فيما مؤسسة المياه تتهمهم بسرقة مياه المجاري

سكان منطقة البريهي بتعز.. حياة مأساوية تجاهلتها الدولة

2013-02-03 15:32:56 تقرير/عبد العليم الحاج


لم يجد سكان منطقة البريهي، الواقعة على المدخل الشمالي لمدينة تعز، من سبيل لتدبير شؤون حياتهم اليومية والبقاء على قيد الحياة سوى استخدام مياه المجاري، أو ما تسمى بمياه الصرف الصحي التي تصلهم من مختلف أحياء المدينة، في ري مزروعاتهم ورعي مواشيهم.
ويشكو السكان من تزايد حالات الإصابة بالأمراض الوبائية، خاصة الفشل الكلوي والملاريا والإسهال في ظل انعدام المراكز الصحية إلا من مستوصف وحيد أكله الإهمال وشرب.
ويعيش عدد من قطعان الأغنام والماعز، والأبقار على ضفتي بحيرة الصرف الصحي، حيث ترعى تلك القطعان على المزروعات والأعشاب المروية بالمياه الآسنة وتشرب منها يومياً مرات عدة، قبل أن تذبح ويباع لحمها ويتناوله المستهلكون من دون حسيب أو رقيب ومن دون أي فحص أو مراقبة.
"أخبار اليوم" زارت المنطقة ووقفت على واقعها المأساوي ورصدت ذلك في سياق هذا التقرير.

على مساحة 4كيلومترات تقريباً من المدخل الشمالي لمدينة تعز يقع سد البريهي لمياه الصرف الصحي ويتكون من أربعة سدود.. مئات الأسر إن لم نقل الآلاف توفد نساءها وبناتها يومياً مع قطعان كبيرة من البقر والأغنام للرعي على ضفاف السد رغم المخاطر وحالات الغرق المتكررة، ناهيكم عن الأضرار البيئية والصحية.. ولأن السد يقع في نطاق العديد من القرى المحيطة به واختلاطه بمياه آبار الشرب القريبة منه والمصدر الوحيد الذي يعتمد عليه المواطنون، فقد أصبح السكان عرضة للكثير من الأمراض.
يقول عبد الجليل شعلان ـ أحد مشايخ المنطقة: هذا السد يشكل خطورة كبيرة على المنطقة وكما ترى تحول إلى مرعى للأبقار والأغنام التي تتغذى وتشرب من مياهه الملوثة وليس أمام السلطة المحلية من خيار سوى نقله نهائياً من المنطقة حتى لا تتضاعف معاناة الناس وتتدهور صحتهم بسبب الأمراض والأوبئة التي يتعرضون لها، منها حالات الفشل الكلوي التي أصابت مؤخراً أكثر من 37 شخصاً.
مضيفاً: لقد بحت أصواتنا ونحن نناشد ونستغيث المحافظين السابقين، لكن لا حياة لمن تنادي، لكننا لن نفقد الأمل ونأمل من المحافظ الحالي شوقي هائل أن يستجيب لنا ويضع حداً لمعاناتنا.
ويرجع شعلان قيام المواطنين برعي مواشيهم وري مزروعاتهم من مياه الصرف الصحي إلى عدم وجود آبار ارتوازية يمكن أن يلجأوا إليها في ري المزروعات بدلاً عن مياه المجاري، إضافة إلى ظروفهم الصعبة وعدم حصولهم على الوظائف برغم المؤهلات التي يحملها الكثير منهم ـ على حد قوله.
ويشير عبد جليل شعلان ألى أن هناك عزوفاً عن شراء الأراضي المحيطة بالسد وهو ما حرم ملاكها من بيعها والاستفادة منها في تسيير شؤون حياتهم.
حالات اختناق
تفتقر منطقة البريهي إلى الوحدات والمراكز الصحية عدا مستوصف وحيد يعاني الإهمال ولا تتوفر فيه الرعاية الصحية الضرورية.
يقول الدكتور/رزاز الشرعبي ـ الذي رافقني في جولتي الاستطلاعية للمنطقة: المشكلة كما ترى وتلاحظ أمامك، حالات مرضية كثيرة تأتي إلينا مصابة بالإسهال والالتهابات عند الأطفال.. بالنسبة للملاريا نستطيع أن نقول بأنها خفيفة بسبب أن البعوض ينمو ويعيش في المياه العذبة، لكن كما ترى هذه مياه ملوثة،حالات الإسهال التي تأتي إلينا بكثرة، مشاكل صحية أخرى والتهابية بسبب تلوث المياه التي يشرب منها المواطنون.. نريد كنوع من الحلول أن تكون هناك مياه صالحة للشرب إسعافية للمنطقة وإجراء وقائي سريع.. أما بالنسبة للبعوض وما إلى ذلك من مشاكل على الدولة أن توفر الناموسيات أو وسائل الرش.. وأردف بقوله: المشاكل التي يعاني منها المواطنون هنا، كما ترى أن البيوت تنتشر على أطراف السدود وشواطئه والمواشي ترعى كذلك، لأنه لا يوجد مكان آخر للمواطنين ولا للمواشي تتغذى وتشرب منه ومن كان ميسور الحال فيأتي بالمياه الصحية من أماكن بعيدة.
وعن المخاطر الصحية التي يمكن أن يتعرض لها سكان المنطقة نتيجة تناولهم حليب الأبقار التي ترعى وتشرب من مياه المجاري أوضح الدكتور/ الشرعبي بالقول : إذا كانت الجلالة في الحديث النبوي الشريف لا تؤكل ولا يشرب لبنها فما بالك وهي ترعى وتشرب من تلك المياه الملوثة، فأكيد ديننا الإسلامي ما ترك هذا إلا لأن هناك مخاطر ومشاكل التهابية للأطفال، أما الكبار فقد حدثت عدة وفيات هنا أثناء قيامهم بري مزروعاتهم من مياه الصرف الصحي حيث يصابون بالاختناق.
فيتامين الأرض
يعتمد سكان منطقة البريهي في ري مزروعاتهم على مياه الصرف الصحي، حيث لا توجد أي آبار ارتوازية في المنطقة باستثناء بعض الآبار الجوفية القريبة من مناهل شبكة الصرف الصحي، حيث يفيد السكان باختلاطها بمياه المجاري، لكنهم مضطرون لاستخدامها في حياتهم اليومية ـ كما يقولون. محمد علي ـ أحد المزارعين الذين التقيت بهم أثناء عملية شفط مياه الصرف الصحي لري مزرعته من أحد المناهل، وصف ما يقوم به : هذه المياه فيتامين الأرض ونحن قد تعودنا عليها، نحن نقوم بشفط مياه المجاري إلى الأراضي لزراعة الهند والصومي وإذا صلح منه حب نبيعه للسوق، يقولون، لنا هذه المياه فيتامين الأرض ونحن نأخذ من هذه المياه باستمرار، لأنه لم تفتح الآبار الارتوازية بعد،ولم يأت إلينا أحد حتى يوعي الناس بخطورتها ونحن قد اعتدنا على الاختلاط بها.. إلا أن مسألة الإعلام والتوعية البيئية في مؤسسة المياه والصرف الصحي اتهمت المزارعين بإطلاق الرصاص على عمال المؤسسة عندما يحالون بمنعهم من شفط المجاري وري المزروعات وأنهم لا يستجيبون للتوعية بمخاطر ما يقومون به ـ على حد قولها.
قواعد السلامة
 وفي هذا الإطار تشير الكثير من الدراسات والأبحاث إلى أن مياه الصرف الصحي الخارجة من غالبية محطات المعالجة في معظم محافظات الجمهورية لم ترق إلى مستوى المعالجة المطلوبة وبالتالي فإن محتواها من البكتيريا والجراثيم القولونية يعتبر عالياً وفقاً لكل المقاييس الموضوعة، وأن هنالك مخاطر حقيقية تكمن جراء استخدام تلك المياه في ري المزروعات والتعامل معها، حيث أن كثيراً من المزارعين لا يتبعون في التعامل مع تلك المياه أدنى قواعد السلامة مثل استخدام كفوف واقية وملابس خاصة وأحذية مطاطية طويلةً.
وخلصت تلك الدراسات إلى أن تلك المياه يمكن أن تنقل العديد من الأمراض مثل التيفود والكوليرا والدوسنتاريا والديدان بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى فيروس الكبد الوبائي إذا ظل نمط المعالجة المتبع كما هو عليه ولم يطرأ تحسن في ذلك..و أن هناك مخاطر للسكان ومستخدمي تلك المزروعات تكمن في استهلاك الخضار الغضة التي تؤكل بدون طهي؛ إذ يلاحظ عدم وجود قيود على نوع المزروعات، التي تروى بها تلك المياه وخصوصاً في مناطق إب وصنعاء، بينما في ذمار فإن المزروعات تقتصر على محاصيل الأعلاف أو القمح والشعير كمحاصيل حبوب.
محطة وادي عرش
ليس سكان منطقة البريهي وحدهم من يعانون من مياه الصرف الصحي وإن كانوا المتضرر الأكبر من بقاءها، إلا أن معظم أحياء المدينة هي الأخرى تدفع فاتورة عشوائية ربط الشبكة وهو ما يؤدي إلى طفح المجاري باستمرار.. على سبيل المثال الزائر هذه الأيام لمنطقة وادي عرش على خط شارع الأربعين يكاد يصاب بالغثيان والقيء ولا يستطيع أن يصمد برهة من الزمن، نتيجة الروائح النتنة والنفاذة، وقد يلازمه الصداع يوماً كاملاً عقب عودته إلى المنزل.. أما الساكنون فليس أمامهم سوى خيارين: إما الر حيل وإما البقاء وكلاهما مر.. وما زاد الطين بله هو وجود محطة تنقية مياه الصرف الصحي في المنطقة وسط الأحياء السكنية وهي متوقفة عن العمل منذ عامين تقريباً بسبب ردم المناهل القريبة منها والتي حالت دون وصول مياه الصرف إليها، مما أدى إلى فيضانها وتسببها بتنغيص حياة الناس وعدم قدرتهم على ممارسة أعمالهم ونشاطهم اليومي، إضافة إلى أنها شطرت المناطق المحاذية لها شطرين وحالت دون تواصلهم أو وصول أبنائهم إلى المدارس إلا بشق الأنفس وتعرضهم للضرر.
يقول أنور النميري، وهو أحد سكان المنطقة، هذه المجاري بدايتها من ثعبات والمستشفى العسكري وجولة القصر الجمهوري وكلابة والجملة وكلابة الشرقية ومنطقة الخط الدائري وكمب الروس والروضة وهذه المحطة تعمل على تنقية المياه من الشوائب حتى يمر الماء صافياً إلى بقية المجاري لكن هي في الأساس لا تصفى ولا تنظف بل هي سبب خراب المشروع كاملاً.
مضيفاً: الأولى أن ينقلوا هذه المحطة إلى مكان بعيد، لأنها مضايقة للسكان بسبب كثرة البعوض، حتى أنهم يضطرون إلى إحراق العجلات المطاطية لطردها وهذا في مرحلة الشتاء، فما بالك في الصيف الذي يتزايد فيه البعوض بشكل كبير.
ولفت النميري إلى أن أبناء المنطقة كانوا قد قرروا الاعتصام أمام مؤسسة المياه والصرف الصحي، لكنهم أرادوا إعطاء فرصة للمؤسسة حتى تبدي حسن النية للعمل ورفع الضرر عنهم وتم إبلاغ نائب المدير العام الذي قام بإنزال عمال لإصلاح المناهل.. صحيح أنهم نزلوا، لكن العمل لم يكن بالشكل المطلوب وما يزال الوضع كما هو عليه ـ على حد قوله.أما محسن سعيد، أحد العاملين في المحطة، فيشير إلى أن المحطة متوقفة منذ ثلاث سنوات بسبب إلقاء الحجارة عليها إضافة إلى أن تصميمها فيه أخطاء وهي ليست كمحطة عصيفرة، فعمقها كبير جداً يصل إلى ثلاثة أمتار ولا نستطيع تنظيفها.
سرقة مياه المجاري
بدوره أشار المهندس/محمد الأديمي ـ نائب مدير عام مؤسسة المياه والصرف الصحي للشؤون الفنية، إلى أن المؤسسة تقوم حالياً بإصلاح شبكة الصرف الصحي في كلابة وصولاً إلى منطقة وادي عرش على خط الأربعين.. وأرجع عملية التأخير في إصلاح شبكة مجاري منطقة وادي عرش إلى ما اسماه قيام مسلحين منذ عام بفتح أغطية المناهل ورمي الحجارة فيها، مما أدى إلى انسدادها وطلت المؤسسة مع هؤلاء بين كر وفر.
وأضاف الأديمي: نحن الآن في إطار إصلاح الشبكة إذا سمحوا لنا بفتح السيفون الرئيسي في منطقة عصيفرة، حيث لم يسمح لنا بفتح هذا السيفون الذي يفرغ رواسب الصرف الصحي منذ ثمان سنوات بحجة قربه من منازل المواطنين، حيث استخدم المواطنون السلاح ضدنا والأصل أن يتم فتحه كل عام.
وفيما يتعلق باستخدام المزارعين في منطقة البريهي لمياه الصرف الصحي يشير نائب مؤسسة المياه والصرف الصحي إلى أن المؤسسة منعتهم منعاً باتاً، إلا من بعد عملية المعالجة يمكن أن يستخدموها للأشجار الحرجية والأشجار عالية السماء، لكن لم نستطع منعهم وكما أعلم ومنذ 23سنة وهم يسرقون من مياه المجاري وقد أبلغوني إذا لم أسمح لهم بأخذ مياه المجاري فإنه ستحدث لهم كارثة، لأن معيشتهم مرتبطة بالمجاري، حيث يزرعون ثلاث مرات في الموسم.. وكما تلاحظ أن منطقة البريهي هي المنطقة الخضراء طوال السنة نتيجة استخدام مياه الصرف الصحي.
ويعتقد الأديمي أن ثمار المزروعات التي تنمو على سطح الأرض هي التي تتلوث عكس المزروعات التي تنمو فوق سطح الأرض أو ما تسمى ثمار عليه، هذه لا تضر شرط أن تجفف وتسقى من مياه المجاري بعد المعالجة.. مؤكداً في ذات الوقت أن الآبار القريبة من محطة المعالجة تتعرض للتلوث وأن المواطنين في تلك المنطقة لا يستخدمونها للشرب بقد ما يستخدمونها للاستهلاك المنزلي.
مستدركاً بقوله: المؤسسة كانت قد حفرت بئراً في المنطقة وهي نظيفة ومعقمة ودرجة حرارتها بحدود40 درجة، حيث سيقوم المجلس المحلي بإنشاء الخزانات، فيما سيتكفل الصندوق الاجتماعي بعمل الشبكة والعدادات ـ.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد