صلف الأقزام وشموخ الأجداد... مفارقات سبتمبر ما بين النكبة وهوية الثورة.

2022-09-19 23:24:49 أخبار اليوم – تقرير خاص


 


منذ نشأتها الأولى في جروف مران بمحافظة صعدة، تسعى الحركة الحوثية لاستهداف رمزية ثورة الـ 26 سبتمبر 1962، وهي الرمزية التي تتخلص من خلالها من روح الجمهورية وأصالة الإنسان اليمني الذي عاش الأمرين تحت كنف حكم الإمامة المستبدة.

منذ أن اندلاع أول شرارة للانقلاب الحوثي في الـ21 من سبتمبر/ أيلول 2014م، والذي نفذه الإرهاب الحوثي لاغتيال جمهورية اليمنيين وحريتهم، وجعلت من تاريخ النكبة تذكارًا قريباً من ذكرى الثورة الجمهورية بهدف إخفاء معالمها، إلا أن الروح اليقظة لسبتمبر ما تزال عصية على أن يكسرها أحفاد الإمام.

وعلى الرغم من محاولات مليشيا الحوثيين الحثيثة من أجل طمس بعض معالم ثورة 26 سبتمبر التي قضت على الإمامة، إلا أنهم حتى اليوم فشلوا في ذلك نظرا لتمسك اليمنيين بأهداف تلك الثورة، التي ضحى بأرواحهم لأجلها الكثير من الأجداد.

في ذكرى النكبة

مهما بغلت مراوغات مليشيا الحوثيين لفرض تاريخ الـ21 من سبتمبر كيوم ثوري بالنسبة لهم، إلا أنها ما تزال بالنسبة لليمنيين يوم أسود اغتالت أحلامهم وسعت لإعادتهم إلى ما قبل ثورة الـ26 من سبتمبر، تلك المرحلة الغابرة التي كان فيها المواطن اليمني عبارة عن آلة لا ترقى لمستوى الإنسان.

جاء الحوثيون اليوم بحثا عن تركة جدهم المريض، بعد أن تراءت لهم أبواب صنعاء ووجدوا أنفسهم يبنون هيكل الإمام بحلة جديدة تحظى بدعم سخي من طهران، وعلى الرغم من مساعيهم لتقديس أنفسهم كشخصيات مقدسة، وسعيهم إلى تحريف المناهج المدرسية بهدف غسل أدمغة جيل كامل من اليمنيين، إلى أن الواقع يفرض نفسه بإرادة الشعب وخصوبة وعيه.

في الذكرى السادسة والخمسين لثورة سبتمبر 1962م، عمت الاحتفالات العديد من المحافظات اليمنية، وهو ما عكس حجم تمسك المواطنين بها وعدم السماح بالعودة إلى الوراء، بعد أن ذاقوا مرارة ما جاء به ما بات يُطلق عليهم اسم "الأئمة الجدد".

يقول الصحفي صلاح عساج: "أصبحنا نعيش اليوم ما عاشاه أجدادنا في ظل الإمامة والكهنوت والحكم الفردي الذي كان جاثماً لقرون على حياة اليمنيين، في حين سعى جاهدا ليحول من اليمن إلى قطعة معزولة عن العالم وحكراً للحاكمين، الذين جعلوا من الجماجم عرشاً لحكمهم".

وأضاف عساج في حديثه لـ"أخبار اليوم": "ثمانية أعوام من الانقلاب الحوثي على الحكومة اليمنية وحلم اليمنيين، تجسد فيها النسخة الجديدة من الإمامة الرجعية، وعرفنا معنى النضال, وكيف أن هذه المشاريع تعمل على تأخرنا وتخلفنا".

وأردف: "لطالما جسدت الحركة الحوثية المجرمة نموذجًا إمامياً له تأريخ زاخ بالظلم والاستبداد، ولطالما عكست الجماعة السياسية الإمامية ذاتها التي عملت على تجير كل شيء لصالحها".

وعن نسبة وعي المواطنين بخطورة المشروع الحوثي وماهيته، فيعتقد أنها كبيرة، حتى الحوثيون أنفسهم حاولوا الهرب من المصطلح (الأئمة الجدد)، إلا أن أصلهم سرعان ما تكشف وظهرت حقيقتهم التي حاولت التستر لوقت طويل خلف رداء الجمهورية، ليتضح أن الجماعة ما تزال تسعى لنقل النموذج الإيراني بكل أدبياته إلى اليمن، وبصورة إمامية رجعية قبيحة.

وفي السياق، أضاف الصحفي عساج قائلًا "تكمن خطورة الحوثيين اليوم بأنهم يريدون القضاء على أشياء كثيرة توارثها اليمنيون فكرا ومبدأ، فتسعى الجماعة الماكرة لإدخال الفكر الإيراني بقوة من أجل ترسيخ حكمها وانقلابها الآثم، الذي لم يحظى بأدنى مظاهر القبول الشعبي في نفوس السبتمبريون". 

ووفق عساج أنه من حسنات الانقلاب الحوثي أنه جعل اليمنيين أكثر تمسكًا بأهداف سبتمبر، ودفع بهم للسير في مقاومة للإمامة أكثر من أي وقت مضى، ليجسدوا نماذج سيتوارثها الأجيال، بل وأصبح بإمكاننا اليوم أيضاً الفخر بنضال القشيبي والشدادي وباحاج وغيرهم ممن واصلوا محاربة الإمامة وإيقافها، من رجال الجيش الوطني".

من جهته يقول الناشط والكاتب الصحفي عيسى سلطان: "لم تكن يوم 21 سبتمبر هي النكبة الوحيدة التي تعرض لها اليمن في العَقْد الأخير، ولكنها كانت الأشد فتكاً، والأسوأ أثراً والأكثر تدميراً لقِيَم الحياة والعيش المشترك".

وأضاف سلطان في حديثه لـ"أخبار اليوم": "لقد حولت اليمن إلى رهينة سياسية، ومشروع جباية اقتصادية، وكهنوتا دينياً سلاليا تحت لافتة آل البيت، لتعيش اليمن أسوأ مرحلة في تاريخها السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي منذ انطلاق العهد الجمهوري".

وأردف: "ثمانية أعوام مرت من الجهل والطائفية وتدمير الوطن وإهلاك الحرث والنسل، والسقوط المدوي لكل معاني الأخوة والعيش المشترك، وكل ذلك كان نتيجة لنكبة الـ21 من سبتمبر الذي جلبت الخراب مع الانقلاب الحوثي".

ثورة اليمنيين.

مثلت ثورة الـ21 من سبتمبر /أيلول 1962م، محطة تاريخية بذل في سبيلها اليمنيون أغلى ما يملكون، ظل الجميع على أحر من الجمر ينتظرون تحققها على أرض الواقع ليهربوا بها من مستنقع الجهل والرجعية والتخلف إلى واقع جديد يكفل لهم حياة كريمة، وذلك وأعدوا كل ما بمقدورهم.

وعلى كل حال، تظل هذه المحطة الفارقة يومًا خالدًا نقلت اليمن من ظلمة الكهوف إلى رحاب العصر، ثورة الـ26 من سبتمبر المجيد التي أعادت اليمن إلى أهلها الحقيقيين واستعادت اليمن من يد الكهنوتيين بعد أكثر من ألف عام.

لقد أنقذت 26 سبتمبر اليمن من أحلك فترات التاريخ، وبدأت تبحث لليمنيين عن وجود حقيقي على خارطة العالم، بعدما كادت قوى الكهنوت والاستعمار تجعله شعبا في طي النسيان .
 

وفي هذا السياق، يذكر الكاتب الصحفي مصطفى عمار أن "ثورة سبتمبر مثلت نقطة فارقة في تاريخ اليمن المعاصر، إذ نقلت المجتمع من حياة تحت نظام استعباد إلى حرية التحدث والحركة والاجتماع، وهو ما أعطى للمجتمع حيوية للعمل على تقدم البلد.

وأكد عمار في حديثه لـ"أخبار اليوم" أنه : "ومع كل ما حدث اليوم، تبقى ثورة سبتمبر أهم حدث تاريخي يمكن تصويب مسارها من جديد، بعد أن عرف الشعب حالياً معنى الإمامة في ظل تواجد أحفادها ممثلة بالحوثيين".

في المقابل، يقول الأستاذ قائد السامعي في تصريح لـ"أخبار اليوم": "إن ثورة 26 سبتمبر هي النور الذي أستضيئ به في دروب الحياة المعتمة، والمصباح المنير للخروج من مستنقع العبودية والاستبداد إلى بر الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة ".

وأضاف السامعي "هي نقطة التحول الأجمل في تاريخ اليمن، رغم ما أعقبها من تجاوزات وصعوبات بالغة، نعيشها اليوم، لكنها كانت وما زالت وستظل شعلة أمل كل يمني حر، لاستذكار عظمتها، ومواصلة نهج الأحرار، في التخلص من حكم الأسرة، أو سلالة"

وتابع "القرار الثوري لا رجعة عنه، ولا مساومة فيه، حتى تنتصر ثورة الشعب، وتتخلص من الإمامة والاستعمار وآثارهما ومخلفاتهما وبناء دولة السيادة والكرامة فالشعب اليمني تواق للحرية والكرامة، لا يرضى بحياة الذل والهوان".

وأردف "في واقعنا الحالي كلما رأيت إماميين اليوم يحاولون أن يستعيدوا إمامتهم أتذكر أن ثورة الـ 26 من سبتمبر كانت نهايتهم فيها، فأقول في نفسي إنّ إماميين اليوم سيدحرونهم أحفاد من دحروا الإمامة سابقا".

وأكد بأن "استمرار الثورة ضرورة ملحة ضد ما يمارسه أحفاد الإمامة اليوم من ظلم، وتجهيل واستبداد ،بحق الشعب اليمني والانتصار بها يعد واجبا وطنيا مقدسا". 

ثورة السادس والعشرون من سبتمبر هي ثورة أحرار تكبدوا الأمرين وعانوا من ظلم الإمامة، ومن جورها وتسلطها، فكانت آخر فرصة بالنسبة للشعب اليمني للخروج من مأزق التخلف، والتسلط والتميز. 

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد