في جنوب اليمن نشبت الخلافات سريعاً داخل الجبهة القومية التي تسلمت مقاليــد الحكم، بـيـن التيار الثوري الديمقراطي (اليساري) بقيادة عــلي صالــح عبـاد عبدالفتاح إسماعيل وبين التيــار الوطنــي،بقيــادة قحطــان الشــعبي
انقسام الصف الثـوري الجمهوري دفع قوات الملكيين لشن هجوم عنيف على صنعــاء.. قطع فيه الملكيون معظم الطرق المؤدية مــن وإلى صنعــاء وقاموا بالقصف المدفعي مــن المرتفعات القريبة واستمر الحصار نحو سـبعين يوما، وانتهى بانتصار الجمهورية
بعد قيام ثورتي سبتمبر واكتوبر الخالدتين والتحرر من الاستبداد في الشمال والاستعمار في الجنوب وبعد انحلال جهود السلام وتلاشي التأثير العربي على الاحداث نوعا ما ؛ ضهرت خلافات بين القوى الثورية للسيطرة على مقاليد الحكم... نستعرص هنا الحلقة السادسة من هذه الدراسة والتي تسرد تفاصيل الخلافات التي نشبت بين فصائل المعارضة الثورية سواء في الشمال حيث انه كانت سلطات الشمال تحارب اليساريين او التيار اليساري وفي الجنوب ايضاً كانت السلطات تحارب تيار اليمين حيث كانت الصراعات بين هذه القوى من أجل السيطرة على الحكم وتقلد المناصب في السلطة
سلطة الشمال تحارب «اليسار»
بينمـا كانت المعارضة تضم شيوخ القبائـل وقيـادات بعثيـة، فقـد كانـت حركـة القوميـن العـرب تناصر الرئيـس
السـلال وتؤيـد الوجود المصري بـدون تحفــظ، وكانــت تقــوم بالمظاهرات المؤيدة في صنعاء وتعز وعدن،
وأخـذ الخـلاف بـين الرئيـس عبدالنـاصر من جهـة، والبعـث في سـوريا والعـراق مـن جهـة أخـرى، يلقـي بظلاله على الأوضاع في اليمـن، كما نشـب خـلاف آخــر بــن الرئيــس عبدالنــاصر وحركــة القوميــن العــرب بسبب الأوضاع في جنــوب اليمــن، فقــد كانــت الحركــة تدعـم موقـف فرعهـا الممثل بـ»الجبهة القوميــة»، فيــا كانــت الأجهزة المصرية تدعــم «جبهــة التحريــر» ومــع اتســاع رقعــة المعارضة للرئيــس السـلال اسـتدعته القيـادة المصرية إلى القاهــرة، وتــم تشــكيل حكومــة جديــدة تضــم عــددا مــن معارضيه الذيــن فوجئوا بعودته سريعا الى صنعاء، الأمر
الـذي دفـع أعضـاء الحكومة للسـفر إلى القاهــرة لمقابلة الرئيــس عبد الناصر، فصـدرت الأوامر باعتقالهم جميعـا واسـتمر الاعتقال نحو عام كامــل.
وبعــد عــودة المعتقلين إلى اليمــن، أخــذوا يعــدون لإطاحة بالرئيــس الســلال، خاصــة أن عودتهــم جــاءت بعــد نكســة حزيــران/ يونيــو 1967 ،التـي أثـرت سـلبا على مـصر والوجـود المصري في اليمـن، وعندمـا كان الرئيس الســلال في زيــارة رســمية للعــراق والاتحاد السـوفيتي نجـح خصومـه في تنفيـذ الانقلاب الأبيض عليـه، وإزاحته مـن السـلطة بشـكل نهائي في الخامـس مـن نوفمبر/ تشرين ثـان 1967 ،فيما عرف باسـم «حركـة 5 نوفمبر»، التـي اعتبرها المؤيدون تصحيحــاً للثــورة يخلـق التماسك في الصـف الجمهـوري، بينـما رأى المعارضون وأغلبهـم ينتمون للتيـار اليسـاري أنهـا «انتزعت السـلطة مــن القــوى الحديثــة لصالــح القــوى التقليديــة».
وإزاء هـذا الانقسام الجديـد في الصـف الثــوري الجمهــوري شــنت قــوات الملكيين هجومـا عنيفـا على العاصمـة
صنعــاء، بدايــة ديسمبر مــن العــام نفســه محاولــة الاستفادة مــن تراجــع الدعــم المصري للثــورة عقــب نكســة حزيران وقطع الملكيون معظـم الطرق المؤدية مــن وإلى صنعــاء وباشرت القصــف المدفعي مــن المرتفعات القريبـة، واسـتمر الحصـار نحـو سـبعين يومــا، وانتهــى بانتصــار الجمهوريــة بعدمــا تماسكت مكوناتهــا وتناســت خلافاتها، لكنهـا مـا لبثت أن اسـتعادت الخصومـة بعـد انتهـاء الهجـوم الملكي، وظهــرت جولــة دمويــة مــن الــصراع العنيــف بــن طرفــين جمهوريــن فيـمـا عــرف حينهــا بـ»أحــداث أغســطس 1968 ،»الطــرف الأول فيهــا بقيــادة الفريق/حســن العمــري ،القائــد العــام للقــوات المسلحة، أمــا الطــرف الثاني فيضــم عــددا مــن القيــادات العســكرية (اليســارية )التــي بــرز دورهـا في قيـادة الوحـدات العسـكرية خــلال فترة الحصــار الملكي، وأبرزهــم عبد الرقيب عبدالوهــاب رئيـس هيئـة الأركان، تركـز الخلاف حول صلاحيات رئاســة الأركان التــي أثــرت مـع وصـول دفعـة جديـدة مـن الأسلحة إلى مينـاء الحديـدة، وبـدأت المواجهات في 23 أغســطس/ آب 1968 ،عندمــا احتجـزت قيـادة مدرسـة الصاعقـة عـددا مــن الــوزراء والســفراء الذيــن يقومــون بجهــود الوســاطة بــين الطرفين واستمرت المعركة التـي اسـتخدم فيهـا الطرفــان الدبابــات والمدفعية يوميــن، قبـل أن تحسـمها قيادة القوات المسلحة لصالحهـا، ونتيجـة لذلك قـررت الحكومة ترحيــل الضبــاط الذيــن يحتلــون مراكــز أساســية في الوحــدات العســكرية التــي اشــتركت في المعركة إلى الجزائــر، بعــد اعتقـال عـدد منهـم وهـروب آخريـن إلى عــدن وبعــض المناطق الريفيــة وتكمــن أســباب المواجهات الداميــة في الـصراع على السـلطة باعتبـاره أحـد أبرز دوافـع الصـراع عامـة، فضـلا عـن وجـود خلفيـة سياسـية وفكريـة تدعـم الصـراع، وهــي متصلــة بالــصراع السياسي بـيـن البعـث وشـيوخ القبائل والتيار الإسـلامي مـن جهـة، والتيـار اليسـاري (الماركسيين والناصريين) مـن جهـة ثانيـة، بالإضافة إلى تلـك العوامـل، بـدأت قضيـة التعامـل مـع الملكيين تدخـل عـلى خـط الصـراع نفسـه، فبينـما كان الطـرف المسيطر على السـلطة يـرى ضرورة التفاهـم والمصالحة مـع بقايـا الملكيين المهزومون، والوصـول إلى حــل ســلمي يســتثني بيــت حميــد الديـن، كان الطـرف الآخر يرفـض ذلـك ويعتــره عمــا معاديــا للثــورة والنظــام الجمهـوري.
سلطة الجنوب تقضي على «اليمين»
في جنــوب اليمــن نشــبت الخلافات سريعــا داخــل الجبهــة القوميــة التــي تســلمت مقاليــد الحكــم، وعقــدت مؤتمرها الرابــع بدايــة العــام 1968 ،في ظــل خلافات أيديولوجيــة بــن التياريــن الرئيسيين، التيــار الثــوري الديمقراطي (اليســاري) بقيــادة عــلي صالــح عبــاد (مقبــل)، وعبداللــه الخامــري، وعبدالفتــاح إســماعيل والتيــار الوطنــي، بقيــادة قحطــان الشــعبي ومحمــد عــلي هيثــم ومــع أن المؤتمر كشــف عــن ســيطرة
التيــار اليســاري، وخرج بقــرارات أكـدت انتصـاره بإعـلان المؤتمر إيمانه بالاشتراكية العلميـة، وتبنيـه الأسلوب المعتمد في الــدول الشــيوعية، بوضــع القــوات المسلحة تحــت إرشاف الحـزب»،إلا أن التيـار الآخر بقيادة رئيــس الجمهوريــة قحطــان الشــعبي، ورئيـس الحكومـة فيصـل عبداللطيـف وقائــد الجيــش الاتحادي
العميــد/ حسـين عشـال، أبـدى اعتراضه على تلك الخطـوات، فيـا ظـل التيـار اليسـاري يطالـب بــ» البـدء في سلسـلة تطهـيرات جذريــة تبــدأ بالجيــش والبوليــس، وأجهــزة الدولــة الإدارية.» ،وذلــك «بهـدف اسـتبعاد العناصر غيـر المؤيدة لالتجــاه العــام للجبهــة القوميــة» وقـد انفجر الصراع المسلح بين الفريقين في مايو/ايــار 1968 ،وانتهــى بســيطرة قحطــان الشــعبي، لكــن اليسارين لم يستسـلموا، وظلـوا يعـززون مواقعهـم داخــل الجبهــة ومؤسســات الدولــة، خاصــة أن غالبيــة القيــادة العامــة للجبهـة هـم مـن الجنـاح اليسـاري حتـى كانـت مواجهـات يونيو/حزيـران
1969 التـي انتهـت لصالحهـم فباشروا الانتقام مـن خصومهـم، وحـل مجلـس رئاسـة محـل الرئيـس قحطـان الشـعبي الــذي وضــع تحــت الإقامة الجبرية حتــى توفي عــام 1981.
حســم التيــار اليســاري الصــراع لصالحــه في تلــك المعركة التــي أطلــق عليهـا (حركـة 22 يونيـو التصحيحيـة)،
وأصبــح يحكــم منفــردا، غــر أنــه سرعــان مــا ظهــر تيــاران متصارعــان داخـل الجبهـة الحاكمـة، الأول بقيـادة رئيــس الجمهوريــة ســالم ربيــع عـلـي (ســالمين) ،ويتبــع الخــط الشــيوعي الماوي- الصينـي، والتيـار الآخر يقـوده
أمـن عـام الجبهـة القوميـة عبدالفتـاح إسماعيل، ويوالي الاتجاه الشــيوعي الســوفيتي، وبــدأ كل منهــا خــوض معركـة داخليـة لكسـب مراكـز القـوة، ســواء على صعيــد التنظيمات في المحافظات أو على صعيــد المنظمات التابعـة للجبهـة القوميـة مثـل الطالب، الشــباب، النســاء، النقابــات..، وكذلــك في الجيــش والأمــن.