إهمال وحرب ووعي متدنٍ.. تحدِّيات عقّدت مشاريع حماية وترميم آثار اليمن التاريخية

2024-05-14 23:23:41 أخبار اليوم - متابعات

  

من بين رمال الصحراء، تطل مدينة شبام حضرموت الشاهقة كجوهرة نادرة تزيّن اليمن الكبير والعريق بتاريخه، وندرة معالمه الصامدة في وجه المتغيّرات منذ آلاف السنين، فثم واجهة اليمن معلم ذو تاريخ وقيمة لا مثيل له في المعمورة.

فبين أسواق صنعاء العتيقة، وسد مأرب العظيم، وقلعة صيرة حارسة البحر، إلى جوهرة الصحراء (شبام)؛ المدينة المسوّرة الأقدم في العالم، حيث تمتد لأكثر من ألفي عام، وغيرها لا تعد.

منذ آلاف السنين، تشق مدينة شبام طريقها وسط صحراء حضرموت القاحلة، شاهدة على عبقرية معمارية يمنية فذة، حيث ترتفع ناطحات السحاب الطينية شامخة كأبراج خالدة، حاملةً بين طياتها حكاية حضارة عريقة سبقت -بطينها نحو السماء- دول العالم؛ حين شُيّدت على يد شبام بن الحارث بن حضرموت، فسميت باسمه (مدينة شبام)، بين القرن ١٤ قبل الميلاد، والسادس بعد الميلاد.

تقف شبام كرمز للتحدي والصمود، رافضة الانصياع لمرور الزمن، محتفظة بجمالها الأصيل، رغم العواصف والأزمات، إلا أن للطبيعة أثرا على جدرانها، وللإنسان يد في التأثير على مساحاتها الأثرية، كما هو على المعالم الأثرية والمواقع التاريخية في مختلف مناطق اليمن، فهل ستنجح شبام في الحفاظ على سحرها، أم ستختنق تحت وطأة التحدِّيات؟

وما التحديات، التي تواجه اليمن، للحفاظ على تراثه العريق؟

وما خطط منظمة اليونسكو لدعم اليمن في هذا المجال؟

وما التحديات التي فرضتها الحرب على ترميم الآثار والحفاظ عليها؟

- ترميم وتجريف ووعي ضعيف

يقول مندوب اليمن الدائم لدى منظمة اليونسكو السفير محمد جميح، في تصريح لبلقيس: "اليونيسكو تنفذ مشروع ترميم مئة منزل من منازل شبام حضرموت، فيما تواجه وبعض المنظمات الدولية الأخرى صعوبات؛ نتيجة للأوضاع التي تشهدها اليمن".

"هناك مشاريع، تعيق الحرب وتبعاتها الأمنية في البلاد تنفيذها، وهناك تعقيدات في ما يخص تحويل الأموال لتنفيذ تلك المشاريع، حيث تؤدي تلك التحدِّيات إلى تأخير تنفيذ بعض المشاريع الخاصة بالمدن التاريخية"، يضيف جميح.

وأوضح: "تواجه شبام عملية تجريف لأراضيها بشكل كبير من قِبل المواطنين، الذين يحاولون الاستفادة مما توفِّره الأراضي في مدينة شبام من مواد صالحة للبناء".

وأكد أن "ذلك يؤثر على وضعية المدينة، وقد يؤدي إلى أن تفقد المدينة الأثرية مساحات الحماية الخاصة بها، وبذلك تزيد من المخاطر التي تحيط بها".

وتحدّث السفير اليمني جميح عن ضعف الوعي المجتمعي بأهمية التراث اليمني، الذي تنتج عنه آثار سلبية، منها إهمال الآثار والمتاجرة بها، واستخدام أحجار الآثار في بناء منازل خاصة، مما دفع اليونسكو إلى السعي نحو رفع الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على التراث والتاريخ اليمني في جوانبه المختلفة في أوساط المجتمعات المحلية.

- على قائمة اليونسكو

أُدرجت مدينة شبام التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي، حيث إن لليونسكو معايير لاختيار الأماكن التراثية ضمن قوائمها، وتمتلك شبام ما يميّزها، وتشمل معايير التراث العالمي، ولها استثنائية عالمية، وخصائص تراثية وثقافية ومعمارية لا تتوفر في غيرها من المواقع، وهو ما دفع اليونسكو إلى ضمها ضمن قوائم التراث العالمي؛ لما لها من أهمية، وميزة فريدة عن مواقع التراث في العالم، يقول محمد جميح.

وتعد أهمية إدراج مدينة شبام ضمن قائمة التراث العالمي في أنها تحظى بمزيد من الاهتمام، حيث إن اليونسكو تكون ملزمة بالحفاظ على هذه المواقع، التي لها قيمة عالمية بحكم أنها أصبحت تراثا عالميا لا يخص البلد وحده، وباتت حمايتها من مهام اليونسكو والحكومة اليمنية، فيما تُعد مسؤولية حماية المواقع غير المنضمة إلى قائمة اليونسكو مسؤولية وطنية وحكومية ومجتمعية.

- مسؤولية مشتركة

وفي ما يخص تأكيد اليونسكو على قيام الحكومة اليمنية بواجباتها تجاه الحفاظ على المواقع الأثرية، يقول جميح: "اليونسكو، في نظامها، تقوم بطلب من الدولة العضو برفع تقارير -بشكل سنوي- عن وضع الموقع المدرج على قائمة التراث العالمي في البلاد".

وفي حالة شبام حضرموت، يوضّح جميح أن التقارير يقوم برفعها مكتب الآثار في شبام عن وضع المدينة، والأضرار، وما يمكن لليونسكو أن تقوم به، وتسلَّم بشكل سنوي عن طريقه (جميح) إلى المنظمة الأممية لدراستها وتقييمها، مبيِّنا أن "اليونسكو، من خلال تلك التقارير، تقدّم مشاريع الترميم والإصلاحات الأخرى في المدينة الأثرية".

وتواجه اليونسكو صعوبات في العمل داخل اليمن، يشير جميع إلى أن هناك صعوبات تتعلَّق بالوضع الأمني، وغير المستقر في البلاد، الذي أدى إلى عرقلة مشاريع المنظمة في مناطق متعددة داخل اليمن، خلال سنوات الحرب الدائرة في البلاد منذ تسع سنوات.

- كارثة وطنية ومشكلة مؤرِّقة

وتعد عمليات تهريب الآثار اليمنية مشكلة تؤرِّق اليونسكو -بحسب جميح- في الوقت الذي اعتبر فيه تهريب الآثار كارثة وطنية.

وأوضح أن حيث الآثار تُنهب بشكل مستمر؛ نتيجة ارتخاء القبضة الأمنية، وتدني مستوى الوعي الوطني تجاه أهمية الآثار، وبفعل الجشع والطمع لدى من يتاجر بها، ونتيجة المغريات التي يقدمها تجار الآثار بهدف الحصول على الآثار من الداخل اليمني.

ويعلم جميح -بحسب قوله- بوجود مزادات لبيع الآثار عُقدت في دول مختلفة، وبيعت فيها آثار يمنية، فيما يقوم هو بالتواصل مع اليونسكو بخصوص تلك المزادات؛ محاولا إيقاف بيعها، بحسب إفادته.

وأكد أنه نجح في توقيف بعض القطع الأثرية اليمنية من البيع في بعض المزادات، وتحفظت الدول التي تُقام فيها تلك المزادات.

ونجح أيضا في استرداد بعض القطع الأثرية، ولم ينجح في إيقاف قطع أثرية أخرى؛ نتيجة محدودية الجهود التي تُبذل في ملاحقة الآثار اليمنية المهرَّبة في العالم -حسب قوله.

يقول جميح: "عمليات استرداد القطع الأثرية اليمنية المهربة في العالم تحتاج إلى جهود كبيرة؛ من بينها تكليف محامين في الدول التي تبيع أو تعرض تلك القطع، بالإضافة إلى أجور المحاماة وشركات قانونية تقف إلى جانب الجهود الحكومية، فيما يأتي ذلك في ظل ما تمر به البلد من ضعف، وأوضاع قاهرة لا تسمح ظروفها بذلك".

- تحدِّيات وصعوبات

يعد الاتجار بالآثار اليمنية وتهريبها معضلة تواجه اليمن واليونسكو معاً، بالإضافة إلى زحف العمران في محيط ووسط المواقع الأثرية اليمنية، ومساحات الحماية الخاصة بها؛ نتيجة تدني الوعي المجتمعي تجاه حمايتها من الاستحداثات والبناء، وكيف تؤدي إلى تشويهها.

ويعد ذلك مخالفا للوائح اليونسكو، التي تشترط إبقاء مناطق حماية المواقع الأثرية خالية؛ لتكون جزءا من الموقع الأثري، الذي يكون قد صُنّف على قائمة التراث العالمي، بحسب جميح.

ومن ضمن الصعوبات، التي تواجهها الآثار في البلاد وتؤثر على جهود اليونسكو، الإهمال الذي تتعرض له المواقع الأثرية في البلاد، حيث بات قطاع الآثار -بالنسبة للحكومة والمجتمع- ليس من الأولويات، خاصة خلال الحرب التي تشهدها البلاد.

وهنا يشير جميح إلى أن الإهمال أدى إلى تهريب الآثار، وتخريبها وخلو المواقع الأثرية من أدوات واحتياجات الحماية التي أدى غيابها إلى نتائج كارثية على الآثار اليمنية بشكل عام.

- احتياجات ومساندة

ودعا السفير اليمني منظمة اليونسكو والمنظمات والهيئات الدولية المعنية بالتراث العالمي إلى إيلاء المزيد من الاهتمام بالتراث والآثار في اليمن؛ كونها تتعرّض للتخريب والنهب والتهريب والمتاجرة والإهمال والاستحداثات الإنشائية والزحف العمراني.

وقال جميح إن التراث اليمني والآثار بحاجة إلى مزيد من المشاريع؛ منها الحماية والترميم، التي يمكن للمنظمات الدولية أن تعمل المزيد تجاهها، وكذا توسيع برامج الحماية والترميم لتشمل الآثار اليمنية عامة، وليس فقط الآثار المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي فقط.

وأضاف: "اليمن تمتلك مواقع مهمة للتراث العالمي، لكن الوقت والجهد والمرحلة في البلاد لا تسعف ليتم العمل عليها لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، الذي يحتاج إلى جهد كبير، ودعم مادي وبحثي قد يستمر لسنوات".

                             

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
الدكتور محمد سالم الغامدي لـ (أخبار اليوم) الحاجة لتعديل تقومينا الهجري تأتي من ضرورة ضمان دقة توقيت الشرعية السماوية

قال الكاتب الصحفي السعودي الدكتور محمد سالم الغامدي، إن التعديل للتوافق مع حركة الأبراج والفصول لضمان أن يكون العالم الإسلامي متناسيا تماما مع الظواهر الفلكية المحددة. وأكد الغامدي في حوار خاص أجرته (أخبار اليوم) إن هذا مشاهدة المزيد