الألم يتطاول على الشاعر الأردني..

قراءة في ديوان تلالي تضيق بعوسجها.

2015-02-16 11:05:38 أخبار اليوم/ سعاد المأمون - المغرب


عندما تهمُّ بقراءة قصائد ديوان: "تلالي تضيق بعوسجها" للشاعر الدكتور عمارالجنيدي؛ تجدك محض بغتة تتوغّل لتسبر أغوارها الشعرية لتَقُدْكَ بذلك إلى استيعاب دواخلها في مدى تلقائية الشاعر وشفافيته في رصد حسراته، كأنه يلقيها عفويا دونما وضع حواجز؛ ليطلعك على أنّاته فتصلك كأنها مواويل حزينة تضجُّها شذرات تتناوب بين الاصطبار واللامستحيل في تلقي موجعات الحياة و قسوتها برحابة المحترف في تحمل خباياها والحنكة في التعامل مع نكساتها:

((من غيرنا يدفع الثمن ؟!

من غيرنا تهزأ الغيمات بمشاعره ؟!

ووهج القناديل التي

سباها الانتظار

تستنكر اندهاشي ؟

تحملق في شظاياي طويلا

فتقرأني

كل علامات الاستفهام

والتعجب.

وتمضين كقصيدة لعن الذهول روابيها ؛

كسفينة أوغلت في الطوفان؛

كل الصواري تحطمت

والأشرعة مثخنة بالضياع..

ومازلتِ

تمخرين عباب الطرفان

حيث لا مرافئ

لا شطآن..

لا شطان))ص22، ص23..

و هذا ما تشمله قصائد الديوان:

(إغفاءة؛ على صدر الريح، فواصل للحب المنسي، من كل الجهات، على سفح الشفق، في مدارات الصدى، خطوات على أرصفة الحياة،  في محراب الوجع، مرثية لارتحال الموال، أنت، على عتبات البوح، النداء الأخير إلى عشتار، تهويمه، على رموش عينيكِ).

فالقصائد في تلالي تضيق بعوسجها، تعبُر مراثيه و تعبِّر عنها بطلاقة اللغة، كأنها احتفائية بألمه الصنديد، الذي ما يلبث الشاعر إلا ان يجابهه ليرفع في نهاية كل قصيدة شارة الانتصار المفعمة بعنفوانه الشامخ , مهما حاول حزنه أن يطاله:

" حكايتي مع الليل طالت ،

وضجت بأودية المساء

أشواقي ،

والسؤال

يقتفي آثار خطواتي ؛

يحمّلني أكثر مما أستطيع

وجداً

وشوقاً

وحزنا،

وعندما يختبئ

في لجة السراب ،

تطويه مسافات الدهشة ،

وتضيق التلال

حتى بعوسجها" ص43-44...

ورغم المضامين الحزينة لقصائد الديوان، الاّ أن الانتشاء زهوا بالحروف يالانتقال من قصيدة لأخرى على مدار قصائد الديوان الذي يحوي ست وثلاثين قصيدة. 

وفي قصائد الديوان لغة باذخة بالمخزون الأدبي؛ باذخة بشمولية الوصف و التوصيف، في ألغازها التي تَفُكُّهُ في النهاية سلاسة قلم الشاعر و تعقيداته معا، لتأخدك إلى مكامن الدهشة في توصيل الرؤيا اخيرا لعتبات الوقوف على جواب التساؤل عن مدى ارتقاء الكاتب الى لغة شعرية خاصة به، فيطرح عبرها هموم الحياة بصخب آلامها وإرهاصاتها، بالأشواق لمحبوبته تارة، أو بِطَرْقِ أبواب الرغبة دون الاستجداء تارة أخرى، ليكون هو هو بهمومه أمام القارئ دون تقمُّصِ قناع يتعرى لحروفه ليس بحثا عن منأى الخلاص، بقدر ما همّه الوصول إلى أعماقه بشفافية بحبر يقطر بالابداع اللغوي و الحياكة المزدانة بالألق، لتخرج بعدها من عتماته إلى وجود خال من شوائب التنكر لذات الوجع مهما اشتد وطيسه.

وفي جولة في صور الديوان الشعرية ودلالاتها الانزياحية؛ نجده غاصا في صور شعرية ساحرة يغدقُ بجمال يلفه روح الشاعر و جاذبية العمق الابداعي:

(وللربيع في وجهينا لون آخر: ليلكي الفزع لحظة الرحيل/ كل الصباحات تخرج من بطن اليباس: شاحبة.. هزيلة يمتطيها الجفاف/ ويبكي الغيّاب فينا أدمعا سجالا على انسحاق الحنين تحت سنابك القهر/ على ارتجاف الأيام في قبضة الصهيل/ مُذ توضأت بدمعات الخوف وأنت تجري أوردة الصباح/ تجترّ دفء السؤالات وتستنفذ كل أجوبة الحقول/ بعدما أعدّت النوائب طقوس ذبحي على عتبات المساء/ بعدما جدّلت ضفائر روحي وطافت بها في محراب الوجع ثلاثين مرة!/ هولاكو: يصلبُ براءتي على صاريةِ الفشل،/ ينتزعُ منّي صوتي، / ويرهنُ لصهدِ الشمسِ قرباناً: دمي./ حطّ السراب على حلمي/ وتغيّر شكل الحياة كموسم ترف/ وصار الوطن قصيدة شعر بهمومي تُثقلني/ وبحاكورة قلقي تزرع شوكاً، فتطلع فيها القوافي أقحوانا أخضر) الديوان.

*  عمار الجنيدي، تلالي تضيق بعوسجها

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد