محسن ينحاز للشعب وصالح يتشبث بالكرسي

الفصل الأخير من صراع الجنرال والرئيس

2011-03-29 19:49:10 حسين اللسواس



لست أتفق مع أولئك الذين ينظرون إلى انضمام الجنرال علي محسن الأحمر، بوصفه حدثاً مفاجئاً وغير متوقع.
عدم الاتفاق له ما يبرره، فالعلاقة بين (العليين) صالح ومحسن، اتسمت بسيناريوهات الاضطراب والتأرجح الدائم بين مد وجزر وبالأخص منذ انكشاف مخططات الأولاد والرئيس الرامية إلى كسر شوكة الفرقة الأولى مدرع وإنهاكها في معارك عبثية ضد عدو وهمي خلال حروب صعدة الست.
بانضواء الرجل في صفوفها، تكون الثورة السلمية قد أحدثت تصدعاً بنيوياً خطيراً في أساسات وتركيبة وبنيان النظام الصالحي المتداعي.
لقد قطعت الثورة –بهذا الانضواء- ثلثي مشوار الحرية والانعتاق من عبودية وهيمنة واستبداد الأسرة الصالحية الحاكمة.

الافتراق النهائي بين صالح ومحسن
بوسعنا القول إن الجنرال محسن كان بارعاً في التقاط اللحظة الثورية الراهنة والتفاعل معها إثر إعلان الانضمام، فحتى وإن بدا انضمامه بالنسبة لبعض الممتعضين محاولة ذكية لامتطاء الموجه الثورية، إلا أن التمعن في فصول الصراع الطويل بينه وبين الرئيس، يجعل قرار الانضواء تعبيراً منطقياً عن التوافق في كثير من الأهداف بين الثورة وقائد الفرقة.
فإذا كانت الثورة تتغيا –حسب أهدافها المعلنة- إسقاط النظام وإقصاء الرئيس صالح ومحاكمته وإقصاء أبنائه وأبناء أخيه ومحاكمتهم بوصفهم رموز المشروع التوريثي المناهض لنضالات اليمنيين التاريخية، فإن محسن أسهم في تحقيق هذه الأهداف عبر أمرين: الأول: بانضمامه للثورة يكون قد أسهم في إضعاف النظام تمهيداً لإسقاطه، والثاني: مبادرته إلى تحقيق هذه الأهداف خلال مراحل سابقة، إذ أنه –ولست مبالغاً هنا- كان سباقاً في السعي إلى تحقيقها عملياً عبر مقاومة المد العاتي لمشروع التوريث خلال مراحل منقضية بموازاة نجاحه في الحفاظ على الجيش التقليدي (الوطني) من الوقوع بكاملة في القبضة النفوذية لمشروع التوريث.
حسم الرجل أمره إذن، معلناً الانضمام إلى ثورة الشباب السلمية، باسطاً ذراع الحماية العسكرية (السلمية أيضاً) لساحة التغيير ومعتصميها من الأحرار والثوار.
بهذا الحسم يكون الافتراق النهائي بين قطبي السلطة اليمنية (صالح ومحسن) قد حدث لتوه، معلناً دنو الفصل الأخير من ملحمة الصراع التاريخية بين (العليين).
غير أنها –وفق معطيات الواقع- لن تجسد نهايةً لصراع طويل بين رأسين سلطويين بقدر ما ستبدو نهايةً لصراع مصيري بين ثورة متقدة وأسرة مستبدة لم تأل جهداً في السعي لامتلاك شعب عظيم ثائر.
رغم ما يقال عن أخطاء الجنرال وتجاوزاته في حق الحوثيين والجنوبيين وأراضي العامة، إلا أن انحيازه للفعل الثوري في توقيت حاسم كالذي نعيشه، وفصمه لعرى التأييد والولاء العسكري لصالح، ونزعه لغطاء الشرعية عن الأسرة الصالحية الحاكمة، وحمايته للثورة السلمية عسكرياً، أمور تضاعف من حجم الرصيد الإيجابي للرجل لدى الثوار والمعتصمين وعامة أبناء الشعب.
ببساطة: لقد أسهم الرجل –بقرار الانضمام- في إعلاء راية الثورة السلمية ودفعها باتجاه الاقتراب من تحقيق أهدافها، وهو إسهام يجعله حليفاً استراتيجياً للثورة بصورة تمنحه الحق في الحصول على لقب (الثائر) الذي يعد وساماً طبيعياً لكل من بادر إلى الانضواء في لواء الثورة وأسهم في إسنادها ومؤازرتها..

الإسناد اللامرئي للثورة
حين علمت بنبأ التحاق الفريق الركن علي محسن صالح الأحمر إلى صفوف الثورة، لم أكن متفاجئاً لمسببات كثيرة.
فالرجل سبق له –خلال يوميات الاعتصام- أن قام بخطوات غير مرئية لإسناد الثورة لعل أبرزها وأعلاها شأناً ممارسته لضغوط مكثفة على الرئيس صالح وأعضاء مجلس الدفاع الوطني أفضت إلى صدور قرار من المجلس للجيش والأمن بعدم استخدام القوة ضد المعتصمين سلمياً.
أدوار الرجل في مرحلة ما قبل الانضمام الرسمي للثورة لم تقتصر على ذلك فحسب، إذ استخدم قدراته التأثيرية في سبيل دفع مجلس الدفاع الوطني إلى قرار يقضي بحماية المعتصمين.
في الواقع، علي محسن لا يعد –بالمفاهيم العسكرية- متمرداً على النظام أو منقلباً على بقايا شرعيته المتآكلة، إنه كقائد عسكري ينفذ قرارات مجلس الدفاع الوطني التي نصت على وجوب حماية المعتصمين وعدم السماح بالاعتداء عليهم!
ما سبق بالطبع ليس كل شيء، فالإسناد الباطن للثورة السلمية جعل الرجل يرفض توجيهات للرئيس بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة تقضي بدفع الفرقة الأولى مدرع للاعتداء على المعتصمين والعمل على تفريق وفض اعتصامهم بشتى الطرق والوسائل.
مبرر الرفض بقدر ما يؤكد على تطابق الأهداف الثورية مع أهداف الجنرال، فإنه أيضا يجسد حرصه على الالتزام بالحقوق والحريات وتحاشي سفك الدماء الطاهرة البريئة.
حين نعدد أفعال إسناد الثورة، ليس بإمكاننا تجاهل حقيقة يعرفها كثيرون، إذ سبق للجنرال أن سمح لجنود وضباط وصف الفرقة الأولى مدرع بالاعتصام في ساحة التغيير متى ما أرادوا ذلك.
إذن في وسعنا الادعاء أن الرجل لم يكن بعيداً عن الفعل الثوري في بداياته الأولى، غير أنه ولأسباب تكتيكية تتعلق بالحرص على مصير الثورة ونجاحها لم يكن يريد الإفصاح عن موقفه منذ البداية.

التوافق في الأهداف بين الثورة ومحسن
حتى وإن بدا التطابق في الأهداف والغايات هو الدافع الأبرز لانضمام قائد الفرقة إلى صفوف الثورة، إلا أن ذلك لا يلغي دوافع أخرى تتصل بصراع النفوذ والقوة في الجيش والدولة.
ربما كانت الدوافع هنا ذات منحى شخصي، غير أنها تكتسب مشروعيتها من أمرين، الأول: تطابق بعضها مع الدوافع المعلنة للثورة السلمية، والثاني: عدم تعارض ما تبقى منها مع أهداف وغايات الثورة.
توضيحاً لما قد ينشأ من التباس، فالثورة السلمية حتى وإن تخلقت بدافع صناعة التغيير، إلا أنها في الوقت عينه، لم تكن لتحدث لو أن الرئيس صالح التزم بمبادئ الثورة السبتمبرية وموجبات الشراكة الوطنية كأسلوب في إدارة الحكم والدولة.
الثورة ضد صالح لم تأت إلا بعد أن حاد عن المبادئ الثورية السبتمبرية إثر سعيه لتوريث السلطة وتملكها وعبثه بمقدرات وثروات البلاد، وانقلابه على اتفاقات الشراكة الوحدوية، وهي ممارسات تسببت في إفراغ ثلاثية الثورة والوحدة والجمهورية من مضامينها.
إن كانت أهداف وغايات صالح الشخصية تتعارض مع تطلعات وآمال الشعب في الشراكة والعزة والحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية، فإن غايات وأهداف الجنرال علي محسن الشخصية لا تتعارض مع تلك التطلعات والآمال حتى وإن برزت أخطاء وتجاوزات للرجل في مراحل منقضية.
علي محسن لا يريد توريث نجله، ولم يسعى إلى ذلك يوماً من الأيام رغم محاولات قيل إن الرئيس قام بها لجرجرته إلى هذا المربع، لقد كان الرجل حريصاً على إبعاد نجله عن القيادة العسكرية ليؤكد التزامه بالمبادئ السبتمبرية المناهضة للأسرية.
كما أنه لم يكن متطلعاً إلى امتلاك السلطة ومصادرتها والاستحواذ عليها كما فعل صالح وأبناؤه، لقد كانت جل أفعاله وتحركاته محض تدابير وقائية أو دفاعية تغذيها النزعات البشرية التقليدية التواقة للبقاء، وبما أن هذه النزعات هي أيضا دوافع صالحية، فإن الفرق بين الرجلين هنا يكمن في حرص الجنرال على عدم الأسرنة والشخصنة ونبذ شهوات التملك والاستعباد والإبقاء على الحلفاء والشركاء بعكس صالح.
وعليه فإذا كان التعارض بين غايات الثورة وغايات الجنرال قائماً بسبب انحيازه التاريخي -قبل الانضمام- للرئيس صالح ودفاعه عنه وحمايته وتجسيد دور الذراع الضاربة ضد أعدائه، فإن مبارحة التعارض إلى حالة اللاتعارض تبدو بديهية إثر إعلان الرجل عن انضمامه إلى الثورة السلمية مكفراً بذلك عن أخطاء المؤازرة التاريخية لصالح والدفاع عنه لعقود خلت.

لم يظهر منه ما يستوجب التشكيك
بالتالي فحتى لو كان الرجل –بتبرؤه عن نظام صالح وإعلان إسناده للثورة- يحاول كما يردد الممتعضون منه تجنب مصير السقوط مع النظام الصالحي المتداعي، وإعادة إنتاج المركز المقدس في حله ثورية، إلا أن طرحاً كهذا لا يبرر نزعات التشكيك والانسياق خلف شائعات اختطاف اللحظة الثورية.
يتعين هنا على الممتعضين إدراك حقيقة المساعي الصالحية الرامية إلى توليد انشقاقات ثورية ككرت أخير يتغيا إثناء الثورة عن تحقيق أهدافها الوشيكة.
بالتالي ينبغي التعاطي مع قائد الفرقة كنصير للثورة وثائر في صفوفها وذلك حتى يظهر منه ما يستوجب النقمة عليه والتشكيك في نواياه وأهدافه.

إعانة الرجل على تصحيح الأخطاء
عندما يتحدث البعض عن ضرورة أن يقوم الجنرال بتصحيح ومعالجة أخطاء وتجاوزات منسوبة إليه في مراحل سبقت، فإن دعوة كهذه تحتم على أصحابها -بوصفهم ثائرين ومعتصمين- أن يعينوا الرجل على تصحيح تلك الأخطاء ومعالجتها بالطرق والخيارات التي يراها الثوار مناسبة.
الإعانة التي أعنيها هنا، تكمن في ضرورة أن يعمل الممتعضون على عدم الترويج لشائعات أو أفكار أو مطالب يمكن أن تهدد الوحدة الثورية المصيرية.
لن أقول بأن الفعل الثوري يجُب ما قبله، ولن أحاول إقناع الممتعضين بأن انضمام الجنرال يجسد تكفيراً عن الماضي وصحوة ضمير تستوجب إعلاء رايات المصالحة والعفو والتسامي، لكنني سأقول ما يمكن أن يبدو منطقياً أكثر، ببساطة: في وسع الثورة أن تحاسب كل من أخطأ، غير أن غاية كهذه لا يمكن أن تتحقق في لحظات ما قبل الانتصار الثوري على اعتبار أن محاولات تحقيقها يمكن أن تعرض الفعل الثوري برمته إلى أخطار تساهم في إبطاء النصر اللائح أو استعصائه.

سيعود إلى موقعه كقائد للجيش
علي محسن لن يكون رئيساً دائماً للجمهورية، ولو أراد ذلك لتم له الأمر خلال مراحل منقضية، حقيقة ينبغي الاعتراف بها.
فالرجل ظل منذ عام 1994م وحتى ما قبل بداية مسرحية الحروب العبثية في صعدة، يملك القدرة على إقصاء صالح وتنحيته بالقوة.
حتى وإن كان يملك تطلعاً سلطوياً، إلا أنه يظل محدوداً ومقتصراً على الجيش والقوات المسلحة.
إن القراءة المتأنية للفعل الثوري الاستثنائي، تؤكد أن دور الرجل سينحصر في ترتيب ملامح الوضع القادم (ما بعد الثورة). وبالتالي فحتى لو حظي بموافقة الثوار على وجود له في مجلس حكم انتقالي عسكري في مرحلة ما بعد نجاح الثورة –إن استعصى الانتقال السلمي- فسيظل وجوده مؤقتاً لحين إجراء انتخابات رئاسية وتعديلات دستورية، إذ سيعود بعد انقضاء مدة المجلس المؤقت إلى موقعه الطبيعي في الجيش، هذا إن لم يطلب هو بنفسه فرصة للراحة والتقاعد بعد أن اختتم حياته العسكرية الحافلة بالانتصار لخيار الشعب والثوار.

وماذا بعد!؟
يمكن القول أخيراً، إن ملحمة الصراع الطويلة بين قطبي السلطة اليمنية (صالح ومحسن) تعيش فصلها الأخير الذي يبدو –بانضمام الجنرال للثورة- أكثر إثارة وتشويقاً من كل السيناريوهات التي سبق لي أن توقعت حدوثها في مقالات تحمل العناوين التالية: هل سيلاقي الجنرال علي محسن مصير المشير عبدالحكيم عامر، حسابات إعادة التموضع بين الرئيس والجنرال، ترتيبات الجنرال والرئيس بعد تسريبات موقع ويكيليكس.
حتى وإن بدا التصادم وارداً في فصلها الأخير، غير أن ملامح المنتصر اتضحت لتوها، السبب ببساطة يكمن في النهاية ذاتها! فالرئيس اختار أن يسفك دماء شعبه ويرتكب في حق المعتصمين سلمياً مجزرة دموية لن ينساها التأريخ، بينما اختار الجنرال أن ينضوي إلى صفوف الشعب التواق المتطلع شوقاً للحرية والعدالة والمساواة.
إن كان علي محسن –بالتقاطه للحظة الثورية- قد حظي بفرصة للخلود في ذاكرة التاريخ، فإن صالح لازال يملك القدرة على استخدام كرت الخروج السلمي الذي فقد نصف فاعليته إثر المذبحة الدامية التي سقط فيها (52) شهيداً في جمعة الإنذار.
لا خيار أمامه إن كان يريد لذكراه أن تجد حضوراً طفيفاً في هوامش التأريخ سوى أن يشرع في استخدام كرت الخروج السلمي (فوراً) ويتنحى عن الرئاسة حقناً للدماء، ما لم فإن اللعنات ستظل تطارده أينما حل وارتحل وسيبقى طريداً شريداً يكابد عناء الانكسار من بعد العزة والسؤدد، ذلك باختصار هو مصير أي قائد يستعذب سفك دماء شعبه.
شتان ما بين النهايتين إذن، نهاية القائد الذي اختار مؤازرة شعبه ومساندة ثواره، ونهاية القائد الذي لازال حائراً بين إغراءات الاحتفاظ بموقع في هوامش التاريخ ونزعات الانتقام التي –في حال اختارها- ستجعل ذكراه مقترنة بآلام وعذابات ولعنات الشعب الثائر.
al_leswas@hotmail.com
المصدر أونلاين

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد