الـ 14 من أكتوبر... ثورة اليمنيين ومصيرهم.

2022-10-14 02:06:52 أخبار اليوم – تقرير خاص

 

تعود ذكرى ثورة الـ14 من أكتوبر المجيد 1963م لتجلب معها نماذج الكفاح وتذكي ثورية النفس اليمنية المناهضة لآفات الاحتلال، ولترسم بذلك صورة حرة وسيادة مستقلة للسياسة اليمنية إنسانا وحكومة، ولتظل حدثًا وجوديًا لإرادة الشعب والثوار بعد غبن الدهر وقهر الاستعمار.

تمخّض النضال المشترك للشعب اليمني منتصف القرن الماضي، عن أهم ثورتين في تأريخهم، هما ثورة الـ14 من أكتوبر/ تشرين الأول 1963، وقبلها ثورة الـ26 سبتمبر/ أيلول 1962. تشارَكَ الرجال والنساء، في ربوع البلد، الذي كان مقسّمًا حينها، الحلمَ بالخلاص من الاستبداد والتحرر من الاستعمار، وتنفّس هواء الحرية والعدالة.

عاد غالب راجح لبوزة، من الشمال إلى جبال ردفان، ممتلئًا بدوافع الكفاح المسلح ضد الاستعمار الأجنبي، ومؤمنًا بأحقية الأرض لأصحابها، وعلى عاتقه حمل مسؤولية اللحاق بموكب الأحرار لصناعة فجر الـ14 من أكتوبر، بعد 128 عامًا من الاستعمار البريطاني.

وتحلّ على اليمنيين الذكرى الـ59 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، بينما تشهد البلاد حالة من التمزّق والانقسام الكبير بسبب الحرب الدائرة في معظم المناطق منذ ما يزيد عن سبع سنوات؛ الأمر الذي أدّى إلى تواري السكان وابتعادهم في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين عن إقامة الاحتفالات الشعبية بهذا العيد الوطني الخالد. إذ اختفت ملامح الاستعدادات للاحتفاء بالمناسبة بصورة ليست باهتة فحسب، بل تكاد تكون غائبة تمامًا.

محطة أكتوبر.

مثلت يوم الـ14 من أكتوبر محطة جديدة في تاريخ جنوب اليمن المحتل، ومحطة جديدة نفضت عنها ركام الاحتلال وغذت شرارة الثورة التي انطلقت آنذاك أول شرارة لها من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة، الذي استشهد مع مغيب شمس ذلك اليوم، وشنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة في مناطق ردفان استمرت لأشهر ضربت خلالها القرى بمختلف أنواع الأسلحة، واتّبعت سياسة "الأرض المحروقة".

اندلعت الثورة بعد 124 عاماً من الاحتلال، حيث سيطر البريطانيون على عدن عام 1839، واستمرت الثورة والكفاح المسلح أربع سنوات في غالبية المحافظات الجنوبية عبر عمليات فدائية مسلحة للجبهة القومية وجبهة التحرير، والتي كانت تدير غالبية عملياتها في المحافظات الشمالية.

السياسة ذاتها التي دفعت باليمنيين لتحويل هذا التاريخ المجيد إلى حدث ثوري، هي السياسات ذاتها للمستعمر الجديد والأضعف، حيث ترك التحالف العربي بقيادة الرياض وأبو ظبي بعد ثمانية أعوام من الحرب الدائرة في البلاد، والتي مثلت شرعية وجوده، ترك فيها أسباب الثورة لتعود بالناس إلى ماضيهم مجددين العهد متمسكين بحلم الثورة كمصير أبدي لحياتهم.

كفاح متجدد.

على مدى أكثر من 8 أعوام من التدخل المعلن للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في الحرب اليمنية بزعم إنهاء الانقلاب مليشيا الحوثيين والعودة بالحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، غير أن لا شيء من هذه المزاعم قد تحقق، فلم ينجح هذا التحالف سوى في إيقاظ الحركات الثورية من جديد، باعتباره احتلالاً يسعى لامتصاص ثروات اليمنيين والتحكم بمصيرهم، وتدمير كل مقدرات البلاد.

ومع حلول ذكرى العيد الوطني لانطلاق شرارة ثورة الـ 14 من أكتوبر، التي أطاحت بالاحتلال البريطاني في جنوب الوطن، يستعيد اليمنيون تاريخهم النضالي الذي واجهوا فيه أحد أقوى الأنظمة الاستعمارية بإمكانياتهم المتواضعة وإرادتهم الصلبة.

يحتفل اليمنيون بذكرى ثوراتهم المجيدة، والتحالف السعودي الإماراتي يكرس نفسه محتلاً جديداً، حيث لم يترك الحكومة تقوم بدورها في عدن، وسعى لتفريخ الدولة وتشطيرها، ليعمد بعد ذلك إلى دعم انقلاباً مسلحاً هناك، وكرّر الأمر ذاته في أرخبيل سقطرى، وأخيرا تكرار السيناريو ذاته في محافظة شبوة، وما يزال يعرقل أهم منشأة غازية في اليمن (بلحاف) بعد أن حوّلها إلى ثكنة عسكرية.

وفي محافظة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، تمركزت القوات السعودية في مطار المحافظة، وعملت خلال سنوات على إحكام قبضتها على المنافذ البرية التي تتنفس منها البلاد، بعد إغلاق وتعطيل مختلف المنافذ البرية والبحرية والجوية في اليمن.

محافظة حضرموت هي الأخرى لم تنعم بالأمان الذي كان من المفترض أن تعيشه حيث لا مواجهات عسكرية فبالإضافة إلى ما تواجهه المحافظة من تهديد ووعيد من قبل مسلحي الانتقالي المدعومين من دولة الإمارات، بل أنها أدرجت ضمن أطماع السعودية والإمارات في مخططهما لتقاسم النفوذ.

وخلال الثمانية أعوام من الحرب، وخصوصًا الأخيرة منها، لم تتوقف أهداف التحالف العربي في استنزاف الجيش الوطني في محافظة مأرب، بعد أن أوقف الجبهات الأخرى التي كان يمكن أن تخفف الضغط على المحافظة في مرحلة حرجة عاشتها مأرب لعام كامل مهددة بالموت، وهي التي تمثل رمزاً لصمود اليمنيين وإصرارهم إلى الانتصار لوطنهم.

يتردد كثيراً على ألسنة اليمنيين، مسؤولين وناشطين ومواطنين الأدوار التي يقوم بها التحالف السعودي الإماراتي في كثير من المحافظات اليمنية، وأسلوب إدارته للحرب، والتحركات التي يغلفها التحالف بأغلفة جذابة، وكيف أصبحت السفارة السعودية ومسؤوليها يتدخلون في القرارات السيادية للبلاد، وكأنهم الحكام فيها، بل المحتل.

خلّقت الممارسات السعودية الإماراتية في اليمن، خلال سنوات الحرب، ولا سيما الأربعة أعوام الأخيرة، سخطاً واسعاً ما دفع بمسؤولين للحديث عنها في محافل دولية، وطالب وزراء بإنهاء تدخل ذلك التحالف، وأكّدت منظمات حقوقية ضرورة محاكمة الدولتين في الجرائم المرتكبة والموثقة بتقارير دولية.

ولعلّ أول التحركات الشعبية في اليمن ضد الوجود السعودي الإماراتي كان لجنة اعتصام المهرة السلمي التي شكلت آن ذاك وما تزال قائمة إلى اليوم، شكلت كرد فعل طبيعي على الممارسات السعودية في المحافظة، وهي اللجنة التي أعلنتها قبائل المهرة بعد سلسلة انتهاكات ارتكبها التحالف في المحافظة الآمنة والبعيدة عن أي مواجهات تستدعي تواجداً عسكرياً.

حينها، لفتت الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والمظاهرات التي نظمتها اللجنة على مدى أكثر من عامين أنظار الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي نحو المحافظة، وقبل ذلك نحو طبيعة الوجود السعودي الإماراتي والنوايا التي يضمرها التحالف.

ومنحت اللجنة ونضالاتها مساحة من الحرية، ودفعت تحركات السعودية والإمارات الاستعمارية وزراء ومسؤولين في الحكومة ومحافظين وحقوقيين لثورة وعي واسعة كشفت ما ظل خفياً لسنوات، من ملف انتهاكات الإمارات والسعودية، على مستوى السجون السرية والتعذيب واستهداف الجيش الوطني وقياداته، وتعطيل موارد الدولة، والتحكم بالقرارات السيادية وغيرها من الانتهاكات التي لا يتصف بها إلا محتل ومستعمر.

وعلى امتداد المحافظات التي تتواجد فيها الإمارات والسعودية والمليشيات التي أنشأتها وتدعمها خارج سلطة الحكومة الشرعية، لم ترَ تلك المحافظات النور، ولم تنعم بالاستقرار الذي كان يفترض أن يتواجد بعد تحريرها، وبقيت أيادي التحالف تدمّر ما لم تدمره المواجهات العسكرية، وإن نجحت بعض المحافظات في إعادة بعض ملامح الحياة، فذلك لأنها رفضت أن يظل القرار سعودياً إماراتياً، وأصرّت أن تقف ضد مساعي الرياض وأبو ظبي لعرقلة عجلة البناء والتنمية.

وما أن جاءت الذكرى الـ57 لثورة 14 أكتوبر 2020م، ليشهد الشارع اليمني حالة غليان شعبية تناهض مختلف مظاهر الاحتلال الجديد، فمثلت ذكرى ثورة الـ14 من أكتوبر 1963م، صورة حية لثورية الإنسان اليمني وإرادته القوية في بناء دولة مستقلة ذات سيادة.

وهكذا يأتي عام بعد عام ليجدد اليمنيون رفضهم الصريح لأشكال الاحتلال، وليوثقوا بدمائهم وأرواحهم بيان وعهدًا للـ14 من أكتوبر المجيد، ولينسفوا بذلك خرافة الاستعمار وإن جاء بقناع الصداقة فإنه زائل.

                       

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد