قرية الصريح الواقعة بمديرية المضاربة ورأس العارة بمحافظة لحج، هذا الاسم له وقعه الخاص بين أبناء الصبيحة بشكل عام, فهي قرية شهداء الكفاح المسلح أمثال الشهيد زيد هواش العاطفي والشهيد احمد قاسم ومحمد قاسم السيلي والذين كانوا في قيادة جبهة الصبيحة لتحرير الجنوب من الاستعمار, كما أن هذه القرية هي مسقط رأس عمالقة الشعر الصبيحي كالشاعر حسن راجح محسن والشاعر زيد رجوح والشاعر حوشان والذين تكلموا بشعر هز الوجدان والمشاعر لجميع أبناء الصبيحة وتغنى به الفنانون في المخادر و الأعراس, لكنه لم يلقَ الاهتمام بجمعه كما لم يلقَ هؤلاء الشعراء الاهتمام من الجميع حتى لاقوا ربهم جميعاً، فإليكم التقرير التالي:


يسكن في منطقة الصريح بقراها المختلفة كلٌ من قبيلة السييلة والعاطفي والحييرة "الحيراني"والمصافية، وبعض أفراد من قبيلة الفتيحة ويعيش غالبية الناس في هذه المنطقة معتمدين على الزراعة ورعي الأغنام والإبل, كما أن هناك من يعمل منهم في السلك العسكري والمدني وفي قرية بجيلة توجد مدرسة أساسية لكنها كغيرها من مدارس المديرية ينقصها المعلمين والأثاث والوسائل التعليمية كما يوجد في قرية" شقرة" مدرسة أساسية وهي لا تختلف عن جارتها من حيث النقص ولقد تكرمت منظمة اليونيسيف في فترة إدارة طيب الذكر والمعشر واللسان الأستاذ المرحوم "عبده احمد قاسم" مدير التربية السابق ببناء فصول دراسية في منطقة "العذقة" والصباط" لكن هذه الملحقيات مغلقة دون معلمين وأصبحت تستخدم لأعلاف لمواشي والكنان وقت هطول الأمطار.

كما يوجد في كل المنطقة بقراها المختلفة وحدة صحية لا تهش ولا تنش ففيها ممرض واحد وخاوية على عروشها ولا يستفاد منها أي شيء في إسعاف مريض أو مداواة عليل وهذا هو حال كل القطاع الصحي في مديرية المضاربة والعارة .

أما في جانب الخدمات الأخرى كالمياه والكهرباء, فهي معدومة بالخالص ويتحدث الناس هنا عن قيام الدولة في فترة التسعينات باعتماد مشروع المياه لكن وكما يقول الناس إن احد أبناء المنطقة والذي كان في تلك الفترة من أبطال الدفاع عن الوحدة والشرعية قام ببيع هذا المشروع كله باعتباره متنفذاً ،أما الكهرباء لم يتم ذكرها وهنا يتمنى الشباب هذه الخدمة بالقول لا نريد إضاءة ولا مكيفات فقط نريد أن نشحن هواتفنا المحمولة والتي تبقى مغلقة طيلة أيام تواجدنا في المنطقة .

يمتاز أبناء منطقة الصريح بالطرافة والذكاء وتداول النكتة؛ فنتيجة أوضاعهم الصعبة يفرغون شحناتهم بالدعابة والمرح لكنهم رغم ذلك على خلاف كبير مع مشايخهم والذين يقولون إنهم يستأثرون بكل شيء لصالح أسرهم فقط من حيث الدعومات التي تقدم لأبناء المنطقة من الدولة أو رجال الخير ورغم هذا فهم يحبون أن يبقى الحال على ما هو عليه وان يبقى مشايخ المنطقة في انسجام وصداقة لأنهم يخشون ما هو اكبر من ذلك فهم يقولون إنهم عندما يختلفون يعملون على نشر المشاكل بين الناس لدرجة وصول المنطقة قبل فترة لثأر قبلي وكأنهم يقولون تهديدنا بالموت جعلنا نقبل بالحمى من مشايخنا والذين لم يكفرهم دعم انتصار الوحدة في التسعينات ولا دعم قطر الشقيقة الآن .

ونختتم هذا التقرير ببعض أبيات شعرية حكيمة لعلها تنعش القاريء وكيف ربط الشعراء؛ يقول الشاعر زيد رجوح- رحمه الله- وكيف ربط أبياته الشعرية بواقعهم،

الذي ما يجي في خط لهـــدى

 إلا كــان سبب لراحاته ما استراح

اترك الويل وابشر بعده بخيــر

 من ذرا الويل يصرب خيره جراح

وهي رسالة تاريخية لا تصلح فقط لأبناء الصريح الصبيحة بل تصلح لأبناء الوطن جميعاً.

أما الشاعر والمناضل حسن راجح أردف في أبياته الشعرية بعض الكلمات الحساسة؛ حيث قال:

يوم خف النظر ركيت السلاح

وكيف أسوي طواهش البادية

تستحق يا حسن إذا جاك العمى

 كل هذا على شأن الحرية

فلقد عاش هذا الإنسان مناضلاً للاستعمار في شبابه ومناضلاً ضد الظلم والفساد في شيخوخته ضد المسؤولين في السلطة والذي كلهم فساد ولصوصية ورغم وفاته إلا أن الحال لم يتغير فبعض المسؤولين على فسادهم ونسيانهم لمناطق كلفوا بالمسؤولية عنها أمام الله والوطن فعيب كل العيب أن ترى النساء العجائز يجلبن المياه من أعماق الآبار الكبيرة ويحملنها من مسافات بعيدة وعيب عليهم ذلك الطلب البسيط من الشباب بشحن هواتفهم من الكهرباء، حتى الأطفال اصبحوا في مشقة وتعب من الاقتياد وراء الحمير وإيصال قطرة الماء إلى منازلهم.

 وهذا مما جعل الكثير منهم يكره الحياة التي يعيش فيها سكان هذه المنطقة من ظلم الدولة والقائمين على أمور منطقتهم وممثلي المنطقة أمام الجهات العليا سواء بالمحافظة أو المديرية، وبهذا الظلم الذي خيّم على قاطني المنطقة ومن حواليها ولو يدري بهذا الحال الذي لحق بهؤلاء شهداء الكفاح المسلح أمثال " زيد واحمد ومحمد" وغيرهم من المناضلين في هذه المنطقة أن هذا هو حال الصريح بعد خمسين عاماً من كفاحهم لما كافحوا يقول الشاعر حوشان رحمه الله تعالى:

ضاعت أبطال فجاه بانت فلول

 الخيانة لمبدأ كمن شهيد

فيرد عليه الشاعر زيد:ـ

إذا عُمر مات باقي من لايموت

خالق الكون والمبدي والمعيد

مــادروا بالقوانين الشرعية

سوق سوداء وبالسعر ذي مايفيد

وهنا نترك هذه المنطقة المكلومة على شهدائها وشعرائها وأحوالها التعيسة, متمنياً أن رب عمر بن الخطاب العادل والقادر هو من ينصف هذه المنطقة بعد أن ضاعت الدولة وقوانينها وبيعت في السوق السوداء ورغم أن أهل هذه المنطقة ببسالتهم وشجاعتهم كالنمار والأسود والذئاب إلا أنهم اقتنعوا بالأمر الواقع ورضوا بما قاله شاعرهم زيد رحمه الله:

هاجسي يوم سرى في الغبة سبح

 في ثمانين قامة سوداء وغاص

عجز الوقت ثابت فيه الأسود والنمارة

 وسلــــم ذئب العــواص

والدراهم ســــلاحك ياذا الـزمان

 والجنابي مراقح من نوع خاص

العـــدو نذل ما يستعمل ســـلاح

 الجبان ذي غلب يرمني رصاص

فقلد اعترف الشاعر بشجاعة قومه وفي مقابل ذلك اعترف باستلامهم والسبب في ذلك يعود إلى أن الحرب عليهم هي حرب رشاوي وعطايا وهدايا؛ فعدوهم نذل رفض يرميهم بالرصاص فهم من الواقع المر يتمنون أن يواجهوا الموت ببسالة أو كأنه يقول لو كان نقدر نغير هذا الواقع بالرصاص لغيرناه, لكن العدو له حرب أخرى نفسية وعقلية ضدنا.