أزمة الميآة في اليمن ..تدآعيات كارثية

2014-03-20 08:01:20 أخبار اليوم/ملف خاص


تعتبر اليمن من بين عشر دول تعاني شح المياه في العالم والأفقر من حيث الموارد في الشرق الأوسط, فقد أصبحت أزمة المياه خطراً حقيقياً يهدد أجزاء الوطن؛ وذلك بسبب زيادة عدد السكان وانتشار زراعة القات الذي أدمن اليمنيون على مضغ أوراقه اليانعة, وفي الأعوام القليلة الماضية بدأ الناس يعانون من ندرة المياه في العديد من الحافظات والتي أيضاً مهددة بالجفاف، هذه المناطق تشمل: لحج، عمران، تعز، البيضاء، وحجة، وهي تشهد أشد أزمة مياه، وقد أثرت سلباً على حياتهم ودفعتهم إلى ترك منازلهم والهجرة إلى مناطق أخرى بحثاً عن الماء.. في اليوم العالمي للمياه, الذي يصادف اليوم 20 مارس يحتفل اليمن بواقع مائي مشهده مقلق وتداعياته كارثية..
أزمة المياه في اليمن.. تداعيات كارثية


العاصمة..

بالرغم من أن العاصمة صنعاء ليست ضمن المحافظات المصنفة بأنها تعاني أشد أزمة مياه، إلا أنه بسبب عدد السكان المتزايد فيها والذي يقارب 3 ملايين نسمة، والتوسع العمراني الذي تشهده العاصمة، مهددة بأزمة مياه كبيرة وشيكة في المستقبل القريب.. فمعظم سكان العاصمة تقريباً لا يحصلون على كميات كافية من المياه من المشروع العام الذي يصل إلى المنازل مرة كل عشرة أيام، مما يضطرهم إلى شراء المياه من الخزانات المحمولة بالحافلات والمعروفة باللهجة المحلية "بالوايتات" والمنتشرة حول المدينة لسد احتياجاتهم اليومية.

 هذه الوايتات تجلب المياه من الآبار المحفورة عشوائياً في حوض صنعاء, أما بعض العائلات فتدفع أطفالها لإحضار المياه من المساجد والآبار القريبة من منازلهم.

أما هذه الآبار العشوائية التي تهدد حوض صنعاء فهي أيضاً مهددة باستخدامها في ري أشجار القات, ووفقاً لما قاله الدكتور/ جيرهارد ليشتنثلر -مدير إدارة الموارد المائية المشتركة في منظمة التعاون الفني الألماني في اليمن-، فإنه يوجد 13500 بئر عشوائية في حوض صنعاء، وقد حفرت خصيصاً لري أشجار القات التي تستهلك تقريباً 80-90 بالمائة من المياه وهي حصة الأسد تقريباً, في حين أن مؤسسة المياه والصرف الصحي تملك 125 بئراً في حوض صنعاء ثلثها محفور بعمق 1000م لإمداد الناس بالمياه. وبالرغم من ذلك فإن سكان المناطق العمرانية الحديثة والتي تبعد عن وسط المدينة لا تصل إليهم إمدادات مياه المشروع وإنما يعتمدون على مياه الوايتات للتزويد بالمياه.

 ومع أن أصحاب الوايتات والآبار يحصلون على عمل مربح من بيع المياه للسكان حول المدينة، إلا أنهم يخشون فقدانها في المستقبل القريب نتيجة ندرة المياه و الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الناس.
عمران..

سكان ريف محافظة عمران معاناتهم أكثر من سكان المدن، بسبب شح المياه الشديد، ونقص الخدمات العامة, فالناس في المناطق الريفية لا يجدون الماء الكافي لاحتياجاتهم اليومية، والبعض يقضي حاجته في العراء ليوفر الماء لاستخدامات أخرى, قرية "هجرة المنتصر" في ناحية "بني يزيد" حيث يعيش 700 نسمة تقريباً ويعتمدون كلياً على بئر صغيرة في قاع القرية الجبلية فحول هذا الحوض يتجمع العديد من الأطفال والنساء لانتظار دورهم في الحصول على كميات قليلة من الماء في أوعية صغيرة.

وبسبب القلة التدريجية لمياه البئر بدأ الناس ينظمون استخدامهم للماء بحيث تحصل كل عائلة تتكون من ثلاثة أشخاص على 20 لتراً فقط، وهذا يعني أن العائلة بكاملها سوف تستهلك 20 لتراً فقط في اليوم.

 القرى المجاورة قد تكون الأوفر حظاً من تلك حيث قامت الحكومة ببناء سد للشرب والاستخدامات المنزلية الأخرى، ولكن الصراعات تحدث هنا بسبب رغبة بعض مزارعين القات بريه من السد، وأجبر مزارعي القات على سقي أشجارهم بمياه الوايتات التي يصل ثمنها إلى 10000 ريال للواحد، وبعضهم تفهم مشكلة قلة المياه واستنزاف الآبار وأقلعوا عن زراعة القات, ويحذر خبراء من استنزاف مياه حوض عمران وسرعة استهلاك المياه الجوفية.
تعز..

المياه في تعز ولحج هي الأقدم من نوعها في البلاد حيث كانت قد بدأت المشكلة مطلع التسعينيات في مدينة تعز ومطلع السبعينيات في ريفها, الآن المشكلة تحولت من سيئ إلى أسوأ، وأصبحت غير محتملة؛ لأن إمدادات مشروع المياه يصل إليهم يوم واحد فقط في الشهر أو كل أربعين يوماً، وفي هذا اليوم يقوم الناس بتعبئة خزانات المياه المتواجدة على أسطح منازلهم وأيضاً جميع الأوعية المتوفرة في مطابخهم ودورات مياههم.

 ولكن للأسف فهذه الخزانات والأوعية لا تكفي حاجاتهم طوال الشهر؛ لأن بعضهم قد يستهلكه في أسبوع والبعض الآخر في أسبوعين، وبعد ذلك يلجؤون لشراء الوايتات.

 هذه الوايتات مكلفة جداً وقد تشكل عبئاً ثقيلاً على ذوي الدخل المحدود مثل الموظفين الذين يتقاضون رواتب زهيدة لا تكفي لإعالة أطفالهم. وبالنسبة للعائلات الفقيرة فالمأساة أعظم وأكبر، حيث تدفع هذه الأسر بأبنائها لجلب المياه من الساجد والآبار القريبة, وفي ريف تعز حيث أزمة المياه هي الأشد من نوعها والمعاناة أقسى بالنسبة للفتيات والنساء اللاتي أعتدنّ على جلب المياه بأنفسهنّ من الآبار البعيدة وقيعان الوديان, ويوجد العديد من الأسباب وراء استنزاف المياه في تعز، وأهمها زيادة عدد السكان والتوسع العمراني الذي تشهده المحافظة مع محدودية مصادر المياه فيها. وتعتمد المدينة على ثلاث أحواض مائية وهي: الحيمة، وادي الضباب، والحوبان، وهي تزود المدينة بـ17000 متر مكعب يومياً، ولكن الاحتياج اليومي للسكان من المياه هو 56000 متر مكعب، وهذا يعني نقص 26000 متر مكعب من الاحتياج".
لحج..

بدأت محافظة لحج تعاني أيضاً من ندرة المياه خاصة في المناطق القريبة من محافظة تعز حيث المنسوب السنوي لهطول الأمطار هو فقط 50 م، فالمحافظة تعتبر الأكثر معاناة من قلة المياه في الجمهورية.

 فمثلاً في منطقة القبيطة التي كانت تعود لمحافظة تعز قبل أن تنظم إلى مدينة لحج عام 1999م هي أكثر مديرية متأثرة بأزمة المياه في المنطقة، فقد بدأ بعض الأهالي في هذه المديرية بالهجرة وتركوا منازلهم بعد أن بدأ الجفاف يهددهم. ووفقاً لمصادر محلية فإن من ترك منزله لا يستطيع حتى العودة إليه ليقضي الإجازة الصيفية، بسبب مشكلة المياه. مشكلة استنزاف المياه في القبيطة بدأت في الثمانينيات عندما كان الناس يعتمدون على مياه الآبار والصهاريج وخزانات المياه التي تحصد وتجمع من مياه الأمطار كمصدر لمياه الشرب والاستخدامات المنزلية الأخرى.

 ومنذ فترة قصيرة، أصبح الناس يجلبون الماء من المناطق البعيدة حيث تتوفر الآبار بكثرة، فقد استخدموا الحمير والسيارات وأيضاً المشي على الأقدام في أسوأ الحالات، ولكن بعد جفاف هذه الآبار بدأ الناس يذهبون إلى آبار أبعد بالاعتماد على السيارات أو الشاحنات والتي تكلفهم نقود أكثر، فثمن الجالون الواحد يساوي 100 ريال يمني.

 الجفاف في هذه المناطق أثر سلباً على الثروة الحيوانية، مما أدى إلى انتشار الفقر بين السكان المحليين, هذه الأزمة ليست محصورة فقط في منطقة القبيطة، بل بدأت في الامتداد إلى: طور الباحة، النوسيمية، الميلة، ويافع.

 وبالرغم من أن القات، الذي يستهلك الجزء الأكبر من المياه، لا يزرع في هذه المنطقة؛ إلا أن هناك 300 بئر حفرت للاستخدام المنزلي ولري أشجار المانجو التي تشتهر المحافظة بزراعتها، وهذه الأشجار تستهلك أيضاً كميات كبيرة من المياه.


مشكلة مزمنة

يعتبر الحصول على المياه والصرف الصحي من المشاكل المزمنة في اليمن، حيث يحصل كل مواطن يمني في المتوسط على حوالى140 متراً مكعباً فقط من المياه سنوياً لجميع الاستخدامات.

 (يبلغ المعدل المتوسط في الشرق الأوسط حوالي 1,000 متر مكعب للشخص الواحد في السنة). وكانت حكومة الرئيس السابق، علي عبد الله صالح قد اتخذت خطوات لتحسين الحصول على المياه في اليمن في السنوات الأخيرة، ولكن الاضطرابات السياسية التي نشأت بعد انتفاضة العام الماضي دفعت المياه إلى أسفل قائمة أولويات الحكومة الجديدة، وفقاً لعمال الإغاثة وأحد الموظفين الحكوميين.

وعلى الرغم من أن الوضع المائي في العديد من المدن وخيم، فإنه أكثر إيلاماً في المناطق الريفية. فوفقاً لآخر مسح أجرته هذا العام الهيئة العامة لمياه ومشاريع الريف حول المياه في المناطق الريفية، يقتصر الوصول إلى إمدادات المياه المحسنة - المياه الجارية، والينابيع والآبار المحمية - على 34 بالمائة فقط من المناطق الريفية، مقابل 70 بالمائة من المناطق الحضرية. وتقضي النساء الريفيات معظم أيامهن في التنقل لعدة كيلومترات على طرق غير معبدة للوصول إلى الآبار القليلة التي لم تجف بعد. كما يجمع العديد منهن المياه من الجداول التي لوثتها النفايات، ويحاولن التخلص من تلك النفايات بطرق ترشيح بدائية.

ويتفق الخبراء على أن العواقب ستكون وخيمة، إذا لم تتخذ القيادة اليمنية إجراءات فعالة في وقت قريب.

 وقال مضية: "في خلال 10 سنوات، لن تتبقى لنا سوى الحلول الجراحية، وسيكون ذلك مؤلماً جداً للشعب اليمني. وسوف يضطروا إلى اتخاذ قرارات تتعلق بالبقاء على قيد الحياة، لأن الماء هو الحياة، والماء ضروري للبقاء على قيد الحياة".

خطر المستقبل

تواجه الموارد المائية في اليمن خطراً شديداً على المدى القريب، حتى أن بعض المراقبين يتوقعون أن تنفد المياه في صنعاء خلال عقد من الزمن تقريباً. وذكرت مجلة "فورين افيرس" الأميركية أن الأمور إذا بقيت على ما هي عليه الآن، فإن سكان العاصمة اليمنية، الذي من المتوقع أن يبلغ تعدادهم 4.2 ملايين نسمة عام 2025، سيصبحون لاجئين بسبب جفاف المياه، حيث سيضطرون إلى هجر أراضيهم القاحلة والانتقال إلى أراضٍ أكثر غنى بالمياه.

 ويُعتبر نقص المياه أحد أهم عوامل عدم الاستقرار في اليمن، حيث أن 70 إلى 80% من النزاعات في المناطق الريفية ترتبط بالمياه. وفي مختلف أنحاء البلاد، تُشير تقريرات وزارة الداخلية اليمنية إلى أن النزاعات المرتبطة بالمياه والأراضي ينجُم عنها 4 آلاف قتيل سنوياً تقريباً.

تستهلك زراعة القات ما يصل إلى 40% من المياه التي يتم سحبها من حوض صنعاء كل عام، وهذا الرقم آخذ في الارتفاع.

 ويرجع ذلك إلى أن زراعة القات تستهلك الكثير من المياه، فضلاً عن أن زراعته تزداد بنحو 12% سنوياً، وفقاً لوزارة الزراعة والموارد المائية اليمنية, والنبات لا يعمل فقط على تجفيف حوض صنعاء، بل إنه أدى إلى إتلاف عشرات الآلاف من المحاصيل الحيوية - الفواكه والخضروات والبن - مما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية.

ويميل المزارعون اليمنيون إلى زراعة القات نظراً لانتظام محصوله ووفرته عن المحاصيل الأخرى، ونظراً لضمان سوقه. -ولا عجب في ذلك- فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن ما يصل إلى 90% من الرجال في اليمن يمضغون القات لمدة ثلاث إلى أربع ساعات يومياً, وفي حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة، يُقاس المركز الاجتماعي للعائلة بقيمة القات المقدم للضيوف, وربما يعتقد المرء أن للقات أصولاً ضاربة بجذورها في الثقافة المحلية، لكن شيوع استخدامه ما هو إلا أمر حديث نسبياً.

لكن اليمن لا يستطيع مواصلة استخدام المياه بهذه الطريقة. ففي عام 2011، تجاوز معدل استهلاك المياه من حوض صنعاء معدل إعادة الملء الطبيعي بمعامل خمسة أضعاف. وحتى مع فهم هذه الحقيقة، لم يولِ اليمنيون اهتماماً كبيراً بترشيد المياه, إذ يتم إهدار الكثير من مياه الأمطار السنوية في البلاد البالغ قدرها 68 مليار متر مكعب بسبب سوء الإدارة وعدم كفاية السدود.

 ويكمُن جزء من المشكلة في أن المزارعين مرتبطون بممارسات تساعد على إهدار المياه، مثل الري بالغمر.

 لكن الري بالتقطير يمكن أن يزيد بسهولة من العائد على المياه, ومما يزيد الطين بلة أن سدود البلاد المتحللة تعمل على تسريب المياه التي كان من الممكن استغلالها بشكل مثمر, كما أن الآبار تمثل كابوساً للصحة العامة, إذ أن المياه الجوفية في البلاد أصبحت ملوثة بشكل متزايد جراء تسرب مياه الصرف الصحي.

تقول التقارير: لا شك أن المسؤولين اليمنيين يعلمون أن صنعاء تواجه مستقبلاً قاحلاً. فوفقاً لبعض التقديرات فإن نقل العاصمة، مثلما اقترح البعض، سوف يكلف أكثر من 40 مليار دولار. وسيكون من شبه المستحيل تأمين تلك الأموال. وحتى لو أمكن جمع الأموال، فإن نقل مدينة بأكملها يتجاوز تعداد سكانها مليوني نسمة سوف يؤدي بالتأكيد إلى صراع داخلي. وإن مفهوم الجوار القبلي يمنع في كثير من الأحيان بيع الأراضي لأفراد القبائل الأخرى. ومن ثم فإن نقل ملكية الأراضي إلى سكان صنعاء النازحين البالغ عددهم مليوني نسمة قد يؤدي إلى فوضى.

كما أن نقل المياه إلى صنعاء من مصادر أخرى غير عملي أيضاً، لأن باقي المياه العذبة في اليمن مستخدمة في الوقت الحالي. وبالتالي، فإن نقل المياه إلى صنعاء سوف يتضمن بصفة أساسية سحبها من مناطق أخرى، مما يؤدي أيضاً إلى نزاعات. أما فكرة تخفيف الضغط على حوض صنعاء من خلال خفض الزراعة في المنطقة فقد تؤدي فقط إلى تأجيل المشكلة، لأنه حتى من دون الزراعة، وفي ضوء ممارسات المياه السيئة الأخرى المتبعة في اليمن، فإن نمو السكان سوف يؤدي في النهاية إلى تجفيف الحوض على أي حال.

ويرى الخبراء أنه ينبغي على الحكومة أن تفعل ثلاثة أشياء لتأمين مستقبلها المائي: إبعاد المزارعين والسكان عن القات، تحسين البنية التحتية الحالية للمياه في اليمن، وتوفير مياه شرب جديدة من خلال التحلية, وذلك من خلال تشجيع المزارعين على التحول إلى المحاصيل الأقل استهلاكاً للمياه، مثل التين الشوكي. وفي الوقت الراهن، تقوم الحكومة بدعم الديزل الذي يمثل 80% من تكلفة زراعة القات.

 إن انخفاض تكلفة استخلاص المياه الجوفية لا يعطي المزارعين حافزاً قوياً للتحول إلى محاصيل أخرى أو اتباع ممارسات زراعية مستدامة. كما أن على الحكومة أيضاً أن تُطلق حملة عامة ضد استخدام القات, وتشجيع أساليب الري المحسّنة في جميع المناطق الزراعية - تلك التي تقوم بزراعة القات إلى جانب محاصيل أخرى. كما عليها إلزام المزيد من المزارعين بالري باستخدام مياه الأمطار بدلاً من المياه الجوفية, كما يجب على الحكومة أيضاً الاهتمام بالأنابيب التي تسرب المياه في اليمن، والتي تهدر ما يصل إلى 60% من المياه التي تنقلها.

 استنفاد المياه الجوفية غير المتجددة قد لا يترك لليمن خياراً حقيقياً غير توفير المياه من خلال التحلية, كما أن ضخ المياه المحلاة من المحطات الواقعة بالقرب من البحر إلى صنعاء سيكون مكلفاً، لكن تكاليف بدء التشغيل الثابتة سوف توزع على مدار الوقت وستكون أقل كثيراً من نقل العاصمة.

في البداية، يتعيَّن على الحكومة دعم المياه المحلاة مؤقتاً، بحيث تكون في متناول معظم المستهلكين. ويُرجَّح أن تحتاج الحكومة إلى مساعدات أجنبية من أجل توفير هذا الدعم وتطوير البنية التحتية لتحلية المياه.


أزمة المياه.. أخطر الكوارث على اليمن

تعاني العديد من مناطق اليمن أزمةً حادةً في مياه الشرب والزراعة والاستعمالات الأخرى، يحصل هذا في وقت بات فيه اليمنيون لا يعولون كثيراً حتى على الآبار التي نضب الكثير منها، أزمة المياه في العديد من مناطق اليمن تؤرق الكبار كما تؤرق الصغار، الصغار الذين يتحملون عبئاً كبيراً في جلبها من العيون والينابيع والآبار المتبقية.

اليمن من البلدان التي لا توجد فيها أنهار وتعتمد اعتماداً كاملاً على المياه الجوفية وعلى مياه الأمطار في المقام الأول فكمية الأمطار في المنطقة الوسطى 400-1100 مليمتر أما المناطق الساحلية فلا تزيد عن 100 مليمتر سنوياً. وتعتمد البلاد كلية تقريبًا على نحو 45 ألف بئر تنفد مياهها سريعًا.

وقد قدرت "الرؤية الاستراتيجية لليمن حتى عام 2025"، الصادرة مؤخراً عن وزارة التخطيط، المخزون المائي الجوفي المتاح في كل الأحواض بما يقارب (20) بليون متر مكعب، وطبقًا لمعدل الاستهلاك الحالي فإن اليمن ستستنزف حوالي 12.02 بليون متر مكعب حتى سنة 2010، وهو ما يؤدي إلى أن المخزون لن يكون كافياً إلا لسنوات قليلة.

وكان تقرير حديث أصدرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية الفاو قال أن متوسط حصّة الفرد في اليمن من المياه المتجددة تبلغ حوالي 125 متراً مكعباً في السنة فقط، مشيرة إلى أن هذه الحصة لا تمثل سوى 10% مما يحصل عليه الفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبالغة 1250 متراً مكعباً بينما المتوسط العالمي لحصة الفرد من المياه 7500 متر مكعب.

وأضافت الدراسة أن اليمن من بين أفقر 10 بلدان في العالم في مسألة المياه، وأن مساحة الأرض التي يمكن زراعتها في اليمن تقدر بحوالي 3.6 مليون هكتار أي حوالي 6.5% من مساحة اليمن إلا أنه وبسبب النقص الحاد في المياه فإن إجمالي المساحة المزروعة في اليمن لا تتجاوز 1.6 مليون هكتار أي حوالي 2.9% من إجمالي مساحة اليمن.

وقال التقرير: إن مشكلة المياه في اليمن من أخطر الكوارث التي تهدد البلد كونها من أهم أسباب الفقر لتسببها بحرمان أعداد هائلة من الأيدي العاملة من المشاركة في القطاع الزراعي الذي هو الحرفة الأساسية للمجتمع اليمني.

يذكر أن حوض صنعاء المائي يواجه خطراً مثله مثل حوض تعز في الجنوب وصعده في الشمال، والاستثناء الوحيد هو حوض حضرموت المائي بالشرق، حيث يوجد 10 مليارات متر مكعب من المياه تمثل أضخم مخزون من المياه في البلاد والتي لم تعانِ حتى الآن من الاستخدام العشوائي الذي بدّد موارد مائية أخرى.

وتظهر الإحصاءات الرسمية أن 50% فقط من سكان صنعاء البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة لديهم مياه جارية في منازلهم، بينما تصل المياه الصالحة للشرب في المدن الأخرى لعدد أقل من السكان، في حين لا توجد هذه الخدمة أصلاً في كثير من بلدات الريف وقراه. وتتوقع بعض التقديرات نضوب المخزون المائي لمنطقة صنعاء خلال (10 - 15) سنة.

نضوب المياه في آبار الحيمة أدى إلى أزمة خانقة في مياه الشرب.


 في مدينة تعز منذ منتصف الثمانينات، أكثر من نصف مليون شخص من سكان المدينة أصبحت المياه تصل إلى منازلهم عبر شبكة المياه المحلية مرة واحدة كل 45 يوماً. وعند حفر الآبار الإسعافية داخل مدينة تعز وضواحيها وتشكيلها خفت حدة الأزمة وانخفضت دورة التوزيع للمياه إلى الأحياء داخل المدينة إلى ما بين 15 - عشرين يوم.

ورغم الأمطار الموسمية التي تسبب فيضانات أحيانًا ببعض مناطق اليمن يصنف البنك الدولي البلاد على أنها أحد أفقر دول العالم من حيث الموارد المائية.


مشاكل الأزمة

يفيد المراقبون أن من أهم مشاكل المياه تكمن في استنزاف الموارد المائية نتيجة التوسع في زراعة القات، والقات يعتبر من المحاصيل التي تحتاج كميات كبيرة من المياه للري، فقد توسعت زراعة القات بشكل كبير مما أدى إلى استنزاف المياه الجوفية فقد ذكر خبراء أن ما يصل لأكثر من 60% من المياه المستهلكة في اليمن تستخدم لري محصول القات. ويقدر استهلاك القات من الماء بحوالي (800) مليون متر مكعب سنوياً، وفي أمانة العاصمة صنعاء وحدها تقوم حوالي (4) آلاف بئر بري القات بطريقة غير منظمة؛ وهو يؤدي إلى انخفاض المياه بمتوسط (3 - 6) أمتار سنوياً، وقد ارتفع الطلب على القات في العقود الثلاثة الأخيرة بسبب ارتفاع الدخول (طفرة السبعينيات)والتوسع في حفر الآبار الجوفية؛ مما جعل مضغ القات يتحول من عادة تمارس من حين لآخر، إلى سلوك يومي لدى المجتمع اليمني رجالاً ونساءً.

كما يعد الحفر العشوائي للمياه الجوفية أحد المشاكل المؤدية للأزمة فقد أشار مسئولو المياه والبيئةً إلى أن وزارتهم فشلت في السيطرة على 150 حفاراً يعمل في حفر الآبار الارتوازية للمياه بشكل عشوائي، موضحاً أن هذا العدد ليس إجمالي الحفارات التي تعمل في مختلف المحافظات اليمنية والتي قال أنها تصل إلى أكثر من 950 حفاراً .

إضافة إلى عدم تطبيق استراتيجية إعادة هيكلة قطاع المياه ورفع كفاءته الإدارية, وتوسيع تطبيق اللامركزية المالية والإدارية في إدارة السياسات المائية بمعنى عدم وجود سياسة مائية واضحة. وعدم استخدام البدائل المتاحة والتي يمكن أن تخفف من ضغط استنزاف المياه (مياه الصرف الصحي وكذلك تقنية تحلية المياه المالحة). والهدر والمبالغة في استخدام المياه سواء في الجانب الزراعي أو المنزلي أو الاستخدامات الأخرى. وقلة عدد السدود والحواجز المائة المنتشرة في أرجاء البلد والتي تستخدم لأغراض حيوية عديدة في الزراعة وغيرها من الاحتياجات وهذه السدود والحواجز تلعب دور حيوي وهام فهي تغذي المياه الجوفية. وعدم إدراك بعض المواطنين بأهمية التعاون مع الجهات المعنية للتخلص من هذه المشكلة التي تهدد أمن واستقرار البلد.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
رئيس منظمة الأسرى: الحوثيون حوّلوا السجون إلى "شركات استثمارية" ويُفشلون المفاوضات

في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد