جروح عميقة في النفوس الصغيرة: كيف تدمر الحرب الصحة النفسية لأطفال اليمن؟

2025-02-06 02:46:18 أخبار اليوم/بلقيس نت

   

يعيش اليمن منذ سنوات في أتون حربٍ طاحنة، لم تتوانَ عن إلحاق أضرارٍ جسيمة بجميع جوانب الحياة. ولم تقتصر تلك الأضرار على البنية التحتية أو الاقتصاد فحسب، بل تعدتها لتطال جوانب أكثر عمقًا وحساسية، ألا وهي الصحة النفسية للأطفال في المناطق المتضررة.

فملايين الأطفال اليمنيين يعانون اليوم من اضطرابات نفسية مزمنة، نتيجة لما عايشوه من عنفٍ لا يوصف، وفقدانٍ لأحبائهم، وتدميرٍ لبيئتهم الآمنة التي كانت بالأمس القريب ملاذًا لأحلامهم الطفولية. هذا الواقع المرير يطرح تساؤلاتٍ ملحة حول حجم التأثيرات النفسية المدمرة التي لحقت بأطفال اليمن، وكيف لنا أن ندعمهم لتجاوز هذه الصدمات التي قد تكون آثارها طويلة الأمد.

انعكاسات سلبية لا حصر لها

منذ اندلاع الحرب، كشفت التقارير الموثوقة أن أكثر من 12 مليون طفل في اليمن - أي ما يقارب 80% من إجمالي عدد الأطفال في البلاد - يعيشون في مناطق متأثرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب. هذه النسبة المروعة تعكس حجم الكارثة التي تهدد طفولة هؤلاء الأبرياء، والتي تنذر بمستقبلٍ قاتم لأجيالٍ بأكملها.

وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، يعاني الأطفال من العواقب النفسية العميقة نتيجة لحالات العنف المستمر، سواء من خلال تعرضهم المباشر للقصف أو من خلال مشاهدتهم لمشاهد مؤلمة مثل قتل الأفراد وفقدان الأهل.

تظهر الأرقام الصادرة عن اليونيسف أن نحو 2.2 مليون طفل في اليمن يعانون من اضطرابات نفسية وصحية نتيجة الحرب.

في مدينة تعز، على سبيل المثال، يشير العديد من الأطباء النفسيين إلى زيادة ملحوظة في عدد الأطفال الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهو مرض نفسي شائع بين الأطفال الذين يتعرضون لصدمات شديدة.

يفيد الدكتور محمد علي، وهو أخصائي نفسي في تعز، بأن “الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو تعرضوا للهجوم المباشر على منازلهم يظهرون علامات واضحة من القلق، والاكتئاب، وأحياناً الانعزال الاجتماعي”.

تأثيرات مباشرة

تتمثل التأثيرات النفسية الرئيسية التي يعاني منها الأطفال في المناطق المتضررة من الحرب في القلق المستمر والخوف، بالإضافة إلى الشعور بالعجز وفقدان الأمل.

العديد من الأطفال الذين تعرضوا للهجوم أو فقدوا أحد أفراد أسرتهم يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل الكوابيس المتكررة، والعزلة، والانفجارات العاطفية المفاجئة.

تقول فاطمة، وهي أم لطفلين “أطفالي يعانون من خوف شديد كلما سمعوا أي صوت غريب، ابني البالغ من العمر 6 سنوات يختبئ في الزوايا عندما يسمع صوت يشبه الطائرات، ولا يستطيع النوم ليلاً”.

إلى جانب هذه الصدمات النفسية، يعاني الأطفال في مناطق الحرب أيضاً من مشاكل صحية جسدية نتيجة لعدم توفر الرعاية الطبية. وفي بعض الحالات، لا يستطيع الأطفال الحصول على الأدوية اللازمة لعلاج اضطراباتهم النفسية.

الدعم النفسي

على الرغم من حجم المعاناة، هناك العديد من المنظمات الإنسانية التي تسعى لتقديم الدعم النفسي للأطفال في المناطق المتضررة من الحرب.

تقوم منظمات مثل “اليونيسف”و ”أطباء بلا حدود” بتوفير خدمات الصحة النفسية للأطفال عبر إنشاء مراكز دعم نفسي مخصصة.

في تقرير صادر عن “أطباء بلا حدود”، تم التأكيد على أن هذه المنظمات تقدم جلسات علاج نفسي للأطفال المعرضين لخطر الإصابة باضطرابات نفسية، كما يتم تدريب المعلمين والمجتمعات المحلية على كيفية التعرف على علامات الصدمات النفسية في الأطفال وتقديم الدعم الأولي.

إحدى المبادرات المحلية التي تسلط الضوء على توفير الدعم النفسي هي “مبادرة الأمل” التي أطلقتها مجموعة من الأطباء النفسيين.

المبادرة تقدم جلسات علاج نفسي جماعية وفردية للأطفال المتأثرين بالحرب في الأماكن التي يصعب الوصول إليها.

 أحد العاملين في المبادرة، الدكتور عادل جابر، أكد على أهمية الدعم الجماعي قائلاً: “نحن لا نقدم الدعم فقط للأطفال، بل نعتمد على تكوين بيئة نفسية آمنة للأطفال لتبادل التجارب والحديث عن مشاعرهم”.

التحديات والعوائق

ورغم هذه الجهود، فإن التحديات لا تزال كبيرة. من بين العقبات الرئيسية التي تواجهها المنظمات المحلية والدولية في تقديم الدعم النفسي للأطفال في اليمن، نقص الموارد المالية والبشرية، بالإضافة إلى استمرار الصراع الذي يعيق الوصول إلى العديد من المناطق المتضررة.

وفي هذا الصدد، قالت سلمى العبد الله، وهي ناشطة اجتماعية في تعز: “نحن في حاجة ماسة إلى مزيد من المتطوعين والمتخصصين في الصحة النفسية. لدينا أطفال يعانون من آثار نفسية خطيرة، ولا توجد خدمات كافية لتلبية احتياجاتهم”.

وتركت الحرب في اليمن أثراً عميقاً على الصحة النفسية للأطفال، حيث يعانون من اضطرابات نفسية ناجمة عن العنف والفقدان، وهذا يشكل تحدياً كبيراً أمام المجتمع اليمني.

 ومع ذلك، فإن الدعم النفسي الذي تقدمه المنظمات الإنسانية والمبادرات المحلية يمكن أن يساعد في تخفيف المعاناة، ويعزز قدرة الأطفال على التكيف مع هذه التجارب المؤلمة.

 ومع استمرار الحرب، يبقى الأمل في توفير مزيد من الدعم والتوعية لضمان صحة نفسية أفضل للأجيال القادمة.

                             

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
استعدادات الحكومة للحسم العسكري: وزير الدفاع يكشف خطط المواجهة مع الحوثيين

وزير الدفاع في حوار مع “العين الإخبارية”: حربٌ لم ينطفئ لهيبها، وهدنٌ مكسورة، وسلامٌ يُغتال قبل أن يولد.. هنا اليمن.. هنا تُسرق أحلام شعب بقبضة مليشيا لا تعرف إلا لغة الدم.. وهنا قوات شرعية تقف كالطود الأشم، وشعبٌ يقس مشاهدة المزيد