حروب الطاقة ومستقبل الأمن بعد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية (3)

2022-11-08 07:50:01 أخبار اليوم/ متابعات خاصة

 

شنت جماعة الحوثي المسلحة ثلاث هجمات على الأقل خلال أكتوبر/تشرين الأول ) 2022 (على موانئ تصدير النفط الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، في أبرز تصعيد متعلق بالحرب منذ سيطرة الجماعة المسلحة على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 واشتداد القِتال عقب تدخل التحالف الذي تقوده السعودية دعماً للحكومة المعترف بها دولياً ضد الحوثيين المدعومين من إيران.

  

 كانت اليمن قد أصدرت قانون رقم 1 لسنة 2010 لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وحسب المادة ) 4(: يعد مرتكبا لجريمة تمويل الإرهاب كل

من:

أ- يجمع أو يقدم أموالا بشكل مباشر أو غير مباشر وبأي وسيلة كانت مع علمه بأنها ستستخدم كليا أو جزئيا، في تمويل ارتكاب الأعمال التالية:

1 -أي فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع

إجرامي فردى أو جماعي، ويهدف إلى بث الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم وتعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأماك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل غير مشروع أو الامتناع عن أي عمل مشروع.

2 - أي فعل يشكل جريمة تندرج في نطاق إحدى الاتفاقيات أو المعاهدات ذات الصلة والتي تكون الجمهورية قد صادقت أو انضمت إليها.

3 - أي فعل يشكل جريمة منصوص عليها في قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع.

ب- كل من شرع في ارتكاب أو شارك أو حرض أو عاون على ارتكاب أي من الأفعال الواردة أعاه.

تقع معظم المراكز المالية والاقتصادية في صنعاء، ويتعاملون بشكل مباشر مع الحوثيين

الذين يفرضون ضرائب وجمارك وجبايات لصالح جهود الحرب ما يعتبر انتهاكاً للقانون. كما أن الامر يشمل السياسيين بمن فيهم حزب المؤتمر الشعبي العام الكيان الرئيسي الموجود في صنعاء والذي معظم قادة السلطات في المحافظات الجنوبية يتبعونه؛ إضافة إلى الموظفين الحكوميين المدنيين في مناطق الحوثيين، ومنظمات الإغاثة الإنسانية المحلية والدولية العاملة في مناطق الحوثيين؛ وحتى الطائرات التابعة للأمم المتحدة التي تصل

إلى مطار صنعاء الدولي.

يقوم البنك المركزي اليمني بمصارفة العملة المحلية بالدولار، ومعظم رجال الأعمال الذين يتقدمون للعطاءات البنكية في مناطق الحوثيين ويدفعون أمولًا بانتظام للجماعة المسلحة تستخدم في جهود الحرب. كما أن الموانئ مصدر دخل كبير للحوثيين بما في ذلك ميناء الحديدة، فهل ستدفع الحكومة اليمنية من أجل إغلاقه في وجه الحوثيين أم ما هي الإجراءات التي ستقوم بها؟

 

يفترض بالأحداث الأخيرة: تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية واستهدافها لموانئ النفط وتهديد شركات النفط وانتهاء الهدنة في اليمن؛ أن يؤثر على ديناميكيات الحرب في اليمن،

ويغيّر من سياسات الإقليم تجاه الصراع اليمني.

على المستوى الاقتصادي، فإن صناعة النفط في البلاد مهددة بالفعل، ستندفع شركات النفط إما لتجميد العمل في حقول النفط أو الخروج من البلاد، ويحد من التنقيب عن النفط والغاز والذي بدأته شركات فرنسية وألمانية وأمريكية منذ بداية العام؛ يضع ذلك

ضغوط على الحكومة اليمنية إيجاد حلول سريعة لتمرير وتفريغ خزانات النفط التي يبدو أن معظمها امتلأ خلال الأسبوع الأول عقب هجمات الحوثيين. سترتفع الأسعار ويرتفع التأمين على الملاحة إلى الموانئ اليمنية، وسيتأثر اقتصاد البلاد بتراجع أكبر للعملة خاصة مع غياب المعالجات المفترضة والمتوقعة من السعودية والإمارات بشأن المنحة المالية

المعلن عنها بثلاثة مليارات دولار.

على المستوى السياسي والعسكري للحكومة، قد يبدو المجلس الرئاسي متوحداً حول قرار تنصيف الحوثيين منظمة إرهابية، فمن الصعب تقبل أي طرف مشارك في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة هجمات الحوثيين على المصدر الوحيد لتغذية البلاد

بالعملة الصعبة، وفقدان صورة المجلس الرئاسي كجهة سيادية- مسؤولة عن حماية الموانئ والملاحة وشركات النفط في مناطق سيطرتهم- لصالح الحوثيين؛ لكن مع ذلك تبقى مخاطر الخلافات قائمة وقد توصل إلى معركة داخلية جديدة خاصة مع استمرار المجلس الانتقالي الجنوبي بالتحشيد للدخول إلى وادي حضرموت واستهداف قبائلها،

ومحافظة المهرة المجاورة؛ وفشل توحيد ودمج القوات، وزيادة حالة عدم الاستقرار في محافظة شبوة النفطية نتيجة طرد القوات الحكومية.

كشفت هجمات الحوثيين أن بإمكان الأطراف المكونة للمجلس الرئاسي التوحد متى ما واجهت تهديدا مشتركا أكبر؛ منحهم الحوثيون هذه الميّزة بالهجمات على الموانئ والذي إذا لم يُترجم عملياً بعملية عسكرية واسعة في محافظات الجوف والبيضاء والحديدة فإن الخلافات ستعود بقوة وأكثر تمزيقاً للمجلس مع تصاعد الاتهامات والتخوين؛ وهو ما

يعوّل عليه الحوثيون.

انعكاس التطورات اليمنية على الحرب والإقليم

وبما أنه تم إحياء مجلس الدفاع الوطني، وفشل انعقاد هيئة الحوار والتشاور، فإن الرئيس رشاد العليمي سيستمر في استخدام مجلس الدفاع الوطني لتعزيز اختياراته وقراراته بشأن الحوثيين وربما بشأن أمور أخرى متعلقة بالوصول إلى تحالفات أخرى في المنطقة.

خلال كلمته في مؤتمر القمة العربية طلب الرئيس العليمي: عمل عربي جماعي في اليمن

يتصدى للمشروع الانقلابي التخريبي )جماعة الحوثي( 9 ؛ باعتبار أن الحوثيين تهديداً إيرانياً

للأمن القومي العربي، واستهداف الموانئ اليمنية يعتبر تهديداً واضحاً للملاحة في البحر

الأحمر، الذي تطل عليه عديد من الدول العربية.

على مستوى الحوثيين: يثير قرار تصنيف الجماعة منظمة إرهابية غضباً داخل قيادات

الجماعة، لكنه لن يمثل ضغطاً على الجماعة ينزع منها حالة الشعور بالانتصار، إلا إذا حدث

تحرك عسكري حكومي في «الجوف» التي سيطروا عليها في 2021 ، أو «الحديدة» التي

توقفت عمليتها العسكرية في 2018 بضغوط دولية أوصلت إلى اتفاق ستوكهولم نهاية العام ذاته، آو البيضاء التي يشكل تداخلها الجغرافي وتضاريسها المرتفعة حالة خطر مستمر على المناطق المحررة في الجنوب. يشير إلى ذلك مجلس الدفاع الوطني بالقول إن تصعيد الحوثيين يعفي الحكومة من «كافة الالتزامات المتعلقة باتفاق ستوكهولم وعناصر الهدنة الانسانية المنهارة، والتسهيلات الخدمية الأخرى» 10 . لذلك قد يدفع الحوثيون إلى هجوم

جديد باتجاه محافظة مأرب أو محافظة شبوة لتحديد أرض المعركة الجديد، في الوقت الذي سيستمرون بإرسال الطائرات المسيّرة لتهديد الموانئ وشركات وحقول النفط في مناطق سيطرة الحكومة لتنفيذ تهديداتهم. وستلجأ الحكومة إلى إجراءات جديدة لكنها كما يبدو لن تكون فعالة بدرجة كبيرة لمواجهتها. على مستوى المفاوضات، يفترض بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أن يمنع الحكومة

اليمنية من التفاوض مع الحوثيين على الرغم من أنها أعادت تشكيل وفدها المفاوض

قبل يومين من هجمات الجماعة المسلحة على الموانئ 11 ؛ يُعقد ذلك جهود الأمم المتحدة

المستمرة لاستعادة الهدنة التي انتهت مطلع أكتوبر/تشرين الأول ) 2022 (، كما أنه يهدد

استمرار «عناصر الهدنة الانسانية، والتسهيلات الخدمية الأخرى»؛ بما في ذلك استمرار

رحلات مطار صنعاء الدولي إلى عمّان،

وتدفق سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة. لكن مع ذلك لا يبدو أن الحكومة ستوقف مهمة التشاور مع الحوثيين.

من جهتها فإن السعودية التي صنفت الحوثيين كمنظمة إرهابية ) 2014 ( 12 ستستمر في تفاوضها مع الحوثيين في مسقط، إذ وصلت إلى تبادل زيارات متعلقة بالأسرى -كما قال

الحوثيون والتحالف 13 ؛ لكنه خطوة -وربما غطاء- في مرحلة متقدمة من التفاهم المتبادل

حول ملفات ظلت تعاني من تحقيق تقدم بطيء للغاية بتيسير من المخابرات العُمانية.

 

على المستوى الدولي، يبدو أن سلوك الحوثيين خلال الهدنة والتنازلات التي قدمتها الحكومة للوصول إلى حلّ سياسي أقنع المجتمع الدولي، خاصة الدول المرتبطة بالملف اليمني أن هناك حاجة إلى ضغط هائل على الجماعة المسلحة من أجل دفعهم إلى اتفاق ترعاه الأمم المتحدة. لذلك على الرغم من أن الهجمات على الموانئ وتهديد شركات النفط

والناقلات والملاحة يمثل تحدياً خطيراً للأمن البحري وإمدادات الطاقة في ظل الحاجة الدولية لها، ويدفعها للغضب والتنديد بالهجمات، إلا أن جزءاً من الإدانة يأتي لفقدان الثقة بأن الحوثيين لا يريدون تسوية تنهي الحرب دون أن تلبية شروطهم وتحقق أهدافهم بالهيمنة على اليمن خلال أي مرحلة انتقالية؛ لذلك وصف مجلس الأمن الدولي هجمات الحوثيين

ب»الإرهابية»، وهو توصيف تكرر للمرة الثانية، وكانت المرة الأولى في فبراير/شباط ) 2022 (

بعد الهجمات الحوثية على منشآت النفط في أبوظبي 14 ؛ولم تكن هناك إدانة دولية لإعلان

الحكومة اعتبار الحوثيين «منظمة إرهابية» كما لم يلحظ وجود تأييد لهذا الإعلان.

كما أن هناك اعتبارات أخرى طارئة، مثل: التوتر السعودي/ الأمريكي، والحاجة الإيرانية.

التوتر الأمريكي/السعودي: ارتفع التوتر بين البلدين منذ ولاية باراك أوباما الثانية،

وشهدت تحسن بسيط في ولاية دونالد ترامب، لكن في إدارة جو بايدن كان التوتر وصل

مستويات قياسية منذ الحملة الانتخابية، اعتمد بايدن في حملته في السياسة الخارجية

المتعلقة بمنظمة الشرق الأوسط على: جعل السعودية منبوذة، إنهاء حرب اليمن، العودة

إلى الاتفاق النووي. لكنه فشل فشاً ذريعاً فيها فقد زار المملكة في يوليو/تموز ) 2022 (،

ولم تنته حرب اليمن، بل شجع قراره إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب الأمريكية هجماتهم

العابرة للحدود والملاحة الدولية وتوسعت المعارك الداخلية.وفشل في عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران رغم التنازلات التي

قدمتها إدارته، بل يقوم النظام في طهران بتزويد روسيا بالطائرات المسيّرة التي تستخدم

في أوكرانيا؛ وهو ما يثير غضب واشنطن وحلفائها الغربيين بسبب تأثيرها الكبير على البنية

التحتية والطاقة الأوكرانية، وهو تحذير كان يمكن أن يكفي مواجهته في اليمن والخليج قبل أن ينتقل إلى أوروبا الشرقية.

يجد الديمقراطيون أنفسهم في مواجهة مواقفهم السلبية في الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني ) 2022 (، بعد خفض السعودية انتاج النفط وارتفاع التضخم في الولايات المتحدة. الملف الوحيد الذي كان بايدن يزعم تحقيق تقدم فيه هو الملف اليمني بسبب الهدنة، لكن تصعيد الحوثيين وتصنيف الحكومة اليمنية للجماعة منظمة إرهابية

يفتح باب صراع طويل الأمد في البلاد. بذلك تكون سياسة بايدن في الشرق الأوسط خلال العامين الأولين فاشلة وفقدت الكثير من التفاعل مع حلفاءها في ظل تهديد تواجهه بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا وتنامي القوة الصينية العالمية.

في ردة فعل غضب من الديمقراطيين وبعضاً من الجمهوريين، بفعل قرار أوبك+،

يجري دراسة مشاريع قوانين في الكونجرس وفي البيت الأبيض بشأن تقليص بيع الساح

للسعودية، أو الإبطاء بتسليم دفعة من الدفاعات الجوية باتريوت التي تعترض صواريخ

الحوثيين وطائرات المسيّرة 15 . إضافة إلى إقرار قانون «نوبك» الذي يحظر احتكار التكتات

الاقتصادية في الولايات المتحدة؛ وهو ما سيؤثر بشكل كبير على العلاقة بين دول

الخليج والولايات المتحدة. ومن غير المتوقع أن تجد مشاريع تلك القوانين النور في وقت

قريب لكنها بالتأكيد ستؤثر على مدى دعم واشنطن للسعودية في حرب اليمن واحتمالية المقايضة المواقف والدعم الأمريكي مقابل الإجراءات السعودية. لكنها في كل الحالات ستأتي بعد انتهاء الانتخابات النصفية.

 

نقلا عن مركز أبعاد للدراسات

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد