في اكتشاف علمي مثير، كشف فريق بحثي دولي عن طريقة فريدة يستخدمها أحد أنواع العناكب في قتل فرائسه، لا عبر العضّ وحقن السم كما هو شائع، بل عبر لفّها بخيوط حريرية سامة يتقيؤها من أمعائه.

الدراسة التي نُشرت في مجلة BMC Biology، ركّزت على عنكبوت صغير يُعرف بـ"النسّاج ذو الأرجل الريشية"، لا يتجاوز طوله 5 ملم، يعيش في البيئات الرطبة والدافئة، مثل المشاتل والصوبات الزراعية، ويصطاد الحشرات الصغيرة كالذباب والبعوض.

واستند الفريق إلى ملاحظة قديمة تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، تفيد بأن هذا العنكبوت قد "يتقيأ" السم على خيوطه. ومع عدم وجود دليل علمي قاطع حينها، ظلت الفرضية غامضة حتى أعاد الفريق الحديث التحقق منها باستخدام تقنيات مجهرية وتحاليل جينية حديثة.

سم من الأمعاء وليس من الأنياب

عند فحص العناكب، لم يجد الباحثون غدد سم تقليدية في رؤوسها، ولا قنوات في الأنياب يمكن أن تنقل السم، بل لاحظوا وجود "حفر غريبة الشكل". التحليل الجيني كشف مفاجأة: الجينات المسؤولة عن إنتاج السم نشطة بشكل كبير في الأمعاء الوسطى، وليس في الرأس، ما يدل على أن السم يُنتج داخليًا ثم يُدفع خارج الفم.

ولتأكيد فاعلية هذا السم غير التقليدي، استخرج الفريق سائلًا من أمعاء العنكبوت وحقن به ذباب الفاكهة، فمات بسرعة مماثلة لسم العناكب المعروفة.

الحرير كفخ سام

ورغم أن إنتاج السم يثير الدهشة، فإن طريقة استخدامه أكثر إثارة: فالعنكبوت يغلف الفريسة أولًا بخيوط حريرية كثيفة، ثم يتقيأ عليها السم، فيمتزج السائل السام مع الحرير ليشكّل "ضمادة قاتلة" تشل الفريسة ببطء وتفككها تدريجيًا.

وأظهرت الدراسة أن العنكبوت يصمم شبكته بنمط لولبي دقيق ومرن يشبه الزنبرك، قادر على امتصاص الصدمات من دون أن يتمزق، ما يجعله فخًا هندسيًا فائق الكفاءة.

سلوك قاتل بعبقرية هندسية

يمزج هذا العنكبوت المجهري بين دقة بيولوجية وهندسة عالية ليصطاد فرائسه بطريقة لم تُوثّق من قبل في عالم العناكب. وبينما لا يُشكل خطرًا على البشر، إلا أن سلوكه يفتح أبوابًا جديدة لفهم التنوع البيولوجي والتطوري في مملكة العناكب.