تعزيزات عسكرية وحملات تجنيد.. هل يُشعل الحوثيون جولة جديدة من الحرب؟

2025-02-11 09:45:40 أخبار اليوم: قناة بلقيس - عبد السلام قائد

  

 

   

تُواصل مليشيا الحوثي الإرهابية تعزيز تواجدها العسكري في مختلف الجبهات، وخاصة في مأرب، حيث تقوم بإرسال المزيد من المقاتلين وحفر الخنادق وبناء التحصينات، بالإضافة إلى حملات تجنيد مكثفة.

 

هذه التحركات تُشير إلى احتمال قيامها بجولة جديدة من التصعيد العسكري، إما بهدف توسيع نفوذها وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، أو تحسباً لعمل عسكري وشيك ضدها، وتسعى الميليشيا من خلال ذلك إلى المبادرة بالهجوم بدلاً من انتظار الدفاع.

 

ويأتي هذا التصعيد في ظل تضييق الخناق على مليشيا الحوثي من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي صنفتهم كمنظمة إرهابية أجنبية، وتبنت نهجاً صارماً تجاه إيران وحلفائها.

 

وإزاء تلك التطورات، ليس لدى مليشيا الحوثي من خيار لمواجهة السخط الشعبي والضغوط الدولية سوى الهروب إلى الأمام من خلال العودة إلى الخيار العسكري بعد أكثر من سنتين من هدنة هشة انصاعت لها مليشيا الحوثي بعد فشل معركتها خلال عام 2021 وبداية عام 2022 للسيطرة على محافظة مأرب، والآن تعاود المليشيا تركيز أنظارها على تلك المحافظة الغنية بالنفط والغاز، فضلا عن كونها مركز الثقل للحكومة اليمنية الشرعية، وتعتقد مليشيا الحوثي أن السيطرة على محافظة مأرب، وخصوصا مناطق الثروات فيها ومدينة مأرب مركز المحافظة، ستجعل السيطرة على غيرها من المحافظات أيسر وأقل كلفة.

 

- الاستعداد لجولة جديدة من الحرب

في معركتها السابقة للسيطرة على محافظة مأرب، عام 2021، كانت مليشيا الحوثي قد ظلت تستعد لتلك المعركة طوال عامي 2019 و2020، وكان لافتا أن التحالف السعودي الإماراتي لم يشن أي غارات على مواقع مليشيا الحوثي طوال تلك المدة، ولم تشهد أي جبهة تصعيدا عسكريا بعد اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018، وظلت مليشيا الحوثي طوال تلك الفترة يحشدون مقاتلين قبليين بكثافة ويدربونهم في معسكرات مكشوفة أمام الطيران الحربي للتحالف الذي لم يشن حتى غارة تحذيرية واحدة عليها.

 

وقبل اندلاع المعركة، ظهر أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، حسن إيرلو، في صنعاء منتحلا صفة سفير، وسرت تكهنات بأنه كان القائد الفعلي لمعركة مليشيا الحوثي للسيطرة على مأرب، لكنه عاد إلى بلاده جثة هامدة وسط غموض ملابسات وفاته وما إذا كانت جراء إصابته في المعركة أم فعلا بسبب إصابته بفيروس كورونا وفق تصريحات قيادات حوثية ومسؤولين إيرانيين.

 

اليوم يتكرر السيناريو نفسه مع اختلاف بسيط في التفاصيل، فمليشيا الحوثي تستعد الآن لغزو مأرب بعد أكثر من سنتين من التجهيزات والاستعداد في العدة والعتاد والتجنيد والعروض العسكرية، مثلما ظلت تستعد للمعركة السابقة طوال سنتين، وفي كلتا الحالتين كانت الأوضاع في حالة من الجمود المريب، باستثناء أنه في الحالة الأخيرة ظلت مليشيا الحوثي تهدد الملاحة في البحر الأحمر وتهاجم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين بذريعة إسناد قطاع غزة، بينما الحقيقة هي توظيف ذلك لتحقيق مكاسب في الداخل، وظلت عملية التجنيد مستمرة وبكثافة بذريعة مواجهة أمريكا وإسرائيل، لكن المجندين الجدد يتم توزيعهم في جبهات الداخل.

 

- ملامح الحرب المقبلة

بالرغم من أن مليشيا الحوثي تعتمد أسلوب خميني إيران في الحروب من خلال أفواج المقاتلين المؤدلجين وصغار السن الذين لا يتراجعون في المعارك باعتبار أن ذلك أفضل من الجيوش النظامية التي تفضل الانسحاب إذا استشعرت أن الهزيمة حتمية، وبالتالي يجب الانسحاب حفاظا على أرواح من بقي من الجند، لكن من المؤكد أن المليشيا تعتمد أيضا أساليب وتكتيكات قتالية مستمدة من الفكر العسكري الحديث يرشدها إليها الخبراء العسكريون الإيرانيون وغيرهم ممن يشرفون عليها ويخططون لمعاركها ضد الشعب اليمني والحكومة الشرعية، والمزج بين التكتيكات العسكرية القديمة والحديثة مع تكتيكات خميني إيران خلال ثورته ضد نظام حكم الشاه، ومن بين تلك التكتيكات: الاستفراد بالخصوم الواحد تلو الآخر، والتركيز على استهداف مركز الثقل للحكومة الشرعية (في مأرب).

 

دأبت مليشيا الحوثي على استهداف الخصوم وتجزئة المعارك منذ انقلابها على السلطة الشرعية، وهذا التكتيك يُعرف في الفكر العسكري بـ"تكتيك الهزيمة بالتجزئة" أو "مبدأ التفريق"، ويعتمد هذا التكتيك على الانفراد بالخصوم لاستغلال ضعفهم عند الانعزال عن بقية قواتهم الرئيسية، أي أنه أسلوب يعتمد على تقسيم قوات العدو أو عزل أجزاء من جيشه لمهاجمتها وهزيمتها بشكل منفصل، خصوصا إذا كان من الصعب خوض معركة شاملة ضد جميع القوات دفعة واحدة، وهذا التكتيك كان أول من استخدمه الإسكندر الأكبر ونابليون بونابرت، ولا يزال فعالا في التخطيط العسكري الحديث.

 

كما أن تركيز مليشيا الحوثي على محافظة مأرب يأتي في سياق نظرية "مركز الثقل" للمفكر العسكري الألماني كارل فون كلاوزفيتز، في كتابه "عن الحرب"، الذي أشار فيه إلى أن النصر يتحقق بضرب النقطة الأساسية التي يعتمد عليها العدو، سواء كانت اقتصادية، أو عسكرية، أو سياسية، أو معنوية، ويرى أن "مركز الثقل" هو العنصر الذي يُبقي العدو متماسكا ويجب توجيه الجهود الأساسية ضده. وفي هذا السياق يقول نابليون بونابرت: "اهجم على النقطة التي ستجعل كل شيء ينهار".

 

وتمثل محافظة مأرب مركز الثقل للسلطة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، وتحتوي على ثروات نفطية وغازية، كما يوجد فيها مقر وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومراكز القيادة والسيطرة والاستخبارات للحكومة الشرعية، وأيضا يوجد فيها أكبر عدد من أفراد الجيش الوطني، وتوجد فيها حاضنة شعبية صلبة للحكومة الشرعية.

 

وبالتالي فإنه في حال سيطرت مليشيا الحوثي على تلك المحافظة فإنها ستحقق مكسبا كبيرا لا يقل أهمية عن مكسب السيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وبسقوط مأرب سترى مليشيا الحوثي أن بقية المحافظات من السهل السيطرة عليها، ولعل المليشيا تفكر بهذه المغامرة كورقة وحيدة لمواجهة الضغوط الدولية عليها من خلال محاولة فرض أمر واقع وإنهاء وجود السلطة الشرعية والجيش الوطني على الأقل من بقية المحافظات الشمالية التي لا تسيطر عليها المليشيا.

 

غير أن هناك صعوبات كبيرة تجعل التكتيكات المذكورة غير فعالة، من أبرزها أن مليشيا الحوثي ليست في وضع قوي يمكنها من النجاح في التكتيكات العسكرية الممكنة، كما أن التكتيكات المذكورة هي خطوط عريضة تحتاج إلى خطط تفصيلية تتوافق مع القدرات العسكرية المتوفرة وتشترط كفاءة العنصر البشري المقاتل على الأرض، والتعاطي باحترافية مع تكتيكات الطرف الآخر في التصدي والدفاع.

 

ولذلك قد تفكر مليشيا الحوثي بإشعال القتال في جبهات أخرى بهدف تحقيق انتصارات سريعة بدلا من الانتحار على تخوم محافظة مأرب، لكنها تخشى أيضا أن تستنزف قدراتها في جبهات بلا عوائد تُذكر، لذلك ستظل أنظارها مركزة على مأرب على أمل السيطرة عليها كاملة وما سيترتب على ذلك من تحولات كبرى في المشهد السياسي والعسكري ومعادلة الصراع بشكل عام.

 

- محرقة جديدة لمليشيا الحوثي

إذا بادرت مليشيا الحوثي إلى الهجوم على محافظة مأرب بهدف السيطرة على مناطق ثروات النفط والغاز ومدينة مأرب مركز المحافظة، لا شك أنها ستتكبد خسائر كبيرة تفوق تلك التي تكبدتها في معركتها السابقة للسيطرة على المحافظة عام 2021، وإذا كانت المليشيا قد طورت قدراتها العسكرية وأصبحت اليوم أقوى مما كان عليه حالها عام 2021، فإن الجيش الوطني طور أيضا قدراته العسكرية وإن كان ذلك بشكل محدود، بسبب شحة الدعم العسكري المقدم من السعودية، في حين تواصل إيران إمداد مليشيا الحوثي بأسلحة نوعية دون بخل أو تقتير.

 

وفي الحقيقة هناك غموض بشأن كميات الأسلحة التي تمتلكها مليشيا الحوثي، وحتى إذا كان لديهم كميات كبيرة من الأسلحة النوعية، لكنهم يعانون من نقص الكادر البشري المؤهل للتعامل مع تلك الأسلحة، ومعظم عناصرهم مجرد مقاتلين قبليين بدائيين لا يجيدون استخدام الأسلحة الحديثة والنوعية، وهي أسلحة قد تمكنهم من الإضرار بالمدنيين والأعيان المدنية وتمنحهم تفوقا محدودا على الجيش الوطني في بعض الجوانب، لكنها لن تمكنهم من حسم المعركة لمصلحتهم.

 

كما يجب الأخذ في الاعتبار أنه في حال نفذت مليشيا الحوثي عملية عسكرية واسعة في محيط محافظة مأرب فإن ذلك قد يدفع السعودية للعودة للتدخل العسكري وتنفيذ غارات جوية فعالة على مواقع مليشيا الحوثي وإمداداتهم العسكرية صوب محافظة مأرب، وسيكون لذلك أثر بالغ على تحركات مليشيا الحوثي، ولعل اندفاعهم خلال الفترة الماضية للتفاهم مع السعودية أو المصالحة معها يهدف إلى تحييد دورها العسكري لاعتقادهم بأنه لولا الغارات الجوية لتمكنوا من تحقيق توسع ميداني كبير دون عوائق.

 

وبصرف النظر عن كل ما سبق، فالأدلة التاريخية والعسكرية تؤكد أن الطرف المهاجم يتكبد خسائر فادحة أكثر من الطرف المدافع، ولعله لم يغب عن أذهان مليشيا الحوثي خسائرهم التي تكبدوها عام 2021 على تخوم محافظة مأرب، علما أنهم كانوا قد اعترفوا حينها بمقتل 15 ألف شخص من عناصرهم، بينما قدر التحالف خسائر مليشيا الحوثي البشرية حينها بنحو 30 ألف قتيل.

 

ومن الأسباب الرئيسية لتكبد الطرف المهاجم خسائر أكبر: أفضلية المواقع الدفاعية، فالقوات المدافعة تستفيد من التضاريس المحيطة لإبطاء تقدم العدو، كما أن الطرف المدافع قريب من خطوط إمداداته، بينما الطرف المهاجم يواجه تحديات لوجستية كلما تقدم، وفي حين أن خطوط الاتصال بين المدافعين تكون أكثر استقرارا، فإن الطرف المهاجم يعتمد على خطوط طويلة معرضة للقطع أو الغارات الجوية.

 

علاوة على ذلك، يكون الطرف المهاجم في وضع مكشوف أثناء التقدم، مما يجعله هدفا سهلا للمدافعين، وغالبا ما يكون لدى الطرف المدافع معلومات استخباراتية محلية أفضل، مما يتيح له نصب الكمائن واستغلال نقاط ضعف العدو، ولذا فالطرف المهاجم قد يواجه عقبات غير متوقعة، مثل الألغام أو الكمائن أو الدفاعات العميقة متعددة الطبقات.

 

وتفيد عدد من الدراسات العسكرية بأن الطرف المهاجم يحتاج 3 إلى 5 أضعاف قوة المدافع لتحقيق النجاح، فالدفاع القوي والاستفادة من التضاريس يمكن أن يجعل حتى من جيش صغير يسبب خسائر فادحة للطرف المهاجم، وهنا تكمن عقدة مليشيا الحوثي في محاولتها للسيطرة على مدينة مأرب ومناطق ثروات النفط والغاز في المحافظة.

 

ورغم ذلك، قد يتمكن الطرف المهاجم من تحقيق النصر في حال كان الهجوم حاسما وتم بإعداد محكم ومباغتة إستراتيجية، وأن يكون لدى المهاجم تفوق تكنولوجي، مثل القصف الجوي قبل الهجوم البري، وكان هناك تفوق استخباراتي يسمح بتوجيه ضربات دقيقة ضد نقاط ضعف المدافع، وهذا كله لا يتوفر لدى مليشيا الحوثي، التي تعتمد فقط على الكثرة العددية والتعبئة الطائفية والمناطقية لعناصرها.

 

- كيف يمكن هزيمة مليشيا الحوثي؟

من الأخطاء التي يقع فيها الجيش الوطني وجميع الأطراف المناهضة لمليشيا الحوثي أنهم يمنحون تلك المليشيا فرصة الاستفراد بهم، فمثلا عندما ألقت مليشيا الحوثي بكل ثقلها العسكري للسيطرة على محافظة مأرب عام 2021، ظلت ألوية الجيش الوطني المرابطة في محافظة مأرب تواجه مليشيا الحوثي بمفردها هناك، بينما بقيت مختلف ألوية الجيش الوطني والتشكيلات العسكرية في المحافظات الأخرى في موقع المتفرج، ولم تستجب للمطالب الشعبية بتحريك جميع الجبهات لإرباك مليشيا الحوثي وتخفيف الضغط على الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في مأرب.

 

ومن المتوقع أن يتكرر السيناريو نفسه في حال عاودت مليشيا الحوثي تنفيذ عملية عسكرية واسعة للسيطرة على محافظة مأرب إلا في حال كان هناك دعم إقليمي ودولي للحكومة الشرعية وبقية التشكيلات والفصائل العسكرية والدفع بها لمواجهة مليشيا الحوثي ، مع أنه يفترض مواجهة أي تحرك عسكري لمليشيا الحوثي في جبهة ما بتحريك جميع الجبهات لإرباكهم دون انتظار تعليمات من الخارج، لأن انتصار مليشيا الحوثي في جبهة ما سيجعلهم يتجهون لتوسيع نطاق سيطرتهم في المحافظات الأخرى بنفس التكتيك: الاستفراد بالخصوم وضرب مراكز الثقل على التوالي.

 

وبالنظر إلى خريطة السيطرة ومناطق انتشار الجيش الوطني وأيضا مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، تبدو المليشيا متكتلة في مناطق جغرافية متصلة ببعضها وتشكل كتلة واحدة، عكس الجيش الوطني الذي ينتشر في ما يشبه الجزر المنفصلة عن بعضها، مما يقلل من قدرته على التواصل والتنسيق والتحرك بمرونة، لكن بالإمكان تحويل هذه الإشكالية من نقطة ضعف إلى نقاط قوة للإطباق على مليشيا الحوثي من جميع الجهات وتحريك مختلف الجبهات بشكل متزامن، واستدراج المليشيا إلى مناطق خالية من المدنيين لتقليل الخسائر التي قد تلحق بهم، واعتماد تكتيكات قتالية معروفة في الفكر العسكري تتناسب مع الحالة اليمنية في الوضع الراهن.

 

أولا، بما أن الجيش الوطني يحيط بمناطق سيطرة مليشيا الحوثي بشكل دائري من جميع الجهات، ففي هذه الحالة يمكن اعتماد خطة الإطباق الدائري، وهي من أكثر التكتيكات شيوعا وفعالية في الحروب، ويطلق على هذا النوع من الخطط اسم "التطويق الكامل" أو "التطويق العميق"، ويهدف إلى تطويق العدو من جميع الجهات لإرباكه وعزله عن الدعم والتمويل الأجنبي.

 

ومن أبرز أشكال هذا التكتيك: حركة الكماشة الكلاسيكية، وتتمثل في مهاجمة العدو من الجانبين (الأجنحة)، مع توجيه هجوم مركزي لإبقاء العدو مشغولا ومنعه من الانسحاب، بالإضافة إلى التطويق المزدوج، والذي يتضمن شن هجمات من الأمام ومن الخلف في وقت واحد، مما يؤدي إلى قطع خطوط الإمداد وهروب القوات، ثم التطويق العميق، المتمثل في تجاوز العدو إلى عمق مناطقه الخلفية لإغلاق طرق الانسحاب.

 

ومن مزايا هذا التكتيك: عزل العدو، وقطع الإمدادات، وإجباره على الاستسلام (في الحالة اليمنية كان إبقاء الحديدة تحت سيطرة مليشيا الحوثي خطأ كبيرا، فالحديدة كانت وما زالت بمنزلة الرئة التي يتنفس مليشيا الحوثي منها، فمن خلال موانئها يتم تهريب الأسلحة والخبراء العسكريين الأجانب، ويتم استغلال عائدات موانئها في إثراء القيادات الحوثية وتمويل العمليات العسكرية للمليشيا).

 

ومن عيوب تكتيك الإطباق الدائري التي يجب التنبه لها، أنه يتطلب تنسيقا عاليا وقوة نارية كبيرة، ويكون محفوفا بالمخاطر إذا فشل في إحكام الطوق.

 

ثانيا، بعد الإطباق الدائري، يمكن للجيش الوطني التقدم إلى مناطق سيطرة المليشيا الحوثية باعتماد ما يعرف في الفكر العسكري باسم "إستراتيجية التجزئة والحرمان" أو "حرب الحصار والشلل اللوجستي"، وذلك من خلال تقطيع أوصال مناطق سيطرة مليشيا الحوثي لعزلها عن بعضها وتقطيع طرق الإمداد لشل حركة مليشيا الحوثي وإضعاف قدرتهم على المقاومة، فمثلا يمكن للجيش الوطني في مأرب الالتحام بالجيش والتشكيلات العسكرية المتواجدة في محافظة شبوة والتقدم نحو محافظة البيضاء وصولا إلى مدينة ذمار، لعزل صنعاء عن إب وتعز.

 

وبنفس الوقت تلتحم القوات المتواجدة في الجوف وصعدة وتتجه صوب قلب محافظة عمران لعزل صعدة عن صنعاء، وتتقدم القوات المتواجدة في محافظة حجة لقطع الطريق الرابط بين صنعاء والحديدة لعزل الحديدة عن صنعاء، وتتقدم القوات التي يقودها طارق صالح في الساحل الغربي نحو محافظة إب والإطباق على مليشيا الحوثي في تعز من الخلف، وفي تعز ينفذ الجيش الوطني هناك حركة التفافية تقطع الطريق الرابط بين محافظتي تعز ولحج لعزل المليشيا الحوثية في المحافظتين عن بعضها.

 

وهذه التحركات يجب أن يتزامن معها تشجيع انتفاضات قبلية وشعبية ضد مليشيا الحوثي في جميع مناطق سيطرتها، مع الاستمرار في وتيرة القتال في مختلف الجبهات وعدم منح المليشيا الحوثية أي فرصة لالتقاط أنفاسها، وعندما تنهار دفاعاتها الأمامية فإن خطوط الدفاع الخلفية ستنهار بسرعة كونها أكثر ضعفا من الدفاعات الأمامية، خاصة في حال انقطاع الاتصال بين القوات والقيادات.

 

وهناك أدلة تاريخية أثبتت نجاح هذه الإستراتيجية في الحروب وفي معارك أكثر تعقيدا من الحالة اليمنية حاليا، ففي الحرب العالمية الثانية استخدم الحلفاء إستراتيجية "القص والتقطيع" لعزل الجيوش الألمانية وإجبارها على الاستسلام. وفي حرب الخليج الثانية، شنت قوات التحالف هجمات مكثفة على شبكات الإمداد العراقية، مما أدى إلى انهيار سريع لقوات صدام حسين.

 

ثالثا، بعد التطويق الدائري وقطع الطرق وعزل مناطق سيطرة مليشيا الحوثي عن بعضها، يجب تركيز الجهود للسيطرة التامة على العاصمة صنعاء من أقصر المسافات نحوها، وهذا يمكن أن يتم من جهة الشرق، حيث يتقدم الجيش الوطني في مأرب مسنودا بالمنطقتين العسكريتين الأولى والثانية وألوية الجيش الوطني في محافظة شبوة التي انسحبت إلى خارج المدينة تحت ضغط غارات الطيران الحربي للتحالف لتمكين المجلس الانتقالي من السيطرة عليها، كما يجب أن يدفع التحالف بالفصائل العسكرية التي شكلها مثل قوات العمالقة وقوات درع الوطن للتقدم صوب العاصمة صنعاء انطلاقا من محافظة مأرب.

 

وفي حال التقدم صوب العاصمة صنعاء، لا شك أن جميع المقاتلين مليشيا الحوثي هناك سيستعدون للمواجهة خارج العاصمة لحمايتها قبل أن تصل قوات الجيش إليها، وستبقى مدينة صنعاء شبه خالية من المقاتلين مليشيا الحوثي، وهنا يمكن للتحالف تنفيذ إنزال جوي مكثف لجنود من الجيش الوطني في قلب العاصمة صنعاء ومحيطها، مع توجيه غارات جوية مكثفة لمواقع مليشيا الحوثي خارج العاصمة لإرباكهم.

 

كما يجب دعوة سكان العاصمة إلى تشكيل مقاومة شعبية مساندة للجنود القادمين عبر الإنزال الجوي لتأمين العاصمة وملاحقة جيوب مليشيا الحوثي فيها، وأيضا التوجه لقتال عناصر المليشيا الذين اتجهوا إلى خارج العاصمة للدفاع عنها، والذين سيجدون أنفسهم بين فكي كماشة: قوات الجيش القادمة من أمامهم، ومن خلفهم الجنود القادمون من داخل صنعاء عبر الإنزال الجوي.

 

- العاصمة كمركز ثقل

وتجدر الإشارة إلى أن استهداف العاصمة أو المدينة التي توجد فيها أقوى قوة عسكرية كـ"مركز ثقل" للعدو هو جزء من العديد من النظريات والإستراتيجيات العسكرية، وباستعادة الجيش الوطني للعاصمة صنعاء، وتجهيز قوات لتأمينها وحمايتها، ستنهار مليشيا الحوثي في بقية الجبهات والمحافظات بعد تقطيع أوصالها وعزلها عن بعضها، لأن استعادة السيطرة على العاصمة تعني انهيار حكم مليشيا الحوثي، وسيكون من بقي من قياداتهم فيها عرضة للملاحقة والسجن والمحاكمات العسكرية.

 

علما أن العديد من الجيوش في العالم عبر التاريخ ركزت على الاستيلاء على عاصمة العدو لتحقيق النصر، ومن أمثلة ذلك أن استيلاء قوات الحلفاء على برلين في الحرب العالمية الثانية أدى إلى سقوط النظام النازي، وفي عام 2003 كان سقوط العاصمة العراقية بغداد نقطة تحول حاسمة في الغزو الأمريكي للعراق، حيث وجهت واشنطن الضربات الأولى نحو بغداد باعتبارها مركزا للقيادة والسيطرة العسكرية والسياسية، قبل أن تضرب خطوط الإمداد.

 

وفي الحرب الأهلية الأمريكية (1861- 1865م)، كان الجنرال ويليام تيكومسيه قد تبنى نهج ضرب العمق العسكري والمدني للولايات الجنوبية، بما في ذلك المدن الرئيسية، وتقطيع أوصالها، لتعطيل قدرة العدو على مواصلة القتال، حتى تم النصر وإعادة الولايات الجنوبية إلى الاتحاد الأمريكي.

 

في المحصلة، تتطلب معركة استعادة العاصمة صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي خطة عسكرية متكاملة تعتمد على الإعداد الدقيق والعمليات الميدانية المحكمة، والبدء بتوحيد جميع الفصائل العسكرية تحت قيادة مركزية واحدة، وتقليص الخلافات فيما بينها، والتدريب المكثف للوحدات القتالية، وتأمين الدعم اللوجستي.

 

يضاف إلى ذلك الاهتمام بجمع المعلومات الاستخباراتية كخطوة أساسية لتحديد نقاط الضعف في خطوط إمداد مليشيا الحوثي، وتأمين التعاون مع المواطنين في مناطق سيطرة المليشيا وتحريضهم على الثورة والقتال ضدها كلما تقدم الجيش في جبهة ما، وأيضا تأمين التواصل مع المواطنين لرصد تحركات مليشيا الحوثي والإبلاغ عنها.

 

كما يجب أن تطالب الحكومة الشرعية التحالف السعودي الإماراتي ودولا أخرى بتزويد الجيش الوطني بأسلحة نوعية، وتكثيف الغارات الجوية على مواقع مليشيا الحوثي وتحركاتهم ومخازن أسلحتهم، وأن تبذل جهودا نفسية ودعائية تهدف إلى كسب ولاء المواطنين وخصوصا في المناطق التي تمثل حاضنة شعبية لمليشيا الحوثي، وتشجيع المقاتلين مليشيا الحوثي على الاستسلام وتسليم أسلحتهم للجيش الوطني مقابل سلامتهم الشخصية، والإعلان عن رصد مكافآت مغرية لكل من يبلغ عن أماكن تواجد أو اختباء القيادات الحوثية.

 

وهكذا يتبين أن هزيمة مليشيا الحوثي ممكنة، وتحتاج فقط للقرار السياسي والإرادة والتخطيط ووحدة الصف، لينعم اليمن بالأمن والاستقرار والنهوض، وينعم جيرانه بالأمن المستدام وإزالة شبح التهديد الإيراني عبر الوكلاء الإقليميين، ويتخلص الاقتصاد العالمي من كابوس تهديدات مليشيا الحوثي للملاحة في البحر الأحمر.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
استعدادات الحكومة للحسم العسكري: وزير الدفاع يكشف خطط المواجهة مع الحوثيين

وزير الدفاع في حوار مع “العين الإخبارية”: حربٌ لم ينطفئ لهيبها، وهدنٌ مكسورة، وسلامٌ يُغتال قبل أن يولد.. هنا اليمن.. هنا تُسرق أحلام شعب بقبضة مليشيا لا تعرف إلا لغة الدم.. وهنا قوات شرعية تقف كالطود الأشم، وشعبٌ يقس مشاهدة المزيد