في اكتشاف أثري غير مسبوق، عثر فريق من علماء الآثار بقيادة عالم المصريات الدكتور زاهي حواس على نقوش داخل الهرم الأكبر بالجيزة تُعيد رسم ملامح قصة بنائه، وتفند الرواية التقليدية التي تقول إنه شُيّد على أيدي آلاف العبيد.

الاكتشاف، الذي نُشرت تفاصيله في تقرير لموقع ديلي ميل، اعتمد على تقنيات تصوير متقدمة لاستكشاف غرف ضيقة فوق حجرة الملك داخل الهرم، حيث عُثر على نقوش هيروغليفية تعود إلى فرق من العمال المهرة من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، تحمل ألقاباً مهنية مثل "مشرف جانب الهرم" و"حرفي".

لا عبيد.. بل حرفيون يتقاضون أجورًا ويأخذون إجازات

وعلى عكس ما زعمه المؤرخون اليونانيون عن عمل 100 ألف عبد في بناء الهرم على مدار 20 عامًا، تُظهر الأدلة أن العمال كانوا حرفيين محترفين، يعملون بنظام فرق ويتقاضون أجورًا، ويحصلون على يوم راحة كل عشرة أيام.

وفي مقابلة مع بودكاست "لا حدود" للكاتب مات بيل، أكد الدكتور زاهي حواس أن المقابر الفخمة المكتشفة بجنوب الهرم، والتي دفن فيها هؤلاء العمال، لا يمكن أن تكون مخصصة لعبيد، بل تؤكد مكانتهم واحترامهم من قبل الدولة الفرعونية. وتضم المقابر تماثيل ومشاهد لعمليات قطع وصقل الأحجار، إلى جانب أدوات حجرية استخدمت في البناء.

تقنية متقدمة ونظام غذائي غني

كشفت الحفريات عن بقايا منحدر جنوب غرب الهرم، مصنوع من الركام والطين، يُعتقد أنه استُخدم في سحب الأحجار من محجر قريب لا يبعد سوى 300 متر، باستخدام زلاجات خشبية تُسحب فوق الرمال، ما يعكس التنظيم الدقيق للعملية. وقد بُني الهرم على قاعدة صخرية منحوتة بعناية لتشكيل منصة مستوية، لا تزال آثارها مرئية حتى اليوم على الجانب الجنوبي.

وأظهرت تحليلات عظام الحيوانات التي عُثر عليها في "مدينة العمال"، أن النظام الغذائي للعمال كان غنياً؛ إذ كانت تُذبح يوميًا 11 بقرة و33 ماعزًا لإطعام نحو 10 آلاف عامل، ما يعارض الصورة النمطية التي تحصر غذاءهم في الخبز والثوم والبصل.

مشروع استكشافي جديد داخل "الفراغ الغامض"

أعلن بيل عن تمويله لمشروع علمي جديد يقوده الدكتور حواس، يهدف إلى إرسال روبوت صغير لاستكشاف "الفراغ الكبير" المكتشف عام 2017 داخل الهرم الأكبر، والذي يبلغ طوله أكثر من 30 مترًا ويقع فوق الرواق الكبير، في محاولة للكشف عن أسرار جديدة، ربما تتعلق بموقع دفن الفرعون خوفو نفسه. ويتوقع أن تبدأ البعثة عملها مطلع العام 2026.

إعادة كتابة التاريخ

تمثل هذه الاكتشافات قفزة نوعية في فهم طريقة بناء الهرم الأكبر، أحد أعظم إنجازات الحضارة الإنسانية. فهي تسلط الضوء على المهارة، والتنظيم، والاحترام الاجتماعي الذي حظي به عمال البناء في مصر القديمة، وتدحض الصورة النمطية التي اختزلت هذا الإنجاز في معاناة العبيد، مؤكدة أن الهرم بُني بسواعد مصرية حرّة، وفكر هندسي متقدم سبق زمانه بآلاف السنين.