الآفاق المستقبلية للثورة اليمنية.. الواقع والتطلعات

* إنتماء الثورة إلى روح المستقبل وآلية القدرة على إنجاز الضروري كمنطلق لحياةٍ الكل شركاء في بنائها

2011-04-05 20:15:59 اخبار اليوم /تحليل


* شعار الثورة "سلمية سلمية" قدم صورة مشرّفة للإنسان اليمني وقدرته على العيش في مستوى العصر بمسؤولية أخلاقية

لعل أول مهمة تواجه الثورة كفعل تغيير هي إعادة بناء الأهداف للثورة الأم السبتمبرية والأكتوبرية، والإعادة هنا يعني استحضار ذهني يترجم على أرض الواقع، أساسه التحول من السلبي وما علق بها من انهزامات داخلية بفعل قوى بسطت نفوذها على الحياة وأثرت من مقدرات الشعب، ومارست كل أنواع الفساد من ظلم وطغيان واستبداد ومؤامرات وتعطيل للدستور والقانون رغم تواضعه.. إلى السيادة على الوطن واعتباره ملكية خاصة لا يمكن لأحد أن ينازع السلطة عليها.. ولعل هذا ما أدى بفعل التراكمات من القهر والإذلال والحرمان والفقر والبطالة وأمراض المناطقية والطائفية إلى أن تتجه الجماهير صوب حلمها الحقيقي الخروج من هذا المزري ، والبحث عن مسار يعيد للوطن هويته المستلبة ويحقق تكافؤ الفرص والشراكة بين أبناء الوطن والمواطنة المتساوين، وينجز مهام الوحدة والتقدم بروح شبابية تستلهم كل مراحل النضال الوطني لينصهر في لوحة رائعة يشكلها الشباب في ميادين التغيير بشعارات واحدة وأهداف واضحة غايتها استئصال السلبي ودحره وإلحاق أكبر هزيمة به لصالح تطلعات الشعب الذي هو مصدر السلطة وصاحبها في آن وليس أحد غيره ممن يدعون الوصاية عليه.
ويمارسون الديكتاتورية بامتياز تحت ذرائع التصور الوطني بفعل التخلف الذي كانت السلطة أحد أهم منتجيه لتعطيل الكفاءات والقدرات وتبديد الإمكانيات ونهب الخيرات ..إلخ وهو الأمر الذي جعل الشباب ينظرون إلى هذا المؤلم والقاسي فيما هم يرنون إلى البعيد، إلى المستقبل الذي لا بد أن ينتموا إليه، ولكن ليس من خلال القطيعة مع الماضي المتجلي بالأهداف الخالدة للثورة اليمنية، ولكن من خلال استلهام هذا المتأصل في الوجدان اليمني والمتحقق تاريخياً بفعل النضال من أجل الوحدة والتقدم كمعنى سامٍ ،ومن ثم البناء عليه بروح متوثبة نحو الغد ،تدرك الواقع وما يجب التخلص منه والبناء عليه وإحداث ثورة في كل مناحي الحياة بروح حضارية تنزع للسلم وتحققه كمكتسب على أرض الواقع، وتنتصر له وقد هزمت الديكتاتور بشعار "سلمية سلمية" مجسّداً على أرض الواقع؛ وهي هزيمة شكلت في معانيها السامية مظهراً حضارياً لا نظير له في تاريخ الثورات على المستوى الإنساني وبالذات لأنها شبابية الوجه واليد واللسان.
والشبابية هنا تحمل معاني التجدد والقوة والتصميم والعصرنة حيث كان للتقنية حضورها الحيوي في تحريك وتحفيز "الشعب يريد إسقاط النظام" الشعار الذي ما كان له أن يتم بهذه الوتيرة المتسارعة لو لم يكن الشباب هم القوى الحية في هذا الانتصار العظيم، ونؤكد على العظيم، لأنه جاء تغييراً لكل ما هو سلبي وجسّد وحدة وطنية أوشكت أن تتلاشى بفعل المؤامرات عليها من السلطة ذاتها، من الديكتاتور الذي كان ينظر إلى الوحدة غنيمة سياسية يبتز كامل مقدراتها بالاتجاه السلطوي الأسري ومخرجاته العفنة.
والواقع أن هذه الثورة بسواعد شبابها وآمالهم حققت زهو النصر الرائع وأنجزت الحلم بجدارة، وفتحت نوافذ التغيير لتهبَّ دون أن تقتلع الجذور الحضارية للإنسان اليمني فالتعايش الخلاق بين مختلف القوى والفعاليات السياسية والحزبية لم يكن ليحدث لولا الروح الشبابية المعاصرة، ولم يكن ليحدث لولا الوعي بأهمية الشراكة الوطنية بين كل فئات المجتمع من أجل المستقبل الذي كان من أجله يعني الاستعداد للتضحية والصبر والمثابرة والإرادة القوية، وهي قيم انتمى الشباب إليها وقدموا أنبل المعاني في تحقيق الثورة بخطاب سلمي يستوعب الآخر ويتجه بالنقد إلى السلطوي، ويعمل في إطار هدف واحد وهو الانتصار الضروري لجعل الحياة لها طعم وبريق بعد أن أوشكت على خلق إنسان يمني محبط وبائس، يعيش تقلبات السلطوي وآلية استلابه لتطلعاته وأحلامه، وإفقاده القدرة على المبادرة، ليبقى رهينة نظام يمنع ويمنح ما يريد والإنسان أشبه بالمدجن الخانع .
أو هو هكذا في نظر الديكتاتور الذي لم يعرف أن ثمة تراكمياً يحدث في الروح الشبابية الإصرار على فعل التغيير، وأن هذا التراكمي يشكل في أحد معانيه مصدر قوة للشعب وضعفاً للديكتاتور المتمادي في سلب البشر أحلامهم..
 والواقع أن هذه الروح المتوثبة للجديد وعلى جعله متحققاً قد عمدت إلى المجاهرة بأهمية القضاء على الوهم الذي حاول السلطوي إبقاء الجماهير فيه، وهو وهم "القداسة" للديكتاتور القائد الملهم، الضرورة، الرمز، العظيم، المكرمة ...الخ هذه الرموز التي حاول المثقف القمعي السلطوي أن يؤسس لها وأن يجعلها واقعاً أسقطها الفعل الشبابي حينما كسر حاجز الخوف ومارس النقد بوعي وضمير وطني لذلك "القائد الرمز الملهم الضرورة" ورأى فيه إنسانا خائر القوى، عجوزاً عقيماً لا يقدر على فعل شيء.. يمارس الكهانة والعرافة والانقسام، ويغزو طموحات الإنسان لتدميرها، هذا العري السياسي للسلطة أنتج وعياً متقدماً انحاز للجديد من خلال الوطن وحده بعد الله المقدس وليس الديكتاتور ، وهو إيمان قدم هذا الإصرار القوي على فعل الثورة وجعلها مكتسباً لا يقبل التسويف والتأجيل، أسقط حالة الإحباط نهائياً وجعل الشعب يمارس حقه في التغيير وينتمي إليه كضرورة.. هذا التغيير الذي لابد من القول عنه إنه التقدم الذي يجب، أو هو المستقبل كمشروع حضاري ينتظر الإمكانيات الموضوعية ليصير واقعاً متحققاً، ونجزم أن التحقق كفعل وكثورة قد انتصر له الشباب ومعهم كل الشعب بمختلف تكويناته باستثناء القوى الانتهازية التي وقفت أمام التغيير حفاظاً على مصالحها الذاتية وسعت إلى عرقلة المشروع المستقبلي وقد فشلت تماماً، ليبقى التقدم هو الأبرز، والجديد الخلاق هو العنوان الذي يشتغل عليه الجميع ضمن نسق وطني يقبل أو يؤمن وبقوة بأهمية الوحدة في إطار التنوع والتنوع في إطار الوحدة.. وهو الذي وجد بقوة في ساحات التغيير حيث الكل من أجل الثورة والعمل لها والاستعداد للتضحية سلمياً من أجلها.. على هذا الأساس ثمة حدث إعجازي تحقق ووطني تأسس وهو أن الثورة استعادت هويتها ولحمتها وحضورها في عقل ووجدان الإنسان اليمني، وأن هذه الثورة ليست إنكاراً أو حالة انفصال عن الثورة اليمنية الأم السبتمبرية الأكتوبرية قدر ما هي إعادة هذا العنوان إلى المسار الصحيح وبقوى وحيوية شبابية تمكن الجميع من الاشتغال على الأهداف الخالدة برؤية معاصرة وحداثوية واستلهامية، تأخذ من الماضي ما يعينها على فهم الحاضر ومن الحاضر ما يحقق لها الطموح "المستقبل"، في نسق زمني ممتد يقف أمام المتغير برؤية فاحصة وواعية وناقدة تستوعب وتؤمن بالآخر وتعمل معه وتنجز مهاماً من أجل الكل شركاء والكل من حقهم أن يعبروا عن ذواتهم ويجسدوا طموحاتهم ويحققوا أمنياتهم، ولكن ضمن محددات واضحة فالوحدة الوطنية ليست أمراً وهمياً ولا تحتاج بالضرورة إلى مستندٍ تاريخي، ذلك لأنها الحقيقة الضرورية المعقولة التي ينبغي الإيمان بها على المناطقية والطائفية كأوهام ينتجها التخلف والديكتاتورية التي ترفض العمل في إطار التنوع في الوحدة.. لذلك التأكيد على الوحدة الوطنية هو تحصيل حاصل إذ أن الحقيقة التاريخية والوجدانية هي في ذات السياق ولا يمكن أن تنزاح عنه أو تتجاوزه.. وفق هذا التطلع إلى الأمام أو إلى المستقبل يقفز إلى الضروري بعد إدراك عميق للوحدة الوطنية كروح وكموضوع تشكل منجزاً يعمل على الانتقال به إلى مرحلة الإبداع. قوة الإرادة في المواطنة المتساوية والشراكة من أجل البناء، والإيمان العميق بالديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة واحترام الحقوق والحريات، وهي العناوين التي يدخلها كشركاء جميع أبناء الوطن دونما تمايز أو تمييز بين فرد وآخر أو فئة وأخرى، وذلك يعني أنه لا بد من احترام الدستور وتطبيق القانون وتجسيد العدالة القادرة والقاهرة على من يخرج عن الثوابت القوية للمسألة الديمقراطية.. والثوابت هنا لا تعني الجمود قدر ما تعني الحركية والتطور في مسار الديمقراطية التي يتشارك الجميع فيها في التعبير عن تطلعاتهم وفق التزام أخلاقي يعير الآخر حضوره وحقه في أن يعبر عن رأيه وأن يسهم في بناء وطنه وتطور مجتمعه، ويواكب تطلعات العصر بآفاقه الرحبة، ووفق التزام قانوني الجميع فيه متساوون في الحقوق والواجبات.. والمسؤولية هنا أخلاقية ودستورية قانونية ليس لأيٍ كان أن يدعيها أو يتنصل منها أو ينكرها على الآخرين ويمارس إقصاءه باحتكار "العقد الاجتماعي" المبني على الحرية والعدالة الاجتماعية وهوية الانتماء.
الوطني كمسلّمة لا ينبغي الجدل حولها أو لإدانة الآخر من خلالها والوصاية على المجتمع أو أفراد منه باسمها فالوطن ملك الجميع ومن حقهم أن يمارسوا حياتهم ونشاطاتهم السياسية والثقافية والاجتماعية وفق ما يكفله الدستور وتضبطه القوانين.. وفق هذا المنحى تغدو "البابوية" هي التي ينبغي الوقوف ضدها وإقصاءها وحيث لا يحق لأحدٍ أن ينكر أو يلغي أو يدين أو يقصي أحداً، فإن ثمة شراكة في صناعة المستقبل تتم بالضرورة ما دام وثمة إيمان بالآخر واعتراف بوجوده وتواجده واحترام للحرية بضابطها الأخلاقي وبمعناها الخلاق أو الإبداعي، إذ أن الحرية في تفتحها هي الإبداع الذي يتجلى ممارسة من خلال التخلص من الفقر المدقع للأيديولوجي "الدوغما"، أي أن العمل من أجل جعله متفتحاً مع الآخر وقابلاً به أمر على غاية من الأهمية لتستقيم الحياة جميعها.. وهنا نشير إلى أهمية المراجعة النقدية للأيديولوجيا أياً كانت يسارية أو يمينية، والحساب الأيديولوجي القدرة على التعاطي مع الآخر والتحاور معه، وهنا لا بد من إغنائه بالديمقراطية كضرورة، أي أن لا تكون الأيديولوجيا خالية من الآخر وخصوصيته وأدلوجته أيضاً إذ أن الاعتراف به يعني اعترافي بأيديولوجيا الآخر والعمل في نسق ديمقراطي يلتقي ولا يفترق، وبعبارة أوضح إن العمل في إطار الدولة كمفهوم مؤسسي لا بد أن يكون ضمن الديمقراطية في الحكم كأساس يؤمن به الجميع، وبالتالي لا بد أيضاً من تصحيح اختلالات الأيديولوجيا "الدوغما" والحساب الأيديولوجي الروح الديمقراطية المؤمنة بالآخر في سياق أدلوجته يسارية أو يمينية ما لم تكن عملاً هداماً يستهدف زعزعة أمن واستقرار الوطن أو ارتهاناً لقوى أخرى هي المحرك لإفشال مكتسب الثورة في البناء والتقدم.
والواقع أن ثمة مسؤولية تقع على عاتق النخبة الواعية في تطوير هذا الشكل الالتقائي التحاوري الذي يغدو العمل من أجله هو مستقبل أجيال وتطور وطن ، ولكن ليس قبل الوقوف أمام السلبي وتوصيف الواقع بكل مكوناته.. ومن ثم غربلة الواقع وإنجاز الرؤية المنهجية في التغيير من إدراك عميق لكل اعتمالات الراهن وجذوره الممتدة إلى الماضي.. هذا يقع على النخبة التي تؤمن بالحياة للجميع وتستقي أدلوجتها من أهمية التقدم وتمارس النقد بوعي وإدراك وقدرة على الإبداع وليس بهدف الهدم وخلق الإحباط، وجعل النقد الخلاق سلوكاً اجتماعياً يبدأ من الأسرة وحتى أعلى هرم في الدولة، إذ أن محور المستقبل الأفضل هو نقد السلبي ودحره والإضافة على الإيجابي وإنجاز المغاير من أجل البناء واستيعاب الكل في المهام المستقبلية دونما تهميش أو إقصاء أو محاولة استلاب البشر حقوقهم، فالحياة ثراؤها في التنوع والتنوع بقاؤه في الوحدة، وكل ذلك يحتاج المثقف المنتمي وطنياً إلى روح العصر وإلى الجديد في مسار بناء دولة مؤسساتية لها ثقلها الطاغي على إرث التخلف في المناطقية والطائفية وكافة أشكال الممارسات العقيمة التي دحرها الشباب وقضوا عليها بثورتهم في ساحات التغيير، بسلميتهم وإيمانهم أن البقاء لكل ما هو إنعتاقي تحرري يقاوم الظلم والاستبداد ويصنع الأمن المستقبلي المنشود...

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد