كثيراً ما يقال بأن أقسام الشرطة تبذل جهوداً كبيرة لمواجهة التحديات الأمنية.. وتجد غالبيتها تعاني من قلة التجهيزات في زمن التكنولوجيا، وتبقى بمثابة مشاهد قديمة “ متاحف” إذ أعترف تقرير حكومي العام الماضي مؤكداً جوانب القصور؛ ومرجعاً أسبابها إلى جملة من العوامل على رأسها شحة الإمكانات المادية... وبرغم المحاولات التي يبذلها القائمون عليها من ضباط وأفراد لشق طريقهم إلى الأداء الجيد وسط الصعوبات ومعانات المواطنين وشكاويهم الكثيرة، وتظل الأكثر أهمية هو توفير الإمكانات للبنية التحتية المتكاملة لتك الأقسام ومراكز الشرطة التي وجدت لخدمة المواطن وحفظ الأمن، وتظل هناك مشكلة أخرى في ربطها بمنظومة معلومات واتصالات والارتقاء بها عبر التنظيم والتأهيل والتدريب لبناء مضمون لنظام قادر على ضبط الأمن في عالم متطور تواكب فيه العصر.
الرئيس يوبّخ الشرطة
قبل حوالي نصف شهر ويومين وبّخ الرئيس عبدربه منصور هادي أقسام الشرطة التي تتقاضى أجراً من المواطنين اللذين يلجؤون إليها، وشدد الرئيس على منع جباية أي مبالغ مالية من أي مواطن يتقدم إلى أقسام الشرطة وإدارات الأمن كأجور مقابل ضبط غريمه أو المعتدى عليه أو على أملاكه.
وأكّد هادي في كلمةٍ له في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثاني والعشرين لقادة وزارة الداخلية التي عُقدت بصنعاء أن على أجهزة الأمن وأقسام الشرطة أن تقف مع المعتدى عليه أو الشاكي الذي لجأ إليها باعتبارها السلطات التي من شأنها إنصافه وليس ابتزازه وطلب الأجور منه وأن تعمل على ضبط المتعدي وإحضاره وتقديمه للنيابة والقضاء ويمنع تماماً على رجال الأمن أخذ أجرة أو أتعاب نظير أدائهم واجبهم وممارستهم سلطاتهم.
وقال الرئيس: إن روح التفاني والتضحية والفداء التي يبذلها منتسبو الأجهزة الأمنية ومعهم إخوانهم منتسبو القوات المسلحة تفرض على الجميع، مسؤولين ومواطنين، الوقوف بإكبار وإجلال وتقدير واحترام أمام هؤلاء الرجال الذين بجهودهم وإخلاصهم تمكّن الوطن من التغلُّب على مثيري الفتن والقلاقل والتخريب والحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته الوطنية المباركة.
وشدّد الرئيس على قيادة وزارة الداخلية وجهازي الأمن السياسي والقومي القيام بالتعقيب المستمر والتفتيش المفاجئ على إدارات وفروع الأمن بالمحافظات والمناطق الأمنية والتحقُّق من الجاهزية المطلوبة سواء لدى الأفراد أو المعدات والرفع بالمقصرين أو المتهاونين سواءً كانوا من القيادات أو الضباط أو الأفراد؛ ليتم محاسبتهم واستبدالهم بعناصر ملتزمة بالانضباط والتواجد والجاهزية التي تُمكّن من تنفيذ المهام والواجبات بكل نجاح واقتدار وتُقلل من حدوث الخسائر في صفوف أفراد ومنتسبي الأجهزة الأمنية وضبط المجرمين ومثيري أعمال الشغب والقلاقل الأمنية.
وأكد أن على كل مسؤولي الأجهزة الأمنية التحلي بروح المسؤولية واستشعار الأمانة المُلقاة على عاتقهم في الحفاظ على أمن المواطنين وحرياتهم وممتلكاتهم من أي اعتداء أو امتهان أو غيره.
وقال الرئيس: "إنني ومن هنا أوجّه قيادة الوزارة على الاهتمام بمنتسبي الأجهزة الأمنية كافة, من ناحية التدريب والتأهيل والحقوق والترقيات والمظهر والهندام والغذاء والمكافآت والأجور وبما من شأنه تحسين ظروف ومعيشة منتسبي هذا الجهاز الحيوي الهام، وأوجّه الوزارة بوضع خطط سنوية ودورية للنهوض بمستوى الأجهزة الأمنية ومنتسبيها بشكل عام وبما يوصل إلى الهدف المنشود وهو الأداء الأمثل لهذه الأجهزة، كما أوجه الحكومة ووزارة الداخلية بالنظر لجانب السجون والإصلاحيات بإيلاء هذا الجانب اهتماماً خاصاً, وذلك بما يؤدي إلى تخفيف تكدُّس السجناء في العنابر وإيجاد أماكن أكثر اتساعاً وتنظيما لهم وفصل السجناء الخطرين عن السجناء العاديين وفصل القاصرين في إصلاحيات خاصة وتوفير الخدمات الأساسية والضرورية في السجون من المحلقات الصحية والورش والمعدات التي تساعد على تقديم الفائدة والتأهيل للسجناء حتى يعودوا مواطنين صالحين يستفيد منهم المجتمع".
وأضاف: "ومن هنا أوجّه الحكومة بالشروع الفوري في إجراءات إنشاء الرقم الوطني والسجل المدني، فمن المعيب أن بلداً كبيراً مثل اليمن بتعداده السكاني الذي يقارب الخمسة وعشرين مليون نسمة لا يوجد فيه سجل مدني برقم وطني حتى الآن .. فكما تعلمون أن وجود الرقم الوطني سيحل الكثير من مشكلاتنا الأمنية والإدارية والمالية وسيضمن نزاهة العمليات الانتخابية وسيجفف الكثير من منابع الفساد الموجودة في الأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية.. لذلك فعلى الحكومة البحث فوراً عن تمويل لهذا المشروع الحيوي والشروع في إنجازه وفق أعلى مواصفات الشفافية والكفاءة".
بالنسبة للمواطنين الذين التقيناهم يؤكدون بأن الأمر لا يقتصر على النقص في الإمكانات فقط، فهناك من يرى اسماً آخر لقسم الشرطة، ويربط بعضهم الآخر بين القسم والابتزاز، وتتفق غالبية الآراء على تأثر عمل أقسام الشرطة بولاءات وانتماءات لأحزاب أو شخصيات نافذة، بينما تشير تلك الآراء إلى عدم فعالية أساليب أقسام الشرطة في مكافحة الجريمة، وعدم تحركها السريع، ويبدو أن إيجاد مقر قسم الشرطة هو أمر ليس سهلاً، فمثلاً سألنا أحد المواطنين عن موقع قسم الشرطة في إطار منطقته أستغرب من سؤالنا أولاً ثم أشار إلى موقع قيل لنا بأنه كان موقع سابق للقسم قبل نقله..
في البداية تحدث المواطن- محمد علي عن حكايته مع أحد أقسام الشرطة، فأشار إلى أن العسكر رفضوا الخروج لإحضار غريمه بحجة عدم توفر المواصلات، ويذكر أنه بعد أن دفع مقابل مواصلاتهم خرجوا معه ولم يجدوا غريم لعدم جمع المعلومات عن مكانه.
وبحسب ادعائه وكذا ما يجزم فيه المواطن قائد حسب قولهما يتم تسهيل هروب المطلوب من خلال تنبيهه قبل الخروج للقبض عليه أحياناً لوجود علاقات تنشأ بين بعض العساكر والمطلوبين.
الكثيرين يرون بأنه يجب تدوير المسؤوليات للمدراء والمساعدين بين الأقسام كل فترة، مُنتقدين في الوقت نفسه الممارسة الخاطئة والجباية في بعض الأقسام دون القيام بدورها، ويشير معظم الناس إلى التباطؤ في إحالة الأطراف إلى النيابات، والتعامل مع البلاغات مع قصر المعلومات.
التستر بنافذين
أما صلاح وهاني الأصبحي، فيرون أن “ دور الأقسام يكاد يكون معدوماً وتدهور هذه الأقسام كثيراً الثلاث السنوات الأخيرة مفسرين ذلك “بخشية أفراد الأمن من مخاطر الوضع الأمني المتردي” وهو أمر طبيعي بمفهوم أولئك المواطنين كون ذلك” يقود إلى صعوبة مطاردة المطلوبين في ظل تزايد انتشار السلاح، وخصوصاً في حال تسترهم بحماية شخصيات نافذة” وطالب المواطنون بزيادة أعداد أقسام الشرطة ورفع قدرات أفرادها بالتجهيزات الأزمة وترفع أفرادها عن الرشاوى والتعسفات الخارجة عن القانون.
قصور القانون
وطبقاً لما يؤكده قانون رقم “15” لسنة 2000م بشأن هيئة الشرطة، فإنه يجب على رجال الشرطة” العمل على الوقاية من الجريمة ومكافحتها والبحث عن مرتكبيها والقبض عليهم وفقاً للقانون” ومن صلاحيات الشرطة في سبيل أداء واجباتها بحسب القانون” التحفظ الإداري بما لا يزيد على أربع وعشرين ساعة على الأشياء التي تؤدي إلى الإخلال بالنظام والأمن العام أو تعكر السكينة” ومطاردة المجرمين الهاربين من العدالة والقبض عليهم” وقانونياً يرى أحد ضباط الشرطة” يفضل عدم ذكر اسمه “ أن هناك قصوراً قانونياً يقيد عمل الشرطة في التعامل الحازم مع المطلوبين ويتمثل بعدم النقص الصريح على حماية أفراد الشرطة من المخاطر أثناء أدائها عملها”.
انتهاكات
من ناحيته أشار القانوني فهيم المنيفي إلى عدم التزام أقسام الشرطة بالقانون، موضحاً” بأنه تحصل فيها انتهاكات كتقييد الحريات لكثير من الناس” .
معتبراً أن أداءها عن الحيادية بدرجة “تنفير المواطن من اللجوء إليها” بعد أن “ صارت مرتعاً خصباً لأصحاب النفوذ لتصفية حساباتهم مع خصومهم”.
وهناك أوجه قصور ـ كما يلخصها المحامي المنيفي ـ ومنها “عدم إدراك القائمين على الأقسام للدور المناط بهم، وغياب الوعي القانوني والمعرفة اللازمة، بالإضافة إلى نقص الإمكانات وعدم الرقابة وعدم الاعتماد على الكفاءة”.
مشيراً إلى أنه حصل تغيير طفيف عقب ثورة الشباب، لحظه الناس من خلال المعاملة الإنسانية التي كان يقابلهم بها ضباط وأفراد الأقسام” يستدرك أن ذلك “ لم يدم طويلاً حتى عاد الحال إلى ما كان عليه سابقاً”، لغياب دور الرقابة والمحاسبة.
أوجه قصور
كما يذهب تقرير حكومي صدر مؤخراً إلى أن سبب القصور “هو نتيجة جملة من العناصر تشمل شحة الإمكانات المادية والتقنية والمتمثلة في البنية التحتية والآليات ووسائل العمل الأمني وضعف التدريب التخصصي والإعداد المهني” ويشير إلى الضعف في جمع وتحليل واستخدام المعلومات وانعدام الحوسبة وتكنولوجيا العصر”.
ـ وفي سياق متصل يتحدث حقوقيون عن جوانب أساسية من القصور” تبدأ في عدم الترتيب للوضع بشكل عام في أقسام الشرطة مروراً بنقص يتمثل في البنى التحتية من حيث عدم توفر المقر المناسب، ونقص في الإمكانات من حيث الأطقم والأسلحة والأفراد” وهو ما يعيق التحرك السريع لمهمة يبلغون فيها.
إذا نظرنا إلى دول العالم، فإن التعامل مع القضايا المستعجلة كالقتل مثلاً، يتطلب أفراداً متخصصين لمطاردة الجناة والمجرمين والمافيا بوسائل كالطائرات وما يلزم من المعدات والأجهزة، أما في بلادنا نجد عسكر الأمن يخرج بالسلاح الخفيف لمواجهة أسلحة ثقيلة أحياناً وهنا قد تجد من يشير إلى أن “ رجل الأمن في بلادنا مظلوم ويعاني معاناة لا يعانيها رجل أمن في العالم وسط مجموعات مسلحة”.
ويحاول القائمين على تلك الأقسام تقييم عملها بالقول: «لا شك أنها في وضع صعب كونها تواجه ثقافة شعبية متدنية، بالإضافة إلى وجود مشايخ مستغلين للظروف يدفعون البلاد إلى دوامة نتمنى الخروج منها»، ما يزيد الحالة سوء هو تزايد اهتزاز الثقة بالدولة من عام لأخر.
حتى أصبحت مناطق في أوساط المدن وأطرافها وفي الأرياف ليس فيها نزوع إلى السلاح، تتجه بشكل أو بأخر لممارسة العنف بعد أن أصبحت أقسام الشرطة فيها لا تمارس مهامها بالشكل الصحيح بل أصبح القائمين (المديرون فيها)عليها لا يتواجدون إلا عند أقصى الظروف وما تأتي إليها من المشاكل يقوم بحلها أفراد أمن ووجاهات اتخذت من تلك الأقسام أوكار لعملها.
بل أن معظم أقسام الشرطة أصبحت تجد صعوبة في حضورها إلى موقع الجريمة والقبض على الجناة، في معظم مناطق الجمهورية.
بل أضحى في معظم المناطق أن هناك عزوفاً في الإبلاغ عن المخالفات من قبل المواطن لتجنب صعوبات أكثر يواجهونها، وهناك شكاوى عديدة من مواطنين يشكون فيها الجباية وتأخير قضاياهم في أقسام الشرطة، بل هناك من يجزم بأن سجونها مليئة بالمحبوسين لأيام بل يصل بعضها لأسابيع، برغم تصرح مدراء أقسام الشرطة المتكرر.. بأن ذلك كان يحصل في السابق من تأخير وأنه لا يوجد لديهم محبوس واحد، ويعملون كل يوم على ترحيل قضايا الناس أو على الأكثر في اليوم التالي إذا كانت القضية مهمة.
وليس غريباً أنك تقف في بعض الأحيان في هذه الأقسام والوحدات الأمنية على تصرفات خارج إطار القانون كــتصرف متعلق بحجز قريب للمطلوب بدلاً من مطاردته و هذا التصرف المرفوض، والمخالف للقاعدة شرعية وقانونية يمارس كعرف للضغط على الأقارب لإحضار الجاني أو المتهم، ويكون أحياناً بتوجيه من المسئول الأعلى، حيث ينتشر هذا الأسلوب والضغط كثيراً في المناطق النائية والأرياف وأطراف المدن.
الأهمية
وفي هذا الحديث نقول أن الوطن للجميع، وندعوهم إلى تقدير الظروف الراهنة، وينوه إلى أهمية دورهم وتعاونهم مع أفراد الأمن كجانب أساسي في الكشف عن المخالفات لتحقيق الأمن والاستقرار.
حملة توعية
وحتى يمكن حل مشاكل المواطنين وعمل اجتماعات لما يجري في الحياة العامة والتنبيه إلى أوجه القصور طبقاً لدراسة في المجال الأمني، فإنه يلزم الاهتمام بإدارة العلاقات العامة بما يفسح المجال لتلقي شكاوى المواطنين وملاحظات الإعلام.
فدور إدارة العلاقات هاماً جداً، ودورها ليس عند المستوى الطموح، بسبب نقص الاعتمادات كما يعلل البعض ولا تتجاوب تلك الإدارات إلا عند أسوأ الظروف لتجد أن ما يسرب أحياناً لوسائل إعلام يظهر بأجهزة الأمن وأفرادها دون توضيح من أحد .
بل لا تجد أي إحصائيات مؤرشفة لدى بحثك عن معلومة في هذه الأقسام، برغم ما نسمعه عن دورات تدريبية بين فترة وأخرى، إلا أن تلك الدورات لا تأتي أوكلها بقدر المبالغ التي يجنونها المتدربون .
استناداً إلى خلاصة آراء بعض الباحثين والخبراء، فإنه يلزم لنجاح رجال الشرطة في أداء مسئولياتهم القانونية والاجتماعية، أن يتم الاهتمام بتثقيف رجال الشرطة بالعلوم والمعارف القانونية والسلوكية والاهتمام بالمراقبة والمتابعة والتفتيش والعمل على تقويم السلوك غير المنضبط من أفرادها.
وتشير بعض الدراسات إلى مجموعة مبادئ يجب على رجل الشرطة الالتزام بها عند خدمة الجمهور ومنها: اتباع اللياقة وحسن الاستقبال في مراكز الشرطة والاحترام المطلق للناس، حظر جميع أنواع التعسف والتمييز والإهانة، والالتزام بالمبادئ والمواثيق التي تتعلق بحقوق الإنسان.
و ضرورة إعداد وتأهيل رجال الشرطة على كيفية التعامل مع المواطنين وتدريبهم على حقوق الإنسان وكيفية اكتساب ثقة المواطن، ويمكن الاستعانة بالجامعات والمنظمات لخلق شراكة حقيقية للنجاح.
وأهمية البحث عن الكفاءات والقدرات ونشر الوعي بين المواطنين لمواجهة الاستقطابات التي تفرض المصالح الخاصة بصورة تصرفات وسلوكيات جاهلية تتصادم مع المصلحة العامة.
خصوصاً وأن أفراد الأمن يواجهون الكثير من المخاطر في ظل نفوذ قوى للأيدي العابثة ما يعني بنظره تعقيد ممارسة الصلاحيات وعن مهمة الأقسام في تأمين المواطنين وتوفير الطمأنينة والاستقرار.
فعمل الأقسام شاق ومحكوم بواقع تتفرع فيه القضايا والمشاكل لأسباب يأتي في مقدمتها المسلحون والمتطرفون الذين يدفعون الناس إلى التسلح تبعاً للولاءات والانتماءات لتبدأ المبارزة داخل المدينة، ما يلقي على كاهل الأمن جهوداً مضاعفة لمنع الفوضى، وتحقيق شيء ملموس للناس.
و في نهاية الحديث نذكر بمقولة: “لا يستطيع الأمن أن يضع جندي أمام كل بيت، إنما يمكن أن تكون الشخصيات الاجتماعية والمواطنين ـ رديفاً لأقسام الشرطة من خلال التعاون على مستوى كل حارة للتصدي للأفعال الخارجة عن القانون.
خلاصة
والخلاصة، تبقى أقسام الشرطة بحاجة إلى إعادة بنائها شكلاً ومضموناً وأداءً ولابد من التأكيد على أن الارتقاء بها والتزامها بالقانون والحيادية في عملها كان وسيظل أمل المواطنين في الاستقرار.. فمتى يصلح أوضاعها لتلبي رغبت الناس.
حملة "خَلّي رزقك حلال".. لمكافحة الرشوة في الأجهزة الأمنية
أواخر العام الماضي بدأ عشرات النُّشطاء والمتطوعين في بلادنا تنفيذ حملة لمكافحة ظاهرة الرشوة داخل أجهزة ومرافق الدولة، والتوعية بمخاطرها على البلد باعتبارها ظاهرة سلبية تُدمّر المجتمع وقِيَمه، والتأكيد أنها "جريمة" يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة.
ويستهدف النشطاء بحملتهم الموظفين من ضباط وعناصر الشرطة العاملين بمرافق وزارة الداخلية في العاصمة صنعاء كمرحلة أولى، كما ستكون مؤسسات وزارة العدل من نيابات ومحاكم هدفهم في المرحلة الثانية.
بعد أن كان تقرير استطلاعي صدر عن منظمة الشفافية الدولية، وأفاد بأن اليمن تصدّر قائمة البلدان العربية في تفشّي ظاهرة الرشوة، كما حل في الترتيب الثالث عالمياً بعد دولتي سيراليون وليبيريا.
وتحدّث التقرير أن 74% من المستطلعين أكدوا أنهم دفعوا رشوة خلال الأشهر الـ12 الماضية، وأن أكثر المؤسسات التي تطالب المواطنين بدفع الرشوة هي مراكز وأقسام الشرطة، تليها مؤسسات القضاء.
مخاطر الرشوة
ورغم أن الرشوة ظاهرة متفشية ومستعصية؛ فإن الحماس والتفاؤل يبدوان بوضوح على النُّشطاء الذين شرعوا في حملتهم التوعوية ، وبدأوا بمؤسسات تتبع وزارة الداخلية رافعين شعار "خلي رزقك حلال"، في دعوة مباشرة للموظفين وأيضاً المواطنين إلى تجنب الرشوة.
وقال عز الدين الأصبحي رئيس المجموعة اليمنية للشفافية ونائب رئيس الاتحادية الدولية لحقوق الإنسان: إن الحملة تسعى إلى تسليط الضوء على واقع الرشوة المتجذرة في المرافق التابعة لوزارتي الداخلية والعدل، لكون الوزارتين الأكثر ممارسة لظاهرة الرشوة في اليمن.
وأضاف: إن الحملة تهدف إلى زيادة الوعي المعرفي لدى الموظفين في هذه الجهات ولدى المواطنين بمخاطر الرشوة على المجتمع وعقوبة ممارستها في القانون اليمني، وأهمية التبليغ عن أي واقعة رشوة تحدث.
وأكد الأصبحي أن مكافحة الفساد قضية المجتمع والدولة، معتبرا أنه لا يمكن الانطلاق إلى المستقبل وإحداث التنمية والنهوض بدون مكافحة الفساد المالي والإداري من أجهزة ومرافق الدولة.
سياسة ممنهجة
وفي هذا السياق يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء عبد الباقي شمسان أن الفساد في أجهزة الدولة من القضايا ذات الأولوية التي ينبغي معالجتها، وأيضاً محاربتها على مستوى الوعي المجتمعي.
ولفت إلى أنه من خلال دراسة مسحية أجراها قبل سنوات بشأن قبول المنظومة القيمية المجتمعية للفساد، كانت النتائج تشير إلى أن الفساد أصبح عميقا ومتجذّرا وفي أخطر أشكاله.
ورأى شمسان أن الرئيس السابق اتّبع سياسة ممنهجة لتعميم الفساد في الدولة حتى يحدث قبول مجتمعي للفساد، وخاصة لدى النخبة الحاكمة، "لذلك لم تشهد فترة حكم صالح التي امتدت 33 عاما تقديم أحد الفاسدين للمحاكمة".
وقال: إن إيجاد بيئة قابلة للفساد المالي والإداري من رشوة ومحسوبية واختلاس، يجعل من الفساد الأكبر - من نهب الثروات واحتكار المشاريع الكبرى وعمولات الصفقات الاستثمارية- مقبولاً مجتمعياً، خاصة أن من يقوم به هم المسؤولون الكبار في السلطة.