تكثف القاعدة من عملياتها القتالية القائمة على الضربات الخاطفة التي تستهدف تجمعات بشرية هنا أو هناك, وأصبح الجميع يحذر الاقتراب من تلك التجمعات بهدف أن ينجو بنفسه من موت لا يدري متى يهجم عليه.
لم تكن عملية السبعين هي الأولى التي استهدفت جنوداً في العاصمة صنعاء, بل إن هناك ثمة عمليات أشد وقاحة وجرماً, تدل على سقوط أخلاقي تحت مبررات أسوأ من الفعل ذاته, فمن حادثة ميدان السبعين إلى حادثة كلية الشرطة إلى اغتيال الشيخ/ علي ماجد الذهب، بطرد مفخخ وسط العاصمة صنعاء, إلى استهداف مجلس عزاء في مدينة جعار راح ضحيته أكثر من خمسين قتيلاً ومئات الجرحى, ومن يدري فلعل القادم يكون أسوأ ما لم تقم الحكومة بدورها في اتخاذ خطوات عملية أكثر جدية للقضاء على هذه النبتة الخبيثة.
بعد دحر عناصر التمرد والإرهاب، عناصر الشر وقوى الظلام الذي اتخذت من اسم " الشريعة " شعاراً لها يخالف حقيقتها التي تقوم على اغتيال الناس وطردهم من منازلهم واقلاق سكينتهم ونهب ممتلكاتهم.
بعد الهزيمة النكراء لهم في جعار وزنجبار تسلل المئات من عناصر تنظيم القاعدة إلى محافظة البيضاء الواقعة في وسط البلاد, واتخذ التنظيم من مديرية ولد ربيع ومدينة رداع وبعض المديريات المجاورة ملاذاً آمناً لأفراده الذين قاتلوا في أبين, ويتوزع مقاتلو القاعدة في رداع على عدد من المناطق هناك أبرزها " المناسح " و " المشيريف " و " حمة صرار " و " يكلاء " و " خبزة" و " الزوب " و" صرار الجشم " و " دار النجد " و " الحجفة " و " حرية " كما أن هناك تواجد لهم داخل مدينة رداع وخصوصاً في منطقتي " المصلى " و " العرش ".
تقول مصادر محلية إن عدد أعضاء تنظيم القاعدة هناك يتجاوز الألف مقاتل, وإن هناك معسكرات تقام لهم في شعاب "يكلاء" يتلقى فيها أعضاء التنظيم معلومات قتالية ومهارات ميدانية, وإن أغلب من يتم إرسالهم إلى صنعاء وحضرموت وعدن للقيام بعمليات انتحارية يتلقون في الأساس تدريبات وتعليمات في مديرية ولد ربيع والمناطق والشعاب المجاورة لها, حيث يتواجد هناك العشرات من خبراء المتفجرات الذين يحملون جنسيات مصرية ومغربية وتونسية وسعودية وسورية وعراقية وليبية وصومالية وأثيوبية وكويتية, وروسية, إضافة إلى جنسيات أخرى من عدد من الدول المختلفة.
تعتبر تلك المناطق التي يقطن فيها أعضاء القاعدة مناطق ذات بعد استراتيجي فهي تربط البيضاء بعدة محافظات هي صنعاء وذمار وشبوة والضالع ومأرب وأبين ولحج, وبالتالي فإن تواجدهم في تلك المناطق وبقائهم فيها خطر يهدد اليمن بأسره, ما لم يتم سرعة القضاء عليم.
اللافت للنظر أن أعضاء القاعدة في رداع يتمتعون بكافة الحرية ويسرحون ويمرحون كما يشاؤون بل إنهم يتفاخرون بذلك في ظل غياب شبه كامل للأجهزة الأمنية هناك, وأصبحوا يفرضون توجهاتهم هناك, ويقيمون سلطات موازية لسلطات الدولة, ويفرضون أنفسهم حكاماً على الناس, وهو ماجعل البعض ممن لايرغبون في حكم القاعدة من أبناء تلك المناطق يهاجرون إلى مناطق خارج رداع خوفاً من بطش القاعدة وتنكيلها.
لم يكن تواجد تنظيم القاعدة في رداع من باب الصدفة أو من قبيل الحظ بل كان نتيجة لوجود حاضن فكري لهم وداعم قبلي يؤيهم, مستمداً نفوذه من أسرة ذات نفوذ وقوة في المحافظة وتتزعم أكبر قبيلة في محافظة البيضاء هي أسرة آل الذهب, ولم تكن أسرة ال الذهب بكلها منخرطة في ذلك التنظيم المخيف, ولكن يوجد مجموعة أشقاء من أولاد الشيخ/ أحمد ناصر الذهب وهم " طارق الذي قتل على يد شقيقه حزام, وأحمد الذي قتل في مواجهة مع بعض أسرة آل الذهب الذين يقفون ضد فكر القاعدة, وقايد وعبدالرؤوف وسلطان وعبدالاله ونبيل, وكلهم يعتنقون فكر القاعدة ويعتبر قايد ونبيل من أكبر قيادات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
يرتبط الأشقاء السبعة بعلاقات مصاهرة مع الشيخ أنور العولقي الذي قتل بطائرة أميركية في الجوف, كما تربطهم علاقات وطيدة مع قيادات أخرى في تنظيم القاعدة, ويشكل وجودهم في مديرية ولد ربيع قوة لمقاتلي تنظيم القاعدة.
يتمتع أعضاء القاعدة في مدينة رداع بنفوذ يسنده تعاطف مسؤولين في المدينة مع توجهاتهم إضافة إلا إن عدداً لا بأس به من أعضاء جهاز المخابرات يسهلون لهم بعض المهمات في كثير من الأحيان بحسب تأكيد مصادر محلية هناك.
دخل أعضاء التنظيم إلى مدينة رداع في بداية السنة الحالية وتمركزوا فيها لأكثر من نصف شهر وسيطروا على جامعها التاريخي وقلعتها الأثرية, وعند دخولهم انتاب الناس خوفاً شديد وقلق كبير, وانسحب الأجهزة الأمنية حينها تاركة لهم الحبل على الغارب, حتى وقفت قبائل مديريات رداع السبع وقفة رجل واحد وتم طرد أعضاء القاعدة حينها من مدينة رداع.
وكما هي عادة التنظيم في عمليات الاختطاف والقتل المتعمد فان منطقة ولد ربيع وشعاب " يكلاء " أصبحت ملاذاً آمنا لاختطاف بعض الشخصيات الهامة, وترجح بعض المصادر أن الدبلوماسي السعودي الذي تم اختطافه من محافظة عدن قد تم تهريبه إلى منطقة " يكلاء " بمديرية ولد ربيع.
شهود عيان أكدوا لـ"أخبار اليوم" أنهم شاهدوا في "جبل العليب" وهو جبل يقع في ذات المديرية جثثاً متحللة لأشخاص قام تنظيم القاعدة باختطافهم وإعدامهم بعد ذلك, إضافة إلى تنظيم القاعدة في البيضاء نفذ عدداً من عمليات القتل الجماعي كان أولها عملية قتل سبعة جنود في نقطة " لمسان " ثم مقتل أعضاء اللجان الانتخابية الإشرافية في محافظة البيضاء, مروراً بمقتل عدد من الجنود في نقطة جبل "العريف" وغيرها.
تساولات
يتساءل الكثير من أبناء مدينة رداع أين دور الدولة في القضاء على ذلك السرطان الخبيث الذي يهدد اليمن وبسببه قتل مئات الأبرياء في أكثر من منطقة من محافظات الجمهورية, ولماذا تركز الدولة في ضرباتها الجوية على محافظات كحضرموت وتتناسى أن في مديرية ولد ربيع مئات الإرهابيين الذين أقلقوا أمن الناس وهجروهم من قراهم وازهقوا مئات الأنفس من الأبرياء ليس في رداع او البيضاء فحسب بل في العاصمة صنعاء وحضرموت وعدن وأبين وغيرها من محافظات الجمهورية.
كما يتساءل آخرون من خارج المحافظة أين دور قبايل قيفة التي تعد من أكبر قبائل المحافظة قوة ونفوذاً؟ وهل يسرهم أن تكون بلادهم ملاذاً للقتلة ومصاصي الدماء؟ وما هو موقفهم من الدماء التي سالت في السبعين وكلية الشرطة وجعار وخصوصاً أن من أسال تلك الدماء ينتمي إلى ذات الفكر القاعدي الإرهابي؟
ويدعو البعض رجال قيفة خاصة وأبناء مديريات رداع السبع عموماً أن يحددوا موقفهم من تلك الفئة الضالة, وان يتحدوا لمواجهة تلك الفئة التي تعتبر كسرطان خبيث يجب أن يزال وورم يجب أن يستأصل وشجرة خبيثة قرارها يجب أن تجتث.