مع بداية العام الدراسي..

مدارس يسكنها بلاطجة ومسلحون وأخرى خالية من المعلم والكرسي

2011-09-28 03:55:29 تحقيق/ بشرى العامري


بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على انتهاء العام الدراسي 2010- 2011 الذي انتهى مبكراً الربيع الماضي بسبب الأحداث الأخيرة، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن بدء العام الدراسي الجديد في موعده الاعتيادي مطلع الأسبوع الماضي، بالرغم من كل التحديات في ظل الظروف الراهنة التي تقف عائقاً أمام إتمام عملية التعليم لهذا العام بالشكل المطلوب، إلا أن أسبوعاً كاملاً مضى وجاء الأسبوع الثاني دون أن يدرس أي طالب حتى اليوم، خصوصاً في أمانة العاصمة صنعاء التي اقتصر اليوم الدراسي فيها على التسجيل وتوقيع المعلمين على حافظة الدوام وتوزيع بعض الكتب المدرسية في أحسن الأحوال، دون شرح درس واحد للتلاميذ الذين تغيب أكثر من 95% منهم عن مدارسهم . فيما يعود من حضر إلى منزله بعد أقل من ساعة من ذهابه إلى المدرسة .


مع وجود التوترات الأمنية التي تعيشها أحياء وشوارع صنعاء وخصوصاً التي كثرت فيها نقاط التفتيش بحسب مناطق النفوذ، والخوف لدى الأهالي من تفجر الوضع أمنياً ووقوع البلاد في أتون حرب أهلية وخصوصاً بعد المواجهات الأخيرة، أصبح أولياء الأمور يعيشون في حالة قلق وحيرة في ذهاب أبنائهم إلى المدارس من عدمها ومدى أمان أبنائهم في تلك المدارس .
ففي منطقة الدائري والحصبة اقتحم عدد كبير من المسلحين والبلاطجة التابعين للنظام أكثر من خمس مدارس وحولوها إلى متارس وثكنات عسكرية، وقاموا بإتلاف كثير من محتوياتها، فيما قام أفراد الفرقة الأولى مدرع بإغلاق مدارس أخرى وحراستها تحسبا لأي اقتحام لها من قبل هؤلاء .
مدارس أخرى في مناطق مجاورة لم يستطع أولياء الأمور ترك أبنائهم يذهبون إليها خصوصاً مع غياب الجانب الأمني وعدم توفير الحكومة للأمن والسلامة للطلاب وخوفاً من أن يصيب أبنائهم أي مكروه من القناصة المتواجدين في عدة أماكن يصعب معرفتها .
  • اليونيسيف : عدد كبير من المعلمين غير المدربين يدفعون بالطلاب إلى خارج المدارس .

التعليم المجاني .. باهض الثمن
في كل عام دراسي جديد تظهر إشكاليات البعض منها قديم قدم الدراسة وإنشاء التربية والتعليم، والبعض منها يتزايد كل عام في الظهور، أما البعض الآخر فقد كان وليد اللحظة الراهنة .
فقد اعتاد طلاب وطالبات المدارس على غياب عدد من الكتب المدرسية وتأخر صرف البعض منها التي قد ينتهي العام الدراسي دون أن تصل إلى الطالب . فيما يتواجد هذا الكتاب أو ذاك على أرصفة ميدان التحرير وبطبعته الجديدة وبشكل كبير ويتراوح سعر الكتاب الواحد الذي يوزع مجاناً في المدارس مابين 350 ريال إلى أكثر من 700 ريال لدى باعة التحرير وذلك بحسب حجم الكتاب وأهميته والمرحلة الدراسية التي يمثلها .
وبالرغم من تأكيد وزارة التربية والتعليم على مجانية التعليم وأن ما يتم أخذه من رسوم من أولياء الأمور تعد رمزية جدا لا تتجاوز في أعلاها الأربعمائة ريال كمساهمة في رفد إدارة المدرسة ماليا لتسيير أمورها، إلا أن بعض مدراء المدارس يصر على تكليف أولياء الأمور عند تسجيل أبنائهم أعباءً خارج إطار الرسوم خصوصا لمن هم من خارج المدرسة، حيث يتم مطالبة أولياء الأمور شراء بعض المعدات المدرسية كالقرطاسية أو كراسي وطاولات أو إصلاح بعض الأثاث والمعدات المدرسية مالم فلن يتم قبولهم في المدرسة الجديدة، بالرغم من عدم صدور أي قرار وزاري أو توجيه رسمي بالسماح لتلك التصرفات .
ومع كل عام دراسي جديد أيضا ترتفع أسعار المستلزمات المدرسية من حقائب وزي مدرسي وقرطاسية وخلافه، إلا أن العام الحالي كانت ظاهرة ارتفاع الأسعار مخيفة حيث تضاعفت أسعار تلك المستلزمات إلى أكثر من الضعف .
محمد القباطي - ولي أمر لخمسة طلاب ثلاثة إناث وذكرين - أشار إلى أنه فوجئ بالأسعار المرتفعة جداً لتلك المستلزمات، حيث وصل سعر الحقيبة المدرسية ذات الجودة المتوسطة إلى ما يقارب الأربعة آلاف ريال بخلاف سعر الزى المدرسي الذي وصل إلى سعر مقارب أيضاً.. وذكر القباطي أنه سيحتاج إلى مبلغ خمسين ألف ريال على أقل تقدير لتجهيز أبناءه للدراسة .


فيما أخبرنا احمد الأسدي أن أولاده الخمسة لن يذهبوا هذا الشهر إلى المدارس وسوف يلتحقون بالتعليم في شهر أكتوبر المقبل بعد أن يستلم راتبه الحكومي لأنه يعيش حالة إفلاس تام بعد مصاريف عيد رمضان الماضي والذي تحمل جراءها ديونا كثيرة بسبب ضعف دخله .
مواطن آخر يعمل جندياً لديه سبعة أولاد، أشار في حزن عميق إلى انه سيضطر إلى حرمان بناته الثلاث من الدراسة هذا العام، فيما سيواصل إخوانهن الذكور الأربعة الدراسة، كونه لا يستطيع تحمل تكاليف مصاريف دراستهم جميعاً هذا العام خصوصاً مع تدني دخله بشكل كبير، حيث كان يعمل بناءً في أوقات إجازته ليحسن من وضعه ولكن أغلب أعمال البناء توقفت حد قوله نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية الحالية .
في المقابل مازال بعض أولياء الأمور حريصين على تعليم أبنائهم في مدارس خاصة (أهلية) رغم ارتفاع الرسوم الدراسية فيها مع تدني مستواها التعليمي واستغلالها مشاكل التعليم الحكومي كالازدحام في المدارس الحكومية وعدم الاهتمام بالطالب وتفاقم الوضع الأمني و تواجد المناظر المسلحة في المدرسة الحكومية لرفع أسعارها لأكثر من الضعف أحياناً خلال هذا العام وحاجة أولياء الأمور لها والتي تزامنت أيضاً مع ارتفاع أسعار السلع الرئيسية وغلاء المعيشة في البلاد.

فساد التعليم يقود للتجهيل
تستنزف وزارة التربية والتعليم مبالغاً مهولة من ميزانية الدولة كما تحظى بدعم لا محدود من قبل المنظمات الدولية المانحة لأجل تطوير عملية التربية والتعليم إلا أن ذلك كله يذهب أدراج الرياح وتسير عملية التعليم إلى الوراء عاما بعد عام أكثر من أن تتقدم، ولعل أكبر دليل على ذلك هو حملة العودة إلى المدارس التي دفعت اليونيسيف للوزارة ما يقارب المائة وخمسين ألف دولار لإنجاح الحملة التي تعثرت وفشلت في اغلب المحافظات اليمنية .
وتخلو أغلب مدارس الجمهورية من الأنشطة اللاصفية ومن أي محبب لدى الطلاب للتعليم وكل ما يجده الطالب هو التلقين الشفهي والكتابة والحفظ والتسميع دون أي تغيير منذ سنوات عديدة في تلك الطريقة .
يقول نسيم الرحمن.. مسئول الإعلام بمكتب اليونيسيف باليمن.. إن "إحضار الأطفال إلى المدارس أمرٌ سهل ولكن إبقاءهم فيها هو الأمر الصعب".. وأضاف أن المدارس في اليمن لا توفر الجو التعليمي الملائم الذي يُشعِر الأطفال بالترحيب ويشجعهم على التعلم، كما أن "النظام التعليمي في اليمن قديمٌ جدّاً ولم يتغير مع مرور الوقت، فلا زال يعتمد على التلقين عن طريق التكرار، ولا زال المعلمون يلوِّحون بعصيهم لتوصيل المعلومات".
وأضاف نسيم الرحمن قائلاً: "لا يرغب الأطفال بالتعلم بهذه الطريقة، فالتعليم في المدارس الابتدائية لا ينطوي على أي مرح، مما جعل العديد من الطلاب يفقدون اهتمامهم بالتعليم. هذا، بالإضافة إلى العدد الكبير من المعلمين غير المدربين الذين يدفعون بالطلاب إلى خارج المدارس...فقد أخبرني أحد الأطفال الذي انقطع عن المدرسة أن معلمه نعته بالغبي وبأنه يهدر وقته في المدرسة".
وأشار نسيم الرحمن إلى أن الأوساط الحكومية تشهد الكثير من النقاش حول التعليم ولكن ما يتم عمله على الأرض يبقى محدوداً جدّاً، كما تحدث عن وجود "إستراتيجيةً لتطوير التعليم الأساسي" وأن "موضوع التعليم أصبح على قائمة الأجندة السياسية للحكومة غير أن التطبيق يبقى ضعيفاً جدّاً".
فيما أشار أحمد الرباحي نقيب المعلمين اليمنيين إلى أن المدارس فقدت قدرتها على جذب الطلاب، في ظل غياب الأنشطة المدرسية، واكتظاظ الفصول الدراسية، كما أن فشل العديد من الخريجين في الحصول على وظائف يثير الإحباط في نفوس الطلاب، هذا بالإضافةً إلى أنهم "يجدون صعوبة في استيعاب المقرر مما يجعلهم يمقتون التعلم".

  • الرباحي : فشل العديد من الخريجين في الحصول على وظائف يثير الإحباط في نفوس الطلاب
توظيف جديد قد يؤدي إلى كارثة
في إطار قيام الحكومة مؤخراً بالإعلان عن أكثر من ستين ألف درجة وظيفية التي أعلن عنها الرئيس صالح كان نصيب الأسد منها لوزارة التربية والتعليم ..حيث التحق بالمدارس التي تعاني أغلبها من عجز في المعلمين عدد كبير من المعلمين والمعلمات في شتى التخصصات وذلك للتخفيف من وطأة العجز خصوصا مع مواصلة عدد كبير من المعلمين إضرابهم عن التعليم تحت شعار (لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس).
حتى هنا والأمر جيد لكن المخيف في هذا الحدث يقع تحت إطارين أولهما أن هؤلاء الموظفين الجدد لم يحصلوا على أي فتوى أو تعزيز مالي يؤكد تثبيت درجاتهم الوظيفية بالرغم من مرور أكثر من خمسة أشهر منذ إعلان أسمائهم، ومع العجز المالي الكبير الذي تعاني منه خزينة الدولة يخشى هؤلاء المعلمين من أن تكون عملية توظيفهم مزايدة سياسية فقط مما جعلهم مترددين في أداء عملهم والانضباط فيه، وهذا قد يخلق أزمة حقيقية في حال إذا تركوا أماكن عملهم خصوصا مع قيام عدد من المدرسين الثابتين مسبقا بالنقل من مدرسة إلى أخرى أو منطقة إلى أخرى بعد توفير البديل لهم من هؤلاء المعلمين الجدد .
والمشكلة الأخرى أن اغلب هؤلاء المعلمين الجدد مضى على تخرجهم سنوات عديدة وصلت إلى أكثر من عشر سنوات عند بعضهم لم يمارس خلالها عدد كبير منهم التدريس وفق اختصاصه وبالتالي نسي أصلاً قواعد التدريس الأساسية، ناهيك عن المعلومات المنهجية خصوصاً في المواد العلمية، صحيح أن البعض منهم كان يعمل في مدارس خاصة طوال الفترة الماضية، إلا أن عدداً كبيراً منهم عمل في أماكن أخرى بعيداً عن تخصصه بسبب قلة الراتب في المدارس الخاصة وضغط العمل فيها، وآثرت عدد كبير من الموظفات الجدد الزواج وبناء أسرة انتظاراً للدرجة الوظيفية عوضاً عن العمل المضني والغير مضمون في المدارس الخاصة .
وهذا الأمر سيخلق مشكلة كبيرة ستؤثر حتماً على مستوى استيعاب الطالب للدروس ومقدرة تحصيله وكان حري بوزارة التربية والتعليم عقد دورات تدريبية مكثفة لهؤلاء خلال العطلة الصيفية الماضية وتأهيلهم تأهيلاً مناسباً لخوض العملية التعليمية بسلامة .

قلة المدارس وسوء توزيعها
خارطة المدارس في اليمن تظهر من أول وهلة بأنها خارطة عشوائية وضعت دون دراسة حقيقية وفقا لاحتياجات كل منطقة، ففي العاصمة صنعا ء مثلا تجد مدارس متكدسة في مكان واحد فيما تخلو مناطق أخرى منها ويعاني سكانها من بعد المدارس الحكومية عن أبنائها .
وفي مناطق أخرى توضع مدارس الفتيات في شوارع مزدحمة أو أمام أسواق للقات والخضار وغيرها أو تكون مجاورة لمدارس ثانوية للذكور، مما يجعل بعض أولياء الأمور يحجمون عن إرسال بناتهم إلى تلك المدارس بسبب الإشكاليات التي قد تحدث وكثير هي الحكايات التي تناولتها وسائل الإعلام ومجالس القات والتفرطة عن تلك المدارس التي حرمت كثيراً من الفتيات عن التعليم .
مناطق أخرى أيضاً تعاني من قلة وجود مدارس الذكور فيها وتكدسهم في مدرسة واحدة أو اثنتين حتى يصل عدد الطلاب في المرحلة الثانوية إلى أكثر من تسعين طالب في الصف الواحد مما يجعل سير عملية التدريس وإيصال المعلومات للطلبة أشبه بالمستحيل ولعل اكبر دليل على ذلك ما تعانيه مدرسة الحورش بمنطقة السبعين هذا العام من ضغط غير عادي في عدد الطلاب والذي سيضعف حتماً من مستواها التعليمي دون أن تحرك المنطقة ساكناً لحل الإشكالية .
وفي ذات المنطقة يعاني أولياء الأمور من قلة المدارس الابتدائية الخاصة بالذكور والقريبة من أحيائهم ووجود مدرسة واحدة هي مدرسة طارق التي تقع على شارع رئيسي تملؤه السيارات المسرعة والتي تشكل خوفا على حياة الطلاب الصغار في وقت ترفض مديرات مدارس الفتيات في ذات المنطقة قبول الطلاب الذكور في مدارسهن بعد الصف الثالث معللة ذلك بمنع المنطقة تعميد شهادات الذكور في مدارس الفتيات ومنع الاختلاط .
وفي الريف توجد 8,638 مدرسة اغلبها مختلطة من أصل 14,090مدرسة في أرجاء اليمن، منها 554 مدرسة خاصة بالفتيات فقط، 163 منها في المناطق الحضرية و391 في المناطق الريفية، مما يخلق فرقاً واضحاً في عدد الذكور والإناث الذين يرتادون المدارس في المناطق الريفية ويجعل من الصعب على الفتيات البقاء في المدارس بسبب الطبيعة المحافظة لآبائهن، لتصبح نسبة الانقطاع عن المدارس بين الفتيات أعلى بكثير من مثيلتها بين الفتيان، حيث تبدأ بعض المدارس في المناطق الريفية بحوالي 60 فتاة في الفصل ثم يتدنى هذا العدد إلى 10 فتيات فقط في الفصل الواحد في العام التاسع، وذلك بسبب ارتفاع نسبة الانقطاع عن المدرسة.
وفي المناطق القروية، تذهب الفتيات إلى المدرسة لتعلم القراءة والكتابة، ثم يغادرنها للتركيز على التعليم الديني في بيوتهن، وذلك بسبب قلة المدارس الثانوية في المناطق الريفية، إذ يشعر الناس أنهم حتى ولو أرسلوا بناتهم إلى المدارس الابتدائية فلن يكون بإمكانهن مواصلة تعليمهن نظراً لعدم وجود ما يكفي من المرافق التعليمية، مما يثنيهم عن الرغبة في التعليم .

مناهج متطرفة وأخرى غير ذي جدوى
لعل الطامة الكبرى في التعليم في اليمن هي المنهج التعليمي الذي جعل الطالب أكثر جهلاً، فالمنهج الذي لا يتعدى التلقين والحفظ والتسميع جعل الطالب المتخرج معه لا يفقه إلا القراءة والكتابة حتى أن بعض طلبة الجامعة لا يستطيع كتابة موضوع إنشائي بسيط دون أخطاء إملائية فادحة أو تعابير ركيكة تدل دلالة واضحة على سوء تعليمه خصوصا القادمين من المناطق الريفية والذين غالبا ما يعتمدون على أسلوب الغش في الامتحانات للنجاح والحصول على المعدلات المرتفعة مما جعل عدد من الطلبة الفاشلين في التعليم في المدن يتوجهون للدراسة والامتحان للثانوية العامة في القرى والأرياف لأجل ذلك، وأصبح ذلك الأمر مشاعاً بين الناس، دون أن تحرك وزارة التربية والتعليم ساكناً لأجل ذلك .
وقد خصصت مجلة محطات احد أعدادها لدراسة مناهج التعليم في اليمن وتأثير الأفكار المتطرفة فيها، وخلصت الدراسة التي أعدها الباحث احمد شرف الحكيمي إلى أن مناهج التعليم لدينا تستدعي منا قرع أجراس الإنذار ونقول لمتخذي القرار التربوي, إن التعليم بحاجة ماسة وعاجلة إلى إنقاذ، وان التطوير المطلوب يجب أن يكون شاملاً .
 ويضيف: من خلال استطلاع سريع لمضمون المقررات، يتضح سيطرة المادة الدينية على مقررات المنهج وفي مواد اللغة العربية والتربية الوطنية والعلوم الاجتماعية ابتداءً من الأول أساسي وحتى الثالث ثانوي . وتتسم موضوعات المادة الدينية في مقررات الدين بالتكرار من مقرر إلى أخر ومن سنة إلى أخرى في المقرر نفسه وبعناوين وألفاظ مختلفة أحياناً.
ويؤكد أن هناك إغراقاً في التفاصيل والتوقف طويلاً أمام الجزئيات والحالات الاستثنائية في المسائل الفقهية، وهو ما جعل مقررات هذه المادة تتسم بالكثافة والاتساع، وترهق التلاميذ والطلاب في النقل والحفظ والاستظهار, وتستنفذ طاقاتهم على حساب مواد علمية وإنسانية أساسية وضرورية لفهم العصر ولغته، وعلومه، واعتماد طرق التدريس على التلقين والحفظ والاسترجاع..
 وحسب الدراسة فإن المقررات الدراسية تحتوي على آراء واجتهادات وأحكام متشددة، وبعضها يعود لعدة قرون، مما يرسخ لدى الطالب النزعة الماضوية، وافتراض عدم التغيير، واعتماد شرعية الماضي في مقابل شرعية الحاضر، بدلاً من أن ينمي، كما هو مفترض، ملكة الابتكار والاجتهاد ليتمكن من متابعة التطورات المتلاحقة التي يشهدها عالم اليوم، ومجابهة التحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين في هذا العصر .
وأشار باحثون إلى أن أغلب المناهج الدينية ليست مرتبطة مباشرة بحياة الطالب اليومية وفي تهذيب سلوكياته وتصرفاته، كما أن هناك بعض المناهج العامة تدعم التمييز الجنسي بين الذكور والإناث وتخلق نوعاً من التمييز والعنصرية، بالإضافة إلى ما يطرحه عدد كبير من المعلمين والمعلمات بوعي أو بدون وعي من أفكار تعزز النظرة الدونية للإناث لدى الذكور .
فينا تعاني بعض المناهج العلمية من صعوبة معلوماتها وعدم شرحها الشرح الكافي واعتمادها كلية على المعلم الذي قد يكون غير متخصص أو ملم لكافة نواحي المنهج مما يؤثر سلبا على مستوى فهم وإدراك الطالب لتلك المادة وبالتالي قبولها أو التهيب منها وكرهها كالرياضيات والكيمياء والفيزياء .
وإلى جانب ذلك كله غياب الجانب التطبيقي والعملي ومدى ربط تلك المناهج بالواقع المعاش وخلق موهبة الابتكار والتفكير لدى الطالب . وإغفال المنهج التعليمي لتعليم الحاسوب وعلومه والذي أصبح لغة العصر وأساسياً في التعليم الابتدائي في عدد من الدول الأخرى، مما يجعل الطالب اليمني وكأنه لا يزال يعيش في مطلع القرن العشرين وحيداً دون أقرانه في دول العالم الذين تخطوا القرن الواحد والعشرين بأكثر من عشرة أعوام .

الرئيس سقط والمدير باقٍ
خلال الأعوام الماضية حرص حزب المؤتمر الشعبي الحاكم على عسكرة وزارة التربية والتعليم لصالحه لما تمثله مخرجات التعليم من رافد كبير لشعبية الحزب، فقامت قيادة الحزب بتغيير رؤساء المناطق التعليمية في العاصمة والمحافظات أولاً تبعاً لولائهم الحزبي لا لقدراتهم التربوية، ثم قامت تلك القيادة المؤتمرية بتغيير مدراء المدارس والهياكل الإدارية وفقاً أيضاً لذات المنطق وكأنها غنائم توزع لقيادات الحزب وهدايا الإخلاص والوفاء، فلا تكاد تخلو مدرسة حكومية من قيادي مؤتمري أو قيادية مؤتمرية هما الكل في الكل في تلكك المدارس والآمر الناهي وصاحب السلطة (المدير ) والذي يقوم وفق ذلك بإدارة المدرسة أيضاً وفق تلك الحزبية في إعطاء الأولوية والأهمية للمعلم المؤتمري وتهميش من لا يتبعون الحزب، وحين يقوم التربويون الخارجون عن إطار ذلك الحزب بأي وقفات احتجاجية حقوقية تطالهم اللعنات والاتهامات الحزبية والتخريبية والعقوبات التعسفية وما إلى ذلك والتي ظهرت جلياً خلال الاحداث الماضية، وسيطرة الحزب الحاكم على كل الحلول والعقوبات التي اتخذت في مقار الحزب البعيدة عن وزارة التربية والتعليم .
أحد المعلمين يعلق على ذلك قائلاً (هناك مدراء سلطتهم وكلمتهم أقوى من كلمة وزير التربية نفسه وذلك تبعا لقوتهم في الحزب الحاكم واستنادهم لأقارب وأصدقاء لهم فيه، حتى أن بعض المدراء يرفض تعنت قرار من الوزير، فيما لا يجرؤ على مخالفة اتصال هاتفي من قيادي صغير داخل الحزب الحاكم).
مشيراً إلى أن بعض هؤلاء المدراء أو المديرات تجاوز وجودهم في مناصبهم الثلاثين عاماً برغم فسادهم وعدم تطور أفكارهم مع العملية التعليمية وإصرارهم على إدارة المدارس بالطرق التقليدية البائدة، ومحاربتهم للعديد من التربويين المتميزين والقادرين على إدارة العملية التعليمية بشكل أفضل خوفاً من مجيء اليوم الذي قد يحصلون على مقاعدهم التي يستحقونها .

وزير التربية وإشكاليات المسلحين والنازحين
وفي لقاء خاص مع وزير التربية والتعليم الدكتور/ عبد السلام الجوفي تحدث من خلاله عن استعدادات الوزارة النهائية بكافة فروعها في المحافظات لاستقبال الطلاب والطالبات لبداية العام الدراسي الجديد بالرغم من التحديات الكثيرة التي تواجه الوزارة التربية.
ودعا خلال اللقاء الجميع إلى ضرورة إنجاح العام الدراسي الحالي والنأي بالعملية التعليمية عن أي مهاترات سياسية لأن العملية التعليمية والتربوية تعني بالمستقبل والمستقبل يعني الناس كلهم .
وقال (المستقبل ليس لحزب معين أو فئة معينة أو منطقة أو مجموعة معينة وإنما هو ملك للجميع، وبتعاون الجميع أبناء وآباء ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب وكافة القوى الفاعلة فان هذا العام الدراسي سيشهد انتظاما أفضل من الأعوام الماضية)، منوهاً إلى أن الحديث عن المستقبل لا يمكن إلا أن يكون منصباً على المدرسة، ويجب أن تكون المدرسة المكان الأمن لأبنائنا وبناتنا .
وأشار الجوفي إلى أن حملة العودة إلى المدرسة واحدة من الإجراءات والأدوات التي تستخدمها الوزارة لزيادة الوعي المجتمعي وإعادة المجتمع بعد إجازة ثلاثة أشهر، منوها إلى أن الحملة شملت أيضا الدعم لبعض الطلاب والطالبات في بعض المناطق المتضررة وخاصة في عمران وحجة وصعده ويتكون الدعم من نوعين الأول عبارة عن حقائب مدرسية وأدوات دراسية كتشجيع تم توزيعها على850 ألف طالب وطالبة في سبع محافظات والدعم الثاني عن طريق تدريب المعلمين والمعلمات التعامل مع الطلاب في ظروف الأزمات أو ما بعدها، موضحا أن آليات التعامل هي عبارة عن برامج تدريبية للمعلمين والمعلمات، إلى جانب المهرجانات والحملة الإعلامية عبر التلفزيون والإذاعات والصحافة المكتوبة والالكترونية والتي هدفت إلى إثارة الوعي المجتمعي وتحفيز المجتمع للتعاون مع المدرسة باعتبارها مسئولية وطنية وأخلاقية وإنسانية بالدرجة الأولى . وعن المدارس المغلقة في أمانة العاصمة والمحتلة من قبل المسلحين قال (وجهنا رسائل لكل الجهات وهناك استجابات نظرية وسوف يتم إخلاء المدارس من جميع المسلحين خلال هذا الأسبوع من كافة الجهات وسيرى هذا الموضوع الحل السريع خلال الأيام القادمة).
مضيفاً حول قضية النازحين: (تعاملنا بنجاح مع الطلاب والطالبات النازحين أثناء امتحانات العام الماضي، ويعود النجاح إلى الإجراءات التي اتخذناها في تسهيل قبول أبنائنا وبناتنا المتقدمين لامتحانات الشهادة الأساسية والثانوية في أي مكان من أنحاء الجمهورية، وبنفس الكيفية سهلنا الدخول إلى المدرسة بأي طريقة تناسب هؤلاء الطلاب والطالبات للانتظام في الدراسة، بما فيها عمل التعهدات بشأن وثائق الدراسة ووجهنا إلى جميع مكاتب التربية والتعليم في المحافظات أن يتم التعاون معهم إلى أقصى ما يمكن وإذا ما حدث أي إشكاليات هناك غرفة عمليات داخل الوزارة سوف تتعامل مع الحالات بشكل مباشر متعهداً بتسهيل كل الإجراءات للطلاب).
وفي طرحنا لإشكالية المدارس الحكومية في محافظة عدن والتي رفض النازحون من أبين إخلائها ومغادرتها إلى أماكن أخرى تحدث قائلاً (ناقشنا هذا الموضع في مجلس الوزراء أربع مرات وهناك عدد من المقترحات للحلول، لأن المشكلة معقدة وذات جانب إنساني، لأن هؤلاء نزحوا من بيوتهم واتخذوا المدارس عبارة عن ملاجئ ومأوى استقروا فيها خلال أكثر من شهرين، نحن اليوم بحاجة إلى هذه المدارس لكي يدرس أبناؤنا وبناتنا فيها وكذلك أبناء النازحين، وهناك عدد من الحلول للجنة التنفيذية للنازحين تعمل على حلها وهناك بوادر بأنه قد تم وضع مجموعة من الحلول ونتوقع أن تخلى المدارس قريباً وستحتاج هذه المدارس إلى ترميمات لازمة لإعادة تأهيلها).
في المقابل شهدت مدينة عدن انعداماً ملحوظاً للطلاب وحضور المدرسين للتحضير فقط ، حيث صدرت توجيهات من مكتب التربية والتعليم بإيقاف التدريس حتى يتم حل مشكلة النازحين، وتضمنت التوجيهات تحضير المدرسين والمدرسات وإرجاع الطلاب حتى إشعار آخر، كما تضمنت التوجيهات قبول الطلاب من نازحي أبين في إطار مدارس عدن، مؤكدين أن عملية القبول يجب أن تتم بالتنسيق مع مكتب التربية والتعليم في المحافظة.
ويأتي هذا الانعدام في ظل رفض النازحين إخلاء المدارس إلى الملاعب بحسب دعوة الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين التي يرأسها الوزير احمد الكحلاني تمهيداً لإقامة مخيمات نزوح خاصة بهم .
وطالب النازحون بإعادتهم إلى منازلهم وتعويضهم عما لحق بهم، أو نقلهم إلى مدينة الصالح.
هذا ويقطن الآلاف من النازحين في قرابة 65 مدرسة أساسية وثانوية في مختلف مديريات المحافظة تم تهيئتها لتكون مراكز إيواء لهؤلاء النازحين، ويرجع رفض النازحين لأسباب كثيرة منها عدم تهيئة الملاعب لإيوائهم لأنها مفتوحة ولتعودهم على المدارس التي يقطنون إليها حالياً.. مؤكدين أنهم لن ينتقلوا إلا إلى منازلهم في مدينة زنجبار .
فيما صدرت توجيهات أخرى ببدء الدراسة في المدارس التي لا يوجد فيها نازحين فيما تنتظر المدارس الأخرى حل مشكلة النازحين لبدء العام الدراسي فيها .
وفي هذا الإطار عجزت منظمة اليونسيف عن توزيع الحقيبة المدرسية التي تأتي في إطار حملة العودة إلى المدرسة وتستهدف طلاب الصفوف الأربعة الأولى .
وأرجع مصدر في المنظمة هذا العجز إلى ما أسماه عدم تعاون مكتب التربية والتعليم وتزويدهم بالمعلومات حول المدارس التي بدأ العام الدراسي فيها .. مشيراً إلى أن الحملة سيتم إقامتها عقب حل مشكلة النازحين .

عبده الجندي والجوفي
في إحدى مؤتمراته الصحفية اتهم نائب وزير الإعلام عبده الجندي وزارة التربية والتعليم ضمناً بالتزوير في نتائج الامتحانات للشهادتين الأساسية والثانوية والتي قال بأن نسبة النجاح فيها وصلت إلى أكثر من 90%، معزياً ذلك إلى أن الطلاب لم يدرسوا خلال العام الماضي نتيجة الإضرابات المتوالية فكيف حقق الطلاب تلك النتائج؟.
فيما استنكر وزير التربية والتعليم الدكتور/ عبد السلام الجوفي في لقاءنا معه تلك التصريحات اللامسؤولة، مشيراً إلى أن وزارة التربية والتعليم لم تكن قد أعلنت بعد عن نتائج الامتحانات التي تناولها الجندي ومؤكداً في الوقت ذاته بان الوزارة تتعامل مع قضايا تربوية ولا تتعامل مع مهاترات.
وقال الجوفي (نحن نتعامل مع واقع ومعلومات والوزارة قامت بدورها وواجبها الوطني وزملاؤنا في المحافظات والمديريات قاموا بدور مشكور في ظل أزمة الديزل والبنزين والكهرباء والأوضاع السياسية وفي ظل أمور معقدة جداً بذل التربويون في كل ربوع الوطن جهوداً يشكرون عليها وبالتالي كنت أتوقع أن يقدم لهم الشكر دون أن يقدم لهم مثل هذه التلميحات التي نحن في التربية والتعليم لا نريد أن نجر أنفسنا إلى معارك أو ردود جانبية).
مضيفاً (لدينا مسئوليات كبيرة ولدينا الكثير من القضايا التي نريد أن نشغل أنفسنا بها وليس بقضايا جانبية كهذه).
فيما أشار أولياء أمور ومراقبون إلى ارتفاع نسبة النجاح بشكل كبير في مختلف المراحل التعليمية خلال العام الدراسي المنصرم ووجود صفوف بأكملها إن لم تكن مدارس كانت نتائجها (لم يرسب أحد).. فهل ستكون نتيجة الطلاب هذا العام وفق الأحداث الأخيرة مشابهة لها أيضاً؟ أم أنها ستكون (لم ينجح احد)؟.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد