انعدام للخدمات الأساسية.. لا ماء.. لا كهرباء.. لا طريق.. لا صحة..

موجوعة في سفوح الجبال.. القبيطة بلحج تستغيث

2014-05-07 15:53:00 أخبار اليوم/ علي الصبيحي

للموت أصناف وأشكال في مناطق القبيطة الجنوبية بمحافظة لحج, وللحرمان والمعاناة ألوان، قد لا تخطر حتى على خيال رسام، فهناك من مات متعثراً بطريق.. وآخر يموت بسبب حمى، وطريح الفراش مات نتيجة إهمال، وامرأة تلقى حتفها بسبب تعسر ولادة، وآخرون ضحايا مياه ملوثة، ومقعدون حبستهم الإعاقة، وفقراء معدمون ينتظرون قطر السماء، أجيال تحلم بمدرسة وشيوخ يتوقون لمحراب يتعبدون الله فيه، وكادر منسي مصادر الحقوق ومواطن يبحث عن هوية ضائعة بين الشمال والجنوب.. تلكم هي قبيطة الجنوب, الجميع فيها يحكي قصة حرمان ويتجرع مرارة الخذلان وهم من كان منهم ولا زال السفير والوزير والسياسي والقائد والثائر وسعادة المستشار.


تتكون مديرية القبيطة من 4 عزل ـ الهجر هذلان ـ اليوسفيين ـ كرش ـ القبيطة ( الرماء ـ توجان ـ النوحية ـ المداكشة ـ سوق الخميس)..

والمداكشة هي 28 محلة وقرية تتبع مديرية القبيطة محافظة لحج وتقع جنوب مركز المديرية وتمتد من أطراف النوحية شرقا وحتى شعب السوق غرباً ومن السفح الشمالي الغربي لجبل إلياس وحتى وادي السحر جنوباً يحدها من الشمال منطقة الرماء ومن الجنوب وادي تقار الصبيحة) وتبعد عن مركز المديرية بحوالي 30 كم وعن مركز المحافظة حوالى 70 كم.

رحلة الغرب

باتجاه الغرب نتوغل في الشريط الساحلي, ثم خط الرجاع طور الباحة, ثم القبيطة الجنوبية.. تلك وجهتنا في رحلة سفر انطلقت في الخامسة والنصف صباحا من عدن, يصحبنا العقيد/ ناصر علي إبراهيم القباطي, بمعية ولديه اللطيفين "مهران ومروان" وما أن تجاوزنا منطقة الرجاع حتى بدأت مركبة العم ناصر تداعبنا ببعض المزاح غير اللطيف, معلنة التوقف عن الحركة دون سابق إنذار وتكرر ذلك طيلة مسافة الذهاب والإياب ولولا فطنة العم ناصر وولده لطبيعة المشكلة لكنا سرنا فيها ليالي وأيام.. اقتربنا من منطقة الفرشة ثم الغول ثم النبوة السفلى والعليا وهذه كلها مناطق تتبع مديرية طور الباحة حتى بلغنا منطقة السحر أول منطقة حدودية بين الصبيحة والقبيطة الجنوبية..

 وفي وادي السحر بدأت تلوح لي أول مشاهد الشقاء الإنساني تراءت لي في تقاسيم وجه امرأة مسنة تفترش حصى الوادي بدا عليها خشونة الملبس والمطعم وتكتحل بنظرات الهم والحسرة وكانت ترقبنا بصمت يحكي همومها وأحزانها وهي تزداد كل يوم ضعفا ونحولا بعد أن نفضت يدها من الرجاء وامتلأت كفاها باليأس ولم أستطع الحديث معها لشدة ما أرهبني صمتها فانصرفت ببصري إلى يمين الوادي وهناك كنت على موعد مع ما تبقى من الذكريات، ذكريات الثوار الأحرار.

أزيز ثائر

(نحن كنا أوائل الثوار ضد الإمامة في العام 1962م ودخلنا حجور الشام وصرواح وخولان وجبل أهر في القفلة, وتمت محاصرتنا من قبل الملكيين يومين وليلة وتمكنا من الخلاص في الليلة الثالثة والنار فوقنا مثل حبات البرد وكان معنا الشيخ/ حمود عاطف وتركنا خلفنا مدفع ثري هنش 82).. هكذا بدأ الحاج/ عبده حسن أحمد- المولود في منطقة السحر في القبيطة ـ بدأ يستعيد ذكريات النضال بوجه متلألئ كالنجم رغم ما به من بؤس.. واستطرد الثائر/ عبده حسن قائلاً: كان معي من أبناء القبيطة الثوار 112 مناضلاً جميعهم من المداكشة ومنهم حسن أحمد وعلي أحمد من منطقة القبل وكلنا كنا نتبع سرية الشيخ/ عبد الله بن حسين الأحمر وكنا نأكل في اليوم الواحد على مدى سنة و6 أشهر ملء الكف دقيق, ثم أكلنا أوراق الشجر من شدة الجوع حتى تحققت الثورة..

صمت الثائر ثم تنهد وأردف: واليوم صارت جمهورية وأصبحنا منسيين في مناطقنا, لم نجد حتى أوراق الشجر لنأكلها من شدة الجفاف.. الوالد المناضل/ عبده حسن القباطي تحصل على وسام (طير) من الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر حينها ـ لكنه حاليا لايملك ما يقتات منه سوى مبلغ 10 آلاف يتسلمها كل 4 أشهر من الشؤون الاجتماعية حسب تعبير القباطي- الذي ختم حديثه بالقول- الشيخ عبدالله رحمه الله لم يذكرنا بعد الثورة طيلة حياته وأولاده لا يعرفون أننا كنا رفقة أبيهم في النضال وأننا كنا نبصق البارود من شدة وطيس المعارك)..

طريق الموت

تقدمنا نحو قرى المداكشة التي كانت متناثرة على سفوح الجبال وهناك استشعرنا حجم المعاناة ونحن نصعد الجبال الشاهقة عبر طريق وعرة المسالك شديدة الإنزالق, لا يأمن الراكب على حياته ولو كان حتى على ظهر حمار, فهي طريق تفتقر للتخطيط حسب الأهالي الذين أوضحوا بأن الطريق تم شقه في العام 83ـ 84 م بتعاون الأهالي ثم تم شق طريق آخر على اعتبار أنه من الدرجة الأولى نفذه مقاول قال الأهالي إنه استفاد من وجود الشق القديم إلا أنه تلاعب بالمشروع وتسبب في تخريب الطريق التي شقه بمعدات بدائية وتركه في حالة سيئة زادتها سوءا السيول مما نتج عنه وفات الكثير من النساء الحوامل اللاتي تتأخر عملية إسعافهن إلى طور الباحة بسبب وعورة الطريق والكثير منهن يضعن حملهن في منتصف الطريق ومنهن من يمتن فيها كما هو الحال أيضا مع كثير من المواطنين الذين لقوا حتفهم في حوادث سير وانقلاب المركبات والبعض منهم من نجا إلا أنه يعيش حبيس الإعاقة كما هو حال الأخ سليم صالح.. فقد ذراعه في حادث انقلاب مركبته من أعلى الجبل .

القبيطة الشمالية

قال أهالي قرى المداكشة إن جغرافية مناطقهم وتقسيمها الإداري يثير الدهشة والاستغراب! وهو ما أشار إليه العقيد ناصر علي إبراهيم القباطي- مدير الورشة المركزية والأسلحة ـ المنطقة الرابعة عدن في حديثه- قال بأن مديرية القبيطة تنقسم إلى قسمين: جنوبي وشمالي ـ القسم الجنوبي أقرب لمديرية طور الباحة ومتداخل مع قرى ـ شعب ـ النبوة ـ الغول ) ولا توجد حدود تفصل القبيطة الجنوبية عن طور الباحة حتى أيام التشطير وعندما توحد الشطران في العام 90 بقت القبيطة الجنوبية في الوسط فلا هي بالتي استفادت من الشمال ولا هي بالمحسوبة على الجنوب وصارت مناطقها معلقة, لافتا إلى أن كل المسئولين لدى زيارتهم للمديرية يصلون إلى الجهة الشمالية ويقولون: هنا تنتهي حدود القبيطة) أثناء صعودنا إلى جبل إلياس الأسفل شاهدنا الطريق الإسفلتي ممتد حتى منطقة القبلة.. ومثله بقية الخدمات بما فيها الكهرباء التي كنا نشاهد نورها ليلا يضيء المنازل المحيطة بالقبيطة الجنوبية من جهة الشمال ومن جهة الجنوب في مناطق الصبيحة ما عدا مناطق المداكشة محرومة منها ومن بقية الخدمات مع أنها لا تبعد عنها سوى 2 كم.

 وعزى العقيد ناصر القباطي أسباب ذلك التهميش إلى غياب من يمثل أبناء القبيطة الجنوبية مبديا أسفه على منطقته التي استكثرت عليها الجهات المسئولة إرسال قابلة وممرضة وسيارة إسعاف ومعلمة موظفة وطريق معبدة ومئذنة وخزان ماء يحفظ شربة ماء.

هموم بحجم الجبال

في قرى المداكشة يلمس الزائر لها معاناة بحجم جبالها إلا أنه ورغم الحياة القاسية تجد في أهلها وعيا ثقافيا وكرم ضيافة وحسن استقبال ومواهب متعددة..

 وهذا آنس عبده لدى سؤالنا إياه عن أحول منطقته تفجرت قريحته شعراً لخص فيه همومها وهو ليس بشاعر ولكنها المعاناة حسب تعبير آنس الذي أشار إلى أن الأهالي يعتمدون على مياه الأمطار الموسمية ولا يستفيدون منها إلا لأيام إذا ليس بها خزانات وسقايات ماعدا عدد قليل قدمها الصندوق الاجتماعي مشكورا وخزان واحد نفذه مكتب الأشغال..

 ولفت آنس إلى أن الوحدة الصحية مفقودة هي الأخرى وأقرب مستشفى للأهالي يوجد بطور الباحة ويحتاج المواطن إلى مبلغ 20 ألف ريال إيجار السيارة ليصل ليسعف مريضه هذا للمقتدر أما المعدم فيموت منوها إلى أنه لا وجود للقاح الاعتيادي الخاص بأمراض شلل الأطفال والحصبة وغيرها حيث لا تصل حملات التطعيم إلى قراهم ماعدا بعض الحملات السنوية منوها إلى أن مناطق المداكشة لا تكاد توجد بها خدمات إطلاقا.

الوباء

الأستاذ عادل علي صالح- رئيس مجلس تعاون قرية جبل الحيد المداكشة- أكد من جهته على أن الأوضاع في قرى القبيطة الجنوبية لا تسر فمن ناحية مياهنا ملوثة وبيئتنا موبوءة ومن ناحية تنتشر فيها الأمراض مثل ( الملا ريا ـ السرطان ـ الديدان ـ الحمى ـ التيفود ـ الالتهابات (عند الأطفال ـ رئوية ـ دم ) السكري ـ الضغط ـ الفشل الكلوي ـ فقر الدم ـ الكبد ـ الإسهال ـ الأمراض الجلدية ـ أمراض الجهاز الهضمي ـ الجهاز التنفسيـ وأمراض الجهاز التناسلي.. وهناك من فقد سمعه بسبب الحمى وآخر من توفي أيضا بل لا حد قابلة لتوليد النساء ولا وحدة صحية موضحا بأن عدد المساكن في قرية الحيد 500 مسكن ويبلغ تعداد السكان 2061 نسمة ويبلغ عدد الأسر المهاجرة حوالى 374 أسرة تركت القرية نظرا لصعوبة العيش فيها بحكم طبيعة قرى المداكشة التي هي عبارة عن سلسة جبلية مكونة من شعاب ومدرجات وجبال أعلى جبل فيها هو جبل القرافيف . 2 كيلو فقط يفصل مناطق القبيطة الشمالية عن الجنوبية والحسرة والندامة أن كل الاعتماد للمشاريع الخدمية يتم باسم القبيطة الشمالية وبقت مناطقنا معلقة ونخشى أن تظل على ماهي عليه حتى في ظل حكم الأقاليم القادمة.

 ونحن من هنا وعبر منبر صحيفتكم التي هي أول صحيفة تسجل سابقة فريدة في نزولها إلى مناطقنا والتي لم يسبق لأي صحيفة ولا وسيلة إعلامية أن زارتها قبل فإننا نناشد كل من له قلب أو يحمل في ضميره ذرة مسؤولية أن ينظر بعين الرأفة لما نحن فيه من عناء أفنى أعمارنا حسرة وندامة وأخفى فرحة الأيام من واقعنا الذي لم يعد فيه ما يبعث السرور.

 

أنين فتاة

صديقة نعمان أحمد ـ عزلة المداكشة ـ طالبة في القسم العلمي المستوى الثاني ثانوي ـ مدرسة الإرشاد.. تذوب حزنا وتتجاذبها تلابيب الحسرة والندم, لماذا صديقة كل هذا الجزع ولما تحرقين فحمة العمر كمدا؟ مدرستي.. مدرستي.. تجيب صديقة والدمع يترقرق في عينيها: مدرستي كل رجائي وكل منعقد آمالي انظر كيف تبدو بدائية المبنى مخيفة متصدعة.. سطح هش يتهاوى نخشى سقوط أحجاره مع كل قطرة مطر تتسرب من بين ثناياه ـ فصول ضيقة يختلط فيها الذكور بالإناث ـ لا نأخذ راحتنا لا سور يحمينا ولا مساحة ولا حمامات ولا يوجد فيها شيء يشبه المدارس وكثير من زميلاتي تركن التعليم بسبب الاختلاط وتساءلت صديقة: لماذا لا نملك مدرسة خاصة بالبنات؟ أين الحريصون على تعليم الفتاة الريفية؟ أين وزارة التربية والتعليم وأين المسؤولية؟ لماذا يبخلون علينا نحن لا نريد ناطحات سحب ولا قصور راسيات؟ نريد مدرسة تكمل فيها تعليمنا أين من يدعون حرصهم على الدين لماذا لا يمنعون الاختلاط؟ أم أن الدين عندهم شعارات فقط؟!..

هكذا بدت صديقة التي قالت إن أمنيتها أن تصبح محامية تدافع عن حقوق المرأة في الريف .تلكم هي صديقة التي تكابد الحياة القاسية لأجل أن تتعلم رغم فقرها فهي خير لها أن تجوع وتظمأ وتلبس الرث القديم في سبيل أن تمسك قلما تسطر فيه أحلامها .

الإرشاد صرح يتهاوى

ثانوية الإرشاد تأسست عام 1956م بأمر من الإمام أحمد الذي خط مرسوما ( تبنى مدرسة ولعن الله من عارض..) تعد أول مدرسة بنيت على مستوى المديرية حسب الأهالي تخرج منها وعمل فيها الكثير من الكوادر من بينهم مستشار رئيس الجمهورية أ ـ محبوب علي حسب الأهالي والهيئة التدريسية الذين أوضحوا أن الفضل بعد الله في استمرار وجود المدرسة يعود للأستاذ/ احمد حيدر- الذي لا ينتمي للمديرية- بل جاء للعمل في المدرسة ومن ثم استقر هناك بينما من ينتمون إليها غافلون عنها.. ويبلغ عدد الطلاب فيها الذكور 170 طالبا الإناث 149 طالبة وتم مؤخرا بناء فصلين فيها على نفقة الأهالي.

 في مدرسة الإرشاد التقينا المدير وهيئة التدريس حيث عبر مدير المدرسة أ ـ محمد قرادي سعيد عن مأساة مدرستهم التي لا تشبه بقية المدارس من جميع النواحي ـ المبنى ـ الفصول ـ نقص المعلمين ـ نقص الكتب ـ اختلاط البنين بالبنات مع ضيق الفصول حيث يوجد من 40 ـ 50 طالبا وطالبا في فصل مساحته متر في مترين, رديء الأرضية..

 لافتا إلى أن مدير مكتب التربية في المديرية على إطلاع بالوضع إلا أنه لا حياة لمن تنادي حسب تعبير قرادي الذي أضاف: لكي أذهب لمقابلة مدير مكتب التربية في مركز المديرية أحتاج إلى 10 آلاف ريال مواصلات ورحلة يوم كامل وقد أجده أولا لافتا إلى عملية نقل الكتب من المديرية تتم بواسطة (الشوالات) وتكلف أجرة نقل الشوالة الجونية 3آلاف ريال بمعنى نقل 5 شوالات يحتاج مبلغ 15 ألف ريال تتحمله المدرسة من قيمة الرسوم عندنا كتب منذ عام 2005م قديمة وتالفة لم نستطع استبدالها بطبعة جديدة.

أذهان تستغيث

(الأذهان موجودة لكن المدرسة معدومة.. متعلمات حاضرات الأذهان مغيبات المكان.. نريد أن نتعلم ولكن أين؟) كل تلك الشعارات رفعنها تلميذات مدرسة الإرشاد للتعليم الابتدائي والأساسي في مناطق المداكشة وهي مدرسة شيدتها جمعية هائل سعيد أنعم مطلع التسعينيات, تفتقر إلى الحمامات.. سطحها متشقق وجدرانها متصدعة يتعلم فيها 110 تلميذاً من الصف الأول حتى السادس و 39 تلميذا وتلميذة من السابع حتى العاشر.

ويحرص أهالي المداكشة على تعليم أبنائهم, رغم قسوة العيش, فالتعليم عندهم لا يقل أهمية عن الطريق والصحة والكهرباء وهم يوجهون نداء عاجلا لجمعية هائل سعيد أنعم لإعادة ترميم المدرسة وإضافة فصول دراسية لتكتمل مآثرها وتطبع بصماتها بمداد الخلود.

تعثر

مندوب الصندوق الاجتماعي للتنمية ـ أ ـ إيهاب علي سعيد أفاد بأن الصندوق قدم مشكورا عددً من السقايات لحفظ المياه في المديرية ليستفيد الأهالي من مياه الأمطار, لافتا إلى أن قرى المداكشة لم تستكمل فيها السقايات بطبيعة تواجدها على قمم الجبال, موضحا- حسب مشرف الصندوق في المديرية- بأن برنامج التمكين يبدأ بناء السقايات في المناطق الأقرب إلى الوادي وفق خطة عمل مرحلية .) وناشد إيهاب الصندوق بسرعة بناء خزان في قرية المعينة بحكم وجود عين ماء فيها تنبع في موسم الأمطار ومن ثم تتوقف مع الجفاف لعدم وجود أحواض تحفظ المياه, منوها إلى أن الصندوق الاجتماعي قدم خطة متكاملة باحتياجات مناطق المداكشة وتم تحديد أولوية المشاريع خلال 5 سنوات ابتداء من العام 2015م, مشيراً إلى أنه- وبحكم بعد مركز المديرية عن مناطق القبيطة الجنوبية الذي يحتاج إلى سفر يوم كامل يصعب معه إطلاع المسؤولين على معاناتها وأنه في العام 1998م اندمجت القبيطة مع محافظة لحج وانتقل مركز المديرية إلى كرش بينما كان الأقرب أن يكون المركز في طور الباحة .

قسمة جائرة

 عضو المجلس المحلي/ محمد قايد, تحدث عن معاناة مناطق المداكشة جراء حرمانها من المشاريع لافتا إلى أنه تم اعتماد عدد من المشاريع لها إلا أن الهيئة الإدارية للمجلس المحلي يحرص كل عضو فيها على تقديم المشاريع لمنطقته, بينما لا يوجد عضو في الهيئة الإدارية ينتمي للمداكشة وهو ما أدى إلى حرمانها من المشاريع الخدمية في كافة المجالات وكانت هناك طريق تم شقها وتمر بجبل إلياس الأعلى ـ الكربة ـ على يمين النوحية ـ ثم تصل إلى منطقة الرماء إلا أنه لم يستكمل وإلا لكان وفر على سكان قرى المداكشة عناء ومشقة البعد مشيرا إلى أنه تم اعتماد 30 مليوناً لبناء خزان ماء في قرى المداكشة إلا أنه تعثر, مؤكدا على أنه تم مطالبة المجلس المحلي بتوفير بوزة ماء إلى أنه تحجج بوجود نقص وأنه لا توجد سوى بوزتين واحدة تمت سرقتها والأخرى تعمل في مركز المديرية والجهة الشمالية.

 وأضاف قايد: عندنا خزان ماء نفذه مكتب الأشغال وتستفيد منه مناطق ( القبل ـ الحيد ـ نجد الأثايب وبعض المناطق تستفيد منه مع حلول الجفاف, اصطحبنا الأهالي بمعية عضو المجلس المحلي إلى ذلك الخزان الذي قالوا بأنه يتسع ل39 ألف دبة 20 لتر) وأثناء ذلك لاحظنا كيف أن الماء المخزون بداخله منذ حوالي 7 أشهر قد تغير لونه وأخذنا عينة منه, حيث بدا الماء أصفر فاقع اللون ولا ندري إن كان صالح للشرب أم لا ؟ لكن الأهالي أخبرونا أنهم يشربون منه.

واليوم نحن لا معتمدين من الشمال ولا مقبولين في الجنوب, لفت الأهالي إلى أن عضو مجلس محلي المداكشة منذ أن تم انتخابه في العام 2006 م بعدها فقط بـ6 أشهر اضطر لبيع بقرتيه ليفي بما عليه من التزامات أسرية والسبب أنه بلا وظيفة ومع ذلك هو يسعى جاهدا لخدمة المنطقة حسب الأهالي.

لعنة السياسة

محمد سيف علي القباطي- مدير مطابع الدار الجديد للطباعة والنشر محافظة أبين, سابقا ـ من جهته قال : إذا ما نظرنا إلى ما تم تحقيقه بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر إلى يومنا فإننا نستطيع أن نجزم بأنه لا شيء وهذه مناطقنا خير دليل حتى الطريق هذا تم شقه في الثمانينيات بفضل الصراع السياسي الذي كان قائم آنذاك بين الشطرين ولأن منطقتنا حدودية كان الهدف من الاهتمام بها سياسي عسكري ولما تحققت الوحدة في العام 90م زال الهدف وتلاشى الاهتمام, مشيرا إلى أن مناطق جنوب القبيطة كانت سابقا تقدم لها مواد غذائية من حكومة الشطر الجنوبي التي كانت أغلب الكوادر فيها من القبيطة الجنوبية, حسب تعبير سيف, الذي قال: أما اليوم, فنحن أمام حقيقة مرة هي أن الخدمات أصبحت تقدم لمناطق القبيطة الشمالية, بينما تركت مناطقنا وكراً للأفاعي السامة والحشرات الضارة التي تأوي إليها في ظلمة الليل.

الزير سالم قباطي

لم يكن الاسم فقط من ذكرني بأبي ليلى المهلهل الشخصية العربية المشهورة بل ملامح الممثل السوري سلوم حداد الذي جسد شخصية الزير سالم ـ رأيتها حاضرة أمامي في تقاسيم وهيئة الوالد/ حسن أحمد القباطي ـ وليس ذلك وحسب بل حتى المعاناة تكاد تتشابه, فالوالد حسن القباطي أفنى من عمره 40 سنة عمل فيها سائق في خدمة البلدية محافظة عدن بعد أن التحق بها في عهد الرئيس سالمين وهو اليوم وبعد أن مات الرئيس سالمين رحلت معه عزة الوطن وكرامة المواطن حيث تم إقصاء الوالد الزير(كما يلقبه أبناء القبيطة الجنوبية) من وظيفته بدون مرتب وبدون مستحقات وهو اليوم يعاني من حالة اضطراب نفسي حاد وتتكفل أسرته المعدمة بنفقة العلاج.

بكاء المآذن

كل القرى والأرياف التي مررنا بها المجاورة لمناطق القبيطة الجنوبية شمالاً وجنوباً تجد المساجد فيها مشيدة بل إنك لترى أحيانا أكثر من 3 مساجد في قرية واحدة محدودة السكان ما عدا قرى المداكشة لم نجد فيها سوى مسجد واحد تبدو عليه آثار القدم..

 وهو ما أكده الوالد/ عبد السلام غالب الذي أبدى تحسره على غياب المساجد في قرى المداكشة في ظل انتشار الدين وكثرة وجود الداعمين من جمعيات خيرية وأهل بر وإحسان حسب تعبير الوالد غالب الذي قال: هذا المسجد قمنا بنقل أحجاره على أكتافنا في الستينيات واليوم وكما تراه متصدع الجدران متشقق السقف تتسرب منه مياه الأمطار كما أنه لا يتسع للمصلين, خصوصا في يوم الجمعة حيث يضطر المصلون للصلاة خارجا مبديا استغرابه من غياب دور مكتب الأوقاف وكل الجهات الداعمة الذين تغافلوا عن إعمار بيوت الله مع ما فيها من الثواب لاسيما ونحن في أمس الحاجة لها.

وعن أحوال المواطنين المعيشية, أشار الوالد غالب إلى أن المواطن معدم يفتقر إلى أدنى مقومات العيش الكريم مضيفا: نحن اليوم أوضاعنا سيئة على الرغم من أننا في ظل حكم جمهوري إلا أنه لا يحقق العدل والمساواة ولا يراعي حجم وثقل المسؤولية التي تحمل أمانتها كما أنه عاجز عن فرض القانون والحفاظ على سيادة الدولة وأنا أتذكر أن الأمام أحمد استطاع القبض على لصوص كبش بينما دولتنا بكل إمكانيتها وقانونها يقتل في عهدها مائة إنسان ولا يدرون من قتلهم ـ حسب تعبير الوالد غالب.

النائب المظلوم حيا وميتا 

بدرجة وكيل وزارة يتقاضى 64 ألف ريال هذا بعد التسويات أما قبلها فكان مرتبه 27 ألفا فقط وذلك أثناء انتهاء عمله كعضو في مجلس النواب لا يمتلك مسكنا لا في عدن ولا في صنعاء مات بالسرطان قدم له يحيى الراعي 25 ألف ريال مساعدة للعلاج بدل تسفيره إلى الخارج.. والفقيد/ علي سالم القباطي- من مواليد قرى المداكشة مديرية القبيطة سنة 1943م- وينتمي لأسرة فقيرة توفي والده وعمره آنذاك 3 أشهر ـ تلقى تعليمه في كتاب القرية ثم التحق بركب الثورة السبتمبرية في ريعان شبابه مع عدد من أبناء قريته التي عاد إليها بعد الثورة ومن ثم انتقل للعمل في عدن حيث بدأ عمله مباشرا في فندق الهلال ومن تمكن من الالتحاق بوزارة الإسكان والبلديات وعمل فيها في الجانب الحقوقي كرجل نقابي, عرفته قرى ومدن محافظة لحج من الحوطة والوهط إلى رأس العارة وطور الباحة مدافعا عن حقوق العمال في كافة مرافق الدولة وفي العام 1986م انتخب عضوا في مجلس الشعب الأعلى وكان ممن له شرف التوقيع على اتفاقية الوحدة اليمنية عام 90م كطرف يمثل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك مع أنه من أبناء الجمهورية العربية اليمنية ـ وبعد الوحدة تم انتخابه عضوا في مجلس النواب وفي اللجنة الدستورية والقانونية وبعد أحداث حرب صيف 94م أصبح النائب علي سالم قباطي من ضمن العمالة المسرحة ( فريق خليك في البيت)..

جزاء سمنار

في 23يونيو من العام 2007م انتقل النائب علي سالم قباطي إلى جوار ربه بعد معاناة طويلة وصراع مرير مع مرض السرطان ولم تتكفل الدولة حتى بتوفير قيمة حقنة لعلاجه ـ عاش وطنيا شريفا مخلصا فقيرا عزيزا لم تمتد يده إلى أموال الدولة في الوقت الذي كان بإمكانه كسب الكثير من الثروة بحكم طبيعة مناصبة ومات نزيها لم يترك لأولاده مسكنا لا في صنعاء ولا في عدن ولا حتى قطعة أرض ولكنه ترك لهم حب الناس ورصيد نضاله المشرف الذي لم يعد في وقتنا أن يطعم طفلا من أحفاده ـ له من الأبناء 4 ذكور و3 إناث.

 

رسالة

رسالة ضمير إلى محافظ محافظة لحج أ ـ أحمد عبدالله المجيدي ـ وإلى قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء/ محمود الصبيحي بعث بها أهالي مناطق المداكشة بمديرية القبيطة طالبوا فيها بفتح واستكمال طريق المداكشة (تقار الصبيحة) والذي قام بإيقافه بعض العناصر المريضة في وادي تقار بدعوات انفصالية مناطقية بعد أن كان قد تم شق 1300متر على نفقة الأهالي من أبناء المنطقة ولم يتبق منها سوى القليل حيث أنه سيكون لذلك الطريق أثره الكبير في تخفيف معاناة الناس أثناء نقل الماء وإسعاف مرضاهم إلى مركز المحافظة ونقل البضائع والتنقل بن مناطق مديرية القبيطة الجنوبية وأسواق طور الباحة ـ الفرشة ـ ومن ثم إلى عدن, لاسيما وأن متطلبات مناطق وقرى المداكشة يتم نقلها من طور الباحة بإيجار مرتفع نظرا لوعورة الطرق حيث تبلغ تكلفة نقل اسطوانة غاز الطبخ المنزلي ب 2500 ريال وتصل كلفة نقل (الدبة الماء 20 لتر) إلى 200 ريال ويبلغ إيجار إسعاف المريض بنحو 20 ألف ريال هذا إن لم يمت في الطريق.

وأفاد أهالي المداكشة بأن سيارة الإسعاف الحكومية بمستشفى طور الباحة يتم تأجيرها على المواطن الذي يريد إسعاف مريضه إلى لحج بمبلغ 30 ألف ريال .مناشدين احمد سيف حاشد من قال الأهالي بأنه ملأ الدنيا ضجيجا دون أن يقدم حرفا واحدا لمنطقته/ ومثله في السلطة أو في معرضة الداخل والخارج.

الأمل المبتور

غادرنا القبيطة الجنوبية تاركين لها.. الليل ـ الضباب ـ الدجى ـ وحشة الظلام ـ جفاء السماء وقسوة الجبال ومن ثم العليل والبائس الكئيب- الدمع والحسرات والشقاء والبلاء والحرمان وبقايا ذكريات وأنات لأناس نفوسهم مريرة وقلوبهم كسيرة واقعهم يتشظى بمشاعر الخذلان متسائلا: أين سيادة المستشار محبوب؟ وأين حاشد وعبد الإله وسعادة السفير سعد؟ وأين عبدالمجيد قباطي؟ وأين.. وأين..؟ هم الملاذ وهم آخر الأحلام وهم الجحود والنكران لوطن تناسوا فيه أنين الأمهات وصراخ الأطفال وحسرة الشيوخ في الدور والأكواخ وغليان فتاة تعصف بذهنها رياح الأحلام.

غادرنا القبيطة وهم يرددون (يا حسرتي على من عاشت تدق طبلة قفا زمار.. كانت على رجلها شوكة واليوم فيها مائة مسمار, عيونها تسحر الشابع وجسمها يدهش الجرار)..

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد