• حينما يولد الجديد لتوه يظل القديم أقوى منه بعض الشيء لكنه سرعان ما يتداعى وينهار

القديم/الجديد.. وتحولات الضرورة

2011-03-19 05:32:52 الشموع- تحليل خاص


المتابع لمجريات التحولات التي في بلادنا يدرك أن ثمة متحققات تشكل قفزة نوعية كانت إلى زمن قصير جداً أشبه بالأسطورة، فالسلطوي المقدس "التابو" الذي كان ينظر إلى الاقتراب منه بأنه محرم ومجرم ولا يمكن المساس به صار اليوم أكبر عرضة للمتناول السلبي بصورة غير مسبوقة ويتم التعامل معه من قبل شباب الثورة بأنه أحد أهم معوقات البناء الوطني وأنه كان مدعاة للتخلف وإنتاج الأزمات وال انقسامات وغياب دولة الدستور والنظام والقانون والتدخل في شؤون القضاء والاستئثار بالسلطة والفساد المتعدد الأوجه وغياب الأمن والاستقرار وخلق عوامل التناحر كالحراك والقاعدة والتمرد الحوثي.. كل هذا وغيره كثير اليوم يجري الحديث عنه بإسهاب شديد ويجري تحميل النظام كامل المسؤوليات عن كل هذه التداعيات، في الوقت الذي كان إلى قبل زمن قصير جداً هو القائد الملهم، الرمز المناضل الوحدوي.. الخ الألقاب المتعددة الأشكال والألوان. وأمام هذه الصورة الكبيرة لواقع النظام وما آل إليه حاله من فوضى وارتباك ومبادرات بلا حدود حتى قيل أنه من يمتلك أكبر رصيد في تاريخ الأمة العربية من المبادرات وتشكيل اللجان وملحقاتها، وأنه كلما ضاقت به الحلول قدم مبادرة وكل واحدة تتناقض مع سابقاتها إن لم تكن أكثر ضيقاً من صاحباتها.. وحين لا يجدي ذلك يبحث عن إضافة أخرى من حشودٍ جماهيرية تصرف لها المليارات من بدل سفر وما رافقه لأولي العزم من ذوي الجاه لإحضار الانصار الذين يأتون لساعة من الزمن بما يكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة لتلقي كاميرا التلفزيون عليهم المشهد الذي يجبر خاطر النظام دون الوعي بأن ذلك يتم بفعل الإسراف في تبديد الأموال التي كان يمكن ان تسخر في بناء وتنمية لحل أزمات عدة أدت إلى هذه الاعتصامات المسماة بقوة ثورة تغيير.
ولعل هذا الذي يجري قد كشف بجلاء ووضوح هزال الشعبي العام، الذي أفتقد روح المبادرة وتحول إلى حزب متبلد ذهنياً لا يقدر على إقناع حتى نفسه بأهمية إيجاد حلحلة للأزمة، ذلك أن هذا التنظيم لم يجر فيه الانضباطية القوية ولم يتسلح أعضاؤه بالايديولوجيا الميثاقية التي تحصنهم وتدفع بهم إلى مستوى الالتزام الأخلاقي بها في المواجهة مع المعارضة من اجل الأفضل..
•   الحزب الحاكم تحول من مظلة سياسية للجميع إلى ساحة إقصاء وإلغاء أدت إلى التفرد وإلحاق الأذى بالوطني

على هذا الأساس بقي مجرد تنظيم شكل معضلة حقيقية إلى جانب معضلات الأزمات المتعددة، وتحول من تنظيم للسلطة قوي إلى عبء حقيقي عليها لأنه دأب على استقطاب الكثير ممن يستهويهم بريق المال والمزايدة والبحث عن المكاسب الذاتية فكان أشبه بقوى انتهازية لم تصعد قياداتها من صفوف القواعد قدر ما كانت استيراداً من أحزاب أخرى لا يشكل الشعبي العام قناعاتها قدر ما يشكل طموحاتها الذاتية.. بينما كان المؤتمريون الذين كانت لهم صدقية الولاء والانتماء والإيمان بالايديولوجيا يقصون يومياً ليتحولوا إلى فئة مدانة ومقصية ومحاربة، وبذلك وجد النظام نفسه أمام فراغ كبير لا يقدر أن يكون شيئاً يذكر أمام ثورة الشباب، وافرغ الشعبي العام من محتواه ليبقى مجرد ديكور لمسرحية عبثية اسمها صندوق الانتخابات، بمعنى أنه تحول من نضال وعمل يومي إلى موسمي يعتد به ويتحرك عبر المال المهول الذي يُصرف لقياداته باتجاه الانتخابات التي ترفع جميعها صور صاحب الفخامة بامتياز ليختصر الوطن في واحد، ويتحول الوطن من سبعة وعشرين مليون قادر على الإنتاج إلى منتج واحدٍ، ومحرّك واحداً وصاحب رأي وقرار واحد، ويتعطل الشعبي العام فلا يجد في صفوفه من يمتلك رأياً حكيماً أو صاحب نصح، لأنه اعتمد بشكل مطلق على رئيسه وما يوجه به ليتحرك على ضوئه البقية.. وبهكذا ممارسة تم اغلاق نافذة الحوار في داخله أولاً لتغلق نافذة الحوار بعدئذٍ مع أحزاب المشترك ويصير الشعبي العام اشبه بصوت واحد هو رئيسه ليتم إلغاء التنوع الذي جر تبعاته على بقية الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فكان الشعبي العام بهذا السلوك الاقصائي يمارس وبجرأة إلغاء شعب بأسره ويغيّب التنوع في إطار الوحدة والوحدة في إطار التنوع بمجرد إلغاء التنوع في صفوفه، على عكس ما كان عليه إبان فترة ما قبل الوحدة وقبل أن يتحول رئيسه إلى رمز وتطلق عليه صفة العظمة وألقاب لا أحد قبل ولا بعد رئيسه هو اليمن واليمن هو هنا، فيما كان في السابق مظلة لجميع القوى السياسية التي كانت تناقش وتحاور وتقدم خطاباً يستوعب الجميع ويعمل من أجل الجميع حتى إذا ما ترسخت دعائم الكرسي وأخذ النصر مداه بعد حرب صيف 1994م وجدنا حالة استخذاء للفردية والاستئثار بالسلطة وجعلها حكراً على مجموعة متجانسة ليس لها من مؤهلات تمكنها من الصدارة غير أنها تمت بصلة إلى هذا أو ذاك من الشخصيات.. وعبر هذه الممارسة الإلغائية غابت في مؤسسات الدولة روح الإبداع ولم يعد هناك مجال أبداً للقدرات والكفاءات وإتاحة الفرص وإطلاق الطاقات، وتحول الوطن من قابل للإنتاج وفرص التحول والاستثمار إلى وطن مستلب عاجز يديره من يجنون أرباحاً بلا حدود، من يسطون على مقدراته ولا يبالون، ومن يفسحون المجال للفساد بأن يكون القاعدة وما عداه الاستثناء، من يديرون البلاد عبر الأهواء المزاجية.. الخ، وليس عبر القانون والنظام لنجد ان الوطن في الخمس السنوات الأخيرة تحول إلى شبه إقطاعية لشيخ قبيلة الحكم فيه للجاه بدلاً من الدستور، وعفى الله عما سلف بدلاً من النظام والقانون.. والمؤلم ان نجد في أبواق السلطة من يتحدث عن اختراق الدستور بأنه متسامح وحب واحترام وقلب كبير.. الخ.

•   تطلعات الجيل الاستلهامي للثورة انبنت من الرؤية النقدية لاستلاب الحاكم إرادة الشعب

 لغة المهازل التي تكشف عن أزمة ضمير وطني لأولئك الذين مارسوا كل أنواع النفاق السياسي والاجتماعي حتى الوصول بالسلطة إلى هذا المستوى من فقدان الإرادة والتعبير عن نفسها بشكل مقنع، وهو ما يكشف بأن "الديماغوجية" في الخطاب السياسي والإعلامي للحكومة وحزبها أحد أهم هذه التداعيات التي لم يعد بمقدور أحد من أبناء الوطن تصديق النظام ولو بشق تمرة ويتحول من شعار هو الرائد الذي لا يكذب أهله إلى الرائد في الكذب وخلق الأزمات والمبادرات التي لم يعد أحد من شباب الثورة يصدقها مطلقاً بفعل ما جناه الخطاب السياسي والإعلامي للشعبي العام من تدجيل وفقدانه القدرة على الحوار وممارسة نقد الذات وتعظيم الفرد البسيط الذي يخطئ ويصيب ولا يملك حولاً ولا قوة إلا عبر الجماهير وليس الجماهير تملك قوتها من خلاله، هذا الوجه الألوهي للنظام دفع بالوطن وأبنائه إلى الثورة لإدراكهم ان الجمهورية وأهدافها هي الآن في مهب الريح وقابلة للضياع، لا سيما وان ثمة من يشتغل على الاتجاه إلى سلطنة الدولة من خلال إطلاق الصالحية على شكل النظام باسم الدولة الصالحية التي جرى التنظير لها في فترة ما بعد الوحدة والتمهيد لهذه من خلال إطلاق مسميات مستشفى وجمعية وجامع وهيئة الصالح، وكل ذلك ليس سوى عبودية للفرد وإلغاء تنوع في الوطن..
على هذا الأساس أنتج هذا الوضع حراكاً جماهيرياً يطالب بالتغيير باسم الثورة وبتطلعات حداثوية يقودها شباب مستنير استطاع أن يضع الحزب الحاكم في زاوية محدودة لا يقدر على تقديم إجابة واحدة مقنعة بأن إصلاحاً أو تغييراً سيتم قدر ما تحول إلى مدافع عن نفسه وإلى كيل الاتهامات بالخيانة والعمالة والارتهان للخارج ولملايين الشباب، وهو ما زاد الطين بلة ليجد الشباب تطلعاتهم أمام حزب يعمل على تجريمهم وخيانتهم لمجرد مطالبتهم بحقوقهم الدستورية في التظاهرات، وبذلك يجدون أنفسهم أمام واقع لم يعد يسمح لهم بالتراجع أمام مبادرات كانوا ينظرون إليها بأنها استهداف مباشر لشطب معادلتهم الوطنية وإبقائهم في ذات المواعيد التي لم يصدق أي منها، وبهكذا فقدان ثقة بين الجماهير والحزب الحاكم تنامى الوعي السياسي وصولاً إلى تغيير النظام كمطلب لا رجعة عنه في حين ظل الشعبي العام عقيماً في تعاطيه مع آمال وطموحات الجماهير لكونه دأب على التسويف والمماطلة ونجح في هذا في كثير من الأحيان، غير أنه أمام مطرقة العصر افتقد هذه القدرة وصار أشبه بالعجوز المتهالك الذي هو قابل لأن يسقط مثل تمثال شمع، لأنه أولاً فقد القدرة على الشراكة مع الآخرين، ولأن جدار أو حاجز الخوف في التعاطي مع الحزب الحاكم وسلطته تلاشى تماماً وصار الملايين يخترقون السمع ولا يبالون بالمجاهرة بآرائهم على كل ما يعتمل وطنياً، كما صار لهم أجندة وطنية خالصة لتستهدف بشكل حازم تغيير النظام بكل مكوناته من أجل دولة الدستور والنظام والقانون ووطن خال من الفساد يحقق للفرد الكفاية ويطلق الطاقات والقدرات ويجعل الثروة ملك الشعب وصاحب السيادة هو الشعب وكل موارد الدولة هي للشعب والحاكم بأمره الشعب وليس سواه.. واستطاع الشباب من خلال فهم السلبي وهو بلا حدود ان يجدوا بنقدهم القوي منهجية لمكونات الدولة المؤسساتية التي تحولت إلى هشيم تذروه الرياح بفعل تدخلات الأبناء والأحفاد وتعدد مراكز القوى بلا بصيرة أوفهم أو قدرة على إنجاز ما يعبر عن هموم الملايين وتطلعاتها.
لذلك قدم الشعب من خلال شبابه ثورة ذات اعتبار تريد إعادة الاعتبار للأهداف السبتمبرية الخالدة وتوطد دعائم الوحدة بدلاً من التشرذم أو الانقسام وتمارس النقد وبقوة دونما اعتبار لأي كان فليس هناك من هو مقدس لا يجب تناوله، الكل معرض للنقد..
بهذا المعنى انحاز الشباب إلى الحداثة بروح رحبة وتعامل الشباب عبر ثورتهم التي يعملون من أجلها مع أحدث المنجزات العلمية "النت" والاتصالات في مواجهة الهراوات والعصي والرصاص الحي وخراطيم المياه فكانت المباراة هي بين جيل عصري متمدن وآخر قديم عقيم يرنو إلى القمع أنه وسيله اتصال نافعة.
وبين هذا الجيل الاستلهامي لكل ما هو منهجي ومدروس وعبر التقني العصري وذاك القديم الذي يريد للرصاص الحي أن يحكم ولخرطوم المياه والقنابل الغازية ان تنتصر، وبين الأمرين لا شك أن العصري هو الذي يفرض نفسه، وقد قيل ان الجديد حين يولد لتوه يظل القديم أقوى منه بعض الشيء لكنه يتهالك..

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد