السرطان في المنطقة العربية

2023-02-11 22:53:49 فيصل بن أحمد الشميري

 

ينتشر السرطان بشكل مُتزايد حول العالم، ولطالما سمعنَّا أخبار من هنا وهناك، عن اكتشاف علاج جديد له، وطريقة ناجعة للقضاء عليه، ومع هذا، ما زال يغزو المجتمعات ويتفشى بكل عمق بين الأفراد، لا يفرق بين عمرٌ، ولا فئة، ليصيب الجميع، السرطان لم يعدّ داء العصر وحسب، بل الداء المُقلق للحكومات والمنظمات والهيئات والمجتمعات والأسر، تدور حوله الكثير من التساؤلات، هل فعلاً مرض، أم عمل مُدبَّر، أم نتيجة لسلوك العصر، أم أنه الحظُ السيئ. ويعرف السرطان، بأنه نمو غير طبيعي للخلايا، يعمل على تدمير الخلايا السليمة، فلا تؤدي وظائفها بكل بساطة. إلا أننا هنا سوف نتطرق لنسبة السرطان في الوطن العربي ومقارنته ببعض دول العالم، وما هي الأسباب التي قد تحدُّ من عدد حالاته.

غصنا في بحث علمي حديث نُشر في أكتوبر 2022، حول السرطان، وما هي الأسباب التي جعلت المنطقة العربية، الأقل على مستوى العالم، فقد ذكرَّ الباحثون، الكثير من الأسباب، منها ما هي مادية كنوع الغذاء كالتوابل والمنكهات الطبيعية والرياضة، وبين الأسباب الروحية والمعنوية، كالعبادات ومنها ما هو مُثير، ويدعو للتأمل والتدبُّر.

وفي إحصائية صادرة من المرصد العالمي للسرطان (IARC) للعام 2020، سلطت الضوء على أكثر الدول العربية نسبةً للسرطان، وقد استحوذت مصر على المركز الأول، حيث إن هناك 160 حالة سرطان لكل مائة ألف نسمة، ثم لبنان 157، ثم الأردن 155، فالمغرب 148، والجزائر والعراق 135، وتونس 133، ليبيا 132، الكويت 116، البحرين 112، قطر والإمارات 107، عُمان 104، وكانت الأقل حالات من بين الدول المدروسة هي المملكة العربية السعودية وجمهورية السودان 96 حالة.

وعلى نفس السياق، تعتبر اليمن من الدول التي تعاني من ظهور وتطور السرطان، حيث بلغت عدد الحالات طبقاً لآخر إحصائية متوفرة لسنة 2017 بعدد 11.360 ألف حالة سرطان، ولكن هذا العدد أعتقد أنه غير دقيق لعدة أسباب، عدم وجود قاعدة بيانات حقيقية ودقيقة نظراً للظروف الراهنة التي تمرّ بها البلد، بالإضافة إلى غياب الاتصال الصحي الفعال، بين المحافظات، واضمحلال نشاط مراكز السرطان في اليمن، والتي اكتفت بقليل من الرسائل التوعوية البسيطة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وللمقارنة بين دول العالم الأكثر انتشارًا فيها لحالات السرطان، حيث بلغت عدد الحالات في أستراليا 452.5 حالة لكل مائة ألف نسمة، وبذلك تكون في صدارة الدول، التي تعاني من ارتفاع عدد حالات السرطان عالميًا ، ثم نيوزلندا 423، أيرلندا 373، أمريكا 362، الدنمارك 351، هولندا 350، بلجيكا 349، كندا 348، فرنسا 342، هنجاريا 338، بريطانيا 320، سويسرا 318، ألمانيا 313 حالة. طبقاً لنفس الإحصائيات للدراسة البحثية، مما يدلل على أن أعلى دولة عربية كانت مصر بعدد 160 حالة، والتي لا تمثل سوى 51 % تثريباً النصف، من عدد الحالات في ألمانيا وهي تعتبر الأقل من بين دول العالم الداخلة في الدراسة.

وتشير الإحصائيات الدولية، أن السرطان يتسبب بوفاة 10 ملايين سنوياً حول العالم، وتقريباً نصف مليون سنوياً في منطقة الشرق الأوسط فقط، وذلك بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية 2022م ومن المتوقع أن يزيد العدد للضعف بحلول 2030، وكان العدد في نفس الفترة في قارة أفريقيا أعلى حيث وصل إلى سبعمائة ألف وفاة سنوياً، ومن المتوقع أن يرتفع العدد في جميع أنحاء العالم إلى أكثر من 60 % في الخمسةِ عشرةِ السنة المُقبلة، إلى أكثر من ستة عشر مليون وفاة سنوياً، وذلك بسبب التحولات الغذائية، والصراعات، والإشعاعات، والحروب، والمواد البيولوجية المُستحدثة، والمواد الكيميائية المُسرطنة، وضعف الرعاية الطبية، وخاصة في الدول المُتدنية الدخل، والفقيرة، على حدٍّ سواء، خاصة دول إفريقيا، وبعض دول العالم الثالث، والشرق المتوسط، هذا العبء على البشرية، يضيف لأعبائها المختلفة، كما أن المجتمعات الثرية ستعاني الكثير أيضا، فالنمط الغذائي وشرب الكحوليات والراحة المُفرطة، والعلاقات المتعددة، تعتبر من الأسباب الرئيسية لانتشار الأمراض عموماً.

وقُسمت أنوع السرطان عالمياً، بحسب موقعها من الجسم، حيث استحوذ سرطان الثدي على نسبة 22.38 %، والرئة 21.88 %، والقولون والمستقيم 19.11 %، والبروستاتا 13.96 %، والجلد 11.88 %، وأخيراً المعدة بنسبة 10.79 %. كما أن هناك مناطق أخرى في الجسم تتأثر بالسرطان كسرطان الدماغ والخلايا العصبية، ولكن بنسب أقل من السالفات الذكر.

وعلى الرغم من زيادة معدل السرطان عالمياً في السنوات الأخيرة، إن أن المنطقة العربية لا تزال الأقل بكثير عن نظيرتها الغربية والأوروبية والعالمية عمومًا. ويعزو الباحثين ذلك، لعدة أسباب أهمها كما تم ترتيبها:

الصيام أحد الشعائر الدينية، ومن الفروض المقدسة لدى المسلمين وبعض الديانات الأخرى. المسلمون عُموماً وعلى الأقل يصمون بانتظام شهراً في العام، فضلاً على أن البعض منهم، يصومون أياماً مُتفرقة قد لا تقل عن 3 أيام شهرياً، وصيام ست من شوال، والبعض الآخر يصوم يومين في الأسبوع الإثنين والخميس، وهناك قلة قليلة تصوم كصيام نبي الله داوود -عليه السلام-.

 الصيام الطويل أو الصيام المتقطع له عده فوائد حسب ما ذكرته الدراسات العلمية، حيث يجعل الخلايا تتعود على الإجهاد، ويحمى الخلايا الطبيعية، ويعزز إنتاج الخلايا الجذعية، ويعزز أيضا حساسية الخلايا للعلاج، ومن فوائد الصيام التخلص من المواد الضارة، والمؤكسدة للخلايا، وسرعة حدوث الموت المبرمج للخلايا التالفة، ومن شأنه تقوية الجهاز المناعي، ويقلل من حدوث الالتهابات الداخلية، وتحفيز عملية الالتهام الذاتي، وهي أحد الآليات المُتبعة في الجسم للتخلص من الخلايا التالفة والخاطئة والشاذة وإعادة تدويرها، كما أن للصوم دورًا في إبطاء نمو السرطانات، وتعزيز معدل تجديد الخلايا، وإفراز الأنزيمات الكابتة أو القاهرة للأورام.

ومن الأسباب التي جعلت المنطقة العربية الأقل عالمياً الغذاء. المطبخ العربي يتميز بالتنوع حدَّ الثُمالة، إلا أنه يرتكز على مكونات تكاد تكون موجودة في كل وجبة أو طبخة أو صفة، كاستخدام التوابل والبهارات مثلا:

الكركم حيث أظهرت أحدث الدراسات العلمية فعاليته في القضاء على السرطان والحد من انتشاره.

القرفة، تكاد تكون في كل المشروبات الساخنة مع البن والشاهي مع الحلويات في الأكل، وقد ثبت أن لها تأثيرا مضادا للسرطان من خلال تعزيز المسارات التي تساعد في التخلص من الخلايا الميتة.

الهيل وله عدة مُسميات في المنطقة العربية، وقد وجد به الكثير من المركبات التي تزيد من نشاط الأنزيمات التي تحدُّ من السرطان، وكذلك تعزيز قدرة الخلايا القاتلة على مهاجمة الأورام السرطانية.

الزعفران، له ميزة انتقائية ضد الخلايا السرطانية من خلال التأثير على الأحماض النووية وزيادة معدل الموت المبرمج والتعبير الجيني.

جوز الطيب حيث ثبت أنه يعمل على تثبيط جوانب التمثيل الغذائي للخلايا السرطانية ومن شأنه ضمورها وسهولة قتلها، كما يحافظ على معدل التمثيل للخلايا الطبيعية.

الحبة السوداء، أبحاث عديدة وإثباتات علمية فريدة تتحدث عن دورها في الجسم بشكل كبير وقد استخدمت منذ آلاف السنين فهي مضادة للالتهابات ومضادة للبكتيريا ومضادة للهيستامين ومضادة أيضًا للسرطانات.

تنوع تناول الفواكه والخضروات والتي لها دور محوري في الاستفادة منها كمضادات الأكسدة، وتعزيز المناعة وتنشيط عمل القولون.

ومن الأشياء التي جعلت المنطقة العربية أقل في معدل عدد حالات السرطانات، هو إن ديننا الحنيف يحرم علينا تناول الكحوليات، فلقد أثبتت الدراسات العلمية، أن الكحول مرتبط بالعديد من أنواع السرطانات، وكذلك التبغ، حيث أظهرت الدراسة أن نسبة المُدخنات في المنطقة العربية الأقل، مقارنة بالدول الغربية، وهناك ارتباط وثيق، بين الأم المدخنة والسرطان، وظهور التشوهات الجنينية، وزيادة معدل ظهور السرطانات مرتفع جداً. وعند النظر لنسبة المدخنات من النساء في بعض دول العالم العربي، كانت كالتالي، مصر 0.4 %، الكويت 2.5 %، الجزائر 0.8 %، المغرب 0.9 % السعودية 2.1، قطر 2 %. وكانت النسبة الأعلى في لبنان، وهذا يفسر سبب ارتفاع السرطانات في لبنان طبقاً للإحصائية، مقارنة ببقية دول الوطن العربي، فهي تقترب ثقافةً وتقليداً سيئاً للغرب، حيث بلغت النسبة 28.7 % وهي نسبة مُخيفة بمعنى أن من بين 100 سيدة لبنانية، هناك 29 منهم تدخن بتعدد انواعه...!

وفي نهاية لسرد الأسباب التي ذكرها الباحثون، والتي جعلت المنطقة العربية الأقل انتشاراً لحالات السرطان، هو التركيب الجيني ومدى الاستعداد الوراثي، فقد ذكر كثير من الباحثين أن العوامل الوراثية لدى "العرق العربي" أقل حدوثاً للطفرات الشاذة، وقد يعود ذلك ومن المحتمل للسلوك السوي، المنبثق من التعاليم الإسلامية، في الزواج وفي العلاقات، وفي الالتزام بالتوقيت، والفروق وما إلى ذلك. هذه التعاليم التي شرَّعها الربُّ، والتي وجدت لحماية البشرية. وفي دراسة علمية أجريت في إندونيسيا التي ربطت الإيمان العميق وأداء العبادات وعلى رأسها الصلاة، فمن شأنها تحدُّ من تأثير السرطان، بل والقضاء عليه في حالات كثيرة.

يا عرب، وَيْلٌ لكم من السرطانِ قد أقترب، وقبل التغريب الكبير والغضب، والتقليد الأعمى للغرب، بثقافته وسلوكه وغذائه المُلبد، يجب الابتعاد عن الوجبات السريعة والأكلات المُصنعة، وعن شرب الكحوليات بتعدد أنواعها، وعن التدخين بأنواعه، وعن السهر، وعن التهاون بالعبادات كالصيام والصلاة، وعن الإسراف والتبذير في الأكل، ويجب أن نعلم علم اليقين أن الخطوات التي تذهب بها إلى المسجد، هي خطوات الصحة، صحة الجسد والعقل والتفكير والإنتاج والإبداع.

وختاماً ولكي نقى انفسنا من السرطان، حسب التوصيات العالمية، يجب أن نتبع نظاما غذائيا صحيا متنوعا، يشمل الفواكه والخضروات، مع الحفاظ على وزن الجسم المثالي، وممارسة النشاط البدني والروحي، وتجنب تعاطي التدخين والكحوليات، بتعدد اسمائها وانواعها ونسبها، وكذلك الاعتماد على الإرضاع الطبيعي المنتظم، الذي من شأنه يحافظ على نشاط خلايا الثدي، وكذلك تجنب التعرض للإشعاعات الضارة، كالتعرض لأشعة الشمس في الأوقات الخاطئة، والأجهزة الباعثة للإشعاعات عموماً، والتصوير الطبِّي قدر الإمكان، والابتعاد عن المناطق الملوثة بالعوادم والنفايات ومخلفات المصانع والمعامل الكيميائية، كما ينوه المختصون بضرورة الفحص المبكر، او الفحص الدوري، لملاحظة أي تغير في الخلايا، من خلال بعض التحاليل والفحوصات والإنزيمات الكاشفة، وكلما كان الكشف عن الحالة مُبكرًا، كان من السهل القضاء عليه والعكس.

*باحث بجامعة الملك سعود

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد