اعتمد باريس سان جيرمان أخيرا على روح الفريق أكثر من التألق الفردي لتحقيق طموحاته الأوروبية وأتى ذلك بثماره عندما أطاح منافسه ليفربول المرشح البارز من دور الستة عشر بدوري أبطال أوروبا لكرة القدم، الثلاثاء.

وخسر باريس سان جيرمان 1 - صفر على ملعب بارك دي برينس بعد أن هيمن على مباراة الذهاب، لكنه صمد في أنفيلد ليفوز 1 - صفر في مباراة الإياب قبل أن يضمن تأهله بركلات الترجيح.

ومع انتقال كيليان مبابي إلى ريال مدريد قبل انطلاق الموسم الحالي وبعد فترة محبطة في مرحلة الدوري بدوري أبطال أوروبا، لم يكن أحد يتوقع أن يظهر باريس سان جيرمان بصفته أحد أبرز المنافسين على اللقب بعد العطلة الشتوية.

لكن مدرب ليفربول أرنه سلوت حذَّر من أن فريق المدرب لويس إنريكي هو الأفضل في القارة، ويبدو أن هذا هو الحال حتى وإن كانت هزيمة النادي الإنجليزي في أنفيلد غير مستحقة مثل فوزهم في باريس.

قال ماركينيوس، قائد باريس سان جيرمان: «كنا نستحق التأهل في مباراتي الذهاب والإياب. كرة القدم لا تكافئ الأفضل دائماً. وأنا سعيد جداً بالتأهل الليلة والذي جاء عن جدارة واستحقاق».

وقال ناصر الخليفي، رئيس النادي: «لدينا فريق شاب نرغب في البناء عليه».

وتابع: «كنت سأقول الشيء نفسه لو لم نتجاوز مرحلة الدوري، ولو خرجنا الليلة ولدينا أفضل مدرب في العالم ولاعبون موهوبون».

واستفاد سان جيرمان من طريقة لعب لويس إنريكي القائمة على الاستحواذ والضغط المكثف التي أصبحت أكثر شراسة عن طرق اللعب التي اعتمد عليها الفريق سابقاً. وظهر ذلك جلياً حين سجل عثمان ديمبلي الهدف الوحيد بلمسة هادئة في نهاية هجمة مرتدة.

وبينما يدين ليفربول بالفضل للحارس أليسون في الحفاظ على نظافة شباكه ذهاباً، كان جيانلويجي دوناروما، الذي أخفق في التصدي لتسديدة هارفي إليوت وسمح له بتسجيل هدف الفوز في باريس، هو الذي لعب دور البطولة بمجموعة من التصديات الرائعة وأنقذ ركلتي ترجيح من داروين نونيز وكيرتس جونز.

وقال لويس إنريكي: «إقصاء ليفربول أمر صعب للغاية. لم يكن ذلك ممكناً لولا عقلية الفريق وشجاعته، ولولا تصديات دوناروما».

وأضاف: «أظهرنا بالفعل مستوانا وقدراتنا وطريقة لعبنا الخاصة بغض النظر عن الملعب الذي نخوض فيه المباراة حتى لو لم يكن الأمر سهلاً في بعض الأحيان. لكننا كنا على قدر التطلعات».

ومنذ 2012 - باستثناء موسم 2016/ 2017 - اعتمد باريس سان جيرمان على لاعبين كبار مثل زلاتان إبراهيموفيتش، ونيمار، وليونيل ميسي ومبابي.

وبتشكيلة من اللاعبين الشبان مثل برادلي باركولا استوعب سان جيرمان أسلوب لعب لويس إنريكي ورغم افتقارهم للخبرة، فإنهم قادرون على تحقيق تطلعات كبيرة في أوروبا مع اقترابهم من الفوز بلقب الدوري المحلي بالفعل.

و خطف الحارس الإيطالي المخضرم جانلويجي دوناروما الأنظار بتصديه للعديد من الأهداف المحققة لليفربول الإنجليزي ولركلتين ترجيحيتين، مساهماً في تأهل فريقه باريس سان جيرمان الفرنسي إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم بعد مواجهة ستبقى محفورة في أمسيات القارة التاريخية.

وفي ظل خوض مباراة الإياب على ملعب «أنفيلد» الصاخب بعد التأخر بهدف من لقاء الذهاب على أرضه في «بارك دي برانس»، كان الحمل كبيراً على دوناروما، لكن بمساعدة دفاع سان جيرمان اليقظ والعارضة التي تصدت لكرتين وهدف ملغى بداعي التسلل، صمد ابن الـ26 عاماً لمدة 120 دقيقة بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالنتيجة ذاتها (1 - 0)، قبل أن يتألق في ركلات الترجيح.

وليست المرة الأولى التي يكسب فيها دوناروما معركة ركلات الترجيح خلال مسيرته، وهو ما كرره من خلال التصدي لركلتي الأوروغوياني داروين نونييس وكورتيس جونز من أصل ثلاث ركلات فقط نفذها أصحاب الأرض.

كان دوناروما أمام أمسية قارية إما يخرج بـ«كل شيء أو لا شيء» في مواجهة القوة الضاربة لليفربول تحت أعين جمهوره الصاخب.

وبعد أن هيمن سان جيرمان على لقاء الذهاب الذي لم يُختبر فيه دوناروما سوى مرتين وإحداهما أثمرت هدفاً دراماتيكياً بعكس مجرى اللقاء، تمكن الإيطالي أخيراً من التحكم في عواطفه وارتقى إلى حجم الأمسية، بعد أن سدد ليفربول 19 مرة منها 3 على المرمى.

وقبل مرور ساعة من عمر اللقاء، تصدى دوناروما ببراعة لرأسية الكولومبي لويس دياس (58)، باليد نفسها التي أخفقت في التصدي لهدف البديل هارفي إليوت القاتل قبل أسبوع.

وأظهر الدولي الإيطالي أيضاً خبرته من خلال اللعب في بعض الأحيان لكسب الوقت (62)، مطالباً أيضاً زملاءه بالهدوء.

وفي حين قد لا يواجه دوناروما الضغط نفسه في الدوري الفرنسي حيث يهيمن نادي العاصمة الفرنسية بشكل كبير، إلا أنه لم يكن دائماً بهذه الجاهزية في المسابقة القارية المرموقة. لكن أمسية الثلاثاء أعادت إلى الأذهان أداءه في كأس أوروبا 2020 عندما اختير أفضل لاعب في البطولة مساهماً في تتويج «أتزوري» باللقب خلافاً للتوقعات.

أظهر دوناروما يقظة واضحة من خلال اعتراض مختلف أنواع الكرات ومنها العالية أو الركنيات أو العرضية.

لا يمكن تجاهل هنا أيضاً الدور الدفاعي المتماسك الذي أظهره رجال المدرب الإسباني لويس إنريكي، وتحديداً البرتغالي نونو مينديش والإكوادوري ويليان باتشو، إلا أن الحارس الإيطالي أبقى مرماه نظيفاً، وهو ما لم ينجح في تحقيقه أكبر الأندية الأوروبية على ملعب أنفيلد هذا الموسم.

كذلك، نجح ليفربول في جميع مبارياته هذا الموسم بدوري الأبطال في التسجيل حتى أمام أبطال الدوريات الكبرى في القارة: باير ليفركوزن الألماني (4 - 0)، ريال مدريد الإسباني (2 - 0)، ومانشستر سيتي الإنجليزي (2 - 0).

ورد دوناروما بأفضل طريقة على الانتقادات التي طالته على خلفية تلقيه هدفاً قاتلاً الأسبوع الماضي من الهجمة شبه الوحيدة للريدز في المباراة.

كذلك، كان أداؤه رداً واضحاً بعد تألق نظيره حارس ليفربول، البرازيلي أليسون بيكر، بشكل كبير في لقاء الذهابـ حيث تصدى لتسع تسديدات، منها اثنتان في غاية الصعوبة، ليصف لاحقاً بأنه خاض «أفضل مباراة في حياته».

نجح دوناروما وسان جيرمان في إظهار جاهزية نادرة خلال الشوط الثاني على المستويين الذهني والبدني، وهو اختبار كان يسقط فيه سان جيرمان قارياً من قبل رغم وجود ترسانة من النجوم الكبار تقدمهم نجم ريال الحالي كيليان مبابي.

وبعدما استعاد حارس ميلان وهجه خلال الأسابيع الأخيرة، نجح دوناروما الذي ينتهي عقده في عام 2026 ولا يزال في صلب مفاوضات مع النادي لتجديده، في إسكات هذه الأصوات بعد مباراة أقل ما يقال عنها إنها «تاريخية».

وقال في نهاية يناير (كانون الثاني): «أريد البقاء وتمديد عقدي لأن هذا هو بيتي. أشعر بأنني بحالة جيدة للغاية هنا، وآمل أن أواصل تقديم أداء جيد هنا».