2025-04-15
لماذا ربط ترامب الصومال في حديثه عن الحوثيين؟
كانت واحدة من أهم مبررات نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي عام 2022 هي التعاطي مع المستجدات على الأرض وإعادة ترتيب المشهد السياسي بما يفضي إلى تقليص مساحة الصراع بين المشاريع المختلفة في مساحة السيطرة الافتراضية للحكومة الشرعية، وأبرزها الصراعات التي خاضتها قوات الحكومة الشرعية في وقت سابق مع قوات المجلس الإنتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد والمدعوم من أبو ظبي.
غير أن التطورات المتلاحقة منذ ذلك الحين، كشفت عن تحول المجلس تدريجياً إلى مظلة سياسية للمشاريع المتناقضة ذاتها، وبدلاً من التحرك المحدود لقادة المجلس الانتقالي كممثلين لمكون جهوي مرفوض على نطاق واسع محلياً وغير معترف به خارجيا، لمس المتابع أن الشكل الجديد للحكومة الشرعية جاء لتعزيز مشروع الانفصال وشرعنة سيطرته المسلحة على المحافظات وتحركاته الدولية.
إعلان نقل السلطة الذي جاء مذيلاً باسم الرئيس عبدربه منصور هادي - آخر رئيس منتخب- جاء في حيثياته أنه يهدف "للمحافظة على وحدة شعبنا في دولة مدنية تحقق الشراكة الواسعة والتوزيع العادل للثروات، وتحمي الجميع، وتحقيقاً لجوهر مخرجات الحوار الوطني الشامل، وحرصاً منا على المحافظة على أواصر الأخوة بين كافة أبناء شعبنا".
وحينها ظهر عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى جانب قادة يمنيين من شمال البلاد وجنوبها، في مجلس القيادة الرئاسي، بدا المشهد متوازناً ظاهرياً، وعزز ذلك ظهور الزبيدي في أعقابها في خطاب تاريخي أمام صحفيين وسياسيين في الرياض، منادياً بضرورة وحدة الصف وتوحيد الخطاب لمواجهة ميليشيا الحوثي الإرهابية واستعادة الدولة، وقال إن ما لم تحققه السلطة السابقة في سبع سنوات "سنحققه في سبعة أشهر، سنصل إلى صنعاء في سبعة أشهر"، لكن سرعان ما كشفت الوقائع أن مشاركة الزبيدي لم تكن سوى بداية مسار تصاعدي لترسيخ مشروعه الانفصالي، مستفيداً من حالة التمزق التي تعصف بالمعسكر المناهض لمليشيا الحوثي.
في أولى إشارات هذا المسار، ظهر الزبيدي من على متن طائرته التي أعادته إلى عدن منتصف أبريل نفسه، ونشر أول صورة له، حرص بعناية على إبراز شعار مجلسه الانفصالي على بزته، وسخر آلته الإعلامية لتطمين جمهوره وداعميه بأنه لا تغيير حقيقي، ولدى وصوله حرص على أن يكون مقر المجلس الانتقالي في المدينة وجهته الأولى، لتتوالى المؤشرات التي رافقها تغير الخطاب الإعلامي بشكل تام.
لاحقاً، جاء أداء اليمين الدستورية كاختبار عملي ليكشف عن أول تصدع علني في جسد المجلس الوليد، حين فاجأ الزبيدي الحضور باجتزاء قسمه الرسمي، متجنباً ترديد العبارة التي تنص على "الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه"، مكتفياً بجزء من نص اليمين.
وبرغم محاولات التبرير التي رافقت الواقعة حينها، إلا أن الحادثة أرست منذ البداية معادلة جديدة داخل مجلس القيادة، قوامها التغاضي عن التمسك بخطاب الوحدة مقابل دعوى "الحفاظ على وحدة الصف" في مواجهة الحوثيين، هذا المبدأ الذي سرعان ما تحوّل إلى سياسة غير معلنة لرئيس المجلس رشاد العليمي ومسؤولي الدولة، الذين باتوا عاجزين عن التطرق لقضية الوحدة اليمنية صراحة، خشية استفزاز الزبيدي وشركائه المدعومين من الإمارات.
وتطور أمر استرضاء المجلس الانتقالي الذي يسيطر على العاصمة المؤقتة أمنياً وعسكرياً منذ تمرد أغسطس 2019، في محاولة من رئيس مجلس القيادة والمسؤولين لتهيئة الأرضية لاستقرار الحكومة وإدارة شؤون البلاد من عدن، لتصدر قرارات تعيين لعدد من المسؤولين التابعين للمجلس الانتقالي في مناصب حكومية مهمة.
واستمرت سياسة الاسترضاء ومعها مسيرة التعيينات التي شملت العشرات على الأقل من قيادات الانتقالي، كما ظلت عدن هي الجزرة التي يلوح بها الزبيدي لمجلس القيادة والحكومة كلما أراد فرض تعيينات سمح لهم بالعودة إليها، قبل أن يتطور الأمر إلى فرض تعيينات بالقوة تحت تهديد المسلحين المحاصِرين لمؤسسات الدولة والمقتحمين لها في أكثر من مناسبة على مدار السنوات الثلاث.
لكن التحول الأخطر لم يتوقف عند الحادثة الرمزية لليمين الدستورية وقرارات التعيين، بل مضى أبعد من ذلك بكثير، حين هاجمت قوات الانتقالي بإسناد إماراتي قوات الجيش والأمن في محافظة شبوة وفرضت السيطرة عليها بالقوة، أعقب ذلك إقامة حفلات لإهانة العلم اليمني في شوارع عتق، وظهور مسؤولين حكوميين التقوا عيدروس الزبيدي، في وسائل الإعلام الرسمية وعلى خلفية علم الانفصال لأول مرة.
وفي خضم هذه التحولات، أطلق الانتقالي عملية عسكرية تحت مسمى "سهام الشرق" التي استهدفت محافظة أبين، بدعوى مكافحة الإرهاب، لكنها مثّلت في توقيتها وجوهرها امتداداً لمشروع السيطرة الكاملة على محافظات الجنوب وإقصاء القوات الحكومية.
وتمكن المجلس الانتقالي من تعزيز موقعه داخل مجلس القيادة الرئاسي، عبر الضغط الإماراتي الذي أثمر إضافة اثنين من أبرز الأعضاء المحسوبين على أبوظبي وهما: عبد الرحمن المحرمي وفرج البحسني، وفي خطوة وصفت بأنها "دق المسمار الأخير في نعش مجلس القيادة"، أعلن الزبيدي في مايو 2023 تعيينهما نائبين له داخل المجلس الانتقالي، ليتحول بذلك الثلاثي إلى كتلة متماسكة تدين بالولاء السياسي والعسكري للإمارات، وتتحرك ضمن مشروع واضح يستهدف إعادة رسم معادلة السلطة في جنوب اليمن بعيداً عن أي التزامات وحدوية.
هذا التحول سمح للانتقالي بأن يصبح رقماً صعباً داخل مؤسسة الرئاسة ذاتها، وفرض على بقية الأعضاء، بمن فيهم رئيس المجلس رشاد العليمي، التعامل بحذر مع قضايا الجنوب، في ظل ميزان قوى مختل لم يعد يسمح باتخاذ قرارات مصيرية دون موافقة أو مباركة حلفاء الإمارات في الداخل.
وفي مرات نادرة صدرت فيها قرارات تعيين لشخصيات لا تتبع المجلس الانتقالي، استنفر المجلس رفضاً لها ومنع المسؤولين المعينين من ممارسة مهامهم من عدن، كما حدث مع مديري شركة النفط ومصافي عدن اللذين رفض المجلس تعيينهما قبل ذلك ونجح في إبعادهما في ظل مجلس القيادة، وكذلك رئيس دائرة الشباب في رئاسة الجمهورية، رغم صدور عشرات القرارات الرئاسية غير المعلنة والتي يعتقد أنها ذهبت لصالح أعضاء في المجلس الانتقالي.
وفي مقابل هذا النفوذ الداخلي، استفاد عيدروس الزبيدي من موقعه الرسمي داخل مجلس القيادة لتوسيع حضوره الخارجي بشكل غير مسبوق، مستخدماً الغطاء الشرعي الممنوح له كرئيس ونائب لرئيس المجلس للقاء مسؤولين دوليين وعقد مؤتمرات خارجية، لطالما كان الوصول إليها حلماً بعيد المنال بالنسبة لقيادة الانتقالي، وقد تجاوز بذلك نص الفقرة (2) من بند اختصاصات رئيس مجلس القيادة في إعلان نقل السلطة، التي تنص على أن "تمثيل الجمهورية في الداخل والخارج" هو من صلاحيات الرئيس حصراً.
وبات الزبيدي خلال العامين الماضيين يتنقل بين العواصم، حاملاً صفة "نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي"، لكن بأجندة انفصالية خالصة، يسوق لمشروعه في الجنوب، ويطرح رؤيته حول مستقبل اليمن بصيغة الدولتين، دون أن يجد من يعترض أو يوقف هذا المسار، في ظل سياسة غض الطرف التي تتبناها الرياض، وارتباك واضح في موقف العليمي وحكومته.
ومؤخراً، وخلال مشاركته في منتدى اليمن الدولي الذي أقامه مركز صنعاء للدراسات في عمان بالأردن منتصف فبراير الماضي، قدم ناصر الخبجي القيادي في المجلس الانتقالي مقترحاً بتشكيل حكومتين الأولى "حكومة حرب" في مأرب وتعز بكوادر من المحافظات الشمالية، والثانية حكومة "تنمية" بكوادر جنوبية في المحافظات الجنوبية -في دعوة مباشرة إلى حكومتين في دولتين.
وفي وسط كل ذلك، يجد العليمي، نفسه محاصراً بواقع سياسي وأمني لا يملك فيه أدوات القوة الكافية، لا على الأرض جنوباً حيث يتحكم الانتقالي بدعم إماراتي كامل، ولا شمالاً حيث يواصل الحوثيون سيطرتهم المسلحة بدعم من إيران، ويستفيدون بشكل كبير من واقع الشتات الذي يعيشه خصومهم.
ويفتقر العليمي، القادم من خلفية أمنية، إلى قاعدة شعبية أو قوة عسكرية فاعلة، فيما تميل الرياض، التي رعَت اتفاق نقل السلطة، إلى سياسة ضبط التوازنات أكثر من فرض الحلول، وهو ما يجعل موقع العليمي داخل المجلس هشاً، ويدفعه إلى الاكتفاء بخطاب فضفاض عن "وحدة الصف"، بدل الدفاع الصريح عن وحدة اليمن، وهو خطاب يعكس هشاشة موقعه داخل مؤسسة تم تصميمها منذ البداية مع الإبقاء على عوامل تآكلها من الداخل بفعل تضارب الأجندات.
وبعد ثلاث سنوات على إعلانه، يبدو مجلس القيادة الرئاسي أنه أبعد ما يكون عن كونه مظلة جامعة، بل تحول عملياً إلى ساحة صراع مكشوف بين مشروعين متناقضين: مشروع انفصالي جنوباً ترعاه الإمارات بلا مواربة، وآخر يعمل نظرياً ضمن فكرة اليمن الواحد لكنه يفتقر للإرادة وعوامل الإسناد.
حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد
وزير الدفاع في حوار مع “العين الإخبارية”: حربٌ لم ينطفئ لهيبها، وهدنٌ مكسورة، وسلامٌ يُغتال قبل أن يولد.. هنا اليمن.. هنا تُسرق أحلام شعب بقبضة مليشيا لا تعرف إلا لغة الدم.. وهنا قوات شرعية تقف كالطود الأشم، وشعبٌ يقس مشاهدة المزيد