2024-11-30
قحطان الشعبي … قائد معركة الاستقلال
على امتداد التاريخ قديمة وحديثة كانت اليمن بيئة طاردة لكل متغطرس طارئ، ومقبرة جمعية للغزاة، وموطن نزاع للحرية، وأرض منبتة للنضال، ورحم ولادة للمناضلين الأبطال.
الحديث عن الثلاثين من نوفمبر، ذكرى الاستقلال اليمنية من الاستعمار البريطاني البغيض، هو قراءة لسفر مشرق من النضال والتضحية والآباء، في وجه أعتى إمبراطورية استعمارية في الوجود.
مطلع العام 1839 م استطاعت البحرية البريطانية السيطرة على مدينة عدن، بعد أن استبسلت المقاومة الشعبية في الدفاع عن المدينة، في وجه الامبراطورية التي "لا تغيب عنها الشمس", وعلى الرغم من الفارق الكبير في الإمكانات إلا أن إرادة المقاومة - بعد الله - والروح الوطنية اليمنية لم تعطي لتلك الفروق المهولة وزنًا.
كرس الاستعمار واقع التخلف والانقسام، في السلطنات والإمارات، وأذكى الصراعات البينية، وفقا لسياسته المعهودة " فرق تسد " وحاول اختزال الذات اليمنية الجامعة في كانتونات مناطقية، وجهوية معزولة، فاستعصت محاولاته تلك، أمام العمق الحضاري والجذور التاريخية لليمن الراسخة في عمق الأرض والزمن.
عندما نستدعي التاريخ النضالي ضد الاستعمار البريطاني البغيض، يحضر في الذاكرة الوطنية الجمعية، ثلة مباركة من أبناء اليمن ومناضليه الأحرار، ويأتي في الطليعة: المناضل الجسور حسين عثمان عشال، أحد قيادات النضال ومشاعل التنوير، ورموز المقاومة الشعبية ضد الاحتلال.
ومن أوائل قيادات الجيش اليمني، وأحد أبرز رموز ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م، التي أجلت الاستعمار البريطاني عن اليمن، الذي جثم نحو 129 سنة على مدينة عدن الباسلة.
نقف في هذه السطور على مقتطفات من تاريخ ومسيرة المناضل عشال:
أولا: الميلاد والنشأة:
وُلِد في قرية " قرن عشال" بمديرية مودية، محافظة أبين وتلقّى دراسته الابتدائية فيها، والمتوسطة في مدرسة “جبل حديد”، في عدن.
التحق بالجيش وتلقى عددا من الدورات المتخصصة، ومنها دورات خارجية، في الجوانب العسكرية المختلفة، مما أدى. إلى تراكم خبراته ومؤهلاته وتجاربه العسكرية الميدانية، وكان على رأس الجيش الاتحادي، الذي رجح كفة الثورة بعد انضمامه إليها، وإعلانه تأييد الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل..
ثانيا: الانتماء الفكري والامتداد القبلي:
عشال أحد رجالات الحركة الوطنية اليمنية الإسلامية، تمحورت شخصية الرجل ضمن ثلاث دوائر رئيسية شكلت شخصيته، وأثرت في مسيرته النضالية، وحكمت سلوك حياته خلال فترة تاريخه الحافلة بالعطاء والإنجاز، وفقا للاتي:
- الدائرة القبلية: وهي الوحدة الأولى التي أثرت في بناء شخصية الرجل، كامتداد لأسرة آل عشال, التي تراس إحدى قبائل أبين , التي يشير المحقق الأستاذ محمد بن علي الأكوع إلى أنها تنسب إلى أبين بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس l من حمير .
قال عنها القاضي مسعود: (أهلها أصح الناس مزاجاً، وأطيب النواحي تربة وماءً وهواءً، وناسها فيهم الهمة وأنفة النفوس (صفة جزيرة العرب للهمداني).
هذا الاعتزاز بالانتماء، والدور والأعراف القبلية ومنظومة التلاحم القبلي، شكل سياجا قويا في شخصية الرجل، ومرجعا مهما لتوجهاته، وحاكما للكثير من تصرفاته وآرائه.
- الدائرة الثانية: وهي دائرة الجندية، والانتماء لمؤسسة الجيش المعتمدة على النظام الصارم، والانضباط الدقيق، ومنها تشكلت شخصية الرجل العسكرية العصامية، وبحسب التعريف لجوهر الشخصية العسكرية..
"إنها تتجلى في احترام الذات، والثقة بالنفس، والإيمان بقدسية الرسالة الوطنية.. ومن أبرز السمات التي يجب أن تتصف بها الشخصية العسكرية لتكون على الصورة المثالية، وترقى إلى مستوى التكامل: الحكمة والشجاعة والأخلاق والصبر والإرادة، والعدل والشهامة والنخوة والذكاء، والحسّ المرهف والإنتباه الشديد والإستعداد للتضحية "...
- الدائرة الثالثة التوجه الفكري، والانتماء لروح الحركة الوطنية، ذات المرجعية الإسلامية المحافظة، والمتمسكة بالتقاليد القبيلية الأصيلة، وروح الانتماء الوطني والعربي المستمدة أهدافها، وبرامجها وما يتوافق وروح الإسلام الحنيف، ومقاصده السامية والحفاظ على وحدة وسيادة الأوطان، والسعي نحو تطورها واستعادة. دورها الحضاري.
وكانت أهم المعطيات التي رسخت الحضور الوطني النضالي في حياة وتكوين المناضل عشال , وجعلته من القيادات ذات التأثير والنفوذ, في المجال العسكري وبدعم من رواد الحركة الإسلامية الأوائل أمثال الشيخ محمد بن سالم البيحاني، والشيخ عمر طرموم، وتعزز ذلك بالتحاق الكثير من الإسلاميين بالجبهة القومية, والمشاركة الفاعلة في الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني.
ثالثًا: المسيرة النضالية:
في يونيو 1967م انطلقت "انتفاضة 20 يونيو"، بقيادة مجموعة من ضباط الجيش، على رأسهم العميد عشال في عدداً من المعسكرات منها: معسكر البوليس المسلح في كريتر، ومعسكر صلاح الدين بالبريقة، في تحول نضالي مهم أداء إلى سيطرة الثوار على كريتر، ومواصلة إسقاط بقية المناطق داخل عدن، ومع هذا التسارع أعلنت قيادة الجيش الاتحادي تأييد الثورة، والوقوف إلى جانب الجبهة القومية، الذي تولت الجبهة القومية المفاوضات مع الاحتلال البريطاني، وإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967.
وصل إلى رتبة عميد في الجيش اليمني الاتحادي، الذي كان له دور محوري وحاسم، في ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، وكان للعميد عشال أدوار نضالية مشرفة في مواجهة الاحتلال البريطاني، والكفاح حتى الوصول إلى الاستقلال، في الثلاثين من نوفمبر المجيد..
- عين قائد عاما للجيش اليمني الجنوبي عقب استقلال الجنوب اليمني عن مملكة بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م.
ثالثاً: مراحل الصرع والنزوح:
كان الصرع على النفوذ والسيطرة، قد وصل إلى الاشتباك المسلح بين جبهة التحرير، والجبهة القومية.
عقب ذلك: بدأت الخلافات بين تيارين رئيسيين داخل الجبهة، التيار اليساري (الماركسي)، بقيادة سالم ربيع علي (سالمين)، وعبدالفتاح إسماعيل، وعلي صالح عباد (مقبل)، والتيار المحافظ، ويقوده رئيس الجمهورية قحطان الشعبي ورئيس الحكومة فيصل عبداللطيف الشعبي، وقائد الجيش الاتحادي العميد حسين عشال.
خلال المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية، الذي انعقد في زنجبار أبين، بداية مارس/آذار 1968، وكان أبرز ما خرج به المؤتمر لصالح التيار اليساري إعلان تبني "الاشتراكية العلمية" واعترض التيار المحافظ على خيار الاشتراكية، وتراكمت الخلافات مع سعي التيار اليساري، بـ" تطهير جذري يبدأ بالجيش والشرطة، وأجهزة الدولة الإدارية".
وإقصاء جميع شركاء النضال، والسيطرة على كل مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية والحزبية، واستبداله بجيش التحرير الشعبي المعروف باسم "المليشيا الشعبية".
في هذه الظروف جاءت حركة الجيش في20 مارس 1968، حيث سيطرت قوات الجيش والأمن على الإذاعة والمؤسسات الحكومية، وأغلقت الشوارع وقامت باعتقال عدد من قيادات التيار اليساري، ومنهم: عبدالفتاح إسماعيل، سالم ربيع علي، علي عنتر، علي سالم البيض (وزير الدفاع حينها)، سلطان أحمد عمر، عبدالله الأشطل، عبدالعزيز عبد الولي، علي صالح عباد (مقبل)، محمد صالح مطيع، وصالح مصلح، كما اعتقل عبدالله باذيب زعيم الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وقد تمكن عدد من المعتقلين من الفرار والهروب خارج عدن.
وعبْر إذاعة عدن أعلن قادة الحركة: دعوة الجيش والأمن العام، والفدائيين لمواجهة الخطر الشيوعي، والإشادة بالجيش الذي قال البيان إنه "يقوم بإنقاذ البلاد".
ومن جهته حرّك التيار اليساري بعض النقابات، والقطاعات التي يسيطر عليها، للتنديد بحركة الجيش، واعتبارها انقلاباً مدعوماً من السفارة الأمريكية، يسعى للقضاء على الثورة. وبعد أيام تدخل الرئيس قحطان الشعبي، ووجه الأوامر لوحدات الجيش بالعودة إلى ثكناتها، وإطلاق سراح المعتقلين مقابل عدم تعرض قيادة الحركة لأي محاكمة أو مساءلة. وبدورها التزمت قيادة الجيش، بقرار الرئيس غير أن التيار اليساري صعد في مطالبه، بما يسميه "تطهير الجيش والأمن من العناصر المعادية". وظل التياران كل منهما يتربص بالآخر حتى نشبت مواجهات مسلحة بينهما في مايو/أيار 1968 انتهت بسيطرة قحطان الشعبي وقادة الجيش، ومع ذلك لم يستسلم اليساريون، وظلوا يعززون مواقعهم داخل الجبهة القومية ومؤسسات الدولة، حتى وقعت الجولة الحاسمة في يونيو/حزيران 1969 التي أطلق عليها "حركة 22 يونيو التصحيحية".
تمكن التيار اليساري من حسمها لصالحه، واعتقل الرئيس قحطان الشعبي وبقي في السجن حتى وفاته، فيما تمكن العميد حسين عشال من مغادرة البلاد، متجهاً إلى شمال الوطن (مدينة تعز) ومعه عدد من الشخصيات المناهضة للتيار اليساري، الذي أصبح يسيطر على السلطة، وهناك استقر حتى قيام الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب في العام 1990م.
خامسا: النشاط السياسي بعد الوحدة:
كان لشخصية القائد عشال: من القوة والحضور والقدرة على التأثير في الواقع السياسي والاجتماعي، ما يعزز علاقاته بالنخبة السياسية، والرموز الوطنية، وقيادات المجتمع وفئة العلماء، ودعاة الإصلاح، على امتداد الوطن اليمني وظل تأثيره وحضوره في أبين مسقط رأسه، وتعز مقر إقامته، دور بارز وفاعلا، من خلال دعم التيار الإسلامي، والالتحام برموزه وقياداته.
يقول المؤرخ اليمني الكبير الراحل عبدالملك الشيباني: " العميد عشال قائد عسكري من الطراز الأول ومن النوع المتميز، والصنف الممتاز، ولقد خاض معارك عديدة وخاصة إبان حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني، في الشطر الجنوبي من الوطن سابقاً، وكان عظيم الشجاعة صلب المراس، راسخ الوجدان، قوي الجنان، لا تزعزعه أعتى المواقف وأعظمها، التي تتزلزل لها القلوب، وتنخلع لها الأفئدة. ولم يكن للعميد حسين عشال -رحمه الله- عمر واحد بل في الحقيقة كانت له أعمار وأعمار عديدة، ليس بحساب الأعوام والسنين التي قضاها على ظهر هذه البسيطة، فتلك السنون والأعوام، لا يقاس بها أمثاله من الكبار والعظماء والرواد، فهؤلاء لهم مقاييسهم الخاصة."
بعدم تحقيق الوحدة اليمنية المباركة، كان العميد عشال ضمن كوكبة من رجالات اليمن، ومفكريه، وقياداته السياسية، المؤسسين لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الامتداد السياسي والفكري لحركة الإصلاح اليمنية التي ناهضت الكهنوت الإمامي، والاستعمار البريطاني، وحافظة على الاتجاه الفكري المعتدل، للتوجه الإسلامي السياسي، ضم الإصلاح عناصر التيار الإسلامي، وكوكبة من خيرة العلماء وشيوخ القبائل، والأكاديميين، والشباب، وقطاع المراءة، وكل فئات المجتمع، وحقق حضورا جغرافيا، على امتداد جميع مديريات ومحافظات الجمهورية اليمنية، وقد ترأس العميد عشال فرع الحزب في محافظته أبين، حتى وافاه الأجل رحمه الله في اليوم التاسع من الشهر التاسع (سبتمبر) عام 1993.
وكان يوم تشييعه يوماً مشهوداً، حضره حشد جماهيري كبير للمشاركة في وداعه وتشييعه، إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه مديرية مودية بمحافظة أبين، لكن الدور النضالي والرسالي الـ "عشال"، ما زال حاضرا في الشان السياسي، والوطني العام بشكل مؤثر وفاعل، ملتزما بالحط القيمي الذي أرساه العميد عشال رحمه الله، ورسخ جذوره، وبناء مداميكها، طوال حياته الحافلة بالعطاء، والمترعة بالقيم النبيلة.
حفظ الله اليمن
حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد
2024-10-14 03:09:27
الرئاسي والحكومة.. أسود على الجيش نعام على المليشيات
2022-11-30 09:33:59
الوطن يغرق على نغم في ضفاف النيل
2022-11-14 05:01:41
في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد