سقراط والحب.. هل انطلقت الفلسفة الغربية من تجربته الغرامية؟

2022-10-24 01:01:16 أخبار اليوم/ متابعات

 

 

لم يترك أول الفلاسفة اليونانيين الكبار كتابات ولا سيرة ذاتية، والمتداول عنه هو ما رواه أفلاطون وزينوفون، اللذان عرفاه فيلسوفا للأخلاق وحكيما مشهورا بمنهجه السقراطي ومذهبه الفلسفي في أثينا التي مزقتها الحرب .

وتبدأ قصة سقراط المتداولة على لسان تلامذته في منتصف عمره، واشتهر منذ كان ثلاثينيا بمحاوراته واستجوابه ومقولاته، وحتى قصة إعدامه المأساوي الذي شكل نهاية عصر أثينا الذهبي .

لكن المصادر التي تتناول حياته المبكرة قليلة ومبعثرة للغاية، بما في ذلك حياته العاطفية المبكرة وتأثير وقوعه في حب أسبازيا، الذي أدى به إلى أن يصبح "أكثر الرجال حكمة في العالم القديم " كما كان يسمى .

وباستخدام مصادر مكتوبة قديمة تم تجاهلها أو إساءة تفسيرها، حاول أرماند دانجور، أستاذ الكلاسيكيات في جامعة أكسفورد، رسم الصورة المفقودة لسقراط عندما كان شابا في العشرينيات من عمره، وهي المرحلة التي يجب البحث فيها عن دليل على تغيير اتجاهه ليصبح المفكر والفيلسوف الذي يتجنب النجاح المادي بدلا من أن يحتفظ بمكانته كإحدى شخصيات نخبة أثينا .

ويستنتج دانجور في كتابه "سقراط في الحب.. صناعة فيلسوف" أن العناصر المهمة في تفكير سقراط نتجت عن معرفته وإعجابه بأسبازيا، التي كانت قريبة من عمره .

ويسلط الكتاب الضوء على شباب سقراط ونشأته غير التقليدية بين نخبة أثينا التي كانت تتلقى دروس الشعر والموسيقى والخطابة والفلسفة والرقص والمصارعة والقتال .

ويلفت النظر إلى صورة سقراط غير المألوفة كمصارع وراقص رياضي، ويروي كذلك قصته كعاشق رفضت محبوبته الزواج منه، لكنها بالمقابل ألهمته لتطوير الأفكار التي أسرت الفلاسفة طوال 2500 عام حتى الآن .

  

هكذا تعلم سقراط الحب

 

في محاورة أفلاطون الشهيرة يقول سقراط "منذ فترة طويلة (أي عندما كان شابا) تعلمت كل شيء عن الحب من امرأة ذكية ".

ورغم أن مثل هذه الحقائق المذكورة عن حياة سقراط كانت متاحة للمؤرخين فإن تحليلها لم يكن كافيا، فقد أعطيت المرأة التي يفترض أن سقراط أحبها اسم " ديوتيما"، وافترض كثير من الباحثين والمؤرخين أنها شخصية خيالية .

 

لكن التدقيق في نص المحاورة والأدلة التاريخية ذات الصلة يشير إلى أن " ديوتيما" كانت شخصية حقيقية ربما تعرضت للتمويه من قبل أفلاطون، الذي روى سيرة ومحاورات سقراط، ويرجح الكتاب أن هذه الشخصية هي أسبازيا من ميليتوس، التي وصفها أفلاطون بـ"الفيلسوفة"‘ في محاورة منكسينوس .

وعرفت أسبازيا بجمالها وذكائها، ورغم أن المعلومات عنها شحيحة فقد اشتهرت بعلاقتها مع واحد من أعظم الساسة اليونانيين، هو بريكليس الذي كان أبرز أعضاء حكومة أثينا طوال 30 عاما .

ويقال إن بريكليس اتخذ أسبازيا عشيقة له لأكثر من عقد من الزمان حتى وفاته عام 429 قبل الميلاد، وأتاح لها ذلك أن تؤثر على مواقفه وقراراته وعلى السياسة في أثينا برمتها، وأصبحت جزءا من دائرة المثقفين المحيطين بالقائد اليوناني، لكن بعض كتاب عصرها وصفوها بأنها كانت مومسا وصاحبة ماخور .

وعرفت أسبازيا كذلك بأنها مدربة خبيرة في البلاغة ومستشارة في العلاقات الزوجية، أو بمعنى آخر شخصية معروفة بمذهبها في الحب، تماما كما تم تصوير "ديوتيما" في محاورة أفلاطون .

 

ما الذي حول سقراط الشاب إلى فيلسوف؟

 

يفترض الكتاب -الصادر عن دار بلومزبري للنشر في مارس/آذار 2019- أن تكون هذه المرأة الذكية ذات تأثير فكري رئيسي في حياة سقراط المبكرة ولم تعلمه الخطابة أو معنى الحب فقط .

وتعتبر المفاهيم المنسوبة في المحاورة إلى "ديوتيما" أساسية في فلسفة سقراط، وكذلك تتسق مع طريقة حياة الزهد التي كان يعتنقها، وتعتبر هذه المفاهيم أن العالم المادي ينبغي أن يتنحى جانبا لصالح المثل العليا، وأن إذكاء الروح وليس إرضاء الجسد هو واجب الحب الأساسي .

وكان سقراط قد بدأ كلامه عن الحب في محاورة المأدبة، ذاكرا "ديوتيما"، التي قال إنها معلمته في فن الحب، معتبرا أنه وسط بين الجمال والخير، وتوسط بين الإلهي والفاني، وأنه يمثل الاقتناء الأبدي السرمدي للخير .

واعتبرت "ديوتيما" كذلك أن من يبحث عن الجمال الجسدي سينتهي به الحال متغلبا على حب الجسد ومنتقلا للحب الروحي، ثم يرتقي في حب الحكمة غير المحدود نحو الجمال .

وأشار سقراط إلى أنه تلقى البلاغة على يد أسبازيا، لكنه ذكر "ديوتيما" باعتبارها معلمته في الحب وليس أسبازيا، ويرى الأكاديمي الإنجليزي دانجور أنهما شخص واحد في الحقيقة، بحسب عرضه لكتابه في موقع "ذا كونفرسيشن .

وفي واحد من حوارات أفلاطون وأسبازيا، وصفت الأخيرة دورها في تدريب سقراط على الخطابة الجنائزية، وبعبارة أخرى كانت أسبازيا معروفة بمهارتها في البلاغة والخطابة مثل "ديوتيما"، لا سيما الحديث عن الحب العذري .

 

يشار إلى أن علاقة سقراط بتلاميذه -الذين ساءت سمعتهم بين سكان أثينا من أفلاطون إلى إقليدس أبي الهندسة والسيبياديس السياسي سيئ السمعة، إضافة إلى بعض الطغاة الذين عطلوا الديمقراطية في أثينا عام 404 قبل الميلاد- دفعت أعداءه إلى محاكمته واتهامه بإفساد الشباب والتبشير بآلهة جديدة .

وقد تحدى سقراط متهميه في خطاب الاعتذار أو مرافعة الدفاع كما كتبها أفلاطون، وفند ادعاءاتهم واحدا تلو الآخر بالمنهج السقراطي البارع، المتمثل في توجيه أسئلة معينة بحيث يحصل على الإجابات المطلوبة، لكن القضاة حكموا عليه بالموت، فشرب كأسا من عصارة نبات "الشوكران" السام وسط بكاء تلاميذه .

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد