حرب الثمانية أعوام... حلف الخليج وميراث الخيبة.

2022-10-03 05:19:47 أخبار اليوم – تقرير خاص

  

بعد إعلان المبعوث الأممي لدى اليمن، فشل التوصل لاتفاق لتجديد الهدنة الأممية التي بدأت في الثاني من أبريل/نيسان من العام الجاري، والذي أعلنت الأمم المتحدة قيامها لمدة شهرين قابلة للتجديد، ليتم بعد ذلك تجديدها ثلاث مرات كانت الأخيرة أكثر صعوبة

 

كانت الهدنة الأممية بالنسبة للجانب الحكومي طريق إجباري، وذلك نتيجة الضغوط المباشرة والقادمة من السعودية والإمارات، والتي أدت في محصلتها لمرحلة انتقالية جديدة في المعسكر الحكومي الذي لم يلبث حتى بدأت الصراعات الداخلية تأكل أطرافه

 

فشلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في دفع الهدنة إلى حالة من الاستدامة، أو أن توسع مدتها لتكون أكثر من شهرين مع كل تمديد، وكان التمديد الثالث للهدنة الذي انتهى الأحد في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022 صعباً للغاية، جاء تباعا له رفض مليسيا الحوثيين العودة إلى الهدنة مجدداً

 

تنصل الحليف

 

خلال ستة أشهر قضاها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، بين صراعات وحروب داخلية، أعاقت نمو المعسكر الحكومي وعطلت مفهوم الدولة اليمنية تماماً، وكل ذلك برعاية سعودية إماراتية

 

سياسية الرياض وأبو ظبي، مكنت مليشيا الحوثيين من بناء إمبراطورتيهم العسكرية الضخمة في سواحل البحر الأحمر بحافظة الحديدة، ليظهروا للعالم حقيقة تحولهم، إلى قوة عسكرية قادرة على تهديد خطوط الملاحة العالمية، وفزاعة تبث الرعب في المنطقة

 

في المقابل، ساهمت سياسة التحالف العربي، وعلى رأسهم الرياض وأبو ظبي، ساهمت بتقويض نفوذ الدولة وعرقلة عملية التنمية السياسية، لتجد الحكومة الشرعية نفسها، في مأزق عسكري لا تحسد عليه، وهو ما ينعكس سلباً على طبيعية سريان المعركة مع انقضاء الهدنة الأممية وفشل التوصل إلى اتفاق جديد لتمديدها

 

ففي حين جاء قرار تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بعد أيام قليلة من إعلان الهدنة، الذي يأتي كنتيجة لمشاورات الرياض التي استمرت أياماً بين معظم القادة السياسيين الموالين للحكومة والتحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات بأجنداتهم المشبوهة والتي باتت أقرب ما يكون للاحتلال .

 

في الوقت الذي استغلت فيه جماعة الحوثيين الانقلابية سريان الهدنة الأممية لترتيب صفوفها، وبناء ترسانتها العسكرية بشكل أقوى، لاسيما بعد خساراتها الكبيرة في جبهات مأرب خلال معارك العام الماضي، إلا أن التحالف العربي طيلة فترة الهدنة، كان مشغول بما يذكي الخلافات السياسية والعسكرية بين فرقاء مجلس القيادة الذي وجد نفسه يتنقل بين مختلف المعارك جنوبي اليمن .

 

أفقر التحالف العربي الحكومة الشرعية، دمر بنيتها العسكرية وعمل على تفريخ الفصائل المسلحة المناهضة لمشروع استعادة الدولة، وحتى مطلع سبتمبر/أيلول 2022 كان رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي في الرياض للقاء المسؤولين السعوديين دون جدوى، مع اختفاء الآمال بشأن المنحة المالية السعودية-الإماراتية الثلاثة مليارات دولار .

 

غادر معظم أعضاء المجلس الرئاسي مدينة عدن إلى محافظاتهم أو خارج البلاد بسبب سلوك المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات. كان لسقوط الجيش والأمن في محافظة شبوة وتسليم المحافظة للقوات شبه العسكرية الموالية للإمارات "قوات دفاع شبوة" و"العمالقة" نقطة فاصلة في معرفة المستقبل القادم لسلوك المجلس. فشلت اللجان التابعة للمجلس الرئاسي في ردم الفجوة بين الحلفاء الجدد وتوحيد القوات، كان ذلك واحداً من تعزيز سلطة مليشيا الحوثيين التي تبدو ظاهرياً متوحدة وقادرة على الحشد والتعبئة ضد خصم محدد مقابل أطراف مفككة

 

فيما واصلت السعودية خلال الهدنة إجراء مفاوضاتها مع مليشيا الحوثيين برعاية المخابرات العُمانية، وكذلك الحال فيما يتعلق بمحادثاتها مع إيران في بغداد، والتي تضم عدة ملفات اليمن على رأسها .

 

كما أن هذا التفكك يشجع التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة على التحرك لاستهداف الحكومة وقواتها ومسؤوليها لتبقى المناطق الحكومية دون استقرار أمني، وتقديم مليشيا الحوثيين كبديل لمواجهتها

 

تعمدت الرياض عدم تمكين معسكر الحكومة الشرعية في محافظات التماس مع مليشيا الحوثيين، من الحصول على أسلحة نوعية لإحداث نوع من التوازن الذي بمقدوره منع مليشيا الحوثيين من التفكير في اجتياحها، بالإضافة عدم الضغط على مكونات المجلس الرئاسي كسلطة توافقية وتشاركية، لتوحيد القوات العسكرية ضمن قوام وزارة الدفاع

 

تعكس هذه السياسة ثقة الرياض بنتائج تفاوضها مع مليشيا الحوثيين والإيرانيين، ومستقبل سياستها تجاه اليمن، خاصة في ظل ذهاب حليفتها الإمارات إلى تأسيس وجود دائم في البلاد والسعي لاستبدال مؤسستي الجيش والأمن بالمليشيات التي دربتها وتمولها .

 

كما تعمدت السعودية والإمارات عرقلة وتعطيل تسليم المنحة المالية للبنك المركزي في عدن، والذي كان بمقدوره تعزيز موقف الحكومة التي يفترض أن الرياض وأبو ظبي تدعمانها .

 

تعنت حوثي

 

بينما كانت الأمم المتحدة تضغط من أجل توسيع الهدنة التي استمرت لأكثر من ستة أشهر، استغلت مليشيا الحوثيون الهدنة لإعادة تجميع صفوفهم وتعزيز قبضتهم على السلطة، عسكريًا وسياسيًا، فيما بقيت الحكومة الشرعية مشغولة بصراعات بينية أنشأتها أطراف في التحالف نفسه

 

في سياق المكاسب الضخمة التي حظيت بها جماعة الحوثيين الانقلابيين خلال فترة الهدنة، أن قاموا بالزج بمئات المسؤولين وشيوخ القبائل الموالين لهم في السجون، في إطار الخلافات القائمة داخل الجماعة بشأن الوظيفة العامة والفساد المتفشي والتصفيات الداخلية لتثبيت دعائم الجماعة الانقلابية وهو أمرٌ لم يكن ممكناً في حالة المعارك المستمرة خلال العامين الماضيين

 

وإضافة لذلك، سعت الجماعة الانقلابية في محاولة للسيطرة على القضاء وإزاحة القضاة غير الموالين بآخرين من الجماعة نفسها لاستخدامه بشكل كبير في مواجهة المعارضين في الداخل، وبيع أملاك خصومهم كأداة ابتزاز لإسكاتهم أو إعادتهم إلى صنعاء

 

ليس ذلك فحسب، بل أنه خلال فترة الهدنة، استمر التجنيد المنتشر في معظم مناطق سيطرة مليشيات الحوثيين وانتقال القوات المجندين من مكان لآخر بما فيها خطوط القِتال الأمامية في مأرب وتعز والجوف .

 

أقامت ميليشيات الحوثيون أكثر من سبعة عروض عسكرية كبيرة، لكل فروع القوات البرية والبحرية والجوية، وكان أكثرها تأثيراً العرض العسكري في محافظة الحديدة قرب مضيق باب المندب، حيث عرضت الميليشيات الأسلحة والصواريخ الباليستية والبحرية والطائرات دون طيار .

 

يأتي ذلك فيما تزايد خطاب مليشيا الحوثيين المتعلق بمضيق باب المندب والسيطرة عليه، حتى إن العرض في مدينة الحديدة أدى إلى إدانة من الأمم المتحدة الذي اعتبرته تصعيداً

 

بفضل الهدنة الأممية، نجحت مليشيا الحوثيون بتقديم أنفسهم كدولة جديدة أشبه ما يكون بالنموذج الإيراني، وأكدت مليشيا الحوثيون دمج اللجان الشعبية في الجيش والأمن، كما أن قائد الميليشيات عبدالملك الحوثي يشرف على كل السلطات باعتباره رأس الدولة في نظام يشبه "ولاية الفقيه" في إيران

 

معركة اليمنيين

 

يدرك اليمنيون حقيقة معركتهم الوجودية المناهضة للتمرد الحوثي وعودة النظام السلالي لحكم اليمن من جديد، فمهما تنصل التحالف العربي وتخلى عن مسؤولياته تجاه الحكومة الشرعية، إلا أن المعركة ستظل قائمة بأصحاب الميدان

 

يبدو أن الرياض وهي التي مثلت آخر أمل أمام اليمنيين قد خيبت آمالهم وخسرت ثقتهم، لا سيما بالنظر للمتغيرات الميدانية التي عاشتها اليمن خلال ثمانية أعوام من الحرب

 

قد تتنصل الرياض عن مسؤوليتها تجاه الحكومة الشرعية بهدف تأمين نفسها وتجنب تعريض أمنها القومي لمواجهة مباشرة مع مليشيا الحوثيين كما كان الحال خلال السنوات الماضية، إلا أن المعسكر الحوثي هو في الحقيقة قاعدة عسكرية إيرانية تهدد ببقائها المنطقة العربية عموماً، فمهما اطمأنت الرياض وحاولت فرض سلام مع مليشيا الحوثيين، إلا أن دورها قادم لا محالة .

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد