عدن تغرق في الظلام وتعز تعاني العطش.. أزمات خانقة وسط غياب حكومي مخزٍ

2025-07-05 03:08:46 أخبار اليوم - متابعات

    

تشهد كبرى المدن اليمنية المحررة، عدن وتعز، موجة جديدة من الانهيار الخدمي والمعيشي، وسط غياب تام لأي تحرك حكومي فعّال، وصمت مطبق من مجلس القيادة الرئاسي، ما يهدد بمفاقمة الأزمة الإنسانية والاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة.

عدن تغرق في الظلام.. وانهيار شامل للكهرباء

في العاصمة المؤقتة عدن، تواصل خدمة الكهرباء انهيارها التام بعد خروج معظم محطات التوليد عن الخدمة بسبب نفاد وقود الديزل والمازوت، بينما تواصل محطة بترومسيلة العمل بقدرة جزئية لا تتجاوز 85 ميجاوات، في وقت تجاوز فيه الطلب حاجز 700 ميجاوات نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.

ومع عجز الحكومة عن تأمين الوقود منذ أكثر من شهرين، اقتصر التشغيل على دفعات "سُلف" من تجار محليين، تُستهلك سريعًا دون أي حلول مستدامة، ما أدى إلى تفاقم ساعات الإطفاء التي وصلت إلى 16 ساعة يوميًا، مقابل ساعتين فقط من التشغيل، وسط استياء شعبي واسع واحتقان متصاعد.

تعز تواجه العطش.. مياه الشرب تختفي من الأسواق

وفي تعز، تفاقمت أزمة المياه إلى مستوى خطير، حيث انقطعت المياه عن معظم أحياء المدينة، وارتفعت أسعار الجالون سعة 20 لترًا إلى ألف ريال، في ظل ندرة شديدة في التوفر، ما أجبر السكان على التنقل بين الأحياء بحثًا عن شربة ماء.

وأظهرت مشاهد مصورة طوابير مواطنين أمام محال تجارية شحيحة المياه وسط غضب شعبي عارم، فيما أغلقت عشرات من محطات التحلية أبوابها بحجة ارتفاع كلفة النقل من منطقة الضباب، بينما وصلت أسعار صهاريج المياه إلى أكثر من 300% دون تبرير رسمي واضح.

وتضاربت الروايات حول أسباب الأزمة؛ إذ تشير مصادر محلية إلى توقف عدد من محطات الضخ احتجاجًا على منعها من استخدام آبار داخل المدينة، بينما ينفي أصحاب تلك المحطات ذلك، مشيرين إلى نقص حاد في مصادر المياه بسبب الجفاف وزيادة الطلب.

وتُفاقم الأزمة استمرار الحصار الحوثي المفروض على المدينة منذ سنوات، إضافة إلى شح الأمطار هذا العام. وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد اتهمت مليشيا الحوثي باستخدام المياه كسلاح، من خلال سيطرتها على أربعة من أصل خمسة أحواض مائية رئيسية، وحرمان السكان منها لأغراض سياسية.

اتفاق مائي هش

وفي محاولة لمعالجة الأزمة، أعلن فريق الأمم المتحدة في اليمن التوصل إلى اتفاق تقني بين سلطات تعز ومليشيا الحوثي لإدارة منظومات المياه والصرف الصحي عبر خطوط التماس، لأول مرة منذ نحو عشر سنوات.

ورحب الفريق بالاتفاق، مشيرًا إلى أنه سيسهم في إعادة ربط الشبكات الحيوية وتحسين الوصول إلى المياه لأكثر من 90 ألف شخص، ضمن خطة لتمويل بقيمة مليوني دولار.

لكن مراقبين حذروا من أن الاتفاق قد يمنح مليشيا الحوثي فرصة جديدة لتعزيز نفوذهم، خاصة وأنهم يتحكمون فعليًا في مصادر المياه، ويملكون سجلًا حافلًا في توظيف الخدمات كأداة للحصار والتجويع.

أزمات مترابطة.. شلل في المرتبات وانهيار اقتصادي متسارع

الأزمات الخدمية في عدن وتعز تتقاطع مع أزمة اقتصادية متفاقمة، في ظل انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وارتفاع كلفة المعيشة، وتآكل الرواتب التي لم تُصرف منذ شهر مايو في عدة قطاعات، رغم دخول يوليو.

ويترافق ذلك مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، ما فاقم من معاناة المواطنين، وخلق بيئة خصبة للسخط الاجتماعي والانفجار الشعبي المحتمل.

انقسام في القيادة وصمت سعودي يثير التساؤلات

وفي ظل كل ذلك، يواصل مجلس القيادة الرئاسي الغياب عن المشهد، دون أي تحركات ملموسة لمعالجة الانهيار الخدمي أو الاقتصادي، في وقت تتصاعد فيه الخلافات داخل المجلس، كما كشفت ورقة بحثية صادرة عن "مركز المخا للدراسات"، والتي أكدت أن الصراع بين أعضاء المجلس، وعلى رأسهم العميد طارق صالح والرئيس رشاد العليمي، يعكس انقسامًا عميقًا حول النفوذ وصنع القرار.

وبحسب الورقة، فإن الانقسام داخل المجلس أدى إلى تآكل ثقة الشركاء الدوليين، وتراجع الدعم الخارجي، نتيجة غياب الشفافية وضعف الأداء المؤسسي، ما انعكس سلبًا على جهود الإنقاذ الاقتصادي والخدمي.

وبينما تتسع فجوة الانقسام الداخلي، يزداد الغموض حول موقف الرياض، التي أنشأت هذا المجلس في أبريل 2022، لكنها تلتزم الآن موقفًا صامتًا، يقرأه البعض كمؤشر على تراجع في دعمها أو إعادة تقييم لمسار المرحلة الانتقالية.

تحذيرات من الانهيار الكامل

في ظل الانقسام السياسي وتدهور البنية التحتية وتراكم الفشل الإداري، يُحذّر مراقبون من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل إقليمي ودولي جاد قد يدفع المناطق المحررة نحو الانهيار الكامل، سياسيًا وخدميًا واقتصاديًا.

المواطن لم يعد يطالب بالكهرباء والماء فقط، بل بحق البقاء. ففي عدن يُغرقه الظلام، وفي تعز يُطارده العطش، وفي كلا المدينتين تنهار آماله تحت وطأة الفقر، وانعدام الأمل، وصمت الدولة.

سؤال مفتوح: إلى متى؟

- هل لا يزال مجلس القيادة الرئاسي قادرًا على قيادة مرحلة الإنقاذ؟

- هل ستواصل السعودية صمتها أمام هذا الانهيار؟

- هل يتحمل اليمنيون تبعات "حكومة لا تحكم ومجلس لا يقود"؟

الوقت ينفد، والأزمات تتراكم، والمواطن يختنق.. فهل من إنقاذ قبل الانهيار التام؟

                       

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
استعدادات الحكومة للحسم العسكري: وزير الدفاع يكشف خطط المواجهة مع الحوثيين

وزير الدفاع في حوار مع “العين الإخبارية”: حربٌ لم ينطفئ لهيبها، وهدنٌ مكسورة، وسلامٌ يُغتال قبل أن يولد.. هنا اليمن.. هنا تُسرق أحلام شعب بقبضة مليشيا لا تعرف إلا لغة الدم.. وهنا قوات شرعية تقف كالطود الأشم، وشعبٌ يقس مشاهدة المزيد