في تحدٍّ للنظرية الداروينية الكلاسيكية التي تفسر التطور كتراكم بطيء لتغيرات صغيرة، كشفت دراسة حديثة أجراها علماء من معهد البيولوجيا التطورية في إسبانيا وجامعة "بومبيو فابرا" أن التطور قد يحدث عبر قفزات مفاجئة تُعيد تشكيل الجينوم بشكل جذري. ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Ecology & Evolution.

واعتمدت الدراسة على تحليل جينومات عالية الجودة لعدد من أنواع ديدان الأرض، حيث قارن الباحثون حمضها النووي بجينومات ديدان حلقية أخرى مثل العلق والديدان متعددة الأشواك، ما مكّنهم من تتبع المسار التطوري لهذه الكائنات حتى 200 مليون سنة مضت، حين بدأت الخروج إلى اليابسة مع أوائل الفقاريات.

انقلاب جيني واسع النطاق

كشف التحليل أن ديدان الأرض مرت بما يشبه "هزة جينية" كبرى، حيث خضعت كروموسوماتها لإعادة ترتيب واسعة ومفاجئة. ووفقًا للنظرية الكلاسيكية، فإن مثل هذه التغييرات الجذرية كان من المفترض أن تُفضي إلى الانقراض بسبب فوضى المعلومات الوراثية. لكن المفاجأة أن هذه الكائنات لم تنقرض، بل ازدهرت وتكيفت، ما يدل على قدرة بعض الأنواع على تجاوز التحولات البيولوجية الكبرى.

ويقول الباحثون إن هذه النتائج تُظهر أن التطور لا يسير دومًا بخطى بطيئة وثابتة، بل قد يحدث على شكل قفزات مفاجئة تُغيّر ملامح الكائنات في فترة زمنية قصيرة نسبيًا.

تطور بالقفزات وليس تدريجيًا فقط

وتُعيد الدراسة فتح النقاش حول آليات التطور، وتدعم ما يُعرف بـ"نظرية التوازن المتقطع" (Punctuated Equilibrium)، التي تقول إن الأنواع قد تمر بفترات استقرار طويلة تتخللها فترات من التغير السريع والمفاجئ.

كما تشير الدراسة إلى أن الخصائص البيولوجية الفريدة لبعض الكائنات — كمرونة الجينوم أو القدرة على إصلاح الحمض النووي — قد تلعب دورًا حاسمًا في تجاوز هذه الطفرات الجينية الكبرى، وهو ما قد يُفسر بقاء بعض الأنواع واختفاء أخرى، بما في ذلك بعض أقارب الإنسان القدماء.

إعادة التفكير في مسار التطور البشري

وتسلّط الدراسة الضوء على احتمال أن يكون الإنسان المعاصر قد تفوّق وراثيًا على أقربائه من البشر القدامى بفضل مرونة جينية مماثلة، ما أتاح له البقاء والتطور، في حين لم تتمكن الأنواع الأخرى من النجاة من تغيرات مماثلة.