الأزمة الأوكرانية.... هل يكتب للسوفييت أن يولد من جديد

2022-02-13 09:24:19 اخبار اليوم/ تقرير خاص

 

 

يعيش العالم حالة تأهب بعد نشر روسيا قرابة 100 ألف جندي على طول الحدود الأوكرانية، فيما يستشرف المحللون سيناريوهات عدة للأزمة، أحدها حربٌ تبتلع فيها موسكو شرقي أوكرانيا، وأخر تفاوضٌ خشن يقوده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتحقيق مكاسب سياسية تقوض نفوذ حلف الناتو.

اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية والناتو إلى توسيع نطاق نفوذهما في منطقة البحر الأسود. وفى المقابل، حاولت أوكرانيا استغلال هذه المساعي في استقطاب الدعم الغربي في الإقليم لمواجهة روسيا، وكلا الموقفين السابقين يصطدمان بسياسة روسيا التي لا تسمح بالمساس بمصالحها الإقليمية وخاصة من قبل منافسيها. وفى هذا الإطار، تعددت الأبعاد التي عبرت عنها الأزمة الأوكرانية، والتي يمكن توضيحها فيما يلي:

 

استراتيجية الأزمة


لا شك بأن منسوب التوتر في شرق أوكرانيا وصل في الأيام الماضية الى مستويات غير مسبوقة وخطيرة تهدد بإندلاع حرب صعبة غير واضحة المعالم والجغرافيا. فالتصعيد المتبادل بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها بعض الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي عقد الأمور بشكل كبير ووضع الأزمة الأوكرانية على فوهة بركان خامد مليء ببارود مئات الأزمات، بانتظار أي شرارة صغيرة لتوقده وتشعل هذه الأزمة.

يقول أستاذ التواصل الاستراتيجي والعلاقات الحومية، الدكتور نضال شقير "يبدو جلياً أن كـافة الأطراف مسؤولة مباشرة عن هذا التصعيد، وذلك على الرغم مـن دعـوتـها الـدائـمة لحـلول دبـلومـاسـية وسـياسـية بـعيدة عـن الـعنف".

وأضاف شقير في مقال له نشره موقع العربية" فـروسـيا مـثلاً ومـنذ بـدايـة الأزمـة دأبـت عـلى أمـريـن، اولاً الـقيام بحشـد عـسكري غـير مسـبوق عـلى الحـدود مـع شـرق اوكــرانــيا وثــانــياً الــتأكــيد مــراراً وتــكراراً عــلى أن لا نــية لــها لــغزو هــذه الــدولــة الــسوفــياتــية الــسابــقة".

وتابع "في موازاة ذلك دأبت بعض الدول الغربـية كالـولايات المتحدة الأمـيركية وبـريـطانيا عـلى زيادة الدعـم العسكري لأوكرانيا والتلميح إلى نية ضمها لحلف شمال الأطلسي والدفاع عنها، بالإضافة طبعاً إلى تهديـد روسيا".

"وفـي نـفس الـوقــت شـددت تـلك الدول على ضرورة حل دبلوماسـي وسياسي للأزمة، هذا فيما نفت كييف نيتها القيام بأي عمل عسكري ضد الانفصاليين المواليين لروسيا في شرق أوكرانيا".

وأكد شقير "من مـفارقـات هـذه الازمة أن كلا الطرفين يستعملان نـفس الـحجج لــــلتصعيد ونفس الخطاب لتطمين الأخر والمجتمع الدولي". مشيرا الى أن "أوكـرانـيا وداعـموهـا الـغربـيون لـم يـتوقـفوا عـن اتـهام روسـيا بـأنـها تـعمل عـلى اجـتياح الاراضـي الأوكـرانـية، هـذا فـيما اسـتمرت روسـيا بـالحـديـث عـن نـية كـييف الـصريـحة بـتشجيع مـن بـعض الـدول الـغربـية لـلقيام بـعملية عـسكريـة لـحسم الـنزاع مـع الانـفصالـيين فـي شـرق الــــبلاد".

وتابع "في موازاة ذلك وكما ذكرنـا سابقاً، طمنت مـوسكو أنها لا تنوي القيام بأي اجتياح لأوكرانيا، كما طمنت كييف الانفصاليين بأنها لا تنوي حل النزاع بالقوة. يقول الـجنرال الأمـيركـي دوغـلاس مـاكـآرثـر "إنـه لخـطأ فـادح الـذهـاب إلـى الحـرب مـن دون الـقدرة عـلى الـفوز"، ويـبدو أن هـذه المـقولـة تــسيطر وبــشكل جــدي عــلى عــقول كــافــة افــرقاء هــذه الأزمــة".

وأوضح أنه" لا يبدو حتى الساعة أن أي طرف واثق من قدرته على تــحقيق فــوز واضـح وصـريـح يـنهي فـيه هـذا الـصراع بـشكل نـهائـي لمـصلحته عـلى حـساب الآخـر".

"وعليه ذهب الجميع لـلتلويـح بـالحـرب ودق طـبولـها وهــم يــدركــون جــيداً فــي قــرارة نــفسهم إنــهم لا يــرغــبون بــها ولا قــدرة لــهم عــليها. فــسيناريــوهــات الــربــح والــخسارة فــي الأزمــة الأوكــرانــية غير معقدة، إذ أن الجميع سيخرجون خاسرين في حال اشتعالها، وذلك مهما كانت مكاسبهم" حد تعبيره.

وقال "عـملياً، هـناك خـمس أجـندات فـي هـذه الأزمـة تـتوزع عـلى مـعسكريـن، وكـل اجـندة تـبحث عـن تـأمـين الحـد الادنـى مـن مـصالـحها. فـفي المـــعسكر الأول، الأجـــندة الـــروســـية واضـحة وصـريـــحة فـــهي تـــريـــد إبـــعاد نـــفوذ واشـــنطن وحـــلف شـــمال الأطـــلسي إلـــى ابـــعد مـــدى عـــن حـدودهـا وعـن الـدول الـسوفـياتـية الـسابـقة.".

كـما تـريـد إعـادة احـياء امـجادهـا كـمنافـس قـوي لـلولايـات المتحـدة عـلى زعـامـة الـعالـم. وعـليه يـدرك الـرئـيس الـروسـي فـلاديـمير بـوتـين جـيداً أن الـتلويـح بـالـحسم الـعسكري هـو اقـوى بـكثير مـن حـسم عـسكري يـقال إنـه فـي مـتناول الـيد.

فـمن خـلالـه قـد يسـتطيع أن يـصل إلـى مـا يـريـد، بـينما اسـتعمال الـقوة سـيؤدي إلـى خـسائـر جـسيمة تـتنوع بـين مـا هـو مـيدانـي وبـين المـقاطـعة والـعقوبـات الـدولـية الـقاسـية، والأهـم طـبعاً خـسارة نـهائـية لـلجار الأوروبـي الـذي لا يـزال يـراهـن عـلى حـوار صـادق يـؤدي إلى أفضل العلاقات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية مع موسكو.

وأشار الى أنه "فـي المـعسكر الـثانـي، فـالـحاضـر الأكـبر هـو الأجـندة الأمـيركـية الـتي تهـدف بـوضـوح إلـى مـحاصـرة روسـيا ومـمارسـة اقـصى ضغط عليها لتحجيمها وتقليص نفوذها والتأكـيد عـلى زعامـة الولايات المتحدة العالمية".

 

وأكد أنه "فـي هـذا الإطـار وفـــي حال انـــفجار الأزمـــة فـــي اوكـرانـيا سـتتكبد واشـنطن خـسائـر كـبيرة تـضرب أجـندة مـصالـحها الـحيويـة. فـأولاً، هـي لـن تسـتطيع الـدفـاع عـن كـييف عـسكريـاً، وهـذا الأمـر بـديـهي فـي مـنطق الاستراتيجيات الـعسكريـة إذ أن الـقوى الـعظمى لا تـتواجـه بـشكل مـباشـر فـي بـينها إلا فـي الحـروب الـعالمـية والـشامـلة".


وتابع "بالـتالـي عـدم الـقدرة عـلى الـدفـاع عـن اوكـرانـيا وتـحقيق انتصار واضـح فـي هـذه الأزمـة سـيكون لـه تـأثـير سـلبي عـلى مـكانـة وزعـــامـــة الـــولايـــات المتحـــدة الـــعالمـــية.

" ثـانـياً، والأهـــم أن المارد الـــصيني المـــنافـــس الجـدي لأمـريـــكا على زعامة الـعالـم، قـد يستفيد مـن انخراط واشنطن في هذه الأزمة لتعزيز مكانته الدولية وتوسيع نفوذه ومزاحمتها بشكل جدي على هذه المكانة العالمية".

"كـما أن هــناك اجــندة حــلف شــمال الأطــلسي، هــذا الحــلف الــذي تــأســس عــام ١٩٤٩ كــمنظمة ســياســية هــدفــها الأســاســي كــما ذكــر امـينها الـعام الأول الـلورد إسـماي "إبـقاء الـروس خـارجـاً، والأمـيركـيين داخـلاً، وإسـقاط الألمـان"، قـبل أن يـتحول فـي عـام ١٩٥٥ إلـى مــنظمة دفــاعــية تــقف بــوجــه حــلف وارســو وتــدافــع عــن الأوروبــيين مــن الخــطر والمــد الــسوفــياتــي. وبــالــتالــي مــن الــبديــهي أن نجــد الحــلف فــي أي مــواجــهة مــع روســيا وأن يــكون ســبباً فــي"

 

 فيما قال إن "أجندة الحلف واضحة الا وهي التوســع على حـساب موســكو وضم المزيـد مــن الدول الـسوفـياتــية الـسابــقة الــى مــعسكرهــا، هــذا فــيما يــظن بــعض قــادة الحــلف أن هــكذا أزمــات قــد تــعيد الــيه بــريــقه الــذي فـقده في الــسنوات المــاضــية".

 

"لكن انــفجار الأزمــة فــي أوكــرانــيا ســيكبد الحــلف على ما يبدو خسائر كبيرة، ففي حال عدم تدخله عسكرياً للدفاع عن أوكرانيا التي ريد ضمها اليه سيفقد الحـلف جـوهـر وجـوده وتتأثر عملية توسعه وذلك لأنه سيفقد صفة الحامي من الدب الروسي" حد قوله

 

وأرجع "اما في حال تدخله العسكري المباشر وهو أمر مستبعد، ومهما كـانت نتائجه فهـذا سـيؤدي إلى انـقسامات عميقة بداخله تؤثر على وجوده خاصة من بعض الدول الأوروبية التي لها اصلاً الكثير من التحفظات تجاهه".

وتابع "اما أجندة اوكرانيا اليوم فهي معقدة أكثر من اي وقت مضى، إذ يسعى الرئيس فلاديمير زيلينسكي للمحافظة على السيادة الكاملة على بلاده وعلى وحدتها بالإضافة إلى عدم خسارة اجزاء اخرى منها على غرار ما حصل عـام ٢٠١٤، ولهـذا فهو يريد أن يخرج البلاد من المنطقة الرمادية والذهاب بها بشكل كـامل إلى منطقة المعسكر الغربي. لكن هناك من يعتقد أن انفجار هذه الأزمة سيؤدي وبشكل حتمي إلى خسائر جمة لكييف تبدأ بانهيار نهائي لوحدة اوكرانيا ولا تنتهي بخسارة جزء اساسي من اراضيها في شرق البلاد".

واخيرا هناك الأجندة الأوروبية والتي على الرغم من التباين الكبير في وجهات النظر داخل الإتحاد الأوروبي حولها فلا يزال التيار السيادي المؤثر فيها وعلى رأسه فرنسا والمانيا يأمل أن يحافظ على السيادة الأوروبية وسيادة اوكرانيا بالتحديد عبر الحوار الجدي، كما يأمل أن يبعد شبح الحرب عنها، وأن يحافظ على علاقته مع روسيا ويطورها عبر الحوار ايضاً لما فيه من مصلحة كبيرة للطرفين.

هذا التيار يعلم جيداً أن نتائج انفجار الأزمة الأوكرانية ستكون كارثية على القارة العجوز، فأولا هذه الأزمة هي على اراضيها وهذا يعني دمار هائل وخراب وتداعيات إنسانية واقتصادية كبيرة وعودة عقارب الساعة الى حقبات سيئة لا تريد العودة اليها بأي شكل من الاشكال.

ثانياً يدرك هؤلاء أن السيادة الأوكرانية على كامل اراضيها لا يمكن الحفاظ عليها عسكرياً بل بالحوار والدبلوماسية وأن اي استعمال للعنف سيؤدي حتماً إلى خسارة تاريخية لهذه السيادة. ثالثاً والأهـم، يدرك الأوروبيون أن انفجار هذه الازمة يعني بشكل مباشر القطيعة مع موسكو وخسارة شراكات كبيرة سياسة واقتصادية واجتماعية معها.

واخيراً، يتخوف الأوروبيون وبشكل جدي من تـداعـيات انـفجار هـذه الأزمة على الوحدة الأوروبية وعلى ما تبقى من النفوذ الأوروبي أقله داخل حدوده الجغرافية.

يقول نيكولو ماكيافيلي في كتابه الأمير" نصنع الحرب متى نريد، وننهيها متى نستطيع"، وعليه يدرك جميع اللاعبين أن تفجير الأزمة الأوكرانية هو اسهل الأمور واسرعها، لكنهم يعلمون جيداً أنه في حال اشتعلت فلا أحد قادر على اخمادها أو أن يبقى بعيداً عن حرائقها. لـذا، يـصعد الجـميع إعـلامـياً وجماهيريا وسياسياً، ويـطلقون التهـديـدات الواحدة تلو الأخـرى، وهم يبحثون في الوقت عينه عن مخرج لائق يظهرون فيه جميعاً بثوب المنتصرين ويتفادون خسائر كبيرة لا قدرة لهم على تحملها حالياً.

أسعار النفط

في السياق، قال المحلل الاستراتيجي المرموق، ديفيد روش، أن النفط "بالتأكيد" سيصل حاجز 120 دولارا للبرميل الواحد، وأن الاقتصاد العالمي "سيتغير جذريا"، في حال قررت روسيا اجتياح أوكرانيا. 

ورغم نفيها المستمر لنيتها في اجتياح أوكرانيا، حركت موسكو حوالي 130 ألف جندي، ودبابات وصاروخ، وحتى أكياس دم، إلى الحدود مع أوكرانيا، في خطوة عدها حلف شمال الأطلسي "الناتو" استعدادا لشن هجوم قريبا. 

وكان الكرملين قد ندد برغبة كييف الانضمام إلى "الناتو"، في حين قال الحلف إن الباب مفتوح أمام الأعضاء الجدد، وحشد بدوره قوات في أوروبا الشرقية، وسط جهود دبلوماسية عالمية لتجنب أي تصعيد عسكري في المنطقة. 

ورأى روش في مقابلة عبر شبكة "سي أن بي سي" الأميركية، الاثنين، أن الخطوات الروسية التالية تشبه "الشبح في الغرفة"، وهي خيارات قد تشتت الأسواق العالمية على نحو واسع. 

وأضاف "أعتقد أنه إن وقع اجتياح لأوكرانيا وفرضت عقوبات قد تعيق دخول روسيا إلى آليات النقد الأجنبية .. أو قد تمنعهم (الروس) من تصدير بضائعهم، سواء كان ذلك النفط أو الفحم، أعتقد أنه في ذلك الوقت سترى وبشكل مؤكد أسعار النفط بحد 120 دولارا" للبرميل الواحد. 

وحذر الخبير من أن اجتياح أوكرانيا سيترتب عليه عواقب اقتصادية واسعة، منوها إلى أن الضالعين في أسواق الأسهم يقللون من التأثير المحتمل للأزمة الروسية الأوكرانية. 

وقال: "من أبرز توقعاتي هو أن معظم المستثمرين يعاملون (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وكأنه موسيقى في خلفية المشهد، لكنني متأكد أن السيد بوتين لن يتفق معهم". 

وأشار إلى أن بوتين، وفي حال قرر "أن يفعل شيئا دراماتيكيا يخص أوكرانيا"، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيفرضون على الأرجح عقوبات قاسية على روسيا، مشيرا إلى أن الأسواق الأوروبية وتطلعات الاقتصاد العالمي "ستتغير جذريا". 

 والأربعاء، أجرى الرئيس الأميركي، جو بايدن، مكالمة هاتفية مع ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، وأكدا التزامهما بالحفاظ على مخزون الطاقة العالمي، في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة عن بدائل لتعويض أوروبا عن أي محاولة روسية لاستخدام الغاز كوسيلة ضغط ضد دول الغرب.

حرب شاملة

تجد واشنطن تصاعد التوتر المتجدد حول أوكرانيا فرصة لتقييد روسيا وعرقلة قيامها بترميم علاقاتها مع عواصم أوروبية، لا سيما باريس برلين، ومنع تشغيل خط غاز "السيل الشمالي 2″، ومنع روسيا من التحالف مع الصين بفرض مزيد من العقوبات عليها.

وبالنسبة إلى أوكرانيا فمصالحها تكمن في استعادة وحدة أراضيها، وهي تعمل على استغلال زخم ومستوى جديد من دعم الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، كما أن هناك رغبة لدى كييف في إظهار نفسها لدى الإدارة الأميركية الجديدة بأنها تواجه روسيا، وذلك بهدف الحصول على مزيد من الدعم، وفي حال استطاعت كييف استدراج روسيا إلى شن هجوم داخل الأراضي الأوكرانية، فقد تنجح في إيقاف تشغيل مشروع "السيل الشمالي 2″، الذي سينهي دور أوكرانيا بوصفها دولة عبور للغاز الروسي إلى أوروبا.

لكن المؤكد اليوم أنه ليس في مصلحة أوكرانيا تحويل النزاع المجمد شرق البلاد إلى آخر ساخن، لأنها ستكون الخاسرة حتما، إلا أن كييف تستخدم التسخين في هذا الملف بين الحين والآخر لتوجيه رسائل داخلية، وأخرى خارجية متعددة الاتجاهات، وسيبقى مأزق أزمة شرق أوكرانيا قائما ما دامت موسكو لم تعزم بعد على خطوة جذرية بضم جمهوريتي دونباس؛ دونيتسك ولوغانسك (غير معترف بهما)، مثل ما فعلت مع شبه جزيرة القرم قبل 7 سنوات، وذلك خشية إلحاق مزيد من الضرر في علاقاتها مع الدول الغربية.

استعراض موسكو قدراتها العسكرية ليس شيئا جديدا، والمؤكد أن هذه التحركات مؤخرًا تختلف كثيرًا عن التدريبات العسكرية التي تقوم بها روسيا في العادة، وأهميتها اليوم تأتي في إطار توجيه رسالة إلى كييف بالدرجة الأولى، محذرة من العمل العسكري ضد دونباس، لا سيما بعد سيناريو ناغورني قره باغ، وبعد حديث روسي متكرر وتحذيرات من استعدادات لشن هجوم أوكراني على شرق البلاد، حيث يسيطر الانفصاليون المدعومون من روسيا.

لكن موسكو اليوم لا تريد حربا واسعة؛ فالحرب في شرق أوكرانيا كانت مكلفة بالنسبة لروسيا خلال السنوات السبع الماضية، وتجدد هذه الحرب بشكل شامل لن يكون في مصلحة روسيا، وسيؤدي إلى إهدار موارد ضخمة موسكو في حاجة إليها، وسيفاقم مشاكل روسيا مع الاتحاد الأوروبي وأميركا.

والجدير ذكره أن سكان دونباس في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك (غير معترف بهما) معظمهم اليوم يحمل الجنسية الروسية، مع وجود حدود مشتركة بطول 400 كيلومتر بين روسيا وجمهوريتي دونباس، وهي العوامل التي لا تنطبق على أزمة أرمينيا وأذربيجان في ناغورني قره باغ، عند مقارنتها مع أزمة شرق أوكرانيا، كما أنه من المستبعد أن تتدخل تركيا أو إسرائيل في الصراع إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، كما حصل في حرب قره باغ الثانية عندما دعمت الدولتان أذربيجان ضد أرمينيا، لكن على الأغلب سيستمر بيعهما الأسلحة في إطار فرصة كسب الأموال.

وفي عام 2008، قامت روسيا بعمل عسكري في جورجيا بعدما أرسل رئيسها آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي قوات لمحاربة الانفصاليين، وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قارن جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي الوضع الحالي في أوكرانيا بالوضع في جورجيا عام 2008، ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى عدم ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه ساكاشفيلي، مذكرا إياه بأن ذلك كلفه غاليا.

إن ما يميز حالة أوكرانيا اليوم عن جورجيا عام 2008 هو التأهب القتالي الذي يعززه الناتو في أوكرانيا يومًا بعد يوم، بالإضافة إلى التحذيرات الأوروبية من مغبة دخول روسيا بشكل مباشر في الحرب شرق أوكرانيا.

بين كل هذا أوروبا التي لا تمتلك سياسة دفاعية مستقلة ومنفصلة عن سياسة واشنطن، ويخشى التكتل الأوروبي على أمنه، ومن موجة لجوء جديدة (لا سيما أن هناك اليوم تدخلا بين عوامل التوتر الغربي الروسي في الأزمة بين بيلاروسيا وبولندا حول اللجوء والهجرة، واتهامات غربية لمينسك وموسكو باستخدام هذه الورقة ضدها)، وأوروبا بحاجة أيضا إلى إمدادات الغاز الروسي.

مع أن كل السيناريوهات مطروحة في ظل هذا التصعيد والتصعيد المقابل والتهديدات، فإن سيناريو الحرب الشاملة يبدو مؤجلا حاليا، ويبقى النزاع في إطار الحروب الصغيرة كسيناريو قره باغ، وسيناريو القرم، وسيناريو جورجيا، مع استمرار حروب الوكالة هنا وهناك على أكثر من صعيد وفي أكثر من جبهة، إقليمية ودولية.

وفي الوقت الذي يتزايد فيه قلق الغرب حول نوايا وخطط تشرع بها روسيا لغزو محتمل لأوكرانيا، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة الماضي أنه سيجعل من "الصعب جدًّا" بالنسبة إلى روسيا شن أي غزو على أوكرانيا، التي حذرت من هجوم روسي محتمل واسع النطاق الشهر المقبل، وقال بايدن الجمعة للصحفيين إنه يعد "مجموعة مبادرات" تهدف إلى حماية أوكرانيا من هجوم روسي، في حين تتهم كييف وواشنطن موسكو بحشد قوات على الحدود والاستعداد لغزو.

وكان وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف قال في وقت سابق الجمعة الماضي أمام البرلمان -مستشهدا بتقارير للمخابرات- إن روسيا حشدت أكثر من 94 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية، وربما تستعد لهجوم عسكري واسع النطاق في نهاية يناير/كانون الثاني القادم.

وتتهم موسكو بدورها أوكرانيا والولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار، وتشير إلى أن كييف ربما تستعد لتنفيذ هجوم في شرق أوكرانيا، في حسن حذر وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف من "مغامرة عسكرية" أوكرانية، بعدما قالت وزارته إن "كييف" نشرت قرابة 125 ألف جندي في الشرق، وهو ما تنفيه كييف.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إثر اجتماع لحلف شمال الأطلسي في ريغا عاصمة لاتفيا "لقد قلنا بوضوح للكرملين إننا سنردّ، خاصة عبر سلسلة تدابير اقتصادية ذات تأثير كبير كنّا قد امتنعنا عن استخدامها في الماضي".

تجدر الإشارة إلى أن روسيا سبق أن عززت قواتها العسكرية على الحدود الأوكرانية في أبريل/نيسان الماضي، واتضح لاحقا أن الهدف من ذلك هو تعزيز أوراق الضغط السياسية والدبلوماسية، إذ إن روسيا أعادت سحب تعزيزاتها تلك بعد وقت قصير من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عقد قمة بينهما، وليس من المستبعد اليوم أن يتكرر المشهد نفسه مع استمرار المحادثات بشأن عقد قمة أخرى بين الرئيسين.

ويذهب بعض الخبراء إلى أن كييف أغضبت روسيا باستخدام طائرات بيرقدار المسيّرة التي استوردتها من تركيا، حيث يأتي التعزيز العسكري الروسي الأخير بعد نشر الجيش الأوكراني لقطات قال فيها إنه أول استخدام لطائرة مسيّرة تركية الصنع ضد الانفصاليين شرق البلاد، لا سيما بعد ظهور حديث في الأوساط السياسية الأوكرانية حول تكرار شرق البلاد سيناريو استعادة أذربيجان الجزء الأكبر من أراضيها في حرب ناغورني قره باغ العام الماضي.

وكذلك بعد اتهامات بوتين للغرب بتجاهل "الخطوط الحمراء" لروسيا عبر إجراء تدريبات في البحر الأسود، وإرسال أسلحة حديثة لكييف، مطالبا "بضمانات قانونية" من حلف شمال الأطلسي بعدم التوسع شرقا.

ويبقى أن ما تؤكده تهديدات الولايات المتحدة التي اقتصرت على التلويح بعقوبات اقتصادية كاسحة قد تصيب الاقتصاد الروسي بالشلل، ولم تشمل أي تهديد بالدفاع عن أوكرانيا عسكريا؛ يستبعد سيناريو الحرب الشاملة، وأن كييف قد تترك وحدها كما سبق أن حصل مع جورجيا عام 2008، في حال أرادت تطبيق سيناريو عسكري شرق البلاد في دونباس.

 



الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد