سفن بوثائق مزورة.. الحوثي يستغل ثغرات الآلية الأممية للهروب من تنفيذ حظر السلاح

2024-11-16 02:00:11 أخبار اليوم / الصحوة نت

   

 وثق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن دخول ست سفن تحمل سلعا محظورة أو مقيدة إلى موانئ محافظة الحديدة التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي الإرهابية، دون الحصول على رخصة تخليص من آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن (UNVIM)، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة الثغرات وأوجه القصور في الآلية حتى تؤدي مهامها في تنفيذ حظر السلاح بموجب قرار مجلس الأمن رقم (٢٢١٦)، ويقرع أجراس الخطر بتداعيات استمرار هذا الوضع على جهود السلام في اليمن ومنطقة البحر الأحمر.

أُنشأت الآلية من قِبل الأمم المتحدة بناءً على طلب الحكومة اليمنية عام ٢٠١٥ لضمان الامتثال لقرار مجلس الأمن سالف ذكره، وفي مايو ٢٠١٦ بدأت مهامها بهدف تسهيل التدفق الحر للسلع التجارية من خلال التحقق والتفتيش، فضلاً عن مراجعة طلبات التخليص، للسفن التجارية التي تبحر إلى الموانئ التي لا تخضع لسيطرة الحكومة المعترف بها وتشمل حصرا موانئ الحديدة على البحر الأحمر.

يتم إدارة وتشغيل الآلية بواسطة مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS) ويقع مقره في جيبوتي.

اعتراف دولي بانتظار العمل

قبل أيام، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار 2758 (2024) القاضي بتمديد ولاية فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة حتى ١٥ ديسمبر ٢٠٢٥ بسبب أن "الوضع في اليمن لا يزال يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين"، ويأتي ذلك بعد تقديم الفريق تقريره النهائي للعام الجاري، والذي أكد فيه أنه "حصل على معلومات من مصدر سري تفيد بأن المرافق المينائية في مينائي الحديدة والصليف تستخدم لتفريغ كميات كبيرة من العتاد العسكري".

وبحسب تحقيقات الفريق، تبين أن السفن المذكورة أنفا تنقل سلعا محظورة أو مقيدة وتستخدم وثائق مزورة صادرة من سريلانكا، بما فيها سفينتين استخدمتا ذات تسجيل واحد نفت سريلانكا وجوده لديها، في حين كانت سفينتان أخريان قد رستا في ميناء بندر عباس بإيران قبل الوصول إلى ميناء الصليف في الحديدة.

وحاول الفريق إعفاء بعثة التفتيش من المسؤولية بزعم أنها غير مسؤولة عن منح رخص التخليص النهائية لمواصلة السفن طريقها إلى موانئ البحر الأحمر، لكنه اعترف في نفس الوقت بأنها تواجه تحديات "كبيرة فيما يتعلق بتوافر التمويل واستدامته خلال السنوات الأخيرة"، وذلك بالتزامن مع "طفرة ملحوظة في كل من عدد السفن وتنوع البضائع المتجهة إلى هذه الموانئ"، نتيجة رفع القيود على استيراد السلع باستثناء السلع التي تعتبر محظورة، منذ فبراير 2023.

وبعد هذا التاريخ بشهرين، توقفت الآلية عن إصدار ونشر التحليل التشغيلي الشهري حول عملياتها على موقعها الإلكتروني، كما تبين ذلك من خلال زيارة الموقع.

في تلك الفترة، كانت الحكومة اليمنية ممثلة بسفارتها في واشنطن قد أكدت ردا على التقارير التي تحدثت حينها عن تخفيف بعض قيود التفتيش أن هذا الأمر غير مقبول وشددت على أهمية عمل الآلية كما ينص عليها قرار مجلس الأمن، ورفضت تجاوزها معتبرة إياها "ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها قبل تحقيق السلام العادل".

اهتمام أمريكي متأخر

بعد حرب غزة وانخراط مليشيا الحوثي في شن هجمات ضد الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب بزعم مناصرة أهل غزة، وما نجم عنه من تأثير على حركة التجارة الدولية في هذا الممر الملاحي الذي تمر منه حوالي ١٢ في المائة من التجارة العالمية، وتأثر اليمن بارتفاع الأسعار جراء الزيادة في تكاليف التأمين على السفن، استشعرت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها الغربيين خطر مليشيا الحوثي على الملاحة البحرية بعد تجاهل ذلك فيما مضى، وأعلنت إنشاء تحالف لحمايتها وتأمين حركة السفن.

كان اللافت في موقف إدارة الرئيس بايدن هو أن هناك تغيرا معينا في تقييم خطر مليشيا الحوثي؛ وأنهم أصبحوا خطرا على مصالح العالم في البحر الأحمر وباب المندب بعد سنوات من اعتبارهم مشكلة يمنية خطرها يقتصر على الداخل اليمني.

وترتب على هذا التغير، تركيز واشنطن على آلية التفتيش الأممية وأهمية تنفيذ حظر السلاح بعد اتهامها لإيران بدعم مليشيا الحوثي بالأسلحة والتكنولوجيا التي باتت تُستخدم في الهجمات ضد السفن، وأدرجت هذه القضايا ضمن نقاشاتها في جلسات مجلس الأمن الخاصة باليمن بهدف دفع الدول الأخرى لتفعيل عمل الآلية للمساهمة في حماية الملاحة.

يتجلى هذا الاهتمام الأمريكي في أكثر من كلمة لممثلي واشنطن في مجلس الأمن، ومن ذلك على سبيل المثال، اعتراف السفير روبرت في يوليو الماضي، بدخول السفن إلى موانئ الحديدة دون تفتيش في ٢٠٢٣ حيث قال "من غير المقبول أن ترسو العديد من السفن في الموانئ الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي دون تفتيش"، مؤكدا على ضرورة "تعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش ونحث المزيد من البلدان على تكثيف جهودها وتقديم المساعدة المالية لدعم هذه المهمة الحاسمة".

كان حماس الدبلوماسي الأمريكي قويا لدرجة أنه توعد الجهات التي تنتهك حظر الأسلحة بالعواقب، مؤكدا أنه يتعين على "أعضاء المجتمع الدولي، مضاعفة جهودنا لوقف التهريب غير المشروع".

ومع تصاعد هجمات مليشيا الحوثي وتوسعها، كانت أمريكا تحاول دفع الدول الأخرى في مجلس الأمن إلى اتخاذ "خطوات لتعزيز آلية التحقق والتفتيش من قبيل دعمها ماليا لسد فجوات نقص الموارد والأفراد"، وأعلنت تقديم مليون دولار للجهة الأممية التي تدير الآلية.

في أكتوبر الماضي، خاطب السفير روبرت زملائه في مجلس الأمن قائلا إنه "الوقت المناسب لكي يتقدم الجميع، ويوفروا الأموال اللازمة لتمكين بعثة الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش من توظيف مراقبين إضافيين والوفاء بمهمتها"، على الرغم إنها ليست مثالية، لكنها برأيه "وسيلة لضمان عدم تهريب الأسلحة والمواد ذات الصلة بشكل غير مشروع إلى مليشيا الحوثي من قِبل إيران أو أي جهة خبيث أخرى".

وعلى ما يبدو، لم تلقَ دعوات الولايات المتحدة اهتماما من قبل الدول الأخرى لحسابات مختلفة، وقد زادت خيبة الأمن مؤخرا عندما اعتمد أعضاء مجلس الأمن ولاية فريق الخبراء دون إضافة التدابير التي اقترحتها بخصوص حظر الأسلحة للقرار الجديد ذي الصلة.

وفي تلك الجلسة، أعرب ممثل أمريكا عن الأسف "لأن المجلس لم يتخذ تدابير أخرى للمساعدة في تقليص قدرة مليشيا الحوثي على مواصلة أعمالهم العدوانية والمزعزعة للاستقرار في اليمن والمنطقة". وكان من شأن أحد هذه التدابير، من وجهة نظره، "أن يعزز قدرة فريق الخبراء على الإبلاغ عن الخيارات المتاحة لمواجهة العدوان الحوثي، وهو ما أصبح ممكنا من خلال توفير الأسلحة والمواد ذات الصلة من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في البحر الأحمر".

بالنسبة للعديد من المراقبين، تستطيع واشنطن المساهمة الفعلية في تمكين الآلية الأممية من أداء مهامها بشكل كامل من خلال توفير الدعم المالي الذي يساعد على تجاوز فجوة التمويل ويؤدي إلى توظيف العدد الكافي من الأفراد، دون الحاجة لدعوة الدول الأخرى للمساهمة.

من غير المعروف حجم التمويل المطلوب لأن الأمم المتحدة لم تعلن عن ذلك، لكن أيا كان المبلغ، بمقدور أمريكا توفيره باعتبارها أكبر مساهم في تمويل ميزانية المنظمة الدولية بشكل عام، وقيامها بهذه الخطوة يعني مؤشرا على الجدية، على الأقل من وجهة نظر المهتمين.

استياء خليجي

يمثل الأمن البحري في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب أهمية كبيرة لدول الخليج ولاسيما السعودية فيما يتعلق بالتجارة، وتطوير القطاع السياحي في المنطقة والتي تتطلب استقرارا على المستوى المتوسط والبعيد.

ومن هنا، تمكن أهمية الحد من نشاط تهريب السلاح لليمن أو مروره عبر البحر الأحمر لجهات غير حكومية، لما يمثله ذلك من تهديد للأمن والاستقرار وتغذية التوتر والأنشطة العنيفة.

وفي هذا السياق، كتب د. عبدالعزيز العويشق الأمين العام المساعد للشؤون السياسية وشؤون المفاوضات في مجلس التعاون الخليجي، مقالا في صحيفة الشرق الأوسط السعودية في يناير الماضي، يتناول الإشكاليات الحالية في الآلية الأممية والفرصة السانحة لمعالجتها.

تشمل هذه الثغرات بحسب العويشق، "اقتصار تفتيش السفن على النوع الكبير التي تتجاوز حمولتها 100 طن فقط في ميناء جيبوتي، أما البقية فلا تمر على آلية التفتيش الذي تقوم به الأمم المتحدة. ولا تمر السفن الأصغر من ذلك على التفتيش، مع أن الكثير منها قادرٌ على حمل الصواريخ أو أجزائها". وبالإضافة إلى ذلك، يضيف "ثمة تقارير تفيد بأن بعض السفن الكبيرة، التي تتجاوز حمولتها 100 طن، تتمكن من تفادي التفتيش في جيبوتي وتتجه مباشرة إلى الحديدة".

ومع هذا الواقع، يرى المسؤول الخليجي أن هناك فرصة ممكنة للتغيير تتمثل في استغلال "الوجود الدولي في جنوب البحر الأحمر، في تنفيذ حظر السلاح ومن خلاله يمكن منع وصول الصواريخ أو مكوناتها، وسد الثغرات الموجودة في الآلية، فضلا عن تمكين مفتشيها من القيام بمهامهم في ميناء الحديدة نفسه، كما كان مقرراً منذ البداية، وليس فقط في جيبوتي".

الخلاصة

من حق الحكومة اليمنية التمسك بحقها في المطالبة بتمكين الآلية الأممية من القيام بمهامها على أكمل وجه، ولديها فرصة لاستغلال المناخ الدولي الرافض لتعطيل الملاحة من قِبل مليشيا الحوثي لحشد الدعم الدبلوماسي لتوفير الموارد المطلوبة للأمم المتحدة لتنفيذ حظر السلاح وعدم التهاون في هذا الأمر حتى يكون هناك تسوية سياسية تعيد الأمن والاستقرار للبلاد.

                                         

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
رئيس منظمة الأسرى: الحوثيون حوّلوا السجون إلى "شركات استثمارية" ويُفشلون المفاوضات

في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد