أبين.. انتهت الحرب وغابت الدولة

2012-10-04 03:15:06 ملف أعدته/ إدارة التحقيقات


في محافظة أبين أختفت الدولة في شكلها المنطقي وفقدت هيبة تأثيرها منذ زمن يسبق الثورة السلمية بسنوات، إلا أن ما عانته منذ بدء الثورة السلمية حتى اللحظة يفوق معنى الاختفاء لشكل الدولة وهيبتها ويتعداه إلى الموت السريري.

الناس في زنجبار – عاصمة المحافظة- ومعظم المديريات يبحثون عن السلطة المحلية في كل مكان، لكنهم لا يجدونها، ويبحثون عن الأمن ولا يجدون غير اللجان الشعبية التي شكلوها بأنفسهم في محاولة بسيطة لاستعادة القليل من الأمن المفقود.
عام من المواجهات والاحتراب بين قوات الجيش ومسلحي أنصار الشريعة، وقد كان عاماً قاسياً، شرد أبناء أبين الطيبين عاشقي الكرة حد الجنون والهوس، فمنذ تاريخ 27/5/2011م وإحكام سيطرة أنصار الشريعة على المحافظة الكروية نزح حوالي 200 ألف نازح، نسي معظمهم مهاراتهم الكروية.. ربما، وربما كرهوها أيضاً، فقد دُمرت منازلهم ومزارعهم ومنشآتهم العلمية والتعليمية ونهبت، فالبنية التحتية جميعها دمرت ولم يعد لها وجود.
أواخر الأسبوع الماضي فقط أعلنت محافظة عدن ان 70% من المدارس أخليت من نازحي أبين الذين عادوا إلى ديارهم، ولا شيء ينتظرهم هناك سوى الأطلال، إذ ما تزال عملية إعمار أبين تمضي ببطء شديد، وربما لم تبدأ عملية الإعمار فعلياً بعد على الأرض، وليس هناك شيء يذكر عدا الخراب والدمار.

النازح رقم: 20100.. سبقته الحرب ودمرت منزل الزوجية
ما يزال أحمد كربج 35 عاماً في منزله البسيط الذي استأجره في منطقة المنصورة مع والدته ولم يعد إلى زنجبار التي غادرها في الخامسة مساءً بعد يوم من سيطرة انصار الشريعة على زنجبار وإحكام قبضتهم على أبين يوم الجمعة 27/5/2011.
قطع أحمد 50 كم من زنجبار إلى عدن ووصل ألى منزل احد اقاربه في المنصورة بعدن رفقة امه الثمانينية وأربع اسر مع أبنائها كانوا يقطنون منزلا مبني من الطين يصل عمره قرابة الـ 200 عاماً.. يقول احمد أن القصف كان عنيفاً من اللواء 33 على زنجبار التي سيطر المسلحين عليها والمواجهات أصابت الجميع بالخوف، وان عشر قذائف أصابت المنزل من جميع الجهات، فيما قذائف أخرى دمرت المنازل المجاورة له عن يمينة وعن شماله دمرت تماما.. "تأثر بيتي من ذلك القصف عشر قذائف طالته من جهاته الأربع". قال أحمد بحزن.
يقول احمد بعد ان تذكر بصعوبة رقم نزوحه التي منحته اياه مفوضية اللاجئين (20100)، انه لا أحد من النازحين هنا يهتم بتذكر رقم نزوحه.. "فغالبية النازحين لا يعرفون أرقامهم لأنه بصراحة الوحدة التنفيذية تتحفظ على بيانات النازحين وأرقامهم، وإنها تتحفظ عليها حتى على المنظمة نفسها".. قال أحمد.
وكان أحمد يستعد لإكمال نصف دينه بالزواج بعد إن جهز غرفة ومطبخ وحمام وقام بتأثيثها في الطابق الثالث لمنزل العائلة القديم الكائن بالقرب محكمة أبين الابتدائية والإستئنافية وأمام ساحة التغيير وسط زنجبار، ولكن سبقته الحرب وأجلت فرحته إلى اجل غير مسمى، فمنزله مدمر الآن ولا يستطيع العودة.."سأعود إلى زنجبار إذا توفرت أسباب العودة من أمن وبنية تحتية وتم تعويضي عن بيتي حتى ارجع إلى بيت يأويني أنا وأمي وكافة العائلة"..
ويعمل احمد فني حاسوب في صندوق الرعاية الاجتماعية بابين انه يحب التصميم "الجرافكس" وانه يهوى كرة القدم، يقول احمد مبتسماً:"كنت في الطفولة من المبدعين في كرة القدم ولو كنت استمريت لكنت الآن مع حسان".

القـــــاعدة مــــاتزال هنــــا
لم يكن 12 يونيو الماضي إعلان تطهير أبين من مسلحي القاعدة الذين يطلقون على أنفسهم أنصار الشريعة تاريخاً دقيقاً بالفعل، إذ ما يزال خطر القاعدة وعبر خلاياها النائمة ماثلاً بشكل واضح، فالأيام الماضية فقط شهدت عمليات متوالية، وما تزال مديريات أبين تعيش وضعاً أمنياً لا يمكن وصفه بالمستقر.
حيث أبطل خبراء المتفجرات عبوة ناسفة زرعت جوار منزل إحدى الشخصيات الاجتماعية في جعار الخميس في اليوم التالي "الجمعة" وتم القبض على اثنين من عناصر القاعدة بجعار وإبطال عبوة ناسفة بجانب منزل مدير أمن خنفر، فيما نجا قائد اللجان الشعبية- مدير عام مديرية لودر (الجفري) من محاولة اغتيال يوم السبت أثناء تفجير انتحاري نفسه جوار سيارة (الجفري)، حيث كان الانتحاري يخطط لتفجير نفسه داخل مستشفى لودر، إلا أن عمليات التفتيش حالت دون هدفه، ويوم الأحد الماضي أبطل خبراء المتفجرات عبوتين ناسفتين مزروعتين داخل سيارة كرسيدا أمام منزل أحد أعضاء اللجان الشعبية بجعار.
فمنذ إعلان تطهير أبين في 12 يونيو الماضي ودحر مسلحي أنصار الشريعة إلى خارج المحافظة المنكوبة دخلت أبين في حرب أخرى كان بطلاها: خلايا نائمة وألغام أرضية زرعها أنصار الشريعة في عموم المديريات، في المنازل والمباني الحكومية وكل مكان، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح من أبناء المديرية الذين بدأوا بالعودة إلى ديارهم عقب ذلك الإعلان بتطهير أبين.
فيما بدأت فرق نزع الألغام تباشر مهامها هناك لتعلن عن نزع أكثر من 3500 لغم أرضي وعبوة ناسفة احتلت فيها زنجبار المرتبة الأولى من حيث عدد الألغام المزروعة وما يزال الوضع في أبين يعاني من عدم الاستقرار في ظل غياب الدولة والسلطة المحلية وانتشار عمليات الخلايا النائمة في المحافظة.


اللــــجان الشعبية والاختراقـــــــــات
يؤكد عبدالله بن عبدالله - المتابع لأحداث أبين- أن الدور الذي قامت به اللجان الشعبية ومساندتها للجيش في تطهير المديريات التي كانت تسيطر عليها العناصر المسلحة في لودر مودية وخنفر وزنجبار كان دوراً كبيراً، مشيراً إلى أن عملية اختراق اللجان واستهداف القيادات يؤكد أن القاعدة مازالت متواجدة في المحافظة، مشيراً إلى أن أولئك العناصر هم أصلاً من أبناء أبين ويعرفون منطقتهم جيداً.
وذكر بن عبدالله عدداً من العمليات التي اخترقت اللجان واستهدفت قيادات انتقاماً من هزيمتها ودحرها من المحافظة بعد عام من السيطرة الكاملة، ففي لودر استهدفت القائد الشهيد "حوس" وفي مودية قبل عام استهدفت الشهيد أبوبكر عشال بتفجير انتحاري، واستهداف احد قيادات الحراك في مودية أيضاً "ناصر ديمح"، إضافة إلى نجاة قائد اللجان في جعار عبد اللطيف السيد من عدة محاولات اغتيال في السبوع الأخير برمضان في مخيم العزاء، وبسيارة مفخخة انفجرت قرب منزله وملاحقته أيضاً إلى عدن واستهدافه بانتحاري فجر نفسه في موكبه ما أدى إلى إصابته، حيث يتلقى العلاج الآن في السعودية، مؤكداً أنه رغم كل ذلك لم تتأثر اللجان الشعبية، بل قطعت على نفسها العهد بمواصلة المشوار من أجل الدفاع عن عرض وكرامة أبين واستطاعت أن تحقق نتائج طيبة حتى الآن.
وأرجع ابن عبدالله ذلك الاختراق إلى طبيعة التضاريس الجغرافية للمنطقة، وقال إن مساحة خنفر (جعار) عاصمة المديرية تعد أكبر مديرية من حيث السكان والمساحة على مستوى المحافظة وهي مفتوحة من كل الاتجاهات، بالإضافة إلى مديرية زنجبار المرتبطة جغرافيا، بمديرية خنفر، مشيراً إلى أن اللجان ستواجه صعوبة كبيرة في السيطرة الكاملة على مديرية خنفر على الرغم من الاستتباب الأمني في جعار والقرى المجاورة لها الآن.

زنجبــار وجعـــار.. نظــرة إلى الـــــوراء*
منذ زمن ما قبل الثورة السلمية تحولت زنجبار وجعار - حاضرتا أبين- إلى مرتع للفشل، فقد لمست ذلك قبل 12 عاماً، حين قضيت في العام 2000م مدة عام فيها متنقلاً بين هاتين المدينتين في تجربة إحياء مشروع تجاري صغير لأحد أقربائي كان مصيره الفشل والموت المبكر أيضاً.
كانت مدينة زنجبار مليئة بالصمت والهدوء وكأنها تخبئ في بواطنها شيئاً غامضاً يستحق الترقب وزنجبار هي العاصمة لأبين حد تعبير أبنائها، كونها تحوي مركز المحافظة ولم يكن يوجد بها سوى شارعين مسفلتين فقط، على شكل زاوية حادة، ينتهي ركن الزاوية بالمسجد الكبير الذي بنته الأيادي البيضاء لمجموعة شركات المرحوم/ هائل سعيد أنعم، يقابله جامع المدينة القديم، وهما اللذان تعرضا للهدم في المواجهات الأخيرة قبل إحكام جماعة المجاهدين السيطرة الرسمية على المدينة خلال عام الثورة السلمية، وفي المقابل يأخذك طريق فرعي ترابي إلى محكمة المدينة، وينتهي الشارع التالي نحو اليسار بالسوق الشعبي المفتوح على جانبي الطريق والمليء بالعربات والباعة الذين لا يحبذون الصراخ في مناداة الزبائن، ويمتد هذا الطريق باتجاه مديرية شقرة نحو البحر، وعلى الطرف الأيسر منه ترتص حافلات نقل الأجرة الأكثر ازدحاماً بالركاب الباحثين عن مقعد فارغ يقلهم إلى مدينة عدن، وبالمناسبة فإن عدن هي ملاذ سكان زنجبار لجلب الحاجيات والنواقص بالنسبة للأثاث والتمويلات الكبيرة وهي خيار أول للإسعافات الصحية نظراً لغياب الرعاية الطبية اللازمة.
ملعب وحيد ومسبح
وفي المدينة يوجد ملعب وحيد كان مشبعاً بالإهمال، وهو أستاد كروي قديم فاخر به الرفاق خلال حقبة بنائه في عهد الرئيس علي ناصر العام 86م، ثم أكل الدهر عليه وشرب لكنه كان حفياً بكل الفرق الكروية التي تأتي إليه لملاقاة نادي حسان أيام مجده، كما أن مشجعي حسان وبقية أندية أبين عاشوا في هذا الملعب ذكريات كروية لا يمكن محوها من الذاكرة وقد تعرض الملعب للقصف في غارة جوية استهدفت إرهابيين وفق تقارير صحافية أواخر العام الفائت .
وسكان مدينة زنجبار يعشقون كرة القدم حد الجنون الشبان والأطفال على وجه التحديد، وهم يلعبونها في كل الأوقات دون سابق إنذار، يمتد هذا العشق على امتداد قرى زنجبار باتجاه شاطئ أبين مروراً بقرى بيت أحمد ووصولاً لقرية بيت سالم بمحاذاة الساحل، ويكثر في المدينة تنظيم الدورات الكروية بين فرق الحواري والفرق الأهلية التابعة للأندية، ولم يكن هناك أي أثر لتنظيم القاعدة، وكان الناس رغم فقرهم المدقع والشديد راضين بحياتهم ومنتظرين لفرج عودة مشروع الدولة وتخليص أبناء هذه المدينة العتيقة من البطالة.
وكان أبناء مدينة زنجبار يفكرون باحتراف كرة القدم بجدية باعتبارها خيار أفضل للشهرة والمال، لذلك خرج من هذه المدينة نماذج للاعبين في الأندية والمنتخبات مثل العولقي ومعاذ عبدالخالق وأشرف محسن وجياب باشافعي وجواد بامحيسون وسالم عوض، إذ تمتاز اليمن بالتنوع ويمكن اعتبار زنجبار وجعار منجم كرة القدم في اليمن كما يمكن اعتبار زرانيق تهامة خامات لألعاب القوى لكنهم خارج الاهتمام في الوقت الراهن.
وفي زنجبار مسبح دولي أصبح مقلباً لقمامة المدينة كما أن الطريق المؤدية إليه اندثرت، وأصبحت من الماضي.
وتمتلئ المدينة بالدكاكين القديمة ذات الطابق الواحد، وهي مدينة أرهقت بالصراعات ولم تمتد إليها يد الاستثمار أو مشاريع الدولة حتى تجار المرابحات الصغيرة يترددون في البقاء بها، باستثناء تمويلات المواد الغذائية لتجار يافع والحد ورداع الذين يوفرون حاجيات السكان من " راشان " بلهجة أبناء زنجبار عبر "بخارات" ومخازن قديمة يكثر الإقبال عليها قبل موسم رمضان أو الأعياد، ولا أعتقد أن هناك تغيراً جوهرياً خلال العقد الفائت.
ولا يوجد في زنجبار مكان للترفيه باستثناء حديقة عتيقة صدأت ألعابها، ومحلات البلاي ستيشن هي قبلة الشبان الذين يعشقون لعب كرة القدم " مونديال" حتى على أجهزة الألعاب الالكترونية وهم يقيمون دورات تحدٍ أيضاً في محلات الألعاب، كما تحظى بتشجيع صاخب.
معاناة
ويعاني سكان المدينة من مشاكل مؤسفة في توصيلات المياه والصرف الصحي، أما الكهرباء فقد أخذت نصيبها منهم كباقي محافظات الجمهورية.
ولا تختلف جعار عن مدينة زنجبار كثيراً من حيث الشكل العام وهي تقع أسفل سلسلة جبلية في سهل منبسط، وتبدو جعار مزدحمة أكثر بالسكان، إذ يتضح ذلك من خلال حركة السوق الرئيسي بها وتداخل الشوارع الفرعية وازدحام عربات النقل التقليدية والحديثة، وهي تبدو كقرية كبيرة نمت على نحو مفاجئ فتحولت لمركز جذب لسكان الأرياف المجاورة.
كما تمتاز جعار بحركة اقتصادية أكبر، وسكانها يحبون المسامرات الليلية، فتجدهم يتجمعون على الأرصفة الجانبية الضيقة في حلقات، ويربطون أقدامهم إلى خلف ظهورهم بـ "المشدات" وينشغلون بلعب الورق أو حجر "الدومينو" في تحدٍ يومي لا ينتهي.
والمراقب للمشهد العام في المدينتين يلحظ غياب أي خطاب أصولي أو سيطرة دينية متشددة، وفي هاتين المدينتين ما يمكنك من التوغل في شكل اليمن القديم ببساطة الإنسان وعمق التواصل بين بيوته الطيبة.
وكان السكان يتحدثون في حينه عن دور معسكر العمالقة الذي أسهم في سيطرة قوات صالح في حرب 94م على أبين قبل الدخول إلى عدن، بالتعاون مع قوات شعبية منتمية إلى مديريات أبين.
جهاديون
ويثير بسط قوات جهادية سيطرتها على هاتين المدينتين الكثير من التساؤلات المحيرة على اعتبار أن الإطلالة السابقة، كمدخل على واقع الوقوف على المدينتين يكشف صعوبة ارتباط أهل وسكان جعار وزنجبار بدلالات العنف والقوة والبطش والنزول عند رغبة وسيطرة أي قاعدة جهادية، كما أن توغل الجماعات الجهادية في هاتين المدينتين أمر يثير الشك بوجود تواطؤ من نوع ما.
إن إعادة جعار وزنجبار إلى حاضنة الدولة اليمنية يحتاج إلى جهود إنماء وتنمية بالمقام الأول، كما أن رائحة البارود التي توزعت في الأرجاء هناك مخلفة الدمار والخراب تدعو كافة اليمنيين للوقوف صفاً واحداً لتخليص أبناء هاتين المدينتين من المعاناة وليس لهم ذنب سوى أنهم تُركوا ليواجهوا مصير الموت بمفردهم.
*من مقال سابق للزميل وليد جحزر
 
بين مطـــرقة الدولة وسندان المجهـــــــــول
تقرير/ نزيه عبدالله   
ما حدث في زنجبار كان بمثابة صدمة وفاجعة، فلم يستطيع الأهالي حتى اللحظة أن يجدوا الإجابة الشافية لسؤال بأي ذنب دمرت منازلهم؟ وما هي الذريعة من دخول المسلحين فجأة مدينتهم وخروجهم أيضاً فجأة وما هو المخطط القادم لمدينتهم؟ وهل ستظل أبين مرتعاً للقوى السياسية لتنفيذ مأربها؟
 
وأنت في طريقك إلى عاصمة محافظة أبين تشدك مناظر الدمار والتخريب الذي طال مدينة الكود وتدمير أغلب أحياء مدينة زنجبار الصرح, العصلة, حصن شداد, المراقد, وباجدار وغيرها من الأحياء والمدارس والوحدات صحية ومركز الأبحاث الكود والمعهد المهني، كل شيء أصبح في خبر كان هناك.
يقول المواطن محمد علي - من سكان مدينة زنجبار- بعد أن رأى منزله الذي قضى حياته يشيده طوبة طوبة من أجل العيش بحياة كريمة مع أسرته قد سوي بالأرض لم يصدق ما شاهدته عيناه الدمار الكبير الذي لحق بأبين.
وقال إن الحرب لم تكن صدفة أن تنشب في المحافظة، بل بأنه قد خُطط لها منذ سنوات طويلة من خلال الانفلات الأمني الذي كانت تعيشه أبين وكانت تسجل أعلى نسبة في الجريمة بين المحافظات، حيث كانت تلك العناصر تقوم باستهداف الآمنين وبعض المواطنين الأبرياء وتفجير عبوات ناسفة في جعار وزنجبار حتى مهدت لتلك العناصر بشكل تدريجي الدخول إلى مدينة جعار حتى تتهيأ من اجل إسقاط عاصمة محافظة أبين وزنجبار والذي كان صبيحة الجمعة 27مايو2011، وبسببها الكل ترك أبين هارباً، لم تكن هناك أي مقاومة تذكر واستمرت لعبة الحرب الكر والفر ونجحت تلك الخطة  في تدمير زنجبار بالكامل واستطاعت تلك العناصر أن تنهي ذلك المسلسل بدخولها زنجبار دون أي مقاومة تذكر، وكرروا نفس المشهد عند خروجهم.
أضاف محمد: أقول للمسئولين كفاكم وعوداً كاذبة بشأن سكان زنجبار أين هي الكهربا والمياه، أعطوا الناس تعويضاتهم.
  حسرة وألم
 ومر أكثر من شهرين منذ تحرير محافظة أبين من القاعدة، لكن إلى اللحظة لم نشهد أي تحسن على الصعيد الأمني والبنية التحتية وباقي نواحي الحياة بل في الآونة الأخيرة جرت اشتباكات بين اللجان الشعبية والأمن المركزي.
الصحفي فضل الشبيبي مدير مكتب وكالة سبأ فرع أبين قال إن هناك مؤامرة على هذه المحافظة المحورية التي قتل أهلها وشردوا ودمرت كل بنيتها التحتية، مؤامرة حاكتها مراكز قوى لا تريد الأمن والاستقرار في هذا الوطن وهي أدمنت الصراعات لأنه لا يمكنها إلا أن تعيش على التناقضات.
وأضاف: اليوم وبعد أن تم تحرير المحافظة من العصابات المسلحة أو القاعدة أو أنصار الشريعة -سمها ما شئت- والتي تكشفت أن لها ارتباطات بقوى داخلية وإقليمية جعلت من أبين ساحة حرب ومنطقة تصفية حسابات، أقول: بعد مرور ما يقرب من الثلاثة أشهر منذ 12 يونيو 2012م وبرغم كل الجهد الذي يقوم به محافظ أبين جمال ناصر العاقل بل واشتراكه المباشر في قيادة معركة لودر التي استبسل فيها أبناء لودر الإبطال ومعهم رجال القوات المسلحة في دحر تلك العناصر وكانت هي الأساس لتحرير بقية مدن ومناطق أبين بالرغم كل تلك الجهود، إلا أن التجاوب الحكومي للأسف لم يكن في مستوى التضحيات التي قدمت وحجم النكبة والمأساة التي تعرضت هذه المحافظة المناضلة هذه المحافظة التي قدم أبنائها التضحيات الجسام في كل منعطفات الثورة وخرج منها زعامات تاريخية كبيرة رسخت قيم الانتماء الوطني وهم: (سالمين) و(علي ناصر)و (محمد على هيثم) و(عشال) و(مدرم) و(عبود ) و(جاعم ) و(السقاف) و(الجعري) و(ناجي ) و(عمر علي) و(مطيع) وطابور طويل من القيادات التاريخية لا يتسع المقام لذكرهم.
وحمل الشبيبي الحكومة المسؤولية الكاملة عن تلكؤها في الإسراع بعملية الإعمار وتطبيع الأوضاع في مجالات الحياة كلها من اجل عودة النازحين إلى ديارهم بصورة مشرفة وكريمة وتوفير الإمكانيات الضرورية للعيش، وخصوصاً الكهرباء والمياه وقبلها الأمن, لقد كنت شاهداً في العديد من الاجتماعات التي شارك فيها الوزراء والتزموا بتعهدات ولكن تلك التعهدات لم تنفذ على ارض الواقع وخصوصاً الالتزامات الأمنية، ولم يف وزير الداخلية بما التزم به من أطقم ومعدات أمنية هي عنصر أساس للدفع بالأمور إلى الأمام لكي تخرج أبين من هذه النكبة التي حلت بها - حد قوله.

صروح علمية وضياع مستقبل
قطاع التربية في محافظة أبين كغيره من القطاعات الخدمية في المحافظة قد أصابه الضرر الكامل، إذ يقول الأستاذ/ حسين بوعبدين - مدير عام مكتب التربية في مديرية زنجبار: إن حجم الدمار والتخريب الذي طال مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين لا يتصوره العقل ليس فقط تضررت المدارس، بل أن (90%)من مدينة زنجبار قد دمرت، أما بالنسبة للتربية فقد تم تهديم 18 مدرسة وروضة بينها 4 مدارس للتعليم الأساسي و16 ثانوية، بالإضافة إلى روضة الأطفال, وأصبحت الأسر تنتابها الحسرة والألم لضياع مستقبل الآلاف أطفالهم الذين هم اليوم بحاجة إلى مدرسة ليواصلوا تحصيلهم العلمي.
وأضاف: حتى كلية زنجبار التابعة لجامعة عدن قد دمر هذا الصرح العلمي أيضاً والإدارات العامة دمرت: الكهرباء والصحة والمياه والأشجار والمزارع أتلفت.
ويواصل باعبدين حديثه: من يشاهد اليوم الدمار الذي لحق بمدينة زنجبار سيجزم حتماً، بأن الحرب لم تدم 13 شهراً، بل أكثر من 10 سنوات، نتيجة لحجم الخراب والدمار والذي طال البنية التحية في زنجبار بشكل كامل حتى دور العبادة لم تسلم هي أيضاً من الدمار المتعمد، قصف طيران، مدفعي وصواريخ البحرية والطيران بدون طيار الكل ساهم في تدمير أبين والتي أرادت تلك القوات العسكرية أن تكون مدينة زنجبار حقلاً لتجاربها في تصويب الأهداف المحققة التي تصل إلى المدارس والمنازل والوحدات الصحية، من يرى حجم الدمار يتيقن بان الحرب كانت تدار من شارع إلى آخر وهذا ما نتج عنه التدمير الذي طال أبين ولكن المتتبع لأحداث الحرب منذ سقوط زنجبار في 27/5/2011م سيدرك بأنها كانت عبارة عن تنفيذ لمخطط أكبر من حجم مدينة زنجبار.
يقول بوعبدين: الآن هناك أربع مدارس قيد الترميمات من قبل منظمة أمريكية ونأمل أن يتم الانتهاء من تلك الترميمات مع حلول منتصف الفصل الدراسي الأول حتى يستطيع الطلاب والطالبات أن يواصلوا تحصيلهم العلمي.

بحوث علمية لا تعوض بثمن
تعتبر محطة الأبحاث الزراعية – الكود أول صرح علمي بحثي زراعي على مستوى الجزيرة والخليج عندما تأسست في منتصف أربعينيات القرن الماضي لتعني في بادئ الأمر ببحوث محصول القطن طويل التيلة وتطور الأمر في الستينيات ليشمل بحوث كل المحاصيل الحقلية والبستانية، وكان لأنشطة هذه المحطة الأثر الإيجابي والكبير في القيام بالعديد من الأنشطة البحثية على مستوى الجمهورية .
يقول د. خضر عطروش - مدير محطة الكود البحثية -حين القصف--: إنه مع حوالي الساعة الثانية بعد ظهر يوم الجمعة تاريخ 27/5/2011م اتصل بي حراس المحطة يبلغوني بأن هناك قصفاً مكثفاً على المحطة من عدة اتجاهات، ومع العصر بلغني من الحراس أن المواجهات لا زالت مستمرة اتصلت بالمحافظ على هاتفه الشخصي فلم يرد، اتصلت باستعلامات المحافظ فأجابوني أن المحافظ معه اجتماع اللجنة ألأمنية، اتصلت برئيس الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي د. محمد علي الأشول، ثم اتصلت بوزير الزراعة والري د. منصور الحوشبي وبهذه الاتصالات كنت أطلب النجدة لحماية المحطة، ولكن دون جدوى مع حوالي الساعة الخامسة مساءً تواصلت مع الشيخ/ حسين ناصر عمير ليساعدني في الوصول إلى المحافظ وبعد عدة دقائق أتصل بي رد المحافظ عليه بأنه سيرسل تعزيزات لحماية المحطة ولم يحدث شيء ومع الساعة الثامنة مساءً بلغني بأن حراسة المحطة قد استسلموا بعد مفاوضات بوساطة تزعمها مدير عام التخطيط بالمحافظة مع العناصر التي تطلق على نفسها أنصار الشريعة وبهذا الأمر بدأ مسلسل النهب والتدمير لمحطة البحوث الزراعية الكود.
ويؤكد عطروش انه كان هناك إعداد مسبق لنهب المحطة وتدميرها، فالمراقبون قد ربطوا ما حدث للمحطة في تلك الليلة بما تعرضت له المحطة في العامين الأخيرين من اعتداءات متتالية على أراضيها وآبارها وعرقلت النشاط البحثي، وما حدث للمحطة أثناء المعارك جاء كامتداد لتلك الاعتداءات وتتويجاً لها.
وقال إن التدمير والنهب ليس فقط ما تعرضت له محطة الكود، بل كل المؤسسات في محافظة أبين تعرضت للنهب والتدمير لكل ما أسمه بنية تحتية وبالنسبة للنهب الذي تعرضت محطة الأبحاث الزراعية – الكود, فقد تم نهب السيارات وجرارات ومضخات ومختبرات ومعدات حقلية ومختبرية ومكتبية ولم تترك تلك العناصر المسلحة شيئاً ذا قيمة إلا وتم نهبه، وما تبقى أتى عليه ضعفاء النفوس من أبناء المنطقة، فخلعوا الأبواب والنوافذ وأسلاك الكهرباء من الجدران ومن أسفل البلاط ونهبوا الكراسي والدواليب والمكاتب والمراوح والأميال والكتب والتقارير العلمية الثمينة وتركوها خاوية على عروشها.
وقدر الدكتور بلم الأضرار التي لحقت بالمحطة البحثية تكلف حوالي: (مليار ومائة وستة ملايين وثلاثمائة وأربعين ألفاً وخمسمائة وأربعة وخمسون ريالاً)، (1,106,340,554) ريال – حسب تقرير أولي أعده لأضرار المحطة.
وقال إن الأضرار التي لحقت بالمحطة البعض منها ممكن أن يقدر بثمن كالأجهزة الحقلية والمختبرية والمكتبية وغيرها ممكن تعويضها واستبدالها بأخرى حتى وان قدرت بعشرات الملايين من الدولارات، غير أن الضرر الناتج عن فقدان التقنيات البحثية من الأصول الوراثية والأصناف والسلالات النباتية لمحاصيل القطن والحبوب والسمسم والباباي والمانجو والفلفل والباميا والباذنجان والقرعيات وما تحتويه المدخرات الوراثية للنباتات الطبيعية النادرة والمهددة بالانقراض أو أنواع الفاكهة المختلفة كالمانجو والليمون والموز والباباي والعباسي والعاط والجوافة وكل العينات النباتية التي توصل إليها الباحثون بعد سنين طويلة من البحث العلمي المضني هذا الضرر لا يقدر بثمن ولا يمكن تعويضه، ويكفي أن ندلل بمثل واحد فقط وهو صنف القطن (معلم 2000) هذا الصنف من المخرجات البحثية للمحطة وتقوم المحطة بتجديد إنتاج بذوره سنوياً من خلال مراحل متتالية تبدأ بزراعة صفوف النسل لإنتاج بذرة المربي وتنتهي بإنتاج البذور المعتمدة التي يتم توزيعها على المزارعين مع بداية كل موسم زراعي، وقد نهبت كل بذور المربي وبذور صفوف النسل لهذا الصنف..إنها كارثة بكل المقاييس.
ويوضح الدكتور عطروش متحسراً أنه كان لأنشطة هذه المحطة الأثر الايجابي والكبير في إحداث نقلات بالانجازات العلمية المحاصيل الحقلية والبستانية، وأنه لم يقتصر نشاط المحطة على إقليم السهل الجنوبي، بل تجاوزه إلى أقاليم أخرى اعتماداً على الطاقم البحثي المتميز العامل في هذه المحطة وقد كانت حقاً في مستوى الوصف الذي أطلقه أحد قيادات الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي حين وصفها بأنها مدرسة عريقة يتعلم منها الباحثون الزراعيون اليمنيون، استناداً إلى ما لدى منتسبي المحطة من الكوادر البحثية والفنية من خبرة طويلة ومتميزة في مجال البحث العلمي الزراعي على مدى يزيد عن ستين عاماً، فغدت بذلك من الصروح العلمية التي يشار إليها بالبنان في المحافل العربية والدولية.
ورغم أن الحكومة لم تقم حتى اللحظة بإجراء الترميمات الخاصة بالمبنى، يقول عطروش أن قيادة المحطة وكادرها البحثي سيواجهون وضعاً صعباً تخر له الجبال، ولكنه يؤكد أنهم قادرون على إدارة عجلة البحث العلمي مرة أخرى وتجاوز هذه المحنة، متى ما وقف إلى جانبهم كل من الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعية ووزارة الزراعة والري والمؤسسات العلمية في الداخل والخارج لتقديم الدعم والمساعدة وكل مسببات النجاح التي لا غنى للمحطة عنها في قادم الأيام.
استمرار التآمر
12يونيو أعلنت العناصر المسلحة عن انسحابها من جعار وزنجبار وبدأت الحياة تعود إلى مدينة جعار بشكل تدريجي وعودة بعض النازحين من عدن ولحج إلى زنجبار, ولكن يظل التآمر على أبين مازال قائما وان المخطط لم ينتهي بعد، خاصة وأن العناصر لم تعلن خروجها من محافظة أبين بشكل نهائي، بل مازالت في بعض مديريات الشرقية في المحافظة، والوعود والزيارات التي قام بها الوزراء عقب إعلان الحكومة عن تطهير أبين من العناصر المسلحة بإعمار أبين وصرف تعويضات المتضررين أبين سيكون قريباً وأنه سيتم تعزيز المحافظة بقوة أمنية كبيرة من اجل تعزيز الأمن.. وكانت كل تلك الوعود عبارة عن حقن مخدرة لم تر النور حتى اللحظة ..الأمن مازال غائباً بشكل كامل ليس عن مديريتي زنجبار وجعار، بل على مستوى جميع مديريات محافظة أبين الـ(11) مديرية التي تمتد من المحفد شرقاً وحتى سباح وسرار ورصد يافع-شمال غربي مدينة أبين ولم تف وزارة الداخلية بوعودها في إرسال قوة عسكرية بآلياتها إلى أبين، ومازال التآمر مستمراً حتى الإعلام الرسمي تجاهل قضية أبين وكان لا شيء يعنيه في هذه المحافظة.
حجم الأضرار التي أنتجتها الحرب
بحسب التقديرات الاقتصادية للتكاليف المالية لإعادة بناء المنازل والمنشات والبنية التحتية المتضررة بابين والتي وضعها الدكتور/ محمد حسين حلبوب - أستاذ الاستثمار والتمويل المساعد في كلية الاقتصاد بجامعة عدن، فإن ذلك يتطلب إلى (746 مليون دولار).
حيث تشير تقديرات حلبوب إلى أن هناك 794 قرية متضررة من إجمالي 3030 قرية، و11 مديرية تضررت منها 8 مديريات بالكامل، فيما تضررت مدنها الـ6 الرئيسية والثانوية بالكامل، إضافة إلى تضرر 26206 مسكن من أصل 69000 مسكن، أما المنشآت فهناك 7941 منشأة تضررت منها 5695 منشأة.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد