صراع المصالح والنفوذ... هل تتحول الرياض إلى فقاسة لتمرير شروط الحوثيين 

2022-11-27 23:55:42  أخبار اليوم – تقرير خاص

 

تتصاعد وتيرة التهديدات الحوثية خلال الأيام الماضية بشكل قد ينذر بكارثة، لا سيما مع توعدهم بما أسموها "معركة بحرية"، في الوقت الذي هاجموا فيه موانئ تصدير النفط الخام في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في محافظتي "شبوة" و"حضرموت" شرق البلاد .

ومنذ منتصف أكتوبر الماضي، نفذت ميليشيا الحوثيين الإرهابية، هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على ثلاثة موانئ، وصفتها بـ"التحذيرية"، لسفن كانت بصدد نقل النفط الخام ضمن عمليات التصدير للنفط اليمني

وفي 10 نوفمبر/ تشرين الجاري، أعلن المتحدث باسم ميليشيا الحوثيين، يحيى سريع، إفشال ما وصفها محاولة نهب النفط الخام من ميناء "قنا" في محافظة "شبوة . "

في الوقت ذاته، تبدو المباحثات بين المملكة العربية السعودية، وميليشيا الحوثيين الإرهابية، كما لو كانت تسير في اتجاه اتفاق شامل ومرضٍ للطرفين، بعيدًا عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتي قادت الرياض تحالفا لدعمها

ومنذ أشهر، لم تتوقف التسريبات الكاشفة عن مباحثات سعودية حوثية، وبوساطات إقليمية ودولية، كما لم يتوقف تسريب بنود الاتفاق الأولية بين الطرفين، فضلاً عن إطلاق مبادرات تحمل مؤشرات تسعى لتعزز إمكانية انتهاء الحرب في اليمن

غير أن ميليشيا الحوثيين المصنفة كـ"منظمة إرهابية" من قبل الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ومجلس القيادة الرئاسي ولجنة الدفاع المشتركة، وضعت شروطًا للعودة للهدنة، منها أن تصبح شريكًا سياسياً للحكومة الشرعية في تقاسم عائدات النفط والغاز

تهديدات حوثية  

في السياق، كشف الجيش الوطني، في وقت سابق، أن ميليشيا الحوثيين أجرت تجربة لإطلاق صاروخ مضاد للسفن من صنعاء، وسقط في غرب الحديدة (غربي اليمن) في المياه الدولية، وفق تصريحات نقلها موقع وزارة الدفاع اليمنية "سبتمبر نت ". 

وقال المتحدث باسم الجيش عبده مجلي: "إن هذا التهديد، وغيره من التهديدات التي سبقته، بقصف الموانئ في محافظتي "شبوة وحضرموت"، وغيرها من الاستهدافات الإرهابية بالطائرات المتفجرة، تُعدّ تقويضاً للأمن الإقليمي والدولي ". 

وكانت تهديدات ميليشيا الحوثيين بشكل أوضح على لسان رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية التابعة للميليشيات عبد الله الحاكم، الذي قال في 10 نوفمبر الحالي: "إن المواجهة البحرية المتوقعة قد تكون من أشد المعارك مع العدوان (التحالف الذي تقوده السعودية)". حسب تعبيره.

وأضاف: "من الخطأ الركون إلى الهدنة أو التهدئة، والمطلوب تعزيز أنظمة وأدوات الردع عسكرياً واقتصادياً وعلى كل الصعد ". 

وجاء حديث القيادي العسكري عقب هجوم ميليشيا الحوثيين الأخير على ميناء "قنا" النفطي في محافظة "شبوة"، والذي لاقى إدانات دولية واسعة.

وعن الهجوم، قال مهدداً: "إنه رسالة واضحة، وليست عابرة، بل هي جدّية، والرسائل المقبلة ستكون أشد وأنكى".

وتابع: "البحر مليء بدول العدوان ووسائله العسكرية، وهي تناور وليست صادقة في إنهاء الحرب ". 

تنازلات حكومية  

قدمت الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ومجلس القيادة الرئاسي الكثير من التنازلات السياسية والعسكرية، وكلها كانت تحت ضغط سعودي الهدف منه إرضاء ميليشيا الحوثيين الإرهابية، وإجبار اليمن حكومةً وشعبًا على القبول باشتراطات الميليشيا أيًا كانت

حملت المحادثات التي تجريها الرياض مع ميليشيا الحوثيين المصنفة كـ"منظمة إرهابية" من قبل الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ومجلس القيادة الرئاسي ولجنة الدفاع المشتركة، حملت فاتورة باهظة الثمن، ووحدها الحكومة اليمنية من أجبرت على دفعها

وتعكس المفاوضات السرية بين السعودية وميليشيا الحوثيين جزءًا من مؤامرات المملكة وتخبطها في اليمن ومحاولتها الإمساك بجميع خيوط اللعبة، لكن لم يتحقق أي شيء رغم أن تلك المفاوضات بدأت منذ العام 2016، وما زالت مستمرة بشكل متعثر ومتقطع حتى الآن

وبحسب تسريبات، يشكل أمن الحدود والهجمات الحوثية على أراضي المملكة والعلاقات المستقبلية بين الطرفين أهم محاور تلك المفاوضات، وفق ما يتسرب لوسائل الإعلام من معلومات بشأنها

ليست هذه المفاوضات الأولى من نوعها، بل أنه بعد فشل جميع المفاوضات السرية السابقة بين السعودية وميليشيا الحوثيين، دعا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال مقابلة بثتها قنوات فضائية سعودية بالتزامن، في أواخر أبريل 2021 .

حينها دعا بن سلمان ميليشيا الحوثيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات "للوصول إلى حلول تكفل حقوق الجميع في اليمن وتضمن أيضاً مصالح دول المنطقة". وقال إن " العرض المقدم من السعودية (لمليشيا الحوثيين) هو وقف إطلاق النار والدعم الاقتصادي وكل ما يريدونه مقابل وقف إطلاقهم النار والجلوس على طاولة المفاوضات ". 

هذه التصريحات التي حملت نبرة تصالحية غير مسبوقة وعروضًا مغرية لمليشيا الحوثيين مقابل وقف هجماتها على المملكة، رافقتها أيضا نبرة تصالحية مع إيران مبالغ فيها، حيث قال محمد بن سلمان خلال المقابلة المذكورة: "نريد إيران مزدهرة.. لا نريد أن يكون وضع إيران صعبًا، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو ويكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار ". 

وتابع: "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية لإيران سواء برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج صواريخها البالستية ". 

هذه النبرة التصالحية التي كثيرًا ما خرج بها الخطاب السعودي، كان أيضاً يحمل خسارة كبيرة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والتي قادت الرياض تحالفا لدعمها، وكانت خسارة الحكومة سياسية وعسكرية

لكن في الواقع، ما تسرب من معلومات حتى الآن بشأن الأهداف من المفاوضات السرية بين السعودية وميليشيا الحوثيين، يتمحور حول وقف هجمات ميليشيا الحوثيين على أراضي المملكة، وأمن الحدود، وإقامة منطقة عازلة على طول حدود المملكة مع اليمن، ووعود بتقديم الدعم الاقتصادي للميليشيا الحوثية" وكل ما يريدونه"، وفق تعبير محمد بن سلمان

كل هذه التنازلات من الرياض قائدة التحالف العربي الداعم للحكومة، ستكون مقابل وقف إطلاق النار، لكن مجمل الأهداف المذكورة يمكن للسعودية تحقيقها من خلال التدخل العسكري الواسع والدعم الجاد للحكومة الشرعية والجيش الوطني وبالتالي إنهاء الانقلاب، كون كل مخاوف المملكة يمكن حلها دفعة واحدة من خلال إنهاء الانقلاب الحوثي بقوة السلاح

غير أن استمرار المفاوضات السرية بين المملكة وميليشيا الحوثيين يعني أن الحسم العسكري ليس واردًا في أجندتها، وأن مفاوضاتها السرية مع ميليشيا الحوثيين - بمعزل عن الحكومة الشرعية - تكشف عن نواياها بتعمد إطالة أمد الحرب في البلاد، ولكنها تبحث عن ترتيبات تضمن انحصار الحرب على الداخل اليمني ووقف هجمات ميليشيا الحوثيين عليها، وربما هناك أهداف مجهولة ما زالت طي الكتمان، ولتحقيقها تتخذ السعودية من تهميشها المستمر للحكومة الشرعية والتواصل مع ميليشيا الحوثيين وإطالة أمد الحرب وسيلة لذلك

شروط حوثية  

ورأى الباحث في الشؤون العسكرية علي الذهب أن " ميليشيا الحوثيين، بعد أن ضمنوا توقف العمليات الجوية للتحالف مقابل عدم استهداف أراضي السعودية، يستخدمون ورقة تهديد الملاحة الدولية وسيلةَ ضغط أخرى لتحقيق مكاسب إضافية ". 

وأشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن " ميليشيا الحوثيين يريدون تحقيق شروطهم من أجل تمديد الهدنة، عبر صرف الرواتب من قبل الحكومة اليمنية، بالآلية التي يقترحونها، وهي الإشراف المباشر على الصرف بناء على كشوفاتهم ". 

وأضاف: "المجتمع الدولي يخشى على مصالحه البحرية من تدفق النفط وسلاسل الإمداد التجارية الدولية، بشكل عام، في منطقة حساسة، وهي البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لذا يضغط على الحكومة والتحالف للتنازل لميليشيا الحوثيين ". 

ولفت الذهب إلى أن " ميليشيا الحوثيين يقومون بعمليات استنطاق بالقوة تستهدف مناطق حساسة، إذ قصفوا مقر خفر السواحل اليمنية وموانئ "الضبة وقنا والنشمية"، ولم يواجهوا بأي رد عنيف من قبل الحكومة أو التحالف، لأن المجتمع الدولي يرفض أن تتسع التهديدات البحرية باليمن ". 

وتابع: "هناك استعداد من قبل ميليشيا الحوثيين لعمليات مشابهة، بعد أن ضمنوا عدم رد الفعل، والهدف واضح لتحقيق مكاسب في التفاوض الذي يجرى حالياً، بالإضافة إلى إضعاف بعض مراكز القوة الفاعلة ضدهم في منطقة البحر الأحمر ".

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد