نجا رئيس هيئة العمليات في وزارة الدفاع اليمنية، اللواء الركن خالد الأشول، ومدير دائرة العمليات العميد الركن يحيى العيزري، السبت 15 فبراير/شباط 2025، من محاولة اغتيال أثناء تفقدهما لقوات الجيش والأمن بمحافظة المهرة (شرقي اليمن).

وهذه ثاني محاولة اغتيال يتعرّض لها اللواء الأشول، خلال زياراته الميدانية على رأس وفد عسكري لتفقد الوحدات والتشكيلات العسكرية جنوب وشرقي اليمن، ضمن توجه وزارة الدفاع لتعزيز التعاون والتكامل بين مختلف القوات والقطاعات، وتطوير التنسيق والتعاون بين مراكز العمليات والسيطرة العسكرية والأمنية.

وكانت المحاولة الأولى صباح الإثنين 3 فبراير/شباط 2025، أثناء عودة اللواء الأشول والوفد المرافق له من زيارة محوري طور الباحة وتعز، صوب مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.

وفق مصادر عسكرية، فإن الهجوم يأتي بالتزامن مع تصعيد مليشيا الحوثي لهجماتها العسكرية وتنشيط خلاياها في المناطق المحررة، وهو ما يثير تساؤلات حول أهداف المليشيا من تصعيد أعمالها الاستخباراتية والتخريبية في المحافظات الجنوبية والشرقية.

وأوضح مصدر عسكري لـ“بران برس”، أن إحدى النقاط العسكرية بمحور طور الباحة (جنوبي اليمن)، ضبطت عناصر خليه إرهابية بحوزتها 15 عبوه نوع “سي فور” شديدة الانفجار، مبينًا أن التحقيقات الأولية مع المضبوطين كشفت أنهم يتبعون مليشيا الحوثي الإرهابية، وكُلفوا باستهداف اللواء الأشول.

خلال الأسبوع المنصرم، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة اليمنية المعترف بها، ضبط عدّة خلايا تابعة لمليشيا الحوثي في عدة محافظات جنوب وشرق البلاد، بما فيها محافظتي أبين وحضرموت، موضحة أن هذه الخلايا كانت تخطط لتنفيذ أعمال تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

يناقش بـ“بران برس”، في هذه المادة مع باحثين وسياسيين وعسكريين ما وراء هذه التحركات الحوثي، خصوصًا وأنها تأتي بالتوازي مع تكثيف المليشيا لهجماتها العسكرية في مختلف الجبهات.

أهداف غير تقليدية

حول هذه الخلايا، قال مدير العلاقات العامة والتوجيه المعنوي بوزارة الداخلية اليمنية، العميد عبد القوي باعش، إن “مليشيا الحوثي تتبنى استراتيجية متشابكة تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية، عسكرية، وأيديولوجية على حساب الشرعية اليمنية كنشر خلايا نائمة من أجل زعزعة الإستقرار”.

وقال العميد باعش، في حديثه لـ“بران برس”، إن المليشيا تسعى من وراء هذه الخلايا إلى “تحقيق أهداف متعددة تتجاوز مجرد العمليات العسكرية التقليدية”. موضحًا أنها تُستخدم “كأداة لجمع المعلومات الاستخباراتية عن تحركات القوات الحكومية، ورصد البنية التحتية والمواقع الحيوية”.

وهذه المعلومات، وفق باعش، “تُستخدم للتخطيط من أجل القيام بعمليات نوعية، سواء عبر استهداف القادة العسكريين، أو استهداف على المواقع الإستراتيجية عن طريق المسيرات والصواريخ”. معتبرًا هذه الخلايا “أداة فعالة لزعزعة استقرار المناطق المحررة وإضعاف الحكومة الشرعية”.

وطبقًا للعميد باعش، فإن المليشيا “تهدف إلى تقويض قدرة الحكومة على فرض الأمن وتقديم الخدمات”. ويرى أن “هذا الوضع يولّد حالة من الفوضى ويعزز من صورة الحكومة كسلطة ضعيفة غير قادرة على حماية مناطقها أو تلبية احتياجات المواطنين.

جبهات أمنية جديدة

أستاذ العلوم السياسية في جامعة تعز، عبد القادر الخلي، قال إن مليشيا الحوثي “تستغل الخلايا النائمة لخلق جبهات أمنية جديدة تُشتت جهود قوات الشرعية”. موضحًا لـ“بران برس”، أن “هذه الاستراتيجية تفرض على القوات الموالية للشرعية تخصيص موارد عسكرية وأمنية إضافية لملاحقة هذه الخلايا”.

ووفق “الخلي”، فإن مليشيا الحوثي تستغل الانقسامات القبلية والسياسية داخل المحافظات الجنوبية للتغلغل، وتأجيج النزاعات المحلية أو دعم أطراف معينة، معتبرًا “هذه الانقسامات بيئة خصبة لتغلغل خلايا الحوثية.

وأشار إلى أن المليشيا تسعى من وراء ذلك إلى “تعميق الانقسامات داخل صفوف القوى المناهضة لها”. مشيرًا إلى أن “هذا النهج يُضعف أي جبهة موحدة ضد مليشيا الحوثي ويخلق فرصاً لهم للتوغل والسيطرة”.

ومن أهداف هذه الخلايا، وفق الخلي، هو “نشر الأيديولوجيا الحوثية بين المجتمعات المحلية، ونشر الدعاية الموجهة لتقويض شرعية الحكومة والتحالف العربي؛ ما يسهم في تعزيز النفوذ الحوثي على المدى الطويل”.

إرباك المشهد

من جانبه، يرى الباحث السياسي، عاتق جار الله، أن الهدف من إرسال هذه الخلايا هو “خلط الأوراق، وإقلاق السكينة العامة في الجنوب”. موضحًا لـ“بران برس”، أن مليشيا الحوثي تستخدم هذه الاستراتيجية لـ“زرع الفتن وإثارة الشائعات وكسب تأييد من أبناء المجتمع كنوع من التفتيت الذاتي في المناطق التي تخضع للسلطة الشرعية”.

وأضاف “جار الله”، أن مليشيا الحوثي تسير في مسارين: “القتال المباشر مع القوات الحكومية وغير المباشر من خلال زراعة مثل هذه الخلايا”. مؤكدًا أن الأخيرة “لا تقل أهمية على الجبهة المباشرة”.

ويعود سبب نشر مليشيا الحوثي لهذه الخلايا، وفق جار الله، إلى “خشيتُهم من قرب عودة المعركة ومن أي تقدم سيحققُه الجيش الوطني على الجبهات فيريد أن يربك المشهد في المناطق التي تخضع للسلطة الشرعية”.

وأشار إلى أن “هذا العامل سيضعف معنويات أفراد الجيش إذا بدأت المعركة واشتعلت الجبهات سيحرك مليشيا الحوثي الخلايا بشكل أكبر من خلف خطوط القوات الحكومية بهدف إضعاف الروح المعنوية عند المقاتلين”.

مكاسب استخباراتية

فيما يرى رئيس مركز المستقبل اليمني للدراسات الدكتور فارس البيل، أن انتشار الخلايا الحوثية في المناطق المحررة عمل استخباراتي وتخريبي من أجل إحداث الضرر في هذه المناطق، ومحاولة خلخلة الأمن فيها والبحث عن معلومات استخباراتية بالدرجة الأولى كعملية رصد التحركات والتحشيدات ومواقع تواجد القوات وما إلى ذلك.

ويتفق البيل مع جارالله بأن مليشيا الحوثي “تشعر الآن بقرب المواجهة، وأنها في دائرة الاستهداف، وان الفترة القادمة هي فترة تصعيد، ولذلك ترسل أعينها وترسل خناجرها إلى هذه المناطق”.

وعن استخدامات الخلايا، أوضح البيل، أن الجماعة تحقق من خلالها الكثير من الأغراض إما جمع معلومات، أو أعمال تخريبية، أو اختراقات، أو التهيئة لأعمال إرهابية”.

تهديد مباشر

وفق الدكتور الخلي، فإن انتشار الخلايا الحوثية في مناطق الحكومة اليمنية يمثل “تهديداً مباشراً لها”. فمن خلال هذه الخلايا، قال إن المليشيا تستطيع “استهداف المنشآت الحيوية مثل الموانئ والمنشآت النفطية أو حتى السفن التجارية”.

وهذا برأيه “يعكس استراتيجيتهم الأوسع لرفع التكلفة الاقتصادية والسياسية للتحالف، والضغط عليه في أي مفاوضات مستقبلية”. مضيفًا أن المليشيا “تريد إحداث اختراقات للقوات الشرعية من خلال إضعافها في جميع الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية تمهيدًا لإجراء عملية عسكرية لإسقاط مناطق الشرعية بالكامل”.

ولهذا قال: “لاحظنا تنشيط خلايا نائمة لمليشيا الحوثي حتى في المحافظات التي تقع في أقصى البلاد، مثل محافظة حضرموت التي لم تسيطر مليشيا الحوثي عليها عسكرياً”.

تمثل محاولات الاغتيال الأخيرة وتزايد أنشطة الخلايا الحوثية دليلًا على استراتيجية المليشيافي توسيع رقعة الفوضى داخل المناطق المحررة، وهو ما يستدعي تحركًا أمنيًا واستخباراتيًا أكثر فاعلية لملاحقة هذه الخلايا وتفكيك شبكاتها قبل تنفيذ المزيد من العمليات التخريبية.