لبوزة … روح سبتمبرية وإيقونة أكتوبرية

2024-10-28 20:38:10 أخبار اليوم /علي محمود يامن

  

قليل من البشر هم من يصنعون التاريخ ويشيدون في مستقبل الأوطان مداميك الحرية وتخلد ذكرى وجودهم في هذه الحياة بسيرة خالدة من النضال والتضحية والبسالة يحملون المبادئ العظيمة والقيم السامية يفدون بأرواحهم أوطانهم حاجتهم الأولى ودافعهم الأقوى للكرامة والحرية وعزة أوطانهم ورفاه شعوبهم.

- هنالك علاقة قوية بين المعاناة التي ينشأ عليها الأطفال وخصوصا اليتم المبكر الذي يصنع نفوس قوية وإرادات صلبة في مواجهة معترك الحياة لذلك كانت نسبة كبيرة من ثوار سبتمبر وأكتوبر هم من خريجي مدرسة الأيتام أو ممن قسى من انعكاسات فقدان الأب المبكر ومن أولئك الأبطال الشهيد البطل واحد أهم مناضلين الثورة اليمنية "سبتمبر وأكتوبر" راجح بن غالب لبوزة أول من أشعل ثورة 14 أكتوبر وأول من استشهد فيها.

- نشأ يتيماً وكان مولده في ردفان محافظة لحج في وادي دبسان، له أخ واحد محمد غالب لبوزة، توفي والدهما وهما في سن الطفولة حيث كفلتهما والدتهم، وترعرعا في منطقة ردفان، حيث تزوج في العام 1914م، وله من الأبناء أربعة، أكبرهم بليل راجح الذي يعد من الطلائع الأولى لانطلاق أول شرارة لثورة 14 أكتوبر المجيدة، وكان مع أبيه يوم استشهاده.

- حمل على عاتقه هم أعالة وتربية أسرته فواجه ظروف الحياة القاسية وشظف العيش ليوفر أبسط احتياجات الحياة لأسرته فخاض في طفولته معركة غير متكافئة مع قساوة الطبيعة وصعوبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتفشي ثالوث الفقر والجهل والمرض والاستبداد متسلحا بإرادة لا تقهر وعزيمة تفل الحديد ونفس تواقة إلى الحرية أبية على الضيم عصية على الخضوع تقدير النضال من أجل تحرير الوطن من كهنوت الإمامة وظلم المستعمر الغاصب.

- تمتع الشهيد بالحكمة والحنكة والقدرة على التأثير وقيادة المجتمع على الرغم من كونه لا يجيد القراءة والكتابة لكنه ابن البادية التي تصنع الأبطال على مدار التاريخ واتسم بالشجاعة وقوة الشكيمة والقدرة على مواجهة الأخطار فشكل حالة الهام وقدوة لبناء جيله.

- مطلع العام 1839م قامت البحرية البريطانية بالسيطرة على مدينة عدن ثغر اليمن الباسم ودرة مدن الجزيرة ونتيجة لفارق الهائل في الإمكانيات والمعدات والتسليح بين المقاومة الشعبية التي استبسلت في الدفاع عن المدينة وبين قوات الامبراطورية البريطانية التي "لا تغيب عنها الشمس" بحجة واهية لتبرير اعتدائهم على المدينة، ففي عام 1837 جنحت سفينة هندية تسمى "دريادولت" وكانت ترفع العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن، وأن السكان اعتدوا عليها ونهبوا محتوياتها.

- ضاعف الاستعمار واقع التخلف والانقسام في سلطنات وإمارات الجنوب التي بلغ عددها 21 إمارة وسلطنة ومشيخية، مستقلة ومتناحرة فيما بينها، حتى أصبح الاستعمار هو الرابط الوحيد الذي يجمعها بدلاً عن الروابط الوطنية والدينية والثقافية.

- بدأت لديه روح المقاومة للاستعمار منذ وقت مبكر وشعور وطني بضرورة إجبار المحتل على الرحيل فبدا يبث في رفاقه روح المقاومة ويعزز في نفوسهم نزعة الوطنية والعمل على تشكيل مجاميع سرية مقاومة من أبناء ردفان لمقارعة المستعمر، وكان بداية عملها المسلح في عام 1942م حيث كانت توجد ثكنة عسكرية لجيش شبره التابع للقوات البريطانية في منطقة ردفان في جبل الحمراء الحبيلين، فقاد أول مجموعة لمهاجمة ذلك المركز بالأسلحة الشخصية، وقام بالقضاء عليها وإجلاء ذلك المركز البريطاني

 - في العام 1957م التقى بمجاميع نضالية في قرية الثمير الحبيلين، عندها أمر الضابط السياسي البريطاني بقصف المنزل بالطائرات «هوكر هنتر» قاوم الثوار تلك الطائرات ببنادقهم الألمانية حتى تم إسقاط طائرتين مهاجمتين

- مع اندلاع ثـورة 26سبتمبر 1962م، عمل الشهيد صلحاً بين قبائل ردفان ليتمكنوا من الالتحاق بالثورة الوليدة.

 - في أواخر مارس 1963م هب ثوار الجنوب ومنهم أبناء ردفان، لمساندة الثورة بقيادة الشيخ الثائر راجح بن غالب لبوزة الذي التحم بالصفـوف الأولى للمُواجهة، ومعه مجاميع من ثوار ردفان الأبية قرابة 300 مُقاتل قسمت إلى مجموعتين بقيادة المناضل راجح لبوزة، والمناضل سيف مقبل القطيبي، وشكلوا بذلك روح وطنية ملتحمة وأرسوا مداميك واحدية الثورية اليمنية واتحاد المسار النضالي ضد الإمامة والاستعمار.

- تمركزت مجموعة الشهيد الوزة في محور عبس وطاردت فلول الأمام المخلوع محمد البدر الى جبال المحابشة وقتال فلول الإمامة في الوعلية والمفتاح ضمن وحدات لجيش الجمهوري والقوات العربية المصرية قرابة ثلاثة أشهر وسطروا بطولات في الدفاع عن ثورة سبتمبر وتلاحم أبناء اليمن ضد الكهنوت الإمامي،

وخاضوا معارك بطولية في محور عبس والمحابشة والتي تتواجد فيها قوات مصرية بقيادة اللواء عبدالمنعم رياض وكانت تتواجد هناك مجاميع إمامية شكلت حاصرت عسكريا على أبناء ردفان والقوات المصرية، فتقدم الشهيد لبوزة بمجموعة تتجاوز خمسين مقاتلاً، فكت الحصار، واستشهد مجموعة من مقاتلي ردفان في تلك المعركة،

 مسجلين أنصع الصفحات المشرقة من البطولة والإقدام وتحقيق الانتصارات العظيمة

 سقط خلال الكثير منهم شهداء وجرحى وكانت بطولاتهم مثار إعجاب وتقدير كل أبناء اليمن

 وعند وصول تلك الأنباء البطولية طلبت القيادة بصنعاء وصول القائد لبوزة ومجاميعه إلى العاصمة صنعاء.

- في صنعاء عقد لقاء ضم المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية وبرفقته مستشار الرئيس ووزير شؤون الجنوب المحتل قحطان بن محمد الشعبي ومحمد علي الصماتي وثابت علي وعبدالحميد بن ناجي وآخرين لمناقشة خطة العمل الثوري والنضالي ضد الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن.

 وأقر الاجتماع عودة المجموعة برئاسة الشهيد لبوزة إلى ردفان لإشعال فتيل الثورة ضد المحتل البريطاني وترك للثور قرار تحديد المكان والزمان والآليات.

- تلقت الطليعة الأولى من ثوار 14 أكتوبر، تدريبات في إب بقيادة راجح لبوزة، ونظّمت نفسها في تعز،

 - أغسطس 1963م، أوقدت "الطلائع الجنوبية المدافعة عن ثورة سبتمبر" ضد فلول الإمامة

 جذوة الكفاح المسلح ضد "الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس".

عاد المناضل لبوزة من صنعاء إلى ردفان ومعه تلك الطليعة الباسلة الدين يقدرون بسبعين مناضلا، تم توزيعهم إلى أربع مجموعات، قاد لبوزة وابنه بليل اثنتين منها،

- أكتوبر 1963م أرسل الضابط السياسي البريطاني ني ميلن إلى المناضل لبوزة، وطلب منهم تسليم نفسه ومجموعته، مع أسلحتهم، ودفع 500 شلن على كل فرد؛ كضمانة بعدم مقاتلة فلول الإمامة في الشمال الذي تمثل حليف لبريطانيا في مواجهة الثوار والتخاذم ضد حركات التحرر الوطنية من الاستعمار الغربي.

 قرر جميع الثوار عدم الاستسلام. ورد الثائر لبوزة برسالة ارفقها بطلقة رصاص جاء فيها:

 «عُدنا إلى بلدنا، ولم نعترف بكم ولا بحكومة الاتحاد المزيفة، وإن حكومتنا هي الجمهورية العربية اليمنية، ونحذركم من اختراق حدودنا».

- 13 أكتوبر 1963م قررت السلطات البريطانية التوجه صوب ردفان، لإلقاء القبض على مجاميع الثائرة التي عادة من الشمال، تحركت إلى وادي المصراح، واخترقوا الوادي، فاعتقلوا المناضل أحمد مقبل عبدالله أحد رفاق الوزة وعند ما وصل الخبر إلى لبوزة، أمر الجميع بتجهيز أنفسهم والتحرك باتجاه وادي «ضرعة» وحيد ردفان، على أن يكون اللقاء رأس جبل «البدوي» في المساء، والإعداد للقيام بهجوم على مركز القوات البريطانية في منطقة الحبيلين رداً على اعتقالها لأحمد مقبل.

وفي منتصف الليل بعد أن تجمع الثوار وفاق عددهم الـ 70 رجلاً أمرهم لبوزة بالتفرق على شكل مجاميع صغيرة

- 14 أكتوبر 1963م قرر الثوار المواجهة وتمترسوا فوق جبل البدوي المـُـطل على الحبيلين،

لتدور في صبيحة ذلك اليوم الخالد مواجهات شديدة بين الطرفين، استمرت لأربع ساعات،

  قسّم فيها الثوار إلى أربع مجموعات..

الأولى بقيادة بليل راجح لبوزة هجمت على مقدمة القوات الإنجليزية وتصدت لها بقوة ولم يسمح لها بالانتشار أو بالتقدم.

المجموعة الثانية بقيادة الشهيد الوزة قامت بإطلاق النار على مؤخرة الجيش البريطاني، الذي لجأ إلى القصف المدفعي المكثف، والتركيز على المجموعة الثانية.

المتمركزة في أكمة «الضاجع»، وكان الشهيد قد تقدم على مجموعته هو وشخص آخر اسمه سعيد حسين العنبوب، فيما رأى مقدمة القوات تراجعت للوراء، وفي الساعة الحادية عشرة ظهراً أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة فأصابته منها شظية في الجانب الأيمن تحت الإبط اخترقت جسده حتى الجانب الأيسر على موقع القلب في حين كان قابضاً على سلاحه يطلق النار على مؤخرة القوة..

وفيها ارتقى الثائر لبوزة شهيدًا عن عمر يناهز الـ 64 عامًا، متأثرًا بثلاث شظايا لقذيفة مدفعية اخترقت جسده الطاهر.

استطاع الثوار منع تقدم القوات البريطانية التي ترافقها الدبابات والمدافع والطائرات وأجبروها على التراجع.

ويذكر "محمد عباس ناجي الضالعي" في كتابه حقائق جديدة عن الانطلاقة الأولى لثورة 14 أكتوبر)، أن القوات البريطانية لم تستطع التقدم متراً واحداً أمام ضراوة القتال والاستبسال اللذين أبداهما المرابطون في ردفان، وشكل استشهاد قائد الثورة راجح لبوزة مرحلة جديدة توسع فيها الكفاح ليعم كل أرجاء جنوب الوطن اليمني المحتل.

وفي اليوم الثاني لاستشهاد لبوزة تم دفن جثمانه في قرية الذنب بمنطقة «عقيبة» بحضور حشد جماهيري كبير، جمعيهم وقفوا على قبر الشهيد

وتعاهدوا على مواصلة الكفاح، الذي قاده أسد ردفان وفارس الثورة الأكتوبرية وأول شهدائها، الذي أشعل فتيل مرحلة جديدة من النضال ضد المستعمر.

- اختاروا ولده بليل قائدًا لهم، وجعلوا من وادي دبسان مسقط رأس الشهيد مقرًا لعملياتهم العسكرية

وأصدرت الجبهة القومية لتحرير الجنوب بيان نعت فيه الشهيد، جاء فيه: «ونعاهد راجح بن غالب أن نخوض المعركة حتى النصر، مهما كانت التضحيات».

نهاية ذات العام أصدرت قيادة الشرق الأوسط البريطانية في عدن تقريرًا جاء فيه: «أن الشيخ راجح غالب لبوزة قد قاتل قوات الحكومة، وقُتل على يد قوات الحكومة الاتحادية، وكان رجلًا شجاعًا، وصادقًا، ويستحق الاحترام».

بعد هذا أصدرت الجبهة الوطنية بياناً عن انطلاق الثورة من ردفان، واعتبرت أن الشهيد لبوزة هو أول شهيد في ثورة 14 أكتوبر.

عندما تقرأ سيرة الشهيد المناضل راجح لبوزة تتمثل لديك مقولات للمناضل الشهيد عمر المختار الذي واجه الاحتلال الإيطالي لبلاده لكن التاريخ خلده كبطل " إنني أؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الإيمان أقوى من كل سلاح، وحينما يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه إلى النهاية.

- إن الظلم يجعل من المظلوم بطلا، وأما الجريمة فلا بد من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياء.

  • لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي."
                                 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
رئيس منظمة الأسرى: الحوثيون حوّلوا السجون إلى "شركات استثمارية" ويُفشلون المفاوضات

في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد