2025-11-10
رواتبنا ليست منّة بل حقٌّ مشروع.. جرحى الجيش في مأرب يعتصمون بعد انقطاع الرواتب خمسة أشهر

في اليوم العالمي للصحة النفسية، يُطلّ اليمن كجرحٍ مفتوحٍ على خرائط الألم الإنساني، بلدٌ أُنهك بالحرب وتآكلت فيه قيم الأمل حتى غابت عنه ملامح الحياة، وانهارت فيه الروح والنفس قبل الجسد.
في وطنٍ لم يعد الموت حدثًا استثنائيًا، يبرز الانتحار كوجهٍ جديدٍ من وجوه الحرب، لا يُسجّل في جبهات القتال، بل في غرفٍ مغلقة وعلى أسِرّة اليأس وتحت نوافذٍ مفتوحة على الهروب الأخير من واقعٍ لا يُطاق.
عشر سنوات من الحرب كانت كفيلة بإطفاء ما تبقّى من ضوء في أرواح اليمنيين، فاليمن اليوم لا يواجه فقط الفقر والجوع والمرض، بل يعيش انهيارًا نفسيًا جماعيًا جعل كثيرين يختارون الموت على حياةٍ بلا أمل.
وجهه آخر للمأساة اليمنية، حيث يُصبح الانتحار صرخة احتجاجٍ صامتة ضد واقعٍ أغلق كل منافذ النجاة.
وتحت ركام الصمت والخوف، تتزايد القصص التي تنتهي بحبالٍ معلّقة أو أدويةٍ قاتلة أو نوافذ مفتوحة على الموت.
"الانتحار في اليمن".. صرخة ضد القهر والخذلان
في تقريرها الأخير بعنوان "بين القهر والخذلان – الانتحار في اليمن"، كشفت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) عن أرقامٍ صادمة تُظهر تصاعدًا مروّعًا في معدلات الانتحار خلال السنوات العشر الماضية، خصوصًا في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، حيث أصبح الانتحار انعكاسًا لانهيار الدعم النفسي والاجتماعي ونتيجة مباشرة للفقر والقهر والظلم والعزلة.
وبحسب المؤسسة وتقارير منظمة الصحة العالمية، يسجّل اليمن أكثر من 1,660 حالة انتحار سنويًا، بمعدل 5.2 حالات لكل 100 ألف نسمة.
ويُقدّر إجمالي حالات الانتحار خلال عقد الحرب (2015–2025) بما بين 13 إلى 16 ألف حالة، معظمها في محافظات إب وتعز وصنعاء وذمار.
وتظهر البيانات أن:
- 78٪ من حالات الانتحار وقعت في مناطق سيطرة الحوثيين.
- الأطفال والنساء يشكّلون 40٪ من إجمالي الضحايا.
- الابتزاز الإلكتروني والعاطفي شكّل سببًا مباشرًا في 22٪ من الحالات.
- انقطاع المرتبات وتراكم الديون دفعت عشرات المعلمين والموظفين للانتحار.
ضحايا بلا صوت.. وفئات تتساقط بصمت
رصد التقرير تفاصيل مؤلمة للفئات المتضررة:
- الأطفال (10–16 عامًا): 34 حالة في إب، ريمة، تعز، ولحج، نتيجة الفقر والحرمان والابتزاز الإلكتروني.
- الشباب (17–35 عامًا): 47 حالة في إب وتعز والبيضاء وذمار وصنعاء، أغلبها بسبب البطالة والإذلال الاجتماعي.
- النساء والفتيات (16–40 عامًا): 32 حالة في صنعاء وإب وذمار، بسبب العنف الأسري والابتزاز والوصمة الاجتماعية.
- كبار السن: 23 حالة في تعز وإب ولحج، نتيجة الفقر والعجز وانقطاع الرواتب.
- المعلمون والموظفون: 64 حالة موثقة في صنعاء والمحويت وإب والبيضاء، بسبب القهر الإداري وتراكم الديون.
وتؤكد المؤسسة أن هذه الأرقام لا تمثل الواقع الكامل، إذ تُخفى كثير من الحالات خوفًا من الوصمة أو بسبب تدخلات أمنية في بعض المناطق.
انهيار منظومة الصحة النفسية
يوثق التقرير انهيارًا شبه تام في منظومة الرعاية النفسية، إذ لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين 60 طبيبًا في عموم البلاد، بينما أُغلقت أكثر من 80٪ من العيادات والمراكز النفسية.
ولا توجد خطوط ساخنة وطنية أو برامج دعم نفسي رسمية، ما يجعل الانتحار خيارًا مأساويًا أمام العاجزين عن تحمّل الألم.
ويرى خبراء أن انهيار هذه المنظومة، إلى جانب وصمة المجتمع، جعل آلاف اليمنيين يعيشون على حافة الانهيار دون علاج أو رعاية.
قصص من المأساة: حين ينهزم الأمل
يورد التقرير قصصًا واقعية تعبّر عن عمق الكارثة الإنسانية:
- الطفل أحمد الحسيني (12 عامًا) من إب أنهى حياته شنقًا بعد عجز أسرته عن دفع رسوم المدرسة.
- المعلّم ياسر جنيد (45 عامًا) من تعز انتحر بعد أربع سنوات من انقطاع راتبه، تاركًا رسالة مؤلمة: "لم أعد أحتمل القهر والعجز."
- المخترع عبدالمجيد علوس (32 عامًا) من صنعاء، أنهى حياته بعد أن صودرت اختراعاته وتجاهلته الجهات الرسمية.
تؤكد المؤسسة أن هذه القصص تمثل فقط "قمة جبل الجليد"، وأن ما يُخفى تحت الصمت أشدّ قسوة.
أسباب متشابكة.. القهر قبل الاكتئاب
تُرجع المؤسسة أسباب الظاهرة إلى مزيجٍ من العوامل المتشابكة، أبرزها:
- الفقر المدقع وفقدان فرص العمل.
- انقطاع الرواتب وتدهور المعيشة.
- القمع والقيود الاجتماعية في مناطق الحوثيين.
- العنف الأسري والابتزاز الإلكتروني.
- - الشعور بالعجز واليأس من التغيير.
ويؤكد التقرير أن الانتحار في اليمن "ليس نتيجة مرض نفسي فقط، بل هو صرخة ضد القهر والخذلان والحرمان من الكرامة".
وبحسب تقديرات مؤسسة تمكين المرأة، هناك أكثر من سبعة ملايين يمني يعانون من اضطرابات نفسية بدرجات متفاوتة، نتيجة الحرب الطويلة، والنزوح، والعنف، والفقر.
ويحذّر التقرير من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل سيقود إلى كارثة إنسانية تهدد أجيالًا كاملة بالانهيار النفسي والاجتماعي.
وطالبت المؤسسة السلطات المحلية والمنظمات الدولية بـ:
1. إطلاق برنامج وطني شامل للدعم النفسي والاجتماعي.
2. إعادة تفعيل إدارة الصحة النفسية في وزارة الصحة العامة والسكان.
3. إنشاء خط ساخن وطني مجاني لتقديم الاستشارات النفسية.
4. تمكين منظمات المجتمع المدني من تنفيذ حملات توعية ومكافحة الانتحار.
5. إدماج خدمات الصحة النفسية في برامج الطوارئ الإنسانية.
واختُتم التقرير بعبارة تلخّص عمق المأساة: "السكوت عن الانتحار هو تواطؤ مع الألم، وإنقاذ من تبقّى مسؤولية وطنية وأممية."
في اليمن اليوم، لم يعد الموت انتحارًا فرديًا، بل نتاجًا جماعيًا للقهر والخذلان وانعدام الأمل.
وما لم تُبذل جهود جادة لإعادة بناء منظومة الدعم النفسي والاجتماعي، فإن جيلًا كاملًا قد يفقد قدرته على التمسك بالحياة.
تركز مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران مجهوداتها الرئيسية على تعبئة المجتمع وتجنيده عسكريًا وتأطيره أيديولوجيًا، لخدمة مشروعها وحروبها المستقبلية، استنساخًا للتجربة الإيرانية. زعيم الميليشيا أفصح عن تدريب أ مشاهدة المزيد
▪ لواء المغاوير .. مسيرة تضحيات وبطولات خالدة. ▪ بشائر النصر تلوح.. والحوثي صفحة سوداء إلى زوال. ▪ الوضع الميداني اليوم أكثر استقرارًا وصمودًا. ▪ سبتمبر هوية وهواء يتنفسه المقاتلون. ▪ التنسيق العسكري في محور مران جسد واح مشاهدة المزيد