البيت اليمني للموروث الشعبي ... أرث حضارة حفظته أنامل امرأة

2011-01-29 15:50:49 تحقيق / علي الصبيحي


   لم أعتد الثناء والمديح في كتاباتي، لكنني أجد نفسي مرغماً على ذلك الآن ، وإنني مهما اجتهدت وتفننت في الوصف إلا أنني سأظل مقتصداً، فها أنا ذا أتحسس أفئدة اللغة وأبحث في أعماق عواطفها عما يتناسب مع الألفاظ لعلني أفي بحق امرأة تراى إلي أنها ليست ممن تقوقعن بطموحهن واكتفين بمواضع الاستفال، إنها سيدة أعمال يمنية نظرت دوماً إلى العليا ولم تتعال بمؤهلها الجامعي في الأدب الانجليزي، كما لم تغتر مع تجوالها في البلدان الأجنبية بلمعان موضة خداعة سرعان ما تذهب لألأتها ويخفت ضوؤها، بل راحت تتمسك بأصالة تراثها فأسست البيت اليمني للموروث الشعبي ليكون لها عنواناً وهوية وكياناً وانتماءاً.
"أخبار اليوم" زارت البيت اليمني للموروث الشعبي بعدن والتقت سيدته في هذه السطور,
ينقلها/ علي الصبيحي
   من أراد أن يتعرف على شخصية الأستاذة نجلاء شمسان المؤسسة للبيت اليمني للموروث الشعبي، سيعرفها من خلال دورها في حركة المرأة كمعلمة ومديرة رياض الأطفال من عدن إلى المهرة وكناشطة عملت بكل جوارحها مع المسنين والمعاقين وكموفود مثلت جناح الإرث الشعبي اليمني، لتكرس له ما تبقى من العمر في جمع الموروث في بيتها الذي خصصت منه جناحاً يحوي كل ما يتعلق بالإنسان اليمني القديم وسيظل شاهداً على حضارة احتوتها نجلاء شمسان بين حنايا أضلاعها قبل أن تخصص لها في بيتها جزءاً مفروضاً.
البيت الصغير الكبير:
   بينما أنا انتظر رخصة الدخول إلى بيت ومتحف الأستاذة نجلاء شمسان بمديرية التواهي، كنت أتأمل اللوحة المكتوب عليها البيت اليمني للموروث الشعبي حينها أطلقت الهواجس عنانها لتتسائل مع ذاتها وهي تقلل وتهون من شأن البيت قائلة: هل يعقل أن يحتوي بناء بمساحة محددة وجدران ضيقة موروثاً شعبياً وإرثاً عظيماً لحضارة تليدة تمتد جذورها في أعماق الزمن؟.
   لكن الرد كان واضحاً حين فُتح لي الباب ولاحت بوادره الأولى في ابتسامة عريضة ارتسمت على وجه امرأة بلغت الخمسين عاماً وقد بدت شديدة الثقة بنفسها مع تواضع كبير مشبع بالكبرياء الجميل وهي ترحب بي بوجه متهلل كابتسامة الوليد الراضي لندخل بعدها إلى المتحف الذي يحتوي موروثاً شعبياً عظيماً، لم أستطع مقاومة سحر مقتنياته العظيمة حتى شعرت وكأنني أعيش في زمن الأجداد القديم وحينها تيقنت فقط أن ذلك ليس بمستغرب على امرأة طالما جرى الموروث القديم في شريانها.
حصاد السنين:
   بدأت الأستاذة/ نجلاء شمسان نشاطها في السبعينيات كمشاركة في جناح الموروث الشعبي اليمني، حتى تطورت المشاركة لتصبح هواية، فشاركت في عام 1989م في معرض ضخم بصنعاء عبارة عن سمسرة النحاس كان وجهةً لكل المهتمين وصناع المهارات والحرف والفضة والحلي والمشغولات اليدوية والملابس، فأبدعت في جناحها ثم توجهت عام 90 إلى عدن لتشبع شغفها فأنشأت في منزلها جناحاً للموروث الشعبي وطورته إلى صالات بمجهود شخصي دون أي دعم من أي جهة عدى هواية الجمع التي كانت سندها الوحيد وعلاقتها الطيبة بكبار السن الذين أهدوها بعض الموروثات من مختلف المحافظات، ليصبح متحفاً عنواناً لكل المهتمين والمثقفين والسياح ومرجعاً للباحثين.
موروث شعبي:
   البيت اليمني للموروث الشعبي هو مركز ثقافي غير حكومي يحتضن مقتنيات وأدوات وموروثاً شعبياً يمنياً يمثل جزءاً من الإرث التاريخي الواسع وهو وعاء يحافظ على هوية الشخصية الثقافية للمجتمع اليمني المتجذرة في عمق ذاكرة التاريخ، ليبقى سجلاً تاريخياً شاهداً على خصائص حضارة اليمن وأرشيفاً حافظاً للأدوات والمقتنيات والأزياء والحلي اليمنية القديمة ونماذج للمطبخ اليمني التقليدي القديم وكذا الأواني النحاسية والفخارية القديمة وأدوات العمل والحراثة ونماذج من ألوان الحياة القديمة.
مجرد تعبير إنشائي:
   عند تصفحي لسجل ملاحظات الزائرين قرأت وصفاً جميلاً لكل من يزور البيت اليمني للموروث الشعبي الذي لا يستطيع الناظر إليه تمالك نفسه، فيعبر عن سعادته الممزوجة بالدهشة والإعجاب مع شعور عميق الإحساس بصلة وجدانية تجر الكيان شوقاً إلى زمن الأجداد وما لفت انتباهي ملاحظات للدكتور/ عبدالعزيز عبدالغني ولوزير الثقافة ولرئيس جامعة عدن ولرجال أعمال وأكاديميين، وباحثين لكنها جميعاً تظل مشاعر انطباعية جامدة حبيسة الأوراق لا تقدم للمتحف أي دعم ملموس ، فهل يا ترى اكتفى كل أولئك بنظرة إعجاب لمجهود اختصر حضارة وإرثاً يمثلان وطناً وإنساناً عظيماً على مر الحقب والمراحل؟.
حقاً مجحفون:
   إننا والله حقاً لمجحفون جاحدون لأرث ماضينا مرة يوم تناسينا ملامحه تتلاشى وتذوب في عمق التكنولوجيا المجمدة لأحاسيس الروابط الوجدانية للمكان والزمان والهوية . ومرة حين تجاهلنا جهود امرأة استطاعت أن تلملم بقايا تراث بعثرته رياح التحضر لترميه في رحى النسيان وطاحونة الأيام.. فتحية لنجلاء شمسان ولبيتها التراثي الذي سيبقى ذكرى مؤثرة عميقة الإيقاع في القلوب ومعذرة لأننا لم نستطع أن نقدم لها حتى جرة من فخار.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد