأبواب ومعهم اختفت الأرقام .. رغم معرفتنا المسبقة بان ما يصلها إلا الشيء القليل بعد انحسار عملها مؤخراً في إطار ضيق من هذه الأرض ،بعد أن انشغلت عن خدمة الوطن ومعه تلاشت سلطتها وهيبتها ، فقديما قيل( حاميها حراميها ) وهو عنوان مقال لزميل الصحفي عبدالله السالمي تناول فيه فشل الأجهزة الأمنية في صعدة في فرض هيبة الدولة وانشغالها بما سواه .
 لكن ما يهم هو أن هناك تجارة للمخدرات تظهر بين الفينة والفينة في هذه المحافظة الواقعة عند الحدود الشمالية السياسية – كما أشرنا سلفاً – وهو أمر خطير لا يستبعد أن يكون له رواج كبير ومساوئ بل جرائم إنسانية لا تعد ولا تحصى ، وهو ما أكده مصدر في السلطة المحلية في صعدة طلب عدم ذكر اسمه مفاده ( بأن صعدة أضحت ملاذاّ آمناً وحضناً دافئاً لكل هارب من وجه العدالة ) .
 وهنا لا يفوتنا أن نشير أيضاً إلى وجود الجشع المادي المروج لتجارة المخدرات وتعاطيها في بلادنا , وفقط تعاطيها على نطاق ضيق إذا كان العزوف عنها سببه تعاطي القات , وميول الشباب اليمني إليه أكثر من غيره ومكتفياً به , فهناك حتماً أسباب أخرى لترويج المخدرات وتجارتها في اليمن يأتي على رأسها ( الفقر) ، لكن في الحين الذي نقول فيه ما نقول عن تعاطي المخدرات وتجارتها في اليمن , يتبين لنا ومن خلال عدة مصادر رسمية أن هناك كارثة حقيقية تتهدد البلاد وتستهدف كل فئات الشعب فيها على طريقة ( كاتم الصوت ) .. وهنا فقط نكتفي بالتأمل إلى محصلة إحصائية بالأرقام , كانت أجهزة الدولة قد تمكنت من ضبط حالاتها وتقدير مصيرها , ومن خلالها نكتشف أن ما راء الأرقام .. حتماً كان أعظم .
المخدرات المضبوطة من قبل أجهزة الدولة خلال أعوام

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد