تُعد جزيرة سقطرى اليمنية الواقعة في المحيط الهندي بين شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي واحدة من أكثر الأماكن تنوعًا بيولوجيًا على وجه الأرض، حتى أن أكثر من ثلث أنواع النباتات التي تنمو فيها لا توجد في أي مكان آخر على الكوكب، ما جعلها تُلقب بـ"غالاباغوس المحيط الهندي".

من بين هذه الكنوز الطبيعية شجرة دم الأخوين الشهيرة، التي أصبحت رمزًا للجزيرة ومصدر فخر لسكانها، لكنها اليوم تواجه خطر الانقراض تحت وطأة التغير المناخي والعوامل الطبيعية والبشرية المتراكمة.

في تقرير بثّته شبكة PBS الأمريكية، استضاف الإعلامي جون يانغ مراسلة وكالة أسوشيتد برس لشؤون المحيطات والمناخ، الصحفية أنيكا هاميرشلاغ، التي زارت سقطرى مؤخرًا وأعدّت تقريرًا ميدانيًا يوثق حال الجزيرة والنظام البيئي الفريد فيها.

عجائب طبيعية لا مثيل لها

تصف هاميرشلاغ سقطرى بأنها "مكان لا يشبه أي موقع آخر على وجه الأرض"، مشيرة إلى أن الجزيرة ما تزال تحافظ على طبيعتها البكر رغم ضعف البنية التحتية وندرة الزوار، حيث يعتمد السياح على التخييم والتنقل بين تضاريسها المتنوعة.

وتقول إن المناظر الطبيعية في سقطرى "سريالية تمامًا"، إذ تنتشر فيها أشجار الزجاجة ذات الجذوع المنتفخة، وأشجار اللبان (المرّ) الملتوية، وأشجار دم الأخوين التي تبرز بقممها المظلية المميزة فوق المرتفعات الصخرية.

كما تضم الجزيرة شبكة من الكهوف تمتد لأميال تحت الأرض، وكثبانًا رملية ضخمة تنحدر مباشرة نحو المحيط، إضافة إلى أودية خضراء تحتوي على برك مياه عذبة طبيعية تعتبر من أجمل المواقع السياحية في الجزيرة.

دم الأخوين.. رمز الحياة والهوية

تُعد شجرة دم الأخوين الرمز الأبرز لسقطرى، إذ تتوسط شعارها وتُطبع صورتها على العملة المحلية، وهي أيضًا أحد أهم عوامل الجذب السياحي.

تتميّز الشجرة بمظهر فريد أشبه بالمظلة المقلوبة، وعندما يُقطع لحاؤها تسيل منه مادة حمراء تُعرف باسم "دم التنين"، استُخدمت عبر القرون في مستحضرات التجميل والأدوية والأصباغ.

وتوضح هاميرشلاغ أن لهذه الأشجار "دورًا حاسمًا في النظام البيئي"، حيث تلتقط أوراقها الرطوبة من الضباب وتوجّهها إلى التربة، مما يساعد النباتات الأخرى على البقاء في بيئة شحيحة الأمطار. ومع تفاقم التغير المناخي، تزداد أهمية هذه الوظيفة الحيوية أكثر من أي وقت مضى.

الأعاصير والماعز والاضطرابات السياسية.. ثلاثية التهديد

تواجه أشجار دم الأخوين اليوم تحديات متزايدة. فقد أصبحت الأعاصير في بحر العرب أكثر عنفًا وتكرارًا خلال العقد الأخير، وتسببت في اقتلاع آلاف الأشجار بعضها يتجاوز عمره خمسمئة عام. وتشير توقعات النماذج المناخية إلى استمرار هذا الاتجاه مع ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة.

إلى جانب ذلك، تنتشر الماعز الغازية في أرجاء الجزيرة، وتلتهم شتلات الأشجار الصغيرة قبل أن تتمكن من النمو، في حين لا تتجاوز سرعة نمو الشجرة الواحدة بوصة واحدة سنويًا.

وتُفاقم الاضطرابات السياسية الوضع سوءًا، فاليمن – كما تقول المراسلة – "أحد أفقر بلدان العالم"، وتعاني مؤسساته من ضعف القدرة على دعم جهود الحفظ البيئي، في ظل الحروب والصراعات المتعددة.

ونقلت عن أحد المحللين الأمنيين قوله: "اليمن لديه 99 مشكلة الآن، ومعالجة قضايا المناخ تُعتبر ترفًا."

جهود محلية محدودة وإصرار على البقاء

رغم التحديات، لا يزال سكان سقطرى متمسكين بأمل حماية أشجارهم النادرة. فقد رصدت هاميرشلاغ خلال زيارتها جهودًا فردية تبذلها عائلات محلية، من بينها عائلة الكاباني، التي تدير مشتلًا صغيرًا لإعادة زراعة أشجار دم الأخوين.

تستخدم العائلة أسيجة بسيطة من الخشب والأسلاك لإبعاد الماعز، لكنها كثيرًا ما تتحطم بفعل الرياح والأمطار، ما يضطرهم لإعادة بنائها باستمرار.

وتروي الصحفية أن إحدى أفراد العائلة، وتدعى سينا الكاباني، أخبرتها قائلة: "مشاهدة موت هذه الأشجار يشبه فقدان أحد أطفالك."

فقدان الشجرة يعني فقدان الهوية

تحذر هاميرشلاغ من أن انقراض شجرة دم الأخوين سيؤدي إلى انهيار النظام البيئي في سقطرى، إذ تعتمد عليها عشرات الأنواع الأخرى للبقاء.

وتضيف: "من دون هذه الأشجار، ستصبح الجزيرة أكثر قحالة وقد تفقد معظم تنوعها البيولوجي الفريد، فضلًا عن تأثير ذلك على السياحة التي يعتمد عليها كثير من السكان المحليين."

وتختتم حديثها بالقول إن فقدان شجرة دم الأخوين لن يكون مجرد خسارة طبيعية، بل كارثة بيئية وثقافية تضرب قلب هوية سقطرى وروحها الفريدة التي سحرت العالم بجمالها.