الباحث جابر يحذّر من مصالحة قد تؤجل المعركة الكبرى ويكشف عن سر اختراق الحركة الحوثية للنظام الجمهوري

2018-07-18 04:04:29 حاوره / هيثم الجرادي

اتهم الكاتب والباحث اليمني/ زايد جابر، النظام السابق بالمساهمة في ظهور جماعة التمرد الحوثي بشكل قوي قادر على الانتشار من خلال عدم الاهتمام بالتعليم..
وحذّر من تكرار سيناريو ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م بمحاولة إعادة نظام الحكم الكهنوتي من جديد بثوب وأسرة جديدة.
وشدد جابر- في حوار مع "العاصمة أونلاين" تعيد "أخبار اليوم" نشره نصاً- على ضرورة تجريم الفكر العنصري والسلالي وتحريمه دستوريا وإعادة النظر وقراءة ما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر قراءة متأنية وعميقة والعمل على إحياء التراث الوطني للمناضلين الذين ناضلوا ضد هذا الفكر المدمر والاستفادة من الأخطاء التي وقعت، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لعودة الإمامة متمثلة- الآن- بالحركة الحوثية.

إلى نص الحوار:
- ما علاقة الإمامة بالمشروع الحوثي.. وإلى أي مدى استطاع المشروع الحوثي اختراق الدولة اليمنية والتغلغل داخل المجتمع اليمني؟
* الحركة الحوثية لم تكن سوى انتقال للفكرة الإمامية من النظرية إلى التطبيق، والحوثي لم يكن سوى ثمار بدأت منذ ما بعد ثورة 26 سبتمبر وظل الإماميون يشتغلون على مهل في إذكاء النعرات الطائفية، وإعادة الفكر الإمامي وضرب المشروع الجمهوري والوطني.
أيضا ساهمت الخلافات والصراعات التي حدثت داخل الصف والقوى الجمهورية في تمكين الحركة الحوثية من تفكيك المجتمع اليمني وتدمير وحدة نسيجه الاجتماعي والتغلغل والانتشار وتحقيق هدفها، بالإضافة إلى ضعف مخرجات التعليم والجهل والفقر والبطالة وغير ذلك، مما استغلته الحركة في كثير من المناطق خصوصاً المناطق الشمالية التي استغلت فيها البعد المذهبي لتجنيد شباب، وكل تلك العوامل الموضوعية والموروثة ساهمت في تحقيق هدف الحوثي وأدت إلى حدوث الانهيار الكبير الذي شهدناه وسقوط الدولة في انقلاب 21 سبتمبر 2014.
- ما خطورة المشروع الحوثي على الوحدة اليمنية؟
* من المؤكد أن لا مستقبل للبلاد ووحدتها وسلامة أراضيها في ظل بقاء هذا الفكر أو سيطرتها على البلاد أو حتى جزء منها، فالإمامة بشكل عام هي النقيض الموضوعي لوحدة اليمن ونسيجه الاجتماعي، والتاريخ يشهد أنه كلما تسيطر الإمامة حتى تحدث انقسامات في اليمن، وقد كان ثوار 26 سبتمبر والحركة الوطنية يدركون ذلك، ولهذا أَلّفْ الشهيد العظيم/ محمود الزبيري 1957 كتاب "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن"، وهو يستشهد بالتاريخ وبالواقع أنه لا مستقبل لوحدة اليمن في ظل بقاء الإمامة، وليس فقط اليمن الكبير وإنما كان يتحدث عن شمال اليمن الذي سيطرت عليه الإمامة قبل ثورة 1962م فقد كانت وحدته مهددة بالخطر، لأن هذا الفكر الأمامي السلالي والعنصري والمذهبي الخطير لا يدين به اليمنيون إنما ينتشر في مناطق محددة، وهذا الكلام الذي قاله الزبيري لا زال أثره بشكل أكبر الآن مع السيطرة الحوثية.
• المذهبية الجغرافية..
- هل نجحت الحركة الحوثية في فرض مذهبها الزيدي على مناطق الشمال التي ما تزال خاضعة لسيطرتها؟
* المذهب الزيدي الذي استندت إليه الحركة الحوثية لم يعد بذلك الشكل وهم يحاولون أن يثبتوا المذهبية الجغرافية، إذ أن الحقيقة لم يعد المذهب الزيدي أو الهادوي بمعنى أصح هو السائد في المناطق الشمالية التي أرادوا أن يجعلوها وكأنها محمية مذهبية لهم، وبالرغم من ما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر من قصور وضعف، إلا أن انتشار الفكر والثقافة والتعليم والهجرة إلى الخارج ووسائل الإعلام والأحزاب والحركة الإسلامية والحركة السلفية، كل ذلك ساهم في تقليص انتشار المذهب الزيدي.
ومن المجازفة اليوم أن نقول إن المناطق الشمالية هي زيدية كما يصر أولئك على تقسيم أو ثنائية المذهب في اليمن "الشافعي، الزيدي"، فهذه المناطق التي كان يطلق عليها الزيدية نستطيع أن نقول إنها لم تعد له أغلبية مذهبية في هذه المناطق، وبالتالي فإن سيطرة الحركة الحوثية ومحاولة فرض مذهبها وفكرها الخاص على الناس بالقوة يهدد الوحدة الاجتماعية والسياسية للبلد، ويهدد المجتمع ويمثل خطراً على وحدة اليمن وفئاته الاجتماعية، بما في ذلك من يسميهم الحوثيون "الزيدية أو الهاشميين" كما ذكر الزبيري في كتاب "الإمامة"، إذ ما من شيء يهدد الهاشميين كما تهددهم هذه الفكرة العنصرية التي يتبناها الحوثي اليوم، وبالتالي تجعلهم في صراع مع غالبية المجتمع وفي صراعات بينية وداخلية كما هو تاريخ الإمامة عبر 1200 عام.
- كيف استطاعت مليشيا الحوثي الانقلابية جلب مقاتليها والتغرير على الشباب واستغلال القبائل في مشروعها التدميري؟
• يحدثنا التاريخ أن هذا الفكر السلالي المتطرف لا ينتشر إلا في بيئة الجهل، ولهذا كان الجهل والإمامة توأمان، وقد حرص الأئمة عبر تاريخهم الطويل على تجهيل المجتمعات من أجل يتسنى لهم توظيف جهل المجتمع في خدمة السلالة والإمامة، وكان معروف محاربتهم للعلم والتعليم، فعندما جاء الإمام يحيى حميد الدين أغلق بعض المدارس التي كان فتحها الأتراك وحارب فتح المدارس في أي مكان، وكذلك رسائل المفتي زبارة إلى القاضي الزبيري يعاتبه فيها ويعاتب أخوانه لماذا يطلبون بتدريس المجتمع وفتح المدارس وغيرها للناس، لأن القبيلي في نظرهم ليس حق تعليم أو علم كما يقولون.
وقد كانت أكبر ضربة للإمامة بعد ثورة 26 سبتمبر هو انتشار التعليم، وللأسف الشديد فالنظام السابق لم يهتم بالتعليم خصوصاً في بعض المناطق التي كان يتواجد فيها دعاة الإمامة كصعدة وغيرها من المناطق، هذا الجهل الذي ساهم فيه النظام السابق استثمره الحوثيون خير استثمار في خدمة حركتهم السلالية والعنصرية، وتجنيد الناس وتخريج أفراد لا يعرفون إلا السيد وأن طاعته طريق إلى الجنة وما إلى ذلك، هذه النواة التي بناها الحوثي، مستغلاً ضعف التعليم والدولة اليوم بعد سقوط الدولة وسيطرة الحوثيين على إمكاناتها، وأصبح لديهم الأموال، يقومون بدورات تدريبية طائفية وتغيير مناهج التعليم واستخدام وسائل التعليم، هذا يشكل خطر كبير على مستقبل اليمن.
• فريسة سهلة للحوثيين..
- كيف سيكون حال اليمن مع وجود بعض الأطفال والشباب المقاتلين مع الحوثي.. وما هي الحلول الممكنة لإعادتهم إلى المسار الصحيح؟
• ما لا يدركه الكثير من الناس أن هناك الآلاف من الشباب يتخرج من المدارس والجامعات غير ناضج وليس لديه حصانة مسبقة من العلم والثقافة الكافية لإدراك هشاشة هذا الفكر السلالي والعنصري، وبالتالي يكونون فريسة سهلة للحوثيين وكلما استمرت سيطرة الحوثي و طال أمد الحسم العسكري وإنهاء السيطرة العسكرية لهذه الجماعة، كلما زاد مخاطرها من تخريج جيل متعصب متسلح بهذه الأفكار الأيدولوجية والسلالية والعنصرية لا يفقه شيئاً إلا ما لقن بالملازم وبمحاضن التعبئة العنصرية، إلى جانب التدريب بالسلاح وهذا خطر كبير.
وأعتقد أن الحلول للعودة إلى المسار الصحيح أولاً هو هزيمة هذه المشروع عسكرياً إذ لا يمكن نجاح أي حلول ثقافية وتعليمية، وإنقاذ الناس من هذا الفكر ولا زالت مسيطرة عليهم بالقوة وخصوصاً على أكثر المناطق ازدحاماً بالسكان، حيث تعبئهم وتأخذهم من المدارس، فكسر القوة العسكرية لهذه الحركة أمر مهم، وعودة الدولة وبسط نفوذها أمر طبيعي، ثم بعد ذلك تأتي الحلول والمعالجات لإخراج المغرر بهم من هذا الفكر السلالي العنصري وتحصين الجيل الجديد وبقية المجتمع من تداعيات هذه الحركة وأفكارها وآثارها المدمرة.
- الكثير يرى أن الحركة الحوثية هي الوجه الآخر للإمامة.. كيف تمكنت الإمامة من خداع الجمهوريين؟
• طبيعي أن يحدث ذلك لأن فكر الإمامة لا يمكن أن يقوم إلا على أنقاض الفكر الوطني والجمهوري، ويجب أن نستفيد مما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر حتى لا تتكرر نفس المأساة وتعود لنا الإمامة من جديد بثوب وأسرّة جديدة، وما حدث بعد المصالحة الوطنية سنة 1970 أنه تم حصر المشكلة ببيت حميد الدين، وكأن فكرة الإمامة اخترعها بيت حميد الدين وتم تحميلهم وزر مشكلة الإمامة التاريخية مع إبقاء فكرة ورموز الإمامة وعلى رأسهم مؤسس هذه الفكرة يحيى بن حسين الرسي الملقب بالهادي والذي قبره ومسجده مزار في صعدة، وكذلك الإمام عبدالله ابن حمزة والإمام أحمد ابن سليمان وغيرهم، وقد تم ذلك بتخطيط ودهاء ومكر الإماميين الذين استوعبتهم الجمهورية.
ما يحدث اليوم يجب أن يكون درساً كافياً لنا؛ فهناك من يسعى من الآن إلى حصر المشكلة ببيت الحوثي، وكأن عبدالملك الحوثي أو حسين الحوثي أو أسرة الحوثي بالكثير هي من قامت بهذه المشكلة والفكرة ومجرد القضاء على هذه الأسرة تحت حجة الحفاظ على النسيج الاجتماعي والمذهبي، وأن هناك مذهبين تعايشا بسلام ومن غير ذلك من الأكاذيب التي بثها دعاة الإمامة.
• اختراق النظام الجمهوري..
- عمل الإمامييون الذين تمكنوا من اختراق النظام الجمهوري على تجريف التراث الجمهوري والوطني وإحياء تراثهم السلالي والعنصري المدمر للدولة والمجتمع.. ما هو الحل الجذري للقضاء على هذه المشكلة التاريخية؟
* للأسف الشديد فقد تم إحياء أفكار الإمامة وإعادتها بدعم من الدولة، وكانت تطبع كتبهم في وزارة العدل وفي مطابع التوجيه المعنوي والكتاب المدرسي وبتمويل من الرئاسة والدولة بحجة إحياء المذهب الزيدي، وهو كله إحياء لفكر الإمامة ونسف لفكرة الجمهورية والمساواة، وكذلك إحياء الفكر السلالي والعنصري والتمييز لآل البيت وتفضيلهم ووجوب حصر الحكم فيهم وما إلى ذلك، وبالتالي يجب أن نحارب الفكرة السلالية من جذورها، وما قام به عبدالملك الحوثي لا يخرج قيد أنمله عما قام به أئمة هذه الفكرة منذ يحيى بن حسين الرسي وحتى يحيى حميد الدين، كلهم مارسوا القتل والتكفير وتفجير البيوت والمساجد المخالفة مذهبياً ونسف كلما يعارضهم، ولم يفعل عبدالملك الحوثي إلا أن استند على هذا التراث التكفيري والتدميري الذي مارسه الأئمة من قبله.
ولهذا يجب أن نركز على تجريم الفكر العنصري والسلالي وتحريمه دستوريا، كما حاربت ألمانيا النازية وكما حاربت كل المجتمعات الأفكار المتطرفة والهدامة.. فكر يقتل الناس ويدعو إلى قتل كل من خالفه ويرى نفسه فوق المجتمع، يجب أن يجرم هذا الفكر ويجب أن يتم إحياء التراث الوطني للمناضلين الذين ناضلوا ضد هذا الفكر المدمر، والذي عمل التيار الأمامي على طمس تراثهم، بدءاً برائد الفكر الوطني الهمداني مروراً بالمطرفية الذين قتلهم الأمام عبدالله بن حمزة بتلك الوحشية وأباد كتبهم ومؤلفاتهم، ونشوان بن سعيد الحميري، ومروراً بمدرسة الاجتهاد الإسلامية لابن الوزير وابن الأمير والشوكاني والمقبلي وغيرهم، ووصولاً إلى رواد الحركة الوطنية المعاصرة "الزبيري والنعمان" وغيرهم، فإحياء فكر هؤلاء المناضلين والفكر الوطني إلى جانب محاربة أفكار الإمامة هذه مهمة وطنية، حتى لا نشعر بعد ذلك بعودة واستمرار هذا الفكر المأساوي تحت غطاء ومسمى جديد و أسرة جديدة.
• استغلال الخلافات القبلية..
- عرفت الإمامة قديماً بقدرتها على خداع القبائل واستخدامهم من أجل تمكين مشروعها وشاهدنا نفس السيناريو يتكرر مع مليشيا الحوثي.. برأيك ما السبب في تكرار نفس السيناريو مع القبائل؟
* استغلت الإمامة منذ وصولها إلى اليمن على يد يحيى بن الحسين الرسى الملقب بالإمام الهادي، الخلافات القبيلة في المجتمع اليمني والصراعات وعملت كإستراتيجية على إذكاء هذه الصراعات والنفاذ من خلالها، ومجيء الإمام الهادي كما تذكر مروياتهم أنه كان بسبب خلاف بين قبيلتين من خولان وأتى للصلح بينهما، ثم كان يعمل على إذكاء الصراع خصوصا في القبائل التي لم تخضع له بشكل كامل، وظل الأئمة يسيرون على هذا المنوال، فالإمام أحمد بن سليمان المتوفي سنة 566 هـ رسخ ذلك بأبيات شعرية ويقول:
ولأقتلن قبيلة بقبيلة ولأسلبن من العدا أرواحا
تلك الأبيات التي تدل على شخص سفاح وبطاش ومع ذلك يرونه من أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ثم يأتي الإمام عبدالله بن حمزة ويستند إلى ذلك، ويقول إنه يجوز لأئمة الهدى أن يعملوا على ضرب قبيلة بقبيلة من أجل التمكين ويسهل لهم المهمة.
- ما الذي ينبغي علينا حتى نعيد قراءة التاريخ القديم وتاريخ ما بعد ثورة 26 سبتمبر لأجل أن نستفيد منه في حاضرنا؟
* ينبغي أن نعيد النظر ونعيد قراءة ما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر، قراءة متأنية وعميقة حتى نستفيد من الأخطاء التي وقعت، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لعودة الإمامة متمثلة الآن بالحركة الحوثية. الحقيقة أن الإماميين بشكل عام لم يقتنعوا بالجمهورية أو يسلموا لها إلا أنهم استسلموا لأمر واقع ثم عادوا لينخروها من الداخل، وحاولوا أن يسكتوا كل من تكلم عن جرائم الإمامة وحاول أن ينبخهم بمخاطرهم ورفعوا في وجهه سلاح العنصرية والتعصب المذهبي، للأسف يستخدمون التهم ويلقون بها على من يقف ضد تعصبهم وعنصريتهم، على سبيل المثال كانوا يحيون كتب الإماميين ومؤسسي هذا الفكر العنصري السلالي وفيها من التعصب ما فيه، فإذا قام أحد وانتقد ما فيها من تعصب للسلالة ومن تهجم لرواد الفكر اليمني والمناضلين الذين وقفوا ضدهم، اتهموه بالتعصب العنصري والسلالي وشنوا عليه حملات حتى يسكتوه.
للأسف بعد المصالحة الوطنية في السبعينيات، دخلت صراعات في الصف الجمهوري وغفلوا عن الخطر الإمامي الحقيقي الذي كان ينمو بالتدريج والذي استغل كل الأحداث لإعادة إنتاج نفسه، وبالإضافة إلى تغلغله دخل أوساط مكونات الدولة، وما حدث بعد انقلابهم على الشرعية وسيطرتهم بشكل فج على الدولة يبين حجم الاختراق الذي حدث، وتفاجأ اليمنيون بتلك الطريقة مع أن العمل كان قد تهياً سواءً باختراقهم للدولة أو بإعادة الفكر وإنشاء المدارس ومراكز البحوث والدراسات والإصدار والنشر وغير ذلك، وتفاجأ اليمنيون بهذا الفكر وكأنهم يسمعونه لأول مرة، وهذا دليل على الغفلة التي أصابت الدولة والقوى الوطنية والجمهورية، وهو ما لا ينبغي أن يتكرر لأن خطر هذا الفكر سيظل قائماً حتى بعد هزيمة أصحابه عسكرياً، لكن يجب الاستفادة مما حدث وتجفيف منابع الفكر السلالي والعنصري والإرهابي الذي تتبناه الحركة الحوثية حتى يتم القضاء عليه وتحصين المجتمع منه مستقبلاً.
• تأجيل المعركة..
- كيف ترى مستقبل جماعة الحوثي الانقلابية في ظل التجاذبات الدولية والمساعي الأممية لفرض حل سياسي؟
• الحقيقة على المدى البعيد، أنا مطمئن أن جماعة الحوثي تحمل بذرة فنائها في داخلها، وبالتالي لا مستقبل لها في المجتمع اليمني مهما بدت عليه من سيطرة وقوة ومحاولات فرض مشروعها بالقوة، وقد بدأت المقاومة من قبل أن تسيطر هذه الجماعة وإن كانت القوة الكبيرة التي امتلكتها والعنف الذي مارسته ضد المجتمع جعلتهم يهادنون إلى حين، ولكن على المدى القريب هناك محاولات من المجتمع الدولي لإبقاء هذه الجماعة على الأقل كما هو شأن حزب الله في لبنان، لأجل أن تكون شوكة في جنوب المملكة العربية السعودية ولابتزاز دول الخليج.
وأي مصالحة – وهو ما تسعى إليه دول كثيرة- دون نزع سلاح هذه الجماعة وتطبيق قرار مجلس الأمن 2216 إنما سيكون تأجيلاً لمعركة قادمة، ولا يمكن أن يعود الأمن والاستقرار والدولة اليمنية في ظل بقاء الحوثي كجماعة مسلحة تحتفظ بسلاحها ولو في جزء من صعدة، لأنه في ظل احتفاظ القوة المسلحة للحوثي ستعود الحرب بأي وقت، ولهذا ما يلوح بالأفق، فالشرعية والحكومة لا يمكن أن تتنازل أو تبيع تضحيات آلاف الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم والدماء الطاهرة التي سفكت في سبيل تخليص اليمن من هذا البلاء، ولا أتوقع أنها ستقبل مهما كانت الضغوطات بأي تسوية مخلة تحافظ على الجماعة الحوثية بسلاحها وسيطرتها على الجغرافيا التي تتواجد فيها، وسيمضي اليمنيون في الأخير لاستعادة دولتهم ومعالجة الجراح التي خلفتها هذه الفتنة.
- أين يكمن جوهر المشكلة الحقيقية التي نعاني منها اليوم؟
* مشكلتنا الحقيقية هي مع الإمامة ومن يحاول أن يجعل مشكلتنا مع الحوثية كجماعة طارئة خارجية أخذت فكرها من إيران والخمينية فهذا تسطيح للمشكلة وعدم معالجة حقيقية لها، صحيح أن جماعة الحوثية أصبحت أداة من أدوات إيران وتأثر مؤسسها حسين بدر الدين وعبدالملك الحوثي بالخميني وحسن نصر الله وأصبحوا أدوات ضمن مشروع كبير تقوم به إيران لزعزعة أمن المنطقة، لكن هذا لا ينفي الجذور الفكرية والتاريخية التي اتكأت عليها الحركة الحوثية، والتي عملت ولا تزال على تحشيد الناس حول فكرها الإمامي والسلالي الذي يقوم على تقديس السلالة باعتبارها صاحبة الحق الإلهي بالحكم والسلطة.
* مواجهة العنصرية..
- كيف تقرأ ما يروج له حول مصطلح "الهاشمية السياسية"، وهل هي الأداة الرئيسية للصراعات في اليمن؟
* هناك بعض التحسس حول مصطلح الهاشمية باعتبار أن هناك هاشميين ليسوا مع جماعة الحوثي وهم ضدها ويقاتلون في صف الشرعية، وهنا يجب أن نميز بين الهاشميين كسلالة، فلا أحد يحارب هاشمياً لأن نسبه هاشمي، وإنما نحارب كل من يحمل فكراً يعتقد بأفضليته وأفضلية سلالته ويعتقد بوجوب الحق الإلهي له بالحكم.
بالمقابل ينبغي أن لا يتحسس من كان هاشمياً من توصيف الحقيقة، فالحوثي استطاع أن يغرر بقطاع واسع من الهاشميين وأن يخدعهم بالقتال تحت وهم الاصطفاء والسلالة، ولابد أن نكون صريحين حتى نتمكن من إيجاد معالجات حقيقية، حيث يجب ننسف فكرة الاصطفاء السلالي للهاشمية، ويصبح بنو هاشم مجرد قبيلة مثلهم مثل القبائل اليمنية الأخرى ليس لهم أي حق إطلاقاً، وننسف كلما يدعون إلى تمييزهم وتفضيلهم في التراث الزيدي وكذلك ما هو موجود في التراث السني.
- كيف تفسر عدم استعداء الهاشميين لسلالتهم وإنما لفكرهم؟
* يجب أن نكون واضحين وصريحين نحن لا نستعدي أحداً لنسبه وعرقه، وإنما نحن ضد الفكرة السلالية الإمامة، ويجب كشف كل الجرائم التي أرتكبها الأئمة منذ يحيى بن حسين الرسي وحتى حميد الدين، وإن كان من سلالة هؤلاء الأئمة من هو متواجد في صفوف الشرعية لا يدفعنا ذلك إلى تغطية جرائم الإمامة، وحصر تلك الجرائم بجماعة الحوثي وكأن الحوثي اخترعها من رأسه أو جاء نشاز عن نظام وجماعة وسلالة ظلت تنازع في السلطة والحكم وتقتل اليمنيين قرابة 1200 عام.
وهذه هي محاولة كما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر للتغطية على أصل الجريمة، حيث ذهب بيت حميد الدين وجاء بيت بدر الدين، واليوم يريدون إذا تم القضاء على بيت بدر الدين أن تظل البذرة فيظهر مستقبلا بيت شرف الدين وهكذا، وبالتالي يجب أن نحارب الفكرة وهي فكرة الاصطفاء والتمييز والحق الإلهي، وكل من قال بذلك فهو خصم لليمنيين وكل من هو ضد هذه الفكرة فهو يمني.
- لماذا ظهر هذا الاصطفاف والصوت الحاد مؤخراً ويسعى لتعميم الخطيئة على الهاشمية السياسية ككل؟
* ما يجري اليوم من اصطفاف ضد الهاشمية السياسية وارتفاع الأصوات إلى حد التطرف ضدهم من وجهة نظري أنه أمر طبيعي ومتوقع، وقد كتبنا عن ذلك أثناء الحروب الست وأثناء توسع الحوثي تحديداً بعد 2011، وكان الشهيد الزبيري قد قال- في كتابه "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن"- إن الإمامة تشكل خطراً من ناحيتين على الهاشميين أكثر من أي شيء آخر، الأولى: أن الإمامة تقوم على التمييز والعنصرية والهاشميون يمثلون أقلية، واليمنيون كغيرهم من شعوب الأرض الحرة لا يمكن أن يخضعوا لجماعة جاءت إليهم وآوتهم ونصرتهم ثم يدعون أنهم خير منهم وأنهم يجب أن يحكمونهم.
والثانية: أن الإمامة تشكل جزءاً من صراع داخلي وعلى إخواننا الهاشميين أن يكونوا طلائع الحركة الوطنية والثورة القادمة لاقتلاع هذا الفكر العنصري والإمامة العنصرية وهذا الكلام كان يقولها الزبيري قبل ثورة 1962م، وقد انخرط فعلاً كثير من الهاشميين بالحركة الوطنية ونبذوا مثل هذه الأفكار، وهو ما جنب الهاشميين بعد ثورة 26 سبتمبر موجة الانتقام أو الحقد أو الاصطفاف ضدهم.
* اتهام الثورة السبتمبرية..
- قدمت ثورة 26 سبتمبر نموذجاً في التعايش الاجتماعي.. ما الحل الأمثل حتى لا تنال موجة ردة الفعل مستقبلاً "المحسن بالمسيء"؟
* حاول بعض المتعصبين من الهاشميين حتى اليوم أن يقولون أن ثورة 26 سبتمبر أقصتهم أو أصابتهم ببعض الغمط وهذا غير صحيح، بل بالعكس عادوا معززين ومكرمين وتولوا المناصب وتغلغلوا داخل الدولة وعادوا لنشر فكرهم وكان ما كان بسبب التسامح الزائد عن اللزوم، ولكن اليوم مع هذه الجرائم التي يرتكبونها طبيعي أن تحصل ردة فعل تجاه هذا الفكر الإمامي، والحقيقة لا أرى فيها خطراً كما يحاول البعض أن يصرف نظرنا إلى صوت متطرف هنا أو هناك لشخص مجهول في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة.
لكن هناك قاعدة "لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه" وستكون هناك ردة فعل أمام ما جرى قد تكون بعضها متعصبة ومتطرفة وقد تنال المحسن بالمسيء، والحل هو أن يتمسك الناس بالدولة لإحقاق الحق وتحقيق العدالة، لينال من ارتكب جرائم ضد الناس عقابه العادل، وثم تعمل الدولة على معالجة هذه الآثار والتداعيات ومحاربة الفكر السلالي والعنصري ونشر قيم الحرية والمساواة بين أبناء المجتمع.
- بصفتك وكيلاً لوزارة الثقافة.. هل أداء الوزارة في المعركة الفكرية الوطنية كان بمستوى المرحلة؟
* ما من شك أن المعركة الفكرية في هذه المحنة التي نعيشها لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية لأن الإمامة هي فكرة قبل أن تكون دولة أو جماعة مسلحة، والأمور تمشي بخطوط متوازية ونحن أمام معركة متعددة الأبعاد ذات جانب سياسي وثقافي وديني وفكري وكل ذلك وهي مهمة كبيرة.
وزارة الثقافة تقع على عاتقها مسؤولية في نشر الفكر الوطني والجمهوري لمواجهة هذا الفكر العنصري المتخلف، ولكن أي تقييم لوزارة الثقافة ينبغي أن لا يكون بمعزل عن تقييم الشرعية والحكومة بشكل عام، فهناك حكومة خارج البلد بالإضافة إلى أنه حدث تجريف لمؤسسات الثقافة والدولة كاملة، خصوصا بالعاصمة صنعاء، وبالتالي انشغل المثقفون كما هو غيرهم بشأنهم الخاص وبعض الذين في الداخل لم يستطيع في ظل القمع والإرهاب الموجود أن يتكلم بكلمة، ومن في الخارج تكلموا بما أتيح لهم من وسائل إعلام وتوصيل صوتهم.
* التحدي الكبير..
- ما هي مشاريع وبرامج وزارة الثقافة المستقبلية؟
هناك بعض المشاريع التي نأمل أن تقوم بها وزارة الثقافة بالتعاون مع بعض المؤسسات من ضمنها مشروع "مائة كتاب"، حيث نسعى أن يكون للكتب دورها في مواجهة هذا الفكر العنصري، وأن تعمل الكتب الوطنية المعروفة دوراً في صياغة الوعي الوطني مع بقية مؤسسات الدولة لنشر الوعي والفكر الثقافي الوطني، وأن يتم العمل بدءا من المحافظات المحررة بالكلمة والمسرح والكتب وبكل وسائل الثقافة إلى جانب وسائل التوعية الأخرى من وسائل الإعلام والتربية والتعليم وغير ذلك.
وما من شك أن التحدي كبير ولا زال ما هو مطلوب دون هذا التحدي، وإن كنت أعتقد أن الأولوية في هذه المرحلة هي لكسر التمرد العسكري لحركة الحوثي، حتى يمكن لهذه المؤسسات وللثقافة وغيرها أن تقوم بعملها بعد نزع السلاح من يد هذه المليشيا ورفع وصايتها عن المجتمع، لتبدأ بعد ذلك المعالجات الثقافية والفكرية طويلة المدى.

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد