بريطانيا وفلسطين: من وعد بلفور إلى الاعتراف الرسمي بعد 108 أعوام

2025-11-02 22:45:49 أخبار اليوم - متابعات

   

تمر في 2 نوفمبر 2025 الذكرى الـ108 على رسالة آرثر بلفور الصادرة في 1917، والتي منحت الحركة الصهيونية وعدًا بإنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين، وهو الوعد الذي شكّل نقطة فاصلة أثرت في مسار المنطقة بأكملها لعقود طويلة.

وفي سياق التصحيح التاريخي لهذه السياسات، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في 21 سبتمبر 2025، اعتراف المملكة المتحدة رسميًا بدولة فلسطين، في خطوة وصفها المراقبون بأنها مهمة على صعيد السياسة الدولية والقضية الفلسطينية، بعد ضغوط سياسية وشعبية متزايدة عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، والمعروف باسم عملية "طوفان الأقصى".

وأوضح ستارمر، في كلمة له على منصة "إكس"، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يهدف إلى "إحياء أمل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين" والحفاظ على إمكانية حل الدولتين، مؤكدًا على ضرورة استبعاد حركة حماس من أي دور في الإدارة أو الأمن الفلسطينيين.

الخلفية التاريخية لدور بريطانيا في فلسطين

بدأ التدخل البريطاني في فلسطين منذ القرن التاسع عشر، عندما افتتحت المملكة المتحدة أول قنصلية لها في القدس عام 1838، مستفيدة من قانون الصلح العثماني، وساعدت اليهود على شراء الأراضي وبناء المستوطنات. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، سيطرت بريطانيا على فلسطين بعد هزيمة الدولة العثمانية، ودخلت القدس في ديسمبر 1917، معلنة بداية عهد الاحتلال البريطاني.

في ذات العام، أرسل وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور رسالته الشهيرة المعروفة باسم "وعد بلفور"، الذي تضمن دعم إنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، وهو الإعلان الذي مثل نقطة فاصلة في تاريخ العلاقة بين بريطانيا واليهود وفلسطين. وتبع ذلك سلسلة من الإجراءات القانونية والإدارية التي سهّلت هجرة اليهود إلى فلسطين وإنشاء المستوطنات، بما في ذلك المراسيم التي صدرت بعد 1920 وإصدار صك الانتداب من عصبة الأمم عام 1922، الذي أكد رعاية بريطانيا للمشروع الصهيوني على الأراضي الفلسطينية.

ردود الفعل الفلسطينية والمواجهات ضد الانتداب

واجه الفلسطينيون سياسات الاحتلال البريطاني بعشرات الانتفاضات والمظاهرات، أبرزها:

- ثورة 1920 في القدس، التي شهدت اشتباكات بين العرب واليهود وفرضت الحكومة البريطانية حالة الطوارئ.

- ثورة البراق 1929، التي اندلعت بسبب الخلاف على الحائط الغربي للمسجد الأقصى وأسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين.

- الثورة الكبرى 1936-1939، التي بدأت بعد اغتيال الشيخ عز الدين القسام، وأدت إلى مواجهات دامية مع الجيش البريطاني وتدخلت لجنة "بيل" الملكية لتقترح تقسيم فلسطين.

على الرغم من الانتفاضات الفلسطينية، واصلت بريطانيا دعم المشروع الصهيوني سياسياً وعسكرياً، وسلّحت اليهود وسهلت إنشاء وحدات عسكرية مثل "البالماح"، فيما قامت باعتقالات جماعية للفلسطينيين وفرضت القيود الاقتصادية والسياسية عليهم، بما مكّن الحركة الصهيونية من توسيع رقعة سيطرتها تدريجيًا.

نهاية الانتداب وتأسيس دولة إسرائيل

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، واصلت بريطانيا دعم اليهود، ورفعت قضية فلسطين إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى قيام الأمم المتحدة بقرار تقسيم فلسطين عام 1947. وفي 15 مايو 1948، انتهى الانتداب البريطاني، وأعلنت العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل، وهو ما أدى إلى تهجير نحو 950 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم. وبعدها اعترفت بريطانيا بحكم الأمر الواقع وإداريًا بإسرائيل، وأقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة في عام 1950.

على مدار العقود التالية، واصلت المملكة المتحدة دعم إسرائيل ماليًا وسياسيًا وعسكريًا، بما في ذلك خلال العدوان الثلاثي على مصر 1956، ونكسة يونيو 1967، ودورها في صياغة القرار 242 بعد حرب الأيام الستة، وتوقيع اتفاقيات متعددة في مجالات التجارة، والأمن، والتكنولوجيا مع إسرائيل، بينما لم تتخذ خطوات ملموسة لوقف الخروقات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

مواقف بريطانيا تجاه الفلسطينيين بعد اتفاقيات أوسلو وما بعدها

شهدت العقود الأخيرة تغيرًا تدريجيًا في الموقف البريطاني، إذ اعترفت حكومة المملكة المتحدة بالبعثة الفلسطينية في لندن عام 1993، وتم ترقيتها إلى بعثة تمثيلية عام 2011. وأعلنت بريطانيا دعمها لحل الدولتين بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، وعبّرت عن معارضتها للتوسع الاستيطاني غير القانوني.

ومع العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية داخل بريطانيا، ما دفع الحكومة إلى مراجعة موقفها الرسمي. وأكدت تصريحات المسؤولين البريطانيين خلال عامي 2024 و2025 استعداد البلاد للاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا توفرت شروط السلام واستمرار التفاوض على حل الدولتين.

الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في 2025

في 21 سبتمبر 2025، أعلنت بريطانيا رسميًا الاعتراف بدولة فلسطين، لتصبح بذلك واحدة من أكثر من 150 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية. وأكد ستارمر أن الاعتراف يأتي بهدف إحياء أمل السلام وضمان حل الدولتين، مع مراعاة استبعاد حركة حماس من أي مشاركة مستقبلية في إدارة شؤون الدولة أو الأمن، في خطوة رحّب بها الفلسطينيون والدول العربية، بينما رفضتها إسرائيل واعتبرتها "مكافأة لحماس".

ويشكل هذا الاعتراف نقطة تحول تاريخية في سياسة المملكة المتحدة، بعد أكثر من قرن من الدعم المتواصل لإسرائيل منذ وعد بلفور ومرحلة الانتداب، وما تلاها من سياسات وأحداث تاريخية أثرت في مسار القضية الفلسطينية حتى اليوم.

                       

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
التعبئة الحوثية.. أوعية لعسكرة وتلقين المجتمع على طريقة الباسيج الإيرانية

تركز مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران مجهوداتها الرئيسية على تعبئة المجتمع وتجنيده عسكريًا وتأطيره أيديولوجيًا، لخدمة مشروعها وحروبها المستقبلية، استنساخًا للتجربة الإيرانية. زعيم الميليشيا أفصح عن تدريب أ مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
قائد لواء المغاوير العميد العبسي: النصر حتمي والحوثي إلى زوال

▪ لواء المغاوير .. مسيرة تضحيات وبطولات خالدة. ▪ بشائر النصر تلوح.. والحوثي صفحة سوداء إلى زوال. ▪ الوضع الميداني اليوم أكثر استقرارًا وصمودًا. ▪ سبتمبر هوية وهواء يتنفسه المقاتلون. ▪ التنسيق العسكري في محور مران جسد واح مشاهدة المزيد