هل أضحى الاقتصاد اليمني في مرمى نيران الجماعات الإرهابية؟

2014-12-21 16:53:35 الاقتصادي/ خاص

لم يكن الاقتصاد اليمني، بحاجة إلى وجع إضافي، فما فيه يكفي لأن يترنح تحت وطأة الانهيار، لكن تنظيم القاعدة ضاعف الأسبوع الماضي، من وجع هذا الاقتصاد، وذلك بتوجيه ضربة موجعة إلى أنبوب نقل النفط الرئيس، إذ أعلن مسؤوليته عن تفجير الأنبوب الأسبوع الماضي، وتعد هذه أول مرة يتجه فيها هذا التنظيم.

وهنا يتسأل معنيون هل أضحى الاقتصاد اليمني في مرمى نيران الجماعات المسلحة؟ ويترافق هذا مع تلقي الاقتصاد اليمني، خلال العام الجاري، ضربات موجعة نتيجة الأعمال التخريبية التي نالت أنابيب النفط وتراجع صادراته الخارجية، لكن إيقاف دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، الدعم الذي تقدمه لجارها الفقير، اليمن، نتيجة سيطرة جماعة الحوثيين على مفاصل الدولة، كان الضربة الأشد إيلاماً.

ويعتمد اقتصاد اليمن بنسبة كبيرة على صادرات النفط الخام، وهو ما يصفه مراقبون بـ"رئة الاقتصاد اليمني"، لكن هذه الأخيرة تراجعت بسبب تفجيرات النفط منذ مطلع العام الجاري وحتى سبتمبر/ أيلول الماضي، بأكثر من ستة ملايين برميل مقارنة بالعام الماضي، وفقا لإحصائيات البنك المركزي اليمني.

وتعيش الخزانة اليمنية أوضاعا كارثية منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، وبعد تداول أنباء عن عدم قدرة الحكومة على سداد رواتب موظفي الدولة لشهر نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، اضطر البنك المركزي إلى صرفها في توقيت غير معتاد بعد مرور أربعة أيام من الشهر الجاري، بعد الاستعانة بـ"أذون الخزانة" الخاصة بالمصارف اليمنية.

وقال مصدر رفيع في الحكومة اليمنية، فضّل عدم ذكر اسمه، لوكالة الأناضول، إن "وزراء خارجية الخليج أبلغوا وزير الخارجية اليمني في اجتماع الدوحة، بإيقاف الدعم الخليجي بشكل عام حتى تعود الحياة لطبيعتها وينسحب مسلحو الحوثي من المحافظات والدوائر الحكومية التي يحتلونها".

ومنذ 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، يسيطر الحوثيون على جميع مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء ويقومون بتقييد أعمالها، ومن أبرزها البنك المركزي اليمني، ومطار صنعاء الدولي، ووزارة المالية، إضافة إلى موانئ الحديدة والصليف، غربي البلاد.

ويعتمد اليمن كثيراً على الدعم الخليجي، فالسعودية لوحدها تموّل عدداً من المشاريع التنموية في اليمن بحوالي 700 مليون دولار أبرزها "مدينة الملك عبد الله الطبية" في العاصمة صنعاء بتكلفة 400 مليون دولار، ومشاريع في قطاعات الكهرباء والمدن السكنية لذوي الدخل المحدود والطرق بقيمة 300 مليون دولار، كما أنها قدمت للحكومة اليمنية منذ مطلع العام الجاري مساعدات بـمليار و400 مليون دولار، ووضعت "وديعة" في البنك المركزي اليمني بمليار دولار لحماية العملة النقدية المحلية من الهزات.

كما قدمت دولة قطر دعماً بقيمة 350 مليون دولار لصندوق دعم المتضررين مخصّصا للتعويضات لأبناء المحافظات الجنوبية، جرّاء ما لحق بهم في حرب صيف 1994 بين الشمال والجنوب.

وتبذل الحكومة اليمنية كل ما بوسعها من أجل استعادة الدعم الخليجي، فبعد مناشدة لوزيرة الإعلام نادية السقاف للقيادة السعودية باستمرار دعمها لليمن باعتبارها "الأخ الأكبر"، أوفدت الحكومة، يوم الأحد، وزير خارجيتها عبد الله الصايدي إلى الرياض لبحث إعادة الدعم الذي جعل الاقتصاد اليمني يترنح بغيابه.

ولم تخرج الزيارة بنتائج معلنة، واكتفت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ" بإيراد خبر أن وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، قال لنظيره اليمني إن "المملكة لن تتخلى عن اليمن".

ويقول اقتصاديون إن سيطرة الحوثيين على مطار صنعاء وهيئات أخرى أدى أيضا إلى تراجع الإيرادات الجمركية والضريبية والتي تشكل حوالي 30% من موازنة الدولة، بجانب النفط، وأن العقاب الخليجي جاء بعد نفاد صبرهم من السياسة اليمنية المتبعة حيال الوضع الحاصل في البلد.

في المقابل، يرى محللون اقتصاديون أنه يفترض أن تتخلص الحكومة اليمنية من عقدة البحث عن الدعم الخليجي، والتفكير في إجراءات عملية وحاسمة لوقف العبث الذي يطال أنبوب النفط، وأبراج الكهرباء لإيقاف حالة النزيف في الموارد، وكذلك تحسين الأوعية الضريبية من أجل زيادة الإيرادات والبحث عن الفرص الاقتصادية العاجلة التي يمكن أن تحسن من الدخل للحكومة كتحرير قطاع الاتصالات.

ويقول محمد فرحان، أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، إنه "يفترض ألا يخضع موضوع المنح والدعم الخليجي إلى المزايدات والابتزاز، لأننا في نهاية الأمر دولة يفترض أن تقوم بواجبها تجاه مواطنيها، وعلى أقل تقدير فيما يخص الرواتب والأجور، وهي أبسط مسؤوليات الحكومة".

وأضاف في تصريحات للأناضول أن "حديث الحكومة عن عدم قدرتها على دفع نفقات الباب الأول (رواتب وأجور) هو إشهار إفلاس، أو غباء سياسي لدى الحكومة، وكلا الخيارين لهما تداعيات خطيرة على اقتصاد البلاد، وعلى الدائنين داخلياً وخارجياً".

وتابع "لدينا موارد يمكن أن تغطي كل هذا، لكننا نعاني من سوء إدارة لإيرادات النفط والضرائب والجمارك، وهذه لوحدها يمكن أن تجعل من اليمن مكتفيا ذاتياً".

وختم بالقول "هناك دور أمني غائب، والدولة عاجزة عن حماية أنبوب النفط وخطوط الطاقة، وهذا يحتاج لإرادة وقرار سياسي لوقف هذا التدهور".

من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي عبد الناصر المودع، أنه "كان من الطبيعي أن تجمد دول الخليج مساعداتها لليمن بعد هيمنة الحوثيين على السلطة، فلا يعقل أن تواصل تقديم الدعم لهم، كونهم أحد أذرع إيران في المنطقة".

وأضاف المودع لوكالة الأناضول "تأثير مثل هذا القرار سيكون سيئا جدا على أوضاع اليمن، فالسعودية هي الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد اليمني، وليس باستطاعة أي طرف خارجي تعويض الدور السعودي بشكل متواصل ودائم".

وفيما يعتقد البعض أن إيران ستقوم بتغطية الدعم الذي جمدته السعودية نكاية بالمملكة ودعما لحلفائها الحوثيين، يقول المودع "لا إيران ولا غيرها قادرة أو راغبة لأن تتحمل نفس العبء الذي كانت تتحمله دول الخليج" .

وإضافة إلى الدعم الخليجي، يبدو أن الحصار المالي لليمن بسبب سيطرة الحوثي على الدولة، سيشمل جميع الدول المانحة، التي هددت بإيقاف مساعداتها كما فعل الخليجيون.

وكان عبد الكريم الإرياني، المستشار السياسي للرئيس عبد ربه منصور هادي، قد أوضح في حوار مع صحيفة 26 سبتمبر التابعة للجيش اليمني الخميس الماضي أن "المجتمع الدولي ومجلس التعاون الخليجي قرروا أن يتوقف دعمهم لليمن وربطوا ذلك بالالتزام الحرفي لاتفاق السلم والشراكة الموقع بين الأطراف السياسية في 21 سبتمبر (أيلول الماضي)".

ونص اتفاق "السلم والشراكة" الموقع بين القوى السياسية اليمنية وجماعة الحوثي في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي على انسحاب كافة مسلحي الجماعة من المدن والمحافظات عقب تشكيل الحكومة الجديدة، لكن ومنذ تشكيل الحكومة مطلع نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، لم يتم تنفيذ تلك البنود الموضوعة في الملحق الأمني للاتفاق.

وفي سياق متصل أعلن تنظيم القاعدة في اليمن الأسبوع الماضي، مسؤوليته عن قصف شركة بلحاف الحكومية لتصدير الغاز بجنوب شرقي البلاد، والحادثة واحدة من عشرات الحوادث التي باتت مألوفة في اليمن والتي يتم من خلالها استهداف منشآت حيوية بما يضع المقدرات الاقتصادية اليمنية المحدودة أصلا في مرمى النيران المتقاطعة للأطراف المتصارعة.

ويعتبر تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي، وحزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين، أبرز ثلاثة أقطاب للصراع الدامي الدائر في البلاد وذي التأثير المدمّر على مختلف الصعد بما في ذلك الصعيد الاقتصادي حيث بدأت ترتفع التحذيرات من حالة إفلاس شاملة للبلد، في ظل شبه الانعدام الكامل لموارد السياحة وتوقّف الاستثمار، وتعثّر قطاع النفط في ظل الاعتداءات المتكررة على منشآته، فضلا عن تهديد دول داعمة ماليا لليمن بوقف دعمها، ما لم تتراجع جماعة الحوثي عن احتلال أجزاء واسعة من البلاد.

ويخشى يمنيون من أن يكون الاعتداء على شركة بلحاف لتصدير الغاز مقدّمة لاستهداف أوسع من قبل تنظيم القاعدة لمنشآت حيوية في اليمن، على اعتبار أنّ التنظيم استغل زحف جماعة الحوثي على مناطق في البلاد، ليعلن نفسه «قوة مقاومة» لهم.

وبالنظر إلى وقوع جلّ مؤسسات الدولة اليمنية تحت سيطرة الحوثيين، فإن ذلك يحوّل تلك المؤسسات إلى «أهداف مشروعة» في نظر القاعدة.

ومن جهتها تخوض جماعة الحوثي صراعا من أجل استكمال السيطرة على القطاعات الحيوية في الاقتصاد اليمني وعلى رأسها منابع النفط في محافظة مأرب، ذلك أن الاستيلاء على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية أحد الأهداف الاستراتيجية للجماعة الشيعية المدعومة من إيران منذ بدأت بالتمدّد خارج مناطق نفوذها التقليدي بمنطقة صعدة بشمال البلاد.

وسبق لقبائل محافظة مأرب أن هددت بضرب المنشآت النفطية وتفجير محطات توليد الكهرباء في حال تمكنت جماعة أنصار الله الحوثية من دخول المحافظة. وجاء ذلك بعد أن بدأت الجماعة الشيعية تروّج عبر وسائل إعلام تابعة لها لضرورة حماية المنشآت العامة، وأنابيب النفط وخطوط نقل الطاقة الكهربائية التي تتعرض بين حين وآخر لعمليات تخريب في محافظة مأرب.

وحسب مراقبين فإنّ هذا التلويح الحوثي بالتوجه شرقا نحو مناطق القبائل ينذر بنشوب حرب شرسة تختلف عن الحروب التي خاضها الحوثيون في بعض المناطق الأخرى.

وتعتبر محافظة مأرب المصدر الرئيسي للنفط الخام في اليمن الذي يمثل 70 بالمئة من موارد موازنة الدولة، إضافة إلى تواجد محطة مأرب الغازية فيها والتي تزود البلاد بثلث الطاقة الكهربائية التي تحتاجها، كما يتواجد فيها سبعة معسكرات للجيش بالإضافة إلى وحدات أمنية من قوات مكافحة الإرهاب وقوات الأمن الخاصة والنجدة والأمن.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد