تُعد الوحدة اليمنية أكثر من مجرد اندماج سياسي؛ إنها تعبير حي عن تلاقي حضارات وموروثات فنية متجذرة في وجدان الإنسان اليمني. ومن أبرز المجالات التي عبّرت عن هذه الوحدة، بل وكرّستها على مدى عقود، الفنون والموسيقى الشعبية، التي مثلت انعكاسًا لروح اليمن الواحدة بتنوعها وتكاملها.

الموسيقى كهوية موحّدة

تميز اليمن عبر تاريخه الطويل بتنوعه الموسيقي، من الغناء الصنعاني في الشمال، إلى اللحجي والعدني واليافعي والحضرمي في الجنوب، مرورًا بالألوان التهامية والمهريّة. ورغم هذا التعدد، فإن القواسم الموسيقية المشتركة مثل المقامات الشرقية والأوزان الشعرية اليمنية الأصيلة شكّلت نواة لوحدة فنية متماسكة.

الموسيقى لم تكن مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت وما تزال وسيلة للتعبير عن المشاعر الوطنية، والانتماء، والتواصل بين مكونات المجتمع اليمني.

الفنان اليمني: رسول الوحدة

لعب الفنانون اليمنيون دورًا محوريًا في تعزيز الوحدة قبل إعلانها وبعدها. فقد غنّى أيوب طارش للوطن واليمن الواحد، وكانت أنشودته "رددي أيتها الدنيا نشيدي" إحدى أهم رموز الوحدة الوطنية. كما أسهم فنانون جنوبيون أمثال محمد مرشد ناجي وأحمد قاسم في نقل صوت الجنوب إلى الشمال والعكس، ما ساهم في خلق تواصل وجداني عابر للحدود السياسية التي كانت قائمة.

الرقصات الشعبية: لغة الجسد الموحد

كل منطقة يمنية تمتلك رقصاتها الخاصة، مثل البرع اليمني في المناطق الجبلية، والشرح في حضرموت، والزفة العدنية، إلا أن جميعها تشترك في التعبير عن الفرح، القوة، والكرامة. وفي المناسبات الوطنية بعد الوحدة، أصبحت هذه الرقصات تُؤدى في جميع المحافظات، في مشهد يعكس وحدة ثقافية تامة.

الفن في مواجهة الانقسام

رغم التحديات السياسية والنزاعات التي شهدها اليمن بعد الوحدة، ظل الفن والموسيقى أحد أهم أدوات الحفاظ على التماسك الوطني. حيث استمر الفنانون في إنتاج أغنيات تعبّر عن الأمل، وتدعو للسلام، وتذكّر بتاريخ الوحدة ومآثرها.

تثبت التجربة اليمنية أن الفنون ليست ترفًا، بل هي جوهر الهوية الوطنية، وجسر بين الشعوب والمناطق. لقد كانت الموسيقى والرقصات الشعبية مرآة للوحدة اليمنية، ووسيلة ثقافية لتثبيت قيم التعايش والانتماء. وحينما تهتز السياسة، يبقى الفن صوتًا نقيًّا يعيد التذكير بأن اليمن واحد، وشعبه واحد، وروحه واحدة.