2025-03-13
مسجد السيد هاشم جد النبي محمد ﷺ.. إرث تاريخي لا ينطفئ في غزة
الشهيدُ الثائرُ البطلُ/ عبدُالرقيب عبدُالوهاب نعمانُ، تمتع بدرجةٍ عاليةٍ من الشجاعة والإقدام والفدائية؛ ما أهله ليكون قائداً ناجحاً متميزاً، واحداً من أهم أبطال الثورة السبتمبرية الخالدة، التي حررت اليمن من كهنوت الإمامة، وربقة الاستبداد، بطلُ ملحمة السبعين اليوم العظيمة التي فكت حصار صنعاءَ، ودحرت فلول الإمامة.
نستعرض في هذه السطور مقتطفاتٍ من حياة ونضال الشهيد:
أولاً: النَّشأةُ والميلادُ:
ولد في 28 يناير 1943م، بقرية (ذلقيان)، عزلة (ذبحان) ناحية (الشمايتين)، من بلاد (الحجرية) محافظة تعز.
تلقى علومه الأولية في قريته، ثم انتقل إلى مدينة عدن؛ حيث درس فيها الابتدائية والإعدادية في إحدى مدارس الأحرار اليمنيين، وعمل إلى جانب ذلك في إحدى المطابع لتوفير لقمة العيش.
ثانيًا: الجنديةُ والكفاحُ المسلحُ:
عند قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة في 1962م؛ انتقل إلى مدينة صنعاء، والتحق بالقوات المسلحة اليمنية في بواكير الأيام الأولى للثورة المباركة، ضمن الأحرار الذين التحقوا بالقوات المسلحة الفتية للجمهورية الوليدة.
خاض غمار الكثير من المعارك ضد قوى التخلف الإماميّ في الكثير من ساحات الكرامة على امتداد مسرح العمليات العسكرية لمواجهة قوى الجهل، والتخلف، ولحماية الثورة، والدفاع عن النظام الجمهوري.
التحق بالكلية الحربية في القاهرة حاضنة مناضلي الثورة اليمنية، وتأهل عسكرياً بدرجة احترافية مستفيداً من قدراته الذاتية، وشخصيته الكاريزمية، وقابليته الشخصية لتلقي العلوم والمعارف.
حصل على دورتين عسكريتين في الصاعقة والمظلات، تعين قائدًا لمدرسة الصاعقة، ثم قائدًا لقوات الصاعقة.
ثالثًا: ملحمة السبعين العظيمة:
تعد ملحمة السبعين التاريخية منتجا يمنيا صرفا، وتأكيداً خالدا للذاتية اليمنية الأصيلة، وامتدادا طبيعيا لنضالات اليمنيين، ومقاومتهم المستمرة للطغيان، وتأكيدا أصيلا للهوية الوطنية الجامعة، وروحا وثابة لأبناء الوطن الأحرار، وستظل حاضرة في الوجدان اليمنيّ ما تعاقب الليل والنهار، راسخة في الذاكرة التاريخية للأجيال رسوخ الشمّ الرواسيّ.
سبق الحصار الذي فرض على العاصمة صنعاء العديدُ من المؤتمرات والمبادرات لمحاولة وقف الحرب بين الإمامين والجمهوريين؛ باءت جميعها بالفشل، وكان من أهمها مبادرة القمة العربية في الخرطوم التي أنعقدت بعد حرب 1967م، وشكّلت لجنة ثلاثية برئاسة محمد محجوب رئيس الوزراء السوداني؛ سُميت بلجنة السلام، وكان من مهامها ضمان انسحاب القوات المصرية، ووقف الدعم السعودي للإمامين، وإجراء استفتاء شعبيّ يمنيّ لتحديد مستقبل البلاد، وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة، لكن الموقف الوطني للرئيس السلال -رحمه الله- الرافض للعودة عن الجمهورية، ورفضه استقبال اللجنة الثلاثية التي وصلت صنعاء في 3 أكتوبر 1967م، لتستقبلها الجماهير الهادرة بشعار الجمهورية أو الموت، واجهت تلك الجماهير رصاصات الموت بعزيمة أذهلت الوفد الذي عاد بانطباع مدهش عن إصرار اليمنيين على الانتصار لثورتهم، والتمسك بخيار الجمهورية أو الجمهورية،
وترجع الخطوات الأولى لحصار صنعاء إلى شهر أغسطس من العام 1967م، بقطع طريق الحديدة- صنعاء؛ عند انسحاب القوات المصرية بكامل أفرادها وأسلحتها ومعداتها، ومغادرة الخبراء الروس البلاد.
وجد الأحرار اليمانيون أنفسهم وحيدين في مواجهة جموع المرتزقة، ومسانديهم من الدول المعادية لحرية واستقلال اليمن، ناهيك عن ما تركه الانسحاب المفاجئ للقوات المصرية من فراغ وتفكك، وما كان قد طرأ على الجسد الجمهوريّ من اهتراءٍ سياسيّ، وتمزق في اللحمة الوطنية.
وقد أدى فشل جميع المبادرات السلمية، بالإضافة لانسحاب القوات المصرية إلى ضعف موقف الجمهوريين، وهجوم القوات الإمامية على صنعاء، وضع الإماميون وعددٌ من الخبراء المرتزقة الأجانب خطةً للهجوم على العاصمة، وكان من أهم نقاط هذه الخطة: قطع طرق الإمداد والتموين، ومهاجمة المواقع العسكرية للجمهوريين، والقصف المدفعي على المنشآت الهامة خصوصاً المواقع العسكرية، والإذاعة، والقصر الجمهوريّ، والمنشآت الحيوية.
وحشد الإماميون لما أسموه بخطة الجنادل عدداً من كبار القادة العسكريين الأجانب، والذي يطلق عليهم مصطلح المغامرون في حرب اليمن، ومنهم الجنرال الأمريكي اليهوديّ بروس كندي مستشار البدر، وقرابة ثلاثمائة خبير عسكري من أوربا وأمريكا وإيران، وسلحت بريطانيا عشرين ألفَ فردٍ من القبائل، وحشدوا سبعين ألفَ مقاتلٍ قبليّ، وقرابة عشرةِ آلافِ جنديٍّ نظاميٍّ، وبدعم لا محدود، وتجهيزات عسكرية حديثة وكبيرة، وبدعمٍ جويٍّ مكثفٍ من الطيران الحربي الإسرائيلي، سبق ذلك صراع بين الأطراف الجمهورية، وانقسامٌ بين قوى الثورة؛ ما شجع القوى الإمامية على حشد تحالف كبير بهدف إسقاط الجمهورية.
في أواخر نوفمبر 1967م، عقب انسحاب القوات المصرية المساندة للثورة اليمنية؛ بدأت جحافل الإمامة ومرتزقتها حصاراً عسكرياً خانقاً على العاصمة صنعاء، قصفت مدافعها المدينة بما فيها المساجد، والمرافق العامة، والمؤسسات الحكومية من كل الاتجاهات، ودمرت العديد من المنشآت السكنية والمرافق الحكومية، واستشهد وجرح الكثير من المواطنين الأبرياء، وتعرضت المدينة لحصار خانق، ونقص حاد في المؤن والأدوية.
وقد قسمت القوات الإمامية مسرح العمليات العسكرية إلى أربع محاور قتالية، وكل محور مزود بغرفة عمليات فرعية، يديرها عددٌ من الخبراء المرتزقة الأجانب، تهاجم من جميع الجهات، وتقطع خطوط الإمداد عن العاصمة، ويقود هذه المحاور من جهة الشرق قاسم منصر، ومن جهة الغرب أحمد بن الحسين حميد الدين، ومن الشمال على بن إبراهيم حميد الدين، ومن الجنوب ناجي علي الغادر، وقاسم سقل.
شكّل حصار السبعين يوماً للعاصمة صنعاء منعطفا خطيراً، ومهددا وجوديا قويا لمكتسبات الثورة اليمنية، وأهم إنجازات الحركة الوطنية المتمثل بالنظام الجمهوريّ، وإزاحة الإمامة عن حكم البلاد، والتحاق اليمن بالركب الحضاري المعاصر.
في تصرف غير مسؤول غادرت الكثير من القيادات العليا البلاد، مخلفةً فراغا في دواليب السلطة، وأجهزة الدولة وخصوصًا في القيادة العامة للقوات المسلحة، ووحدات الجيش الجمهوري، وانسحبت معها البعثات الديبلوماسية من العاصمة صنعاء.
إلا أن الخطر المحدق بالجمهورية الوليدة ردم الهوة، ولحم الشرخ،
وجسر المصير، فتم تجميع وتدريب الوحدات العسكرية الجمهورية التي تقارب الأربعة آلاف فرد لحماية العاصمة على أساس قاعدة الدفاع الضيق لتلافي خطأ ثورة 1948م.
وانتشر الجيش الجمهوريّ للدفاع عن العاصمة، وكانت خطة الجمهوريين تعتمد على الاستبسال في الدفاع النشط والمتحرك لمجابهة هذه المحاور، وفق خطة دفاعية مرنة، وقابلة للحركة لتسهيل التعزيزات، وتعتمد على المناورة والانقضاض على القوات المهاجمة واستنزافها، مع الحفاظ على التحصينات، وقد اعتمدت القيادة العامة للقوات المسلحة على طلبة الكلية الحربية، والكليات العسكرية، وقامت باستدعاء القوات المرابطة في المحاور العسكرية إلى داخل العاصمة؛ فأمرت قوات المظلات والصاعقة بالعودة من طريق الحديدة، وأعادت لواء النصر من ثلا.
تتمركز هذه القوات على النحو الآتي: اللواء العاشر لحماية غرب العاصمة، وألوية الوحدة والعروبة من جهة الشرق، وكتائب المظلات والصاعقة كقوات تدخل سريع في كل الجبهات، وقدم طلاب الكلية الحربية، وكلية الطيران فصولاً رائعة من التضحية والفداء.
معركة السبعين كانت ملحمة يمنية خالصة، توحدت فيها الحركة الوطنية الجمهورية، وتناست خلافاتها، وقامت منفردة بالفعل الثوريّ، ومعتمدة على ذاتها، وهويتها، وعدالة القضية التي تناضل من أجلها، وتأييد جموع الشعب اليمنيّ التواق للحرية والكرامة.
ملحمة السبعين يوما، كان لها الأثر الكبير على مصير مستقبل اليمن، فقد انسحبت بريطانيا من اتحاد الجنوب العربي، واعترفت المملكة العربية السعودية بالجمهورية اليمنية عام 1970م، وأقرت هدنة بين المتحاربين، كما أكملت مصر انسحابها من اليمن عام 1971م.
رابعاً: دور عبدالرقيب في ملحمة السبعين:
أعيد تشكيل القيادة العامة للقوات المسلحة، والقيادات العسكرية الميدانية في أحلك الظروف التي مرت بها الثورة السبتمبرية العظيمة في الحصار، الذي استمر سبعين يوما، من 28 نوفمبر 1967م إلى 7 فبراير 1968م، على النحو التالي:
- المناضل حسن العمري، القائد العام للقوات المسلحة.
- عبدالرقيب عبدالوهاب رئاسة هيئة أركان القوات المسلحة، بالإضافة إلى منصب قائد قوات الصاعقة.
- الرائد يحيى مصلح مهدي قائد دائرة العمليات الحربية.
وأسندت قيادة المظلات إلى الرائدين الوحش وحمود ناجي، وأسندت قيادة المدفعية إلى الرائد علي مثنى جبران، وأسندت قيادة الصواريخ إلى الملازم غازي علي عبده، وأسندت قيادة قوات المشاة إلى الرائد محمد صالح فرحان."
تصدر هذا البطل العملاق، وثلة من رفاقه الميامين لمعركة الصمود الأهم؛ للدفاع عن الجمهورية، وصد زحوف الكهنوت الإماميّ المحاصر للعاصمة المقدسة صنعاء في حصار السبعين يوما، وتمكنوا من ترسيخ مداميك الجمهورية، والانتصار للثورة السبتمبرية الخالدة.
تحت شعار (الجمهورية أو الموت)
قاد الضباط الشباب معركة الكرامة الوطنية، والتحمت فيها القوات المسلحة اليمنية والامن البواسل مع جموع المقاومين والأحرار من كل الفئات.
وكان أحد ألمع نجومها وقياداتها النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب ذا الـ 25 ربيعاً، الذي تبوّء رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش اليمنيّ.
وحسب تصريح له، "أن العمليات العسكرية الميدانية التي خاضتها القوات المسلحة، والمقاومة الشعبية خلال فترة الحصار بلغت 40 عملية عسكرية". وأضاف: «كان علينا أن نحرز كل يوم انتصاراً، ومن مجموع هذه الانتصارات الصغيرة، يتحسن الموقف يوماً بعد يوم، حتى نتمكن من إحراز نصر كبير».
مع إشراقة شمس الثامن من فبراير 1968م بروح وضاءة، وألق مشع زهت كل ربوع اليمن الحبيب، وزاحمت أكتاف الجمهوريين أبراج الثريا، وأعناق النجوم، وعلى مشارف العاصمة صنعاء وعند عيبان الأغر سقطت متارس الكهنوت الإماميّ تاركةً ضحاياها من المغرر بهم، وعشرات المدافع، وكميات كبيرة من العتاد المرتزق من أشتات الأرض، والتحمت قوات النصر القادمة من تهامة، مع تلك المرابطة على أسوار العاصمة بعد سبعين يوما من النضال والرباط في واحدة من أعرق وأقدس ملاحم البطولة والصمود في التاريخ الإنساني.
استبسل عبدُالرقيب، مع الثلة المباركة من خيرة شباب اليمن ورجاله العظماء، الذين انتصروا للجمهورية، ودافعوا عن عاصمة الصمود، وأنهوا حصار المرتزقة، وحرروا اليمن.
وبشهادة الفريق الركن علي محسن صالح: فان عبدالرقيب عبدالوهاب وحسن العمري كانا بطلي السبعين بلا منازع.
خامساً: خلافات الصف الجمهوريّ:
- الخلاف بين الجمهوريين له امتدادات إلى ما قبل حركة 5 نوفمبر 1967م، التي أزاحت الرئيس السلال، والمحسوبين عليه عن السلطة والقرار، ومن ثم تكالب القوى الإمامية على الثورة والجمهورية؛ وهو ما وحّد الصف الجمهوريّ في الدفاع عن العاصمة، وتثبيت مداميك الجمهورية، واتفق الجميع بشكلٍ تلقائي على تأجيل كل الخلافات حتى الإنتهاء من المعركة مع الإمامة، ثم عادت أزمة الصف الجمهوريّ بالاحتقان بعد أربعين يوما على فك حصار صنعاء.
تشكل واقعٌ سياسيٌّ جديدٌ، وانقساماتٌ وتناقضات داخل الصف الجمهوري، فالضباط الشباب والقوى الحليفة لهم يرون أن التضحيات التي قدموها والنصر التاريخيّ الذي أحرزوه، يصبّ في رصيد الإنجازات التي تعزز رصيدهم وأحقيتهم في شراكة فاعلة ومتكافئة في إدارة الدولة، ومعارضة عودة الكثير من القيادات التي تخلت عن مسؤولياتها في تحمل تبعات معركة الجمهورية إلى مواقعها القيادية على حساب القوى الشابة، وأن ذلك خارج سياق المنطق السياسيّ والاستحقاق الوطنيّ، وكذلك معارضة تمكين القوى الرجعية من مفاصل السلطة، ودواليب النظام الجمهوريّ وتحديدا حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان على عداء شديد مع الزعيم جمال عبدالناصر، والقوى المناصرة له، إلا أن القوى القبلية، والمشائخية المتحالفة مع البعثيين ساندتهم بالإمساك بالسلطة، وعزز من قوة ونفوذ البعث الدعمُ السخيُ من مركز البعث في بغداد.
في 8 مارس 1968م، كانت البداية لتأزيم الوضع، حيث وصلت شحنة أسلحة روسية، إلى رصيف ميناء الحديدة، واختلف الفرقاء حول من له حق استلام وتوزيع تلك الشحنة، وصل رئيس الوزراء الفريق حسن العمري إلى الميناء، ووصل عبدالرقيب إلى الحديدة، وفور مغادرته الميناء، وجه الفريق العمري بقصف مقر المقاومة الشعبية بالحديدة، ما دفع النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب إلى تقديم استقالته، ما اكسبه تعاطفاً واسعاً، وكانت ردة فعل الكثير مؤيدة له، وتطالبه بالعدول عن الاستقالة.
وبعودته إلى منصبه، تأجج الصراع، بين القوى ذات التوجه اليساري المتمثلة بحركة القومين العرب، والقوى التقليدية والبعثية على وجه الخصوص.
- قوى المقاومة الشعبية والفصائل العسكرية القريبة منها رأت أحقيتها بتلك الشحنة، وخصوصًا التشكيلات العسكرية (الصاعقة والمضلات) التي تمثل أمتداداً لجيش ثورة سبتمبر، ومرتبطة بحركة القوميين العرب، ولا تتبع مراكز النفوذ القبلي، التي عارضت ذلك بشدة ومعها القيادات العسكرية العليا المرتبطة بها، وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يدير صراعاً مع القوى اليسارية، والناصرية، وتولي الشيخ "سنان أبو لحوم" محافظ محافظة الحديدة في تلك الفترة حشد قوات من خارج المحافظة، ومجاميع قبلية موالية له؛ لمنع تسليم شحنة الأسلحة والمعدات الروسية لقيادة المقاومة والوحدات القريبة منها (المظلات والصاعقة)، وتم ضرب مقر الإتحاد العمالي، ومقر المقاومة بالدبابات، أعقبها وصول رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني، ورئيس الحكومة، والقائد الأعلى حسن العمري، ورئيس هيئة الأركان عبد الرقيب عبد الوهاب، والشيخ أحمد عبد ربه العواضي إلى مدينة الحديدة لحل الإشكال القائم.
وقد تطرق القاضي الإرياني في مذكراته لذلك :
"أسرعتْ مع الفريق العمري إلى الحديدة، كما أسرع رئيس الأركان ومعه عدد من وحداته، والشيخ أحمد العواضي ومعه مجموعة من أصحابه، وقد أسرعوا مؤيدين للمقاومة بدون أوامر، وبانضمام العواضي إلى قائد الصاعقة؛ برزت المشكلة في حجم كبير تفوح منه رائحة الطائفية.. اتفقنا أن نعود جميعاً إلى صنعاء، وفعلا كان عودنا ماخلا رئيس الأركان قائد الصاعقة عبد الرقيب عبد الوهاب، والشيخ أحمد العواضي فقد تأخرا، فأبرقنا لرئيس الأركان والعواضي: انتظرنا وصولكم فلم تصلوا، واستغربنا تأخركم وواجباتكم تنتظركم في صنعاء مع العدو الحقيقي لا في الحديدة".
وفي 24 يوليو 1968م، عُقد في عبس مؤتمراً قبلياً، ضم مشايخ المناطق الشمالية والقوى البعثية، وتم الاتفاق على تشكيل جيش يرتكز على بنية القبيلة.
بادر الضباط الكبار بتشكيل ذلك الجيش، ووزعت الأسلحة الروسية الجديدة عليه، وأصدر الفريق حسن العمري قراراً بإقالة علي مثنى جبران، واعتقاله، وإصدار قرارات عسكرية أقصى بموجبها العديد من القادة المناوئين له وللقاضي الإرياني، بمبرر أنهم مجموعة حزبية، وبدون التنسيق مع رئيس هيئة الأركان العامة عبدالرقيب عبدالوهاب الذي أصدر وزملاؤه بياناً: رفضوا فيه تجزئة القوات المسلحة، ودعوا إلى محاكمة الهاربين، وعدم التصالح مع الملكيين، وهددوا بتفجير الموقف.
ويقول القاضي الإرياني عن ذلك:
"في يوم 18 أغسطس اتخذ الفريق العمري قراراً تنظيمياً، تمت بموجبه بعض التنقلات والتعيينات الجديدة في قيادة وحدات الجيش، ولم تحرز هذه التغييرات رضا كل وحدات الجيش، وكان من بين هذه القرارات تعيين النقيب محمد محرم قائداً للمدفعية بدلاً عن علي مثنى جبران الذي أقام الدنيا وأقعدها، ورفض تنفيذ الأوامر العسكرية العليا، وكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد كان جبران مرتبطاً عقائدياً بالرئيس السابق للأركان عبد الرقيب عبد الوهاب، بالإضافة إلى أنه من المنطقة الوسطى، وليس من قبيلة حاشد ولا من قبيلة بكيل، وأيد تمرده وحدتا المظلات والصاعقة وأحد قادة المشاة، بينما وافقت بقية قطاعات الجيش على التغييرات.. وقد بلغ التمرد بهذا الضابط المتهور أن بعث برسالة إلى القائد العام يهدد فيها بقصف صنعاء، وطلبه القائد العام وبعث به إلى سجن القلعة، وثارت ثائرة مؤيديه، وأصبح الجانبان يستعدان للمواجهة".
كان طرفا الصراع حركة القومين العرب والذي يشكل غالبية المنتمين لها من المناطق الجنوبية خصوصا تعز وأب والمناطق الوسطى.
والطرف الثاني حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يمثل غالبية المنتمين له من مناطق الشمال القبلية ما أدى إلى فرز مناطقي، زاد من حدة الصراع والحشد الجهوي، الذي لم يأخذ طابعا منظما إذ المحرك الأساس للصراع سياسيّ كانعكاس للإنقسام العربيّ الخارجيّ، وُظّف فيه الجانب الجهويّ ما زاد من حدة الصراع ونتائجه السيئة على اللحمة الوطنية.
تفجر الموقف في 23 أغسطس 1968، تبادل الطرفان القصف المدفعي لأكثر من 24 ساعة، شكل التحشيد القبلي من المناطق القريبة من العاصمة، وعناصر جبهة التحرير المتواجدين في صنعاء - والمناوئين لحركة القوميين العرب عنصرا فاعلًا في حسم المعركةِ لصالح حزب البعث العربي الاشتراكي وحلفائه من التيار القبلي.
خامسًا: نتائج ومآلات الصراع:
أدت نتائج ومآلات الصراع إلى التنكيل والإقصاء لكل المحسوبين على الإتجاه اليساري الذي خسر الصراع من خلال الإبعاد الوظيفي، أوالسجن والتهجير، وإبعاد رئيس هيئة الأركان، و 22 ضابطا من القادة إلى الجزائر، وخلال خمسة أشهر عادت معظم تلك القيادات إلى العاصمة، ومنهم عبدالرقيب وتم الدعوة من عدن إلى تشكيل جبهة وطنية عريضة لمقاومة ما أسموه بالإنقلاب، وفشل أول اجتماع لها الذي انعقد في مكيراس.
على إثر ذلك وبدعوة وضمانات شخصية على سلامته من علي سيف الخولاني، عاد عبدالرقيب إلى صنعاء، وتم استدراجه من منزل علي سيف الخولاني، وفي ميدان التحرير تمت تصفيته، وسحله في 24 يناير 1969، بطريقة غير أخلاقية وبعيدة عن قيم اليمنيين والأعراف النبيلة المتوارثة باحترام ونبل العداء واحترام إنسانية الخصوم .
تدخل الشيخ أحمد علي المطري، وكسر غمد جنبيته، ودعا باسم القبيلة إلى إكرام جثة الشهيد قائلا:"هل نسيتم يا أهل صنعاء أن الذي دافع عنكم وعن أطفالكم وأسركم هو عبدالرقيب عبدالوهاب".
رحل الشهيد عبدالرقيب بعد سفر مشرق من النضال الوطني، والفدائية المبهرة في سبيل جمهورية اليمن العظيم، كان الغدر في مقتل الشهيد نقطة مظلمة في سفر النضال الوطنيّ.
منح وسام السبعين من قبل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
شكل استشهاد المناضل عبدالرقيب عبدالوهاب بتلك الطريقة المشينة جرحا غائرا في ضمير الوجدان الوطنيّ اليمنيّ ونقطة شديدة القتامة في تاريخ النضال والمسيرة الجمهورية، كان لها ارتدادات سيئة في تاريخ اليمن المعاصر، وعمّق الشروخ المجتمعية، وزاد من حدة الصرعات الجهوية والحزبية.
رحم الله الشهيد البطل عبدالرقيب وكل شهداء الثورة والجمهورية.
حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد
وزير الدفاع في حوار مع “العين الإخبارية”: حربٌ لم ينطفئ لهيبها، وهدنٌ مكسورة، وسلامٌ يُغتال قبل أن يولد.. هنا اليمن.. هنا تُسرق أحلام شعب بقبضة مليشيا لا تعرف إلا لغة الدم.. وهنا قوات شرعية تقف كالطود الأشم، وشعبٌ يقس مشاهدة المزيد