التخلص من المبيدات الزراعية المنتهية في اليمن.. معضلة خطيرة تنتظر الحل!!

2014-05-29 07:05:35 هموم الناس/ خاص

تعد الأرض أقدم المخلوقات في هذا الكون وربما تُعد المأوى الوحيد في الحياة المستدامة

ومنذ مليارات السنين بدأت الأرض تتغير بشكل تدريجي من مرحلة إلى أخرى والآن وبدلاً من أن تنمو بصورة بديهة، تواجه الأرض تدميراً مع مرور كل لحظة.

كانت الأرض تعتبر الحياة الطبيعية لكل ما وُضِع على ترابها ولكن وفي صراعها لتحسين مستوى الحياة إلا أن حكمة الإنسان ضاعت للأسف ولا يزال الإنسان يتسبب في أضراراً خيالية لهذه الأرض الحساسة،فأينما سعت الأرض إلى التنفس بحرية ونقاء، فإن كل لهثة هي صراع من أجل البقاء،وبشأن خدمة زراعية يتم استخدامها حالياً في المحاصيل الزراعية في محاولة لمضاعفة الإنتاج الزراعي من أجل تغذية ملايين الجوعى على مستوى العالم

وبالإضافة إلى المخاطرة في تخفيف القلق النفسي في المجتمع تعد هذه تهديداً مسبقاً لوجود الأرض نفسها،وبينما يصارع المزارعون من أجل التخلص من الحشرات إلى تغيير الإنتاج، فإن ذلك يدفعهم إلى الاعتماد على المبيدات.

حيث تؤدي هذه المبيدات إلى التسبب في عدة أضرار, منها تلوث التربة وتلوث المياه وكذلك تؤثر بصورة جدية على السكان الريفيين والحضريين.

وعلى المستوى الإقليمي والعالمي، يستمر استخدام المبيدات بصورة سريعة أسرع من الطريقة التي تتمكن فيها هذه المبيدات من تدمير مكونات الحياة.

وبعد عقود من سوء الاستخدام وسوء إدارة المبيدات، أصبح الوضع في معظم الدول النامية و منها اليمن أكثر خطراً ومرعباً على نحو متزايد..


على مدى سنوات ظل سكان منطقة عرهب في حي الجراف بالعاصمة صنعاء يستنشقون هواءً ساماً من قبوٍ ترابي دُفنت فيه آلاف الأطنان من المبيدات الزراعية المحرَّم تداولها عالمياً إلى أن تم اكتشافها صدفة في واقعة هزت الشارع اليمني,

وأفاد ساكنو الحي بأنهم كانوا أثناء خروجهم لصلاة الفجر يُصدَمون بروائح نتنة تنبعث في أرجاء الحي لا يستطيعون تحمُّلها لفترة من الزمن.. والذين أصبحوا ضحيتها.

لاتجاوب

فيما يؤكد محمد أحد سكان الحي المتضرر من تلك المبيدات بأنه قد رآهم أثناء دفنهم تلك المبيدات وتم إبلاغ قسم الشرطة في حينه, لكن الأجهزة الأمنية ــ حسب قوله ــ لم تتجاوب مع بلاغه ذلك وظل أهالي الحي سنةً وأكثر ينتظرون تحرك المعنيين بهكذا أمر يهدد بيئتهم وصحتهم حتى بدأت الانبعاثات الكريهة للمدفونات السامة، والتي يعتقد أهالي المنطقة بأن أضرارها قد تكون أصابتهم ولكنها لم تظهر حالياً تأثيراتها.. وقد يكتشفها المستقبل القريب أو البعيد وتظهرها الأيام المقبلة.

القضاء بدوره أصدر حكماً مستعجلاً حول هذه القضية.. والذي تضمَّن إغلاق مستودعاتٍ للمبيدات المخالفة، وأن هذه الواقعة سلطت الضوء على حجم التحدي للحكومة اليمنية في إدارة النفايات والمبيدات الخطيرة في بلد يتصدر قائمة الدول العربية المستهلكة للمبيدات الزراعية..

محارق لا تفي بالغرض

مدير عام السلامة الكيميائية والنفايات الخطرة المهندس/ علي الذبحاني يؤكد من جانبه بأن هذه المبيدات تحتاج إلى 200 ـ 500 درجة حرارية تقريباً لعملية حرقها وإتلافها؛ لكن المحارق المتوفرة لدى وزارة الزراعة المُشرفة والمنظمة لاستيراد المبيدات الزراعية لا تفي بإتلاف مثل هذه المواد السامة والتي يجزم الذبحاني ـ أصلاً ـ بتهريبها.. وقال بأن المظاهر الصحية غير متوفرة لدى بلد لم يتمكن بعد من ضبط حدوده المختلفة أمام "مافيا" التهريب بما فيها المبيدات الزراعية المحرمة والتي تلقى رواجاً لدى المزارعين في ظل غياب التوعية الزراعية والمجتمعية بشكلها المطلوب.

لا نملك أجهزه آمنة

وأضاف الذبحاني بأن عملية الحقل في الأعماق ــ أيضاً ــ لها مخاطرها وهم في المختبر المركزي للوزارة لا يمتلكون أجهزتها الصحية الآمنة وتجهيزاتها, وبالتالي يشير إلى أنهم سيتخذون أسلوباً آخر لتصديرها بالاتفاق مع شركات خاصة تقوم بهذه المهمات عبر دول تصدرها كنفايات خطرة للتخلص منها بعيداً عن الأضرار البيئية المختلفة.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع المصابين بالأمراض السرطانية في اليمن إلى أكثر 25 ألف شخص سنوياً؛ لتأتي المبيدات كواحدة من أهم المسببات لهذه السرطانات, فضلاً عن طائفة واسعة من الأمراض الأخرى.

كثير من الأمراض

رئيس الجمعية اليمنية للسلامة الحيوية د. خالد الشيباني يفيد بأن متبقيات المبيدات تسبب أضراراً للصحة العامة وينتج عنها تأثيرات حادة تصاحب دخول كميات كبيرة منها للجسم وتظهر في صورة قيء وإسهال وتشنجات وممكن تكون على شكل تأثيرات تراكمية مزمنة حيث تتراكم "الترافيز" الصغيرة في الجسم, خصوصاً في أنسجة الكبد؛ ممّا يُحدِث خللاً في وظائف الكبد..

والمبيدات الكيماوية تسبب الكثير من الأمراض, منها السرطان والعقم وأمراض القلب وتسمُّم الدم.

ألفا طنٍ سنوياً

وفقاً للإدارة المختصة لتسجيل المبيدات فإن ما يزيد عن ألفي طن سنوياً من المبيدات الزراعية تصل البلاد بأشكال متعددة من التهريب ـ المسؤول المختص عن تسجيل المبيدات بوزارة الزراعة ـ علي محرز.. يتوقع بأن كميات المبيدات التي تستهلكها بلادنا سنوياً من 3000 إلى 3500 طن كاستهلاك محلي.. ولكن عند مقارنة ذلك بما تم منحه من تصاريح لدخولها إلى الوطن خلال عام 2012 لعدم توفر إحصائيات سنوية أنية وقد وصلت إلى 650 طن والباقي حوالي 2900 طن تدخل مهربة.

ويقول بأن سواحلنا كبيرة تقدر بحوالي 2000 كيلو ولم يتمكنوا ــ حد قوله ــ من ضبط الحدود المختلفة مع دول الجوار والقرن الأفريقي ودبي ومختلف الدول العالمية..

وفوق ذلك تظل مخاوف مخاطر المبيدات الزراعية قائمة مع انتشاراً متزايد خصوصاً مع زراعة القات الذي يستهلك معظم هذه المبيدات والقصور في الوسائل الآمنة للتخلص من المبيدات خصوصاً المنتهية منها.

منفذ المهرة

بين فترة وأخرى يسمع اليمنيون تصريحات عبر وسائل الإعلام المختلفة من المعنيين بأمور الزراعة في البلد وهي تكشف أو بالأصح تُبرر فشلها بأن ظاهرة تهريب المبيدات الزراعية لليمن تتزايد وكأن الأمر لا يعرفه الناس وأنه لا يعنيها أمر الظاهرة في شيء!!

فقبل أيام أطل علينا وزير الزراعة والري المهندس/ فريد مجور بتصريح جديد وطازج "من المصنع إلى المستهلك !!" وهو يقول : إن أمن محافظة المهرة يعانون من عدم القدرة على حماية المنافذ الحدودية؛ مما ينتج عنه تهريب المبيدات الزراعية ودخولها إلى اليمن بطرق غير قانونيه ومنها مبيدات محرمة دوليا ...كلام خطير وإتهام صريح لجهاز الأمن بمحافظة لا يكاد يتذكرها مسؤول في حكومة الوفاق الوطني ولا ندري ما تبريرهم حول ذلك ..ما علينا, الأهم أن الوزير مجور نبّه إلى أن منفذاً حدودياً يتم تهريب المبيدات من خلاله ويجب الانتباه لذلك !!

عدم وجود قانون

جاء ذلك التوضيح للوزير خلال مؤتمر صحفي عُقد مطلع الأسبوع الجاري بكلية الزراعة - جامعة صنعاء، للتعريف" بالمهرجان الزراعي الثاني الذي يختتم أعماله أواخر الشهر الجاري وبلغت ميزانية تكاليفه حوالي(103 مليون ريال) حصلت الوزارة على دعم 38 مليون , منها 5 ملايين عينية.. وأضاف في توضيحه لوسائل الإعلام " أن من أسباب تنامي ظاهرة التهريب عدم وجود قانون يصادر وسائل التهريب ممَّا يحقق لعصابات التهريب استخدام تلك الوسائل مرة أخرى خلال أيام, متناسياً القانون رقم 25لسنة1999م .

ليس من اختصاص الوزارة

وأشار إلى أن مكافحة المبيدات ليس من اختصاص وزارة الزراعة وان واجبها يقتصر على تحديد ما يصلح من المبيدات وما هو غير صالح للاستخدام مؤكدا انه من مهام وزارة المياه والبيئة . يا عالم يا ناس لا تستغربوا مجور فقط يوضح اللبس فقط .. ويفسر لكم مهام كل جهة كون الناس ما تفهمش حاجة!!

الإتلاف

وحول إتلاف المبيدات المهربة والمحرمة دولياً قال مجور : إن هناك جهات معنية بإتلاف المواد لكن الوصول إليها صعب ونحن في اليمن لا نستطيع إتلافها بسبب ما قد ينتج عنها من أضرار جسيمة بالبيئة . طبعاً كلام سليم و"شوفوا" للمشكلة حل !!

وعي...

وأكد الوزير مجور أن المزارعين يعانون من قصور في الوعي فيما يخص المبيدات الزراعية وما تُلحقه من أضرر نتيجة سوء الاستخدام وخطورتها وكذا في آليات تصدير الخضروات والفواكه. أكيد وهذا على الإعلام ويجب عليهم التحرك, فالظاهرة تستهدف الجميع ولا تستثني أحداً.."عوا ياناس خطر المبيدات المهربة !!".

إجراءات عاجلة

أواخر مارس الماضي دعا وزير الزراعة الجهات المعنية والقضاء والنيابة الى اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين والمتورطين في تهريب المبيدات حفاظاً على الحياة البيئية والصحية.

جاء ذلك بعد أن تم ضبط 365 كرتون مبيدات مهربة من قبل قوات خفر السواحل اليمنية قطاع خليج عدن في المياه الإقليمية اليمنية بالقرب من ميناء المخا، هذه المبيدات دخلت البلاد بطريقة مخالفة للقانون، وأعتبر مجور دخول مثل هذه المبيدات إلى البلاد كارثةً خطيرة على الوطن والمجتمع وستكون تأثيراتها سلبية على الحياة البيئية والصحية بشكل عام.

لجان!!

وأشار مجور إلى أنه وفور وصول البلاغات المتعلقة بهذه المبيدات تم تكليف لجنة فنية من وزارتي الزراعة والري والمياه والبيئة ومكتب الزراعة بمحافظة تعز للقيام بتحريز وفرز الكميات المضبوطة وتم التواصل مع النائب العام لاتخاذ الإجراءات العاجلة والمناسبة إزاء تهريب مثل هذه الكميات ووضع حد لهذه المشكلة. طيب !! عمل عظيم يا سيادة الوزير, لكنك قبل قليل قلت: إن هناك جهات معنية بإتلاف المبيدات المهربة؛ لكن الوصول إليها صعب ونحن في اليمن لا نستطيع إتلافها بسبب ما قد ينتج عنها من أضرار جسيمة بالبيئة، أين "بتودوها" إذاً.. الله يعينكم مسؤولية شاقة !! كم ياترى قد جمعنا مبيدات مهربة من حين طلع مجور بس؟! وكم أُعِيد منها إلى بلد المنشأ لإتلافها؟ طبعاً "ما فش حاجة" لعدم توفر الإمكانيات!! وربنا هو الساتر!!

مضبوطات..

شغلوا الحاسبات واحسبوا "صح" واستشعروا المسؤولية لضبط المخالفين ومواجهة ظاهرة تهريب المبيدات التي بدأت تنتشر وتزداد اتساعاً خلال الفترة الأخيرة على وجه الخصوص حتى تكملوا قراءة هذا الموضوع ..طبعاً "يا لله مشّي حالك" إحصاءات منعدمة!! .. ووفقاً لوزير الزراعة, فإن الكميات المضبوطة في نهاية يناير الماضي بميناء المخا فقط والمقدرة بـ 557 كرتون مبيدات ممنوعة ما تزال منظورة أمام النيابة، كما أن هناك كميتين تُقدَّران بـ" 67" كرتون و100 كرتون تم ضبطهما في الميناء نفسه خلال مارس الماضي ..

إجراءات صارمة!

وأكد الوزير أن الوزارة ستعمل جاهدة على اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد المتورطين في تهريب مثل هذه المبيدات الممنوعة والخطيرة وستعمل على الحد من إدخال المبيدات المهربة إلى البلاد .. "مدري كيف هذا الراجل يقول كلام بعدين يبطل يشتى يقوم بكل شي" ربنا يخارج الناس من هذه المبيدات ويكون في عون كل وزير للزراعة لا همَّ له إلا الوطن والمواطن.!!

جهود مبذولة, لكن لا أحد يراها بالعين المجردة وإلا لما أصبح تهريب المبيدات قضية خطيرة تهدد حياة الجميع، لما لها من مخاطر وتأثيرات سلبية على التنمية الزراعية وصحة وحياة المواطنين.

تلوث في العاصمة

أوضح تقرير صادر عن وزارة الزراعة حول المبيدات السامة التي عُثر عليها مدفونة في منطقة الجرَاف بالعاصمة صنعاء وجود تلوث كبير في التربة واحتمال وصوله إلى المياه الجوفية.

وقالت وزارة الزراعة إنها استعانت بخبرات دولية متخصصة في التعامل وتحليل هذه السموم الخطرة.

وقال التقرير: إنه ومن خلال المعاينة الأولية اتضح وجود تلوث كبير في التربة نتيجةً لتسرب المبيدات؛ ممّا يزيد من احتمال مخاطر التلوث على التربة والمياه الجوفية والإنسان والبيئة ويجب إخلاء الأسرة القاطنة في الحي المجاور لموقع الدفن قبل استخراجها حفاظاً على سلامته تلك الأسر.

وأشار التقرير الوزاري إلى أنه سيتم استخراج المبيدات المدفونة وإعادة تعبئتها في حاويات آمنة تُستورَد خصيصاً لذلك وإخراجها من البلاد للإتلاف في أحد المحارق العالمية المتخصصة وفق أحكام الاتفاقيات الدولية والموقع عليها من قِبل اليمن وذلك على نفقة المتسبب في الجريمة إلى جانب تحميله تكاليف فحص وتحاليل المياه والتربة والهواء وعينات من دماء القاطنين من سكان الحي في المنطقة سواءً كانت تلك الفحوصات داخل اليمن أو خارجها.

وكانت اللجنة الوزارية الفنية المكونة من وزارتي الزراعة والري والمياه والبيئة وأمانة العاصمة قد أقرت في اجتماعٍ لها

برئاسة وزير الزراعة المهندس/ فريد مجور البدء في إعداد الدراسة الفنية للتخلص من المبيدات المدفونة على أن يتم استكمال إعداد الدراسة خلال فترة لا تتجاوز أسبوعاً...طبعاً هذا الكلام كان في أواخر نوفمبر من العام الماضي، وحتى الآن لا تزال المبيدات محرزة في مخازن مجهولة لا نعلم كيف هي جاهزية تلك المخازن..!!

تبرير

وقبل أيام خرجت الشركة المتهمة بقضية المبيدات الخطيرة والتي تم دفنها في منطقة الجراف عن صمتها حيث كشف مصدر مقرب من الشركة بأنها سيكشف المستور .. وهدد بالكشف عن المسؤولين في القضية.. محملاً في الوقت نفسه وزارة الزراعة مسؤولية دفن المبيدات الخطيرة ، كونها الجهة الحكومية المسؤولة عن دفن النفايات الخطيرة وذكر المصدر المقرب من الشركة بأن هناك مئات الأطنان من النفايات الخطيرة تم دفنها في وسط العاصمة صنعاء وفي أماكن قريبة من مدارس للأطفال؛ ممّا يشكل خطراً كبيراً على صحة أبنائنا وقال بأنه سيذكرها في حينه.

تلفيق؟!

أتت تلك التصريحات قبل أيام بالتزامن مع ذكر أن 1230 كرتوناً تم ضبطها في محافظة تعز من قبل جهة أمنية بأوامر قائد عسكري كبير لتخلص منها فوراً إلا أن هناك معلومات شبه مؤكدة ببيعها لأحد تجار المبيدات .. كما أن هناك بعض المتنفذين من المسؤولين يحاولون تلفيق التهم إما لأجندة يعلمونها أو لإخضاع تجار المبيدات لدفع مبالغ كبيرة بملايين "اليوروهات" ، وعند الرفض من قبل التجار يتم تلفيق التهم لكل من يقف أمامهم ــ حسب المصادر.

الاغتيال الصامت

إنها الحقيقة فعالمنا اليوم يواجه تهديداً حقيقياً من هذه المبيدات والتي يطلق عليها الاغتيال الصامت، والإنسان مجبور لمواجهة هذه الحقيقة، وما عليه إلا أن يتعامل مع هذه المشكلة, نتيجة تراكم هذه المخزونات والمخاطر على البيئة ..في صراع من أجل البقاء..!!

فاليوم لا مكان خالٍ من المبيدات أو النجاة من الخطر ممّا قد يؤثر على أجيال قادمة ،فبرغم مرور أكثر من 30 عاماً من استخدام أحد المبيدات المُستخدَم للقضاء على حشرة الملاريا، لا تزال آثاره ظاهرة للعيان ، برغم منعه في بعض الدول ،إلا أنه لا يزال يُتداوَل في دول نامية كثيرة ومنها بلادنا، وما نزال نستورد ونستخدم مبيدات زراعية منتهية ومحظورة عالمياً في ظل جهات رقابية غائبة تماماً وكأن الأمر لا يعنيها..!!

تهريب بغطاء رسمي

أصبحت الأسواق اليمنية مرتعاً خصباً لكل غريب ومريب وكل محرم وقاتل، فاليمن الذي استقبل عشراتٍ من شحنات أسلحة الموت وأطنانٍ من المخدرات والذهب الأخضر استقبل خلال الفترة الماضية آلاف الأطنان من المبيدات الزراعية المحرمة عالمياً والمجهولة المصدر والمنتهية الصلاحية التي تم التخلص منها من بلدان المصدر باعتبارها نفايات سامة.

ففيما المقابر تستقبل آلاف الضحايا سنوياً تجار الموت يُغرقون الأسواق المحلية بمبيدات قاتلة.. إلى ما وراء العبث بحياة اليمنيين.

في حين أثار الإعلام قضايا تهريب السلاح والمخدرات في الفترة الماضية إلاّ أنه آثر الصمت إزاء تهريب المبيدات الزراعية المحرم استخدامها دولياً لخطورة ذلك على حياة الأرض والإنسان.

مجهولة المصدر

فـ85% من المبيدات المعروضة في الأسواق المحلية بطريقة علنية أو سرية مبيدات مهربة ومزورة ومجهولة المصدر ومحرم استخدامها دولياً، و15% منها فقط مصرح لها تعرض كغطاء في كثير من الأحيان لبيع منتجات غير مسموح باستخدامها، فهامش الربح مُغرٍ وكبير.

أسواق ثانوية

يعتمد تجار المبيدات القاتلة على سياسة تسويق تتخذ من الأسواق الثانوية والمراكز التجارية الريفية التي تقع في مراكز المديريات منطلقاً لها، كون تلك الأسواق خارج نطاق الرقابة بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على المبيدات الزراعية باعتبارها تقع في قلب مناطق زراعية جبلية أو سهلية، فيتم ضخ مبيدات الموت بسهولة إلى القرى والعُزل بعيدا عن الأنظار، وما يزيد الخطر خطورة أن معظم المبيدات الزراعية المجهولة المصدر والمهربة تأتي في عُلب كبيرة تحتوي لتراً إلى 5 لترات وغالية الثمن، لا يقوى المزارعون على شرائها؛ فيتم إعادة تعبئتها إلى علب صغيرة سعة 75 ملم وبيعها مجهولة كما دخلت البلد، لتتحول فيما بعد إلى آفة على صحة الإنسان.

وقليلا ما يعرض تجار الموت في الأسواق الرئيسة الواقعة في المدن الحضرية وعواصم المحافظات، والتي تقع في نطاق الرقابة وإن كانت غير صارمة فيتم ضبط تلك المبيدات بين الحين والآخر، ولكن لا أحد يعلم إلى أين اتجهت، وكيف تم التخلص منها؟ خصوصاً وأن إتلاف تلك المبيدات لا يقل ضرراً وفتكاً من استخدامها.

خلل؟!

تفيد المعلومات بأن أكثر من 3800 طن من المبيدات الزراعية تدخل الأسواق اليمنية، منها 600 طن تدخل بتراخيص رسمية والبقية مهربة، ووفق لوثائق رسمية؛ فإن ما يتم ضبطه من مبيدات منتهية ومجهولة وفتاكة لا يتجاوز الطن إلى طنين سنوياً، وتذهب الكميات إلى الأسواق، وحسب تقرير الربع الأول من العام 2012 لقسم الرقابة والتفتيش على المبيدات الموجه إلى إدارة المبيدات ورقابة النبات أن ما تم ضبطه من حملات تفتيش منها حملتان مفاجئتان بلغ 169.55 لتر/ كجم، بالإضافة إلى 29 لتراً منتهية خلال الحملات المفاجئة، كما تم ضبط مخزنين ومحل مُخالف، ضبط منها 74 لتراً، دخل البلاد بدون تصريح "مهرب"، و9 لترات من المبيدات الممنوعة بدون تصريح، بالإضافة إلى ضبط (5) كجم مغشوش و20 لتراً مبيدات ممنوعة وضبط 97.25 لتراً من المبيدات المجهولة و7.25 لتراً من المبيدات غير المرخصة.

غموض

ومن خلال الوثائق لوحظ أن القسم المعني بالتفتيش والرقابة على الأسواق قلّما يعتمد على الحملات المفاجئة، وكثير ما يعتمد على الحملات الدورية، بالإضافة إلى أن الكميات الكبيرة من المبيدات يتم ضبطها في نقاط التفتيش في المحافظات والطرقات العامة وتسلم للقسم المعني، إلا أن هناك حالات اختفاء لتلك المبيدات ثم غموض يكتنف عملية التخلص منها، حيث تشير رسالة موجهة من مكتب الزراعة في محافظة إب إلى مدير عام وقاية النبات في وزارة الزراعة تفيد بأن رئيس قسم الرقابة والتفتيش في الإدارة ضبط خلال الحملة التي نزلت إلى مدينة القاعدة 740 لتراً من مبيد برفكينون و740 لتراً من المبيد نفسه من تاجرين، بالإضافة إلى مبيد من نوع تكتار وديمونت سعة 100م ومبيدات أخرى لم تقم اللجنة بحصرها ولم تسلم تلك المضبوطات إلى النيابة العامة، تلك الكمية من المبيدات التي ضُبطت في مدينة القاعدة قيل إنها دُفنت في منطقة قريبة من القاعدة.

حملات لا تقوم بواجبها

التقرير الصادر بتاريخ 24/4/2010م والذي رفعه مدير الوقاية بمكتب الزراعة في محافظة إب مهندس علي محمد الصبري أكد أن لجنة التفتيش برئاسة رئيس قسم التفتيش والرقابة بالإدارة العامة لوقاية النبات قد سعى إلى التخلص من المبيدات الزراعية السامة في منطقة السائلة حيث عثر على عبوات المبيدات فارغة في السائلة خارج مدينة القاعدة مديرية ذي سفال وأشار التقرير إلى العثور على كمية من السموم في أحد المزارع، كما أشار إلى إحراق السموم في المزرعة والعثور على سموم أخرى بالسائلة بصورة متناثرة، ووصف التقرير الحملة التي قادها رئيس قسم التفتيش والرقابة بالفاشلة، والتي نزلت بناء على بلاغ إلا أنها لم تقم بواجبها كما يجب.

اتهامات مباشرة

أكثر من شكوى وُجِّهت إلى الجهات المختصة (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)، وزير الزراعة، ووكيل الوزارة لقطاع الخدمات الزراعية، وإدارة وقاية النبات، تلك الشكاوى وصلت إلى النائب العام ومحاكم الأموال العامة من عدة جهات طالبوا فيها بالنظر إلى ما يحدث من تواطؤ مع تجار المبيدات المهربة والمزورين، حيث شكا تجار المبيدات والمواد الزراعية الذين يعملون تحت نطاق وزارة الزراعة بموجب تصاريح رسمية وإشراف مباشر من قبل الوزارة، والذين وجهوا اتهامات مباشرة لمسؤولين في وزارة الزراعة وفي قسم التفتيش والرقابة في إدارة وقاية النبات بالتواطؤ مع مهربي المبيدات السامة والمهربة وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، رغم معرفتهم بالمهربين، بالإضافة إلى التعاون مع المهربين في تصريف المهربات من المبيدات، وخصوصا المبيدات المقلدة للمنتجات المرخص لها، والتي دخلت بصورة رسمية ومطابقة تجار التجزئة وفرض إتاوات عليهم وابتزاز التجار.

إدارة لا تتغير

تلك الاتهامات أكدها مدير عام وقاية النبات المهندس/ عبدالله حسين السياني في رسالة موجهة لرئيس قطاع التحري والتحقيق بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، حملت الرقم 200، وقال فيها: "إن منصب رئيس قسم الرقابة والتفتيش له أكثر من 16 عاماً، وخلال الفترة الطويلة مارس كل صلاحياته، ولكن في الآونة الأخيرة كثرت الشكاوى ضده باستغلال منصبه لمصالحه الشخصية، وأشار مدير عام الإدارة العامة لوقاية النباتات في وزارة الزراعة إلى المذكور في حالة تنفيذ حملات لا يتم ضبط سوى كميات قليلة من المبيدات المخالفة رغم أن المحلات والمخازن، ممتلئة بالمبيدات المخالفة للقانون، وهو ما يثير الريبة والشك في تواصله مع التجار قبل تنفيذ الحملات، وأكد مدير عام وقاية النبات أن المذكور تم كشفه عند تكليف أشخاص آخرين من حاملي صفة الضبط القضائي لتنفيذ حملات مفاجئة، والتي ضبطت كميات كبيرة جدا مقارنة بما يتم ضبطه من خلال حملات يقودها رئيس قسم التفتيش والرقابة".

المذكرة الموجهة إلى هيئة مكافحة الفساد مذيلة بتوقيع مدير إدارة المبيدات مهندس/ عبدالله محمد شملان، ومدير عام وقاية النبات، أكدت أن الإدارة السابقة غيّرت رئيس قسم التفتيش والرقابة بموجب القرار الوزاري رقم (28) بتاريخ 12/9/2006م، إلا أن الإدارة السابقة، ولأسباب غير معروفة، عطلت تنفيذ القرار.

تُهم بالتواطؤ

كشف تقرير رسمي صادر عن وزارة الزراعة والري أن إجمالي ما تم ضبطه من المبيدات المخالفة والمهربة خلال الفترة مارس 2012 م وحتى مارس 2013 م بلغ (61.22) كجم/ لتر، وتوقع التقرير ارتفاع الكمية إلى أضعاف مضاعفة في حال تم إجراء مسح دقيق للمبيدات المهربة.

ولفتت الوزارة إلى أن المبيدات المهربة تمر من خلال نقاط التفتيش العسكرية والأمنية المنتشرة على الحدود ومداخل ومخارج المدن، وما تم ضبطه من حاويات من أمانة العاصمة وعدن وتعز والحديدة خير دليل على ذلك.

وأكد التقرير الرسمي وجود تواطؤ كبير من قِبل الأجهزة الأمنية والعسكرية والجهات الجمركية في بعض المنافذ كمنفذي الوديعة والبقع بمرور هذه الكميات والأنواع من المبيدات، وأن المنافذ الجمركية تتهاون إزاء هذه القضية من خلال عدم إعادة كميات المبيدات غير المُصرَّح بها إلى البلد القادمة منه، حتى أصبحت مخازنها تعج بتلك المبيدات وبلغ إجمالي ما في مخازن منفذ الوديعة حوالي 50 طناً.

وطالبت وزارة الزراعة الحكومة والجهات المسؤولة عن الرقابة ومكافحة التهريب بتحمل مسؤوليتها؛ واتخاذها إجراءات عاجلة بإصدار قرار يقضي بإعادة المبيدات الممنوعة والمقيدة التي يتم تهريبها إلى بلد المنشأ على نفقة المُهرِّب وتحت إشراف الجهات المعنية أو إحراقها في محارق دولية متخصصة خارج البلاد على نفقة المهرب، واستخدام المبيدات المسموح بتداولها لصالح وزارة الزراعة في حملات الآفاق الوبائية مجاناً للمزارعين. كذلك طالبت بإلزام مصلحة الجمارك بعدم التصريح بإنزال أية كمية مبيدات غير مصرح باستيرادها من على وسائل النقل وإعادتها على نفس وسيلة النقل، وكذا إلزام الجهات القضائية بسرعة النظر والبت في قضايا المبيدات المحالة إليها؛ كي لا تتعاظم المشكلة.

الحكومة

حكومة باسندوة كرست اجتماعاً خاصاً لذلك , ناقشت فيه آليات مكافحة ظاهرة تهريب المبيدات، وضم الاجتماع وزراء (الدفاع، والزراعة والري، والداخلية، والشؤون القانونية)، وضم -أيضًا - (رئيسي جهاز الأمن القومي وجهاز الأمن السياسي والنائب العام والمسؤولين والمختصين في مصلحة الجمارك ووزارة الزراعة والجهات الأخرى المعنية وذات العلاقة).

وأكد المجتمعون على أهمية تحديد منفذ واحد لدخول المبيدات يتم تزويده بمختبر لفحصها والتأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة والمحددة في تصاريح الاستيراد الصادرة من وزارة الزراعة والري، وشدد الاجتماع على أهمية اتخاذ الإجراءات العاجلة لمواجهة ومكافحة التهريب بكافة أشكاله وأنواعه والتصدي له بحزم، وتشديد العقوبات على المهربين والتسريع بمحاكمة مهربي المبيدات وكل من يثبت تورطه في التهريب، أو يَغُض الطرف عن دخول البضائع المهربة سواء من المدنيين أو العسكريين، إلا أن تلك القرارات لم تُنفّذ حتى الآن.

"1000" تاجر دون تراخيص

يُشار إلى أن الإحصائيات تشير إلى وجود أكثر من (700) نوع من المبيدات معظمها محظورة يتم استخدامها في اليمن، تقول وزارة الزراعة والري: بأن الاحتياج السنوي لليمن من المبيدات الزراعية بين (2500_3000) طن، وأن ما يتم استيراده بطريقة رسمية لا يزيد عن ربع كمية الاحتياج؛ حيث بلغت كمية الاستيراد خلال 2009، و2010، و2011م على التوالي (381 طنًا، 459 طنًا، 625 طنًا)، ويبلغ عدد وكلاء شركات المبيدات في اليمن (52) وكيل شركة، و1800 بائع أو تاجر لمواد المبيدات، منهم (800) تاجر مرخَّص لهم بمزاولة هذا النوع من التجارة من قبل وزارة الزراعة والري على مستوى الجمهورية، و(1000) يعملون بدون تراخيص، هذا ما لمسناه, مع أن الواقع يفيد بغير ذلك..وعدد المروجين للمبيدات يفوقون هذه الأعداد بكثير عمّا تكشفه الإحصائيات.

مبيدات تلوث البيئة

الباحث د/حيدرة علي أحمد مطلاه ، اعتبر المبيدات الكيميائية الحشرية أحد ملوثات البيئة ، وقال إن المبيدات الحشرية المستخدمة في مكافحة الحشرات الزراعية بما فيها أشجار القات وكذلك المنازل " بما فيها الحشرات الناقلة الأمراض للإنسان والحيوان" وبالرغم من فعالية هذه المبيدات الكيميائية وميزاتها الاقتصادية, فقد ظهر ضررها على صحة الإنسان والحيوان ,كما أنتجت أجناساً جديدة من الحشرات مقاومة, هذا بالإضافة الى إبادة الحشرات النافعة ومنها حشرات النحل.

و في بلادنا تستخدم العديد من أنواع المبيدات الحشرية دون أي رقابة صارمة ودون دراسات بحثية جادة وهذا ما تنبهت له بلادنا وبعض دول العالم مؤخراً واكتشف حيدرة في بحثه أن لهذه المبيدات أثراً ضاراً على المدى البعيد؛ كون بلادنا تزداد الحاجة لديها إلى استيراد مبيدات الحشرات بكميات كبيرة وبنسبة تصل إلى 70-80% من مجموع ما تستورد من المبيدات الأخرى .

وتشير الإحصائيات إلى أن مبيدات يتم استيرادها سنويا بصورة غير شرعية أي عن طريق التهريب ومعظم أنواع هذه المبيدات حشرية, حيث ان معظمها شديد السُّمية وله أضرار كبرى على البيئة, وبالرغم من التوجه العالمي للمحافظة على البيئة من التلوث والتقليل من استخدام المبيدات الكيميائية الحشرية وغيرها إلا أن استخدامها في اليمن ما زال ضرورة في مكافحة الحشرات الزراعية والمنزلية وحشرات أشجار القات والتي تميزت السنوات الأخيرة بالاستخدام المكثف للمبيدات على أشجار القات وقد أكدت الدراسات التي أجريت داخل اليمن وخارجه أن أوراق القات تحتوى على الأثر المتبقي من المبيدات أكثر من المسموح به على الخضار والفواكه وهذا بدوره يشكل خطراً كبيراً على المواطن اليمني وعلى بيئته.

وتشير العديد من الدراسات المحلية والإقليمية والدولية إلى أخطار المبيدات الحشرية والى الترشيد في استخدامها؛ لما تسببه من حالات التسمم الحاد والمزمن للإنسان والحيوان والتي أدت ولا تزال تؤدي إلى تشوهات وسرطانات ووفيات حدثت وتحدث من جراء الاستخدام العشوائي للمبيدات.

محكمة

في24 مارس الماضي مكّنت محكمة الأموال العامة بأمانة العاصمة محامي أحد المتهمين في قضية المبيدات المدفونة في منطقة عرهب بحي الجراف أمانة العاصمة صنعاء من التواصل مع مركز الخير للتجارة والخدمات الزراعية وإمهالهم ثلاثة أيام لإحضار حاويات نقل المبيدات والتخلص منها بنظر النيابة ووزاتي الزراعة والصحة والهيئة العامة لحماية البيئة.

وأقرت المحكمة حينها السماح بفتح حساب بنكي واحد فقط للمتهمين في القضية ، وذلك لتسهيل أعمال النقل والتخلص من المبيدات .

وكلفت المحكمة النيابة بالتخاطب مع وزارة الصحة لتشكيل لجنة طبية لإجراء الفحوصات اللازمة لأبناء منطقة عرهب لتقدير حجم الضرر الذي تعرضوا له جراء انتشار روائح المبيدات المدفونة، واستكمال إجراءات المحاكمة في 28 ابريل الماضي ،الأمر الذي لم يلمسه أبناء المنطقة حتى الآن.

وكان وكيل وزارة الزراعة الدكتور/ محمد الغشم قد قدم للمحكمة مذكرة من وزير الزراعة رداً على قرار المحكمة السابق بسرعة نقل المبيدات ،تضمنت انه لا يوجد مكان مناسب لنقل النفايات إليه .. طالباً من المحكمة إلزام المتهمين توفير ثلاث حاويات بسعة 20 قدماً لتخزين ما تبقى من التربة التي تم تعبئتها في شوالات خوفاً من سقوط الأمطار عليها وتسربها وحدوث تلوث ، وكذا طلب نقل النفايات السامة والتربة الملوثة إلى خارج البلاد للتخلص منها في محارق متخصصة بذلك على نفقة أصحاب الشأن المتهمين في القضية ، وهو أمراً لم يتم حتى الآن أيضاً.

بلاغات

دعا وزير الزراعة والري المواطنين إلى إبلاغ الجهات المسؤولة عند الاشتباه بتواجد مبيدات مدفونة أو محظورة ليتسنى للجهات المعنية اتخاذ الإجراءات المناسبة لحمايتهم من خطر المبيدات وأضرارها، ولكن ما يتمناه الناس هو التعامل الجدي مع أي بلاغ يقدم ولا يتم إهماله كبلاغ محمد حتى تنبعث الروائح الكريهة.

من جانبه أكد وزير المياه والبيئة المهندس عبده رزاز أن دفن المبيدات يمثل كارثة بيئية خطيرة ويجب التعامل معها عند اكتشافها من قبل للجنة فنية وفقا لإجراءات ومعايير وضوابط فنية ودقيقة .. مبينا أن خطر التخلص من المبيدات قد يطال المياه الجوفية والتربة, وبالتالي فإنها تشكل تهديدا للصحة والبيئة.

ودعا رزاز القضاء إلى اتخاذ الإجراءات الصارمة وتطبيق القوانين واللوائح بحق كل متورط في دفن المبيدات المنتهية كونها جريمة وكارثة بيئية وصحية كبيرة.

تجارة ثمنها أرواح الأبرياء

ترد الأنباء تباعاً وبشكل شبه يومي تقريباً عن ضبط سفن في البحر أو شاحنات في البر تُقل كميات من البضائع والسلع المهربة بما فيها المبيدات، والتي تعتبر أخطر أنواع التهريب والتي من شأنها إلحاق أفدح الأضرار كما يقول مسؤولو وزارة الزراعة بحياة الإنسان وسلامة البيئة، بل وبالاقتصاد الوطني الذي يصارع عوامل عدة من أجل التعافي والصمود في وجه التحديات المختلفة.

وتظل فقط الصدفة وحدها هي من يقود السلطات إلى اكتشاف هذه المبيدات الزراعية السامة..برغم ناقوس الخطر الذي يُدق بشكل متواصل خاصة وأن المتورطين في هذه العمليات المتواصلة لم تنلهم سياط العدالة على الأقل حتى اللحظة, بالرغم من نظر القضاء للعديد من هذه الجرائم ولم تتخذ الإجراءات القانونية الصارمة ضد هؤلاء حتى نجعل منهم عبرة ومثلاً لكل من قد تسول له نفسه السير في هذا الدرب الخاطئ وممارسة الإضرار بالوطن ومصالح أبنائه.

حمى التهريب بلغ ذروتها خلال السنوات القليلة الماضية مع الأحداث التي شهدتها البلاد في العام 2011م وما تعيشه من انفلات أمني حتى اللحظة ساهم بشكل لافت في اتساع الظاهرة، إضافة إلى الصعوبات والعراقيل العديدة التي نجهلها حتى الآن...

وكانت الأجهزة الأمنية قد كشفت قبل فترة عن 18 مهرباً من المهربين الرئيسيين المتورطين في جرائم تهريب المبيدات والسموم الممنوعة والمحرمة استخدامها دولياً وإدخالها إلى البلاد بطرق غير قانونية.

ويضيف الوكيل الغشم: إن الوزارة يتوقف دورها عند متابعة ومراقبة الأسواق المحلية وضبط أي مواد متداولة من هذه الأصناف بينما تظل مسؤولية ضبط المهربين وعمليات التهريب على الأجهزة الأمنية وقطاع خفر السواحل.

ويبقى الحاضر الأبرز في جرائم تهريب المبيدات غياب ضمائر بعض التجار ممن يسعون إلى التكسب المادي وتحقيق الأرباح المادية على حساب أرواح الأبرياء من المواطنين الذي يقعون ضحايا لهذه السموم والآفات المدمرة ,كما لا يلقي هؤلاء المستوردون بالاً للمصالح العليا للوطن الذي تتعرض بيئته واقتصاده الوطني لضربات موجعة ومؤثرة وتكون التداعيات والممارسات كبيرة ومتعددة وتمس بصورة مباشرة كل فئات الشعب اليمني دون استثناء.

وفي مواجهة غياب الحس الوطني الذي يفتقده تجار السموم لا بد ــ كما يقول الوكيل الغشم ــ من إنفاذ القانون بصورة حازمة وصارمة واتخاذ الإجراءات الرادعة ضد كل من يثبت تورطه في هذه الجرائم الأمر الذي سيؤدي إلى انحسار الظاهرة وتقليل الكميات الواصلة إلى البلاد من هذه السموم والمواد شديدة الخطورة.

مبيدات.. ترفع الإنتاج لكنها قاتله

لم يكن متوقعا أن يأتي يوم تُشَن فيه حربٌ على المواطن اليمني تستخدم فيها مبيدات محرمة دوليا تهلك الحرث والنسل وبأيدي أبناء جلدتهم ممن امتهن التجارة وباعوا ضمائرهم للشيطان بحثاً عن المال ..فأخبار ضبط شحنات من المبيدات الزراعية المهربة أو المدفونة تجاوزت ضربات الطائرة بدون طيار بل أصبحت أكثر فتكا، فهنا استهداف لحياة شعب.. فمن المسؤول عن دخول تجارة الموت ووصولها إلى مراكز المحافظات وقلب العاصمة ..؟وكيف قطعت مئات الكيلوهات من المترات حتى تصل إلى أماكن بيعها دون أن تلقى عليها نظرة سلام من نقاط التفتيش إلا إذا كانت تنزل علينا من السماء وحتى هذا, فالناس سيشاهدونها وهي تتساقط.

قد يقول قائل: إن تجار المبيدات الزراعية يتلون إحدى آيات سورة ياسين التي قرأها الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما ذر التراب على كفار قريش المكلفين بقتله "وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون" صدق الله العظيم, وهم يفعلون ذلك عند مرورهم عند كل نقطة تفتيش وبذلك تصل الشحنات سالمة دون أن يمسها الضر, فهي محصنة بالحصن الحصين الإنساني المعتمد على المادة لشراء الذمم وليس الإلهي, فالله أرحم بنا من أنفسنا.

مسرطنة

حتى المبيدات التي وُضعت أسماؤها في اللائحة المسموح استيرادها لم تبتعد كثيرا عن وصف مسرطنة إذ أضيفت إليها العشوائية واللا مبالاة التي يتعامل بها المزارع في اليمن.

الدكتور محمد القباطي – استشاري أمراض الباطنية يقول:إن المبيدات مواد كيماوية ليست آمنة بشكل مطلق‏,‏ ويجب أن تراعي فيها الجرعات المستخدمة وطريقة الاستخدام وزمان ومكان هذا الاستخدام وإذا ما وضعنا هذا القول في ضوء المعمول به في اليمن فإن الواقع غير ذلك تماما, فليس هناك إشراف مهني وتخصصي يحدد الجرعات ولا توقيتاتها, فمثل هذا الإشراف قاصر تماماً ويشمل هذا القصور تجارة المبيدات.

ويقول‏:‏ إن المسؤول عن أي حالات تسمم قد تصيب الإنسان من هذه المبيدات هو إساءة استخدامها ووجود "مافيا" منظمة لتهريبها عبر الحدود وبطرق مختلفة وهذا هو المسؤول عن خطورة هذه المبيدات على البيئة والصحة العامة‏.‏

مأساة

مأساتنا في اليمن عدم وجود ضوابط في تحديد الكمية المطلوبة للمبيد من قبل المزارعين‏..‏ فالمبيدات والمواد الكيميائية والأدوية يمكن أن تتحول إلى سُمّيات خطيرة إذا ما صاحب استخدامها إهمال الجرعات المسموح بها, علاوة على نَهَم وجشع المستخدم وكذا جهله بخطورة الاستخدام المسرف لهذه المبيدات‏,‏ ونظرته بعين واحدة إلى ما سوف يجنيه من أرباح جراء هذا الإسراف, علاوة على عدم وجود إرشاد زراعي يهتم بمثل هذه الأمور الخطيرة‏.‏

مبيدات محظورة

تقرير منظمة الأغذية والزراعة والذي صدر بعنوان "المبيدات الزراعية" ورد فيه أن المبيدات تتسبب في مقتل‏200‏ ألف شخص سنويا حول العالم بسبب تأثيرها السمي المباشر‏,‏ وان هناك أكثر من نصف مليون طن من المبيدات المحظور تداولها تدخل إلى الدول النامية والفقيرة محدثة دمارا بيئيا وتدميرا لصحة الإنسان في هذه الدول‏..‏

معضلة تنتظر الحل

تزايدت مخاطر المبيدات الزراعية في اليمن لتتحول إلى واحدة من أهم التحديات الحكومية التي تخلف سنوياً آلاف المصابين بالأمراض السرطانية، فضلاً عن التأثيرات البيئية العميقة للموارد المائية والطبيعية الشحيحة في البلاد.

وأثار اكتشاف عشرات الآلاف من أطنان المبيدات المحرمة التي كانت مدفونة في حي سكني شمالي العاصمة، موجة غضب واسعة احتوتها السلطات بأحكام قضائية مستعجلة ضد المخالفين، غير أن عملية التخلص من هذه المبيدات ما تزال فوق قدرات الحكومة اليمنية على مواجهة هذه المشكلة التي تضع البلاد في صدارة دول المنطقة استهلاكاً للمبيدات الزراعية..

سمّية المبيدات

المبيدات بصفة عامة سامة وخطيرة مثلها مثل الدواء الذي يستخدم في علاج الإنسان من الأمراض.. فإذا استخدم بطريقة خطأ فأنه يؤدي إلى الإصابة بأضرار جانبية عديدة.. فيجب على مرشدي المزارعين التوصية باختيار المبيدات المنخفضة السمّية وسريعة التحلل.. وهناك علامات واضحة على عبوة كل مبيد تبين مدى قوته السمّية.. فمنظمة الصحة العالمية قسمت المبيدات إلى أربعة أنواع على أن يكون هناك لون مميز للخطر لكل مبيد.فاللون الأحمر يدل على شدة سمّية المبيد.. واللون الأصفر يدل على أن سمّية المبيد عالية.. أما اللون الأزرق فيدل على أن سمّية المبيد متوسطة.. بينما اللون الأخضر يدل على أن سمّية المبيد قليلة.. يرى الدكتور/ عبدالرحمن ثابت أستاذ المبيدات والسميات في كلية الزراعة جامعة صنعاء أن تعتمد سياسة وزارة الزراعة على ترشيد استخدام المبيدات باستخدام برامج المكافحة المتكاملة التي يتم فيها الاستعانة بجميع الوسائل المختلفة من مكافحة زراعة ومكافحة ميكانيكية ومكافحة بيولوجية.. ويضيف : إنه لا يجب اعتبار سمّية المبيد هي المعيار الوحيد الذي يجب أخذه في الاعتبار.. ولكن هناك معايير أخطر يجب أخذها في الاعتبار, ويجب التدقيق فيها.. فعلى سبيل المثال هناك الشوائب الموجودة في المبيد والتي من الممكن أن تحدث طفرات وراثية أو تكون موادَ مسرطنة أو تؤثر في الأجهزة العصبية.

اختصاصي آفات زراعية

ويضيف الدكتور ثابت: نحن بحاجة لاختصاصي وقاية نبات, يبحث في الآفات الزراعية ويشخص أعراضها وأسبابها ويحدد أساليب مكافحتها وإجراءات الوقاية منها:يبحث في الآفات الزراعية والأمراض النباتية يحدد نوع المرض وأعراضه وأسبابه ويقدر مدى شدتها ومستوى الضرر الاقتصادية يحدد أساليب وطرق مكافحتها وذلك من خلال معرفة الظروف البيئية لتكاثر الحشرات والطفيليات«التحكم في مواعيد الزراعة» يصف المبيدات الحشرية المناسبة ويشرف على استخدامها ويرشد المزارعين حول طرق استخدام المبيدات الحشرية وأضرارها على البيئة والإنسان يدرب الفنيين والمزارعين على طرق المكافحة ويجري المشاهدات العملية لهذا الغرض يشارك في تنظيم وتنفيذ حملات المكافحة على مستوى البلد مثل حملات مكافحة الجراد والمن والحشرات القشرية يتابع التطور العلمي في مجال علم الآفات الزراعية وأساليب مكافحتها ويعمل على تطبيقها ويعزز ويراعي تأمين واستخدام وسائل الحماية والوقاية وتطبيق قواعد الصحة والسلامة المهنية.

وأضاف: لابد من طلب المشورة من المتخصصين عن نوعية المبيدات التي يوصي باستخدامها ومكان الحصول عليها وتركيزها وتوقيت الرش وتكرار المعالجة والأسلوب الأمثل للرش والاحتياطات الواجب اتخاذها عند مزج المبيدات وخلطها ورشها،وضرورة الانتباه إلى احتياطات الأمان والسلامة المدونة على البطاقة والرسوم التحذيرية، وبعد استخدام المبيدات يجب التخلص من جميع العبوات الفارغة بأمان وذلك بغسل العلب ثم تعبئتها وطمرها في الأرض وتجنب ثقب عبوات الايروسول وبالنسبة للعبوات الكرتونية فتحرق بعيداً عن المساكن والمزروعات والعبوات البلاستيكية تقفل ثم تثقب وتحرق بعيداً عن التجمعات السكنية.

الحجر الزراعي بالمنافذ

كل محطات الحجر الزراعي لا تمتلك أجهزة ومختبرات حديثة حتى تكون هذه المحطات قادرة على التعامل مع المبيدات المستوردة التي يتم استيرادها من الخارج وعلى ما يبدوا أن العاملون في هذه المحطات لا يمتلكون الإمكانيات لإجراء الفحوصات المختبرية لكشفها بدقة علمية وكشف المحظورة من هذه المبيدات قبل دخولها الأسواق المحلية اليمنية.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد