شبح المجاعة..الملف الأكثر تهديداً لحاضر ومستقبل اليمن (2-2)

2011-10-24 05:13:39 ينقلها/يونس الشجاع

   


هاهو عيد الأضحى على مشارف الدخول وما تزال الأزمة الاقتصادية الضاربة تعصف بحياة الفقراء،تطحن ضلوعهم الهشة حتى الثمالة.. التفاصيل تحمل مأساة الواقع الذابحة.. تفوق كل التصورات..فاليوم الطبقة الفقيرة التي تشكل ما يزيد عن 70% من المجتمع اليمني تعيش أزمة حقيقية لم يشهد لها مثيل في تاريخ اليمن الحديث..
وفي ظل هذا الوضع المتردي معيشياً تتضاعف المخاطر يوماً بعد آخر من تحول اليمن إلى صومال آخر ؛ليس في تعدد أمراء الحروب وحسب,بل إن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تفشي المجاعة.. فما يقارب مليون عامل يعملون في القطاعين العام والخاص والعشوائي بدون أي عمل وقد يقول قائل إن مليون عامل رقم مبالغ فيه، لكنها الحقيقة التي لا جدال عليها.
وبحسب خبراء‮ ‬اقتصاديين فإن الأزمة التي تعيشها بلادنا حالياً ساهمت في‮ ‬إنهاك الاقتصاد‮ ‬الضعيف والهش‮ ‬لدرجة أن ثمة شبح مجاعة‮ ‬يخيم على البلاد وأن اليمن قد‮ ‬يواجه كارثة إنسانية ستلقي‮ ‬بتداعياتها على المجتمع وستكون تكلفتها صعبة على حاضر الدولة اليمنية ومستقبلها..
والسؤال المطروح بإلحاح هذه الأيام في المجالس والملتقيات العامة والخاصة، دون أن تتوفر له إجابة،هو: متى ستنجلي هذه الأزمة وتعود الحياة تعزف الدماء في شرايينها من جديد،فمعظم الناس تعطلت أعمالهم وأنشطتهم المعيشية، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية القائمة التي شلت حركة الحياة بوجه عام، وجعلت الناس يعيشون حالة هي مزيج من الخوف والتوتر والقلق بسبب مراوحة الأوضاع بين التصعيد حيناً والتهدئة حيناً آخر، دون أن يلوح ضوء في نهاية النفق المظلم..
سنواصل تسليط الضوء في هذه المساحة الأسبوعية من "هموم الناس" على الحالة المعيشية للسواد الأعظم من المواطنين الذين يرزحون تحت الفقر وتأثيرات الأزمة الراهنة على حياتهم المعيشية..

                                                                                 
تشهد العاصمة صنعاء وغيرها من المدن الرئيسية انحساراً لافتاً للمساحات الإعلانية التجارية في الشوارع والميادين العامة التي عادة ما كانت تطرح من خلالها الشركات والمصانع المتخصصة في إنتاج وصناعة الأغذية ومحال ومعارض بيع المواد التموينية- تطرح عروضاً تنافسية تقدم خيارات تسوق معقولة الكلفة للأسر محدودة الدخل..هذا ما بدأ به حديثه الأخ /علي يوسف النهاري –الذي يعمل في محل للوحات الإعلانية..مضيفاً: الشوارع والميادين العامة وحتى واجهات السيارات الزجاجية تكتض بمساحات إعلانية وعروض تنافسية بعيدة عن الهم المعيشي للمواطنين، حيث تتبارز فيها أطراف الأزمة السياسية القائمة في جذب الانتباه واستقطاب تعاطف أنصار محتملين لدعم "الشرعية الدستورية"، في إشارة إلى السلطة أو "الشرعية الثورية" إلى المطالبين بإسقاط النظام.
علي يوسف النهاري الذي أنهى المرحلة الثانوية ويتأهب للالتحاق بالجامعة يقول إن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة دفعته للتردد عن هذه الخطوة تحت وطأة الخوف من استمرار تردي الأوضاع.
يضيف الشاب علي: "أنوي الالتحاق بكلية الطيران هذا العام ومع ما أراه حولي من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية أصبحت أخشى مما ستحمله قادم الأيام ومن هذا الغموض الذي يكتنف مستقبلنا في ظل معطيات ما نعيشه اليوم"...إلا أنه يعود للحديث متفائلاً من أن الأمور ستتحسن إلى الأفضل إذا ما كتب للمناهضين للنظام النجاح ويشدد على الشباب المضي قدماً مهما وضعت في طريقهم أي عراقيل أو عوائق..

القطاع الخاص

أصيب القطاع الخاص والشبه منظم بشلل شبه تام وهو ما ترتب عليه تسريح مئات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص الذي يحتضن أكثر من مليوني عامل.
وحسب مصادر مؤكدة من القطاع الخاص فإن الأزمة الحالية التي بدأت في التفاقم تدريجياً دفعت بالشركات الخاصة إلى تسريح 60 %،أي أن مئات الآلاف من العمال في القطاع الخاص فقدوا أعمالهم على مدى الأشهر الماضية والرقم مرشح للزيادة في ظل أزمة المشتقات النفطية التي دفعت بكثير من المصانع والمعامل الإنتاجية ومجالات خدمية إلى إغلاق أبوبها، كالمطاعم الذي تم إغلاق ما يزيد عن 50% منها في العاصمة وعواصم المحافظات الأخرى نتيجة ارتفاع سعر الغاز المنزلي عن السعر الأساسي ما يقارب الضعفين،إضافة إلى تكرار الانطفاءات الكهربائية التي تصل أكثر من 20 ساعة في اليوم وهو ما يضاعف تكلفة الاستمرار في أداء الخدمات ويقلل من الجدوى الريعية حتى وإن تم رفع أسعار الخدمات الغذائية ؛ما يعني أن عشرات الآلاف من العاملين في المطاعم التي تعد من المشاريع الكثيفة العمالة فقدوا مصادر دخلهم.
فكري إسماعيل -26 سنة يسكن في شقة بالإيجار -يشير إلى أن الحالة المعيشية السيئة التي يمر بها الوطن اضطرته إلى صرف بعض الدولارات التي كان احتفظ بها منذ سنوات.
فكري يتحدث بمرارة عن الضائقة المعيشية: استغنينا عن كثير من المتطلبات المعيشية ومع ذلك نجد صعوبة شديدة في توفير الحد الأدنى من احتياجات أسرنا وأطفالنا،فالأسعار تقفز كل يوم قفزات كبيرة حتى أصبحت مرتباتنا الشهرية الهزيلة لا تفي بإعاشتنا لعشرة أيام في الشهر وبعدها نلجأ مجبرين إلى الاستدانة حتى أصبحنا غارقين في بحر من الديون..متمنياً أن تنفرج الأزمة قريباً.

عمال القطاع العام
تظهر معالم الحالة المعيشية الصعبة على وجوه معظم المواطنين في ظل هذه الأزمة الطاحنة التي تمر بها اليمن وما يزيد الأمر سوءاً هو تأخر صرف المعاشات الشهرية لقطاع واسع من موظفي الدولة، وضآلة دخل المواطن اليمني البسيط الذي لم يعد قادراً على الوفاء بالمتطلبات الأساسية اليومية كالمأكل والمشرب والملبس والمواصلات، والأسوأ هو أن تطال موظفي الدولة انتهاكات جسيمة باستقطاع رواتبهم التي يعتمدون بدرجة رئيسية عليها لتصريف أمورهم المعيشية وتعتبر مصدر رزقهم الوحيد،ما جعل الكثير يعيشون ظروفاً معيشية في غاية الصعوبة خصوصاً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية..
يقول محمد محمود-موظف في إحدى المصالح الحكومية:الكهرباء مقطوعة طوال اليوم، ولا نعرف ما يدور، حتى الهواتف الجوالة لم نعد نستخدمها بسبب ذلك،وعندما يتم إعادة التيار الكهربائي لساعة أو ساعتين، يتسابق أفراد أسرتي لانتهاز الفرصة في شحن بطاريات هواتفهم أو متابعة الأخبار عبر التلفزيون،إضافة إلى ضخ الماء إلى الخزانات في أعلى المنزل.
ويتابع محمد:يعيش المواطن اليمني اليوم أزمة معيشية لم يسبق لها مثيل، فرضت نفسها على الجميع فـ(لا أمن غذائي ولا أمن حياتي – لا استقرار نفسي ولا استقرار اقتصادي وسياسي واجتماعي) تلك اللاءات قابلها فقر وبطالة وعوز وقلة حيلة وغلاء واحتكار لأدنى مقومات الحياة.


عمال النفط
بيئة الأعمال النفطية في اليمن دمرت حين تصاعدت أعمال العنف وتخلت الأجهزة الأمنية عن دورها في حماية المجتمع وتفشت المظاهر المسلحة وسادت الفوضى،حيث سارعت الشركات النفطية إلى سحب خبرائها وإجلائهم من اليمن ووقف العشرات من المشاريع النفطية،ما ألحق ضرراً كبيراً في مجال إنتاج النفط وتصديره والاستهلاك المحلي وفي مجال التنقيب والاستكشاف بسبب توقف الكثير من الشركات الدولية العاملة في هذه القطاعات ومغادرة كوادرها البلاد, كما تصاعدت المخاطر ليفقد ما يزيد عن 17 ألف عامل يمني أعمالهم في الشركات النفطية.
ويعد العاملون في الشركات النفطية من الشرائح العمالية الأعلى دخلاً حيث يتجاوز متوسط دخل العاملين في الشركات النفطية 500 دولار، كما أن هذه الشريحة العمالية من الشرائح التي تتمتع بغطاء تأميني كون الشركات الدولية تسعى إلى التأمين على عامليها، وعليه فوضعهم المعيشي أفضل من الكثير من الشرائح الأخرى التي لا تتمتع بغطاء تأميني.

عبدالعليم الحاج -33 عاماً سائق تاكسي- يقول إنه رفع أجرة التاكسي بنحو الضعف منذ بداية الأزمة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات عن سعرها المعلن (من75ريالاً إلى 175ريالاً للتر الواحد)،موضحاً أنه بات يعيش مأساة يومية لتوفير قوت أسرته.
يقول عبدالعليم: أزمة البترول والديزل جعلتنا عاجزين عن العمل لمعظم أيام الأسبوع، وبالتالي فقدنا أكثر من نصف دخلنا،فيما أسعار كافة المواد الغذائية والسلع آخذة في التصاعد إلى أضعاف أسعارها بدون وجود من يوقف هذا التلاعب بقوت المواطنين البسطاء ومصادر دخلهم الهزيلة أصلاً والتي لا تتحمل أية أزمات فما بالنا ونحن نعيش أزمة معيشية متفاقمة منذ أشهر.. مضيفاً "حرمنا حتى من فرحة الأعياد بعد أن أصبحنا عاجزين عن تلبية أبسط ما تحتاجه عائلاتنا وأسرنا.. فمتى تنتهي هذه الأزمة التي قصمت ظهورنا".
واختتم قائلاً: الهم المعيشي ليس هو الهاجس المعيشي الذي يشغل تفكيره، ولكن هناك تطورات على الساحة السياسية المحلية والعربية تدعو إلى القلق أكثر وأكثر.

كد وأمل

 منذ حوالي عشر سنوات، تحرص السيدة علية على أن يواكب نشاطها التجاري البسيط شروق الشمس، حيث تأخذ صباح كل يوم، مكانها المعتاد في أحد الأرصفة في باب اليمن وسط العاصمة صنعاء، لتعرض على المارة، بضاعتها المكونة من بعض الأعشاب الغذائية أو العلاجية والبيض البلدي.
لا يتعدى مردود ما تبيعه تلك المسنة 1000 ريال يومياً حسب قولها, غير أن ذلك يمثل الطريق الوحيد والأنسب للحصول على قوت أسرتها اليومي بدلاً من اتجاههم إلى التسول أو ممارسة أعمال غير سوية.
منذ بداية نشاطها قبل حوالي عقد من الزمن، لا يتعدى مطلع كل عام جديد عند المرأة السبعينية عن كونه استمراراً لمعيشتها الصعبة، فهي تعتقد أن كل عام يأتي أتعس وأقسى من العام الذي سبقه.. ولذا فإنها تأمل أن تجد نفسها في العام الجديد، أمام حياة آمنة معيشياً هي وكل الأسر الفقيرة في مختلف المحافظات اليمنية.
يشاطرها الهم محمود المهنأ -19 عاماً وهو بائع متجول لعلب المناديل الورقية ولعب الأطفال البسيطة في شوارع صنعاء مثل ملايين اليمنيين الذين يأملون أن يكون العام المقبل أفضل من الناحية المعيشية بعيداً عن الأزمات.


مخاطر الأمن المعيشي
 مخاطر الأمن المعيشي تصاعدت في الأشهر الأخيرة جراء تصاعد حدة الصراع السياسي حيث تراجع مستوى دخل المواطن اليمني البسيط الذي لم يعد قادراً على الوفاء بالمتطلبات الأساسية اليومية كالمأكل والمشرب والملبس والمواصلات بسبب الظروف الحياتية الصعبة..
إسماعيل الجرموزي –كاتب صحفي- يقول إن معظم الأسر الفقيرة التي تكتنز بعض جرامات الذهب ( كزينة ) وليس ( رأس مال) مدخر لجأت إلى بيع ما تمتلك للإيفاء بمتطلبات الحياة الضرورية وما يزيد الأسف أن هناك أسراً لجأت إلى بيع ما تمتلك من أثاث منزلي لتعيش..
ويتابع الصحفي الجرموزي: يضاف إلى ذلك هناك مئات الأسر الفقيرة فضلت النزوح إلى القرى نظراً لافتقارها لأساسيات العيش والمال الكافي لسداد إيجار المنزل،كما أن انحراف الأوضاع نحو العنف دفع آلاف الأسر إلى النزوح من المدن الحضرية إلى المناطق الريفية ومع ذلك لا يزال اتساع نطاق الأزمة الاقتصادية يتهددهم حتى في الريف الذي يعاني من ارتفاع نسبة الفقر ولذلك فإن قدرة أسرهم على استضافتهم لن تستمر طويلاً في ظل بقاء الأزمة عدة أشهر قادمة.. كما أن من تبقى في المدن مستعيناً بالمدخرات كأساس للبقاء لن تسعفهم تلك المدخرات طويلاً، فالجميع يواجه خطراً يستهدف لقمة عيشهم دون استثناء حتى محدودي الدخل فإن دائرة الخطر المعيشي تضيق عليهم كلما طال أمد الأزمة.
ويؤكد الأخ/إسماعيل أن موظفي الدولة أمام واقع متأزم جداً وأن ارتفاع الأسعار والتدهور المتسارع للبلاد كفيل بعجز الدولة خلال الأشهر القادمة عن دفع رواتب الموظفين،منوهاً بأن الركود الاقتصادي السائد سيكون له تبعات كبيرة على دخل الفئة الميسورة..

تكيف مع الأزمة
أبرز ما خرج به المبعوث الأممي السيد/جمال بن عمر هو تكيف اليمنيين مع هذه الأزمة،حيث استخدموا الأدوات التقليدية التي اشتهر بها الريف اليمني مثل استخدام الحطب في صنع الخبز والطعام، كما شهدت سوق الشمع والفوانيس رواجاً كبيراً وارتفاعاً في أسعارها، بعد زيادة الإقبال عليها في الأسواق.

تشخيص أهل الاختصاص

وعن تداعيات الأزمة الراهنة يشير الخبير الاقتصادي محمد جبران-أستاذ المحاسبة المالية بجامعة صنعاء- إلى مجاعة بدأت تلوح في الأفق بشكل ظاهر للعيان، وقال إن استمرار الأزمة جعل اليمنيين أمام موت بطيء، حيث يفتقدون إلى الغذاء والماء والكهرباء والوقود في آن واحد.
وتحدث جبران عن ضعف القدرة الشرائية للناس التي تراجعت كثيراً مع ارتفاع أسعار السلع والحاجيات الأساسية وفقدان الآلاف لوظائفهم وتردي العملة الوطنية.
واستشهد جبران بمياه الشرب التي قفز سعرها إلى أكثر من الضعف، مؤكداً أن الضائقة الاقتصادية عصفت بـ12 مليون يمني وصاروا مهددين بالمجاعة.
وفي وقت يعول فيه اليمنيون على المجتمع الدولي للتدخل لإنقاذ هذا البلد من الانهيار، يرى الخبير الاقتصادي جبران أن الأزمة المعيشية تشتد يوماً بعد آخر ومخارج حلولها ليست موجودة.
واتهم المجتمع الدولي بالنظر إلى معالجة قضية الإرهاب وتجاهله لـ24 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر.
من جانبه حذر الباحث في الشؤون الإستراتيجية سعيد عبدالمؤمن من كارثة غذائية وشيكة ستحل باليمن في الأشهر القادمة،وحمل الحكومة مسؤوليتها بسبب ما قال إنها سياساتها الفاشلة التي أدت إلى هذا الوضع المتردي.
وفي ذات السياق حذر الخبير الاقتصادي وممثل مبادرة "صلتك" القطرية لدعم الشباب في اليمن الدكتور/ محمد الميتمي، من أن تدهور العملة الوطنية سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة، ليس على المستوى الاقتصادي وحسب، ولكن الاجتماعي والسياسي أيضاً، مذكّراً بالانهيار الذي شهده المارك الألماني في عشرينيات القرن العشرين، ما أدى إلى صعود الفاشية في ألمانيا، حيث وجد الناس أنفسهم أمام فاجعة اقتصادية كبيرة ولم يكن أمامهم خيارات إلا أن يقبلوا بأسوأ الأشكال.
ورأى الميتمي -وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء وكان يشغل سابقاً مدير عام الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية-أن خيارات البنك المركزي حيال وقف تدهور الريال تبدو محدودة الآن، منتقداً غياب إستراتيجية مشتركة للسياستين المالية والنقدية في البلد.
وقال الميتمي إن هلع المضاربين وتراجع احتياطي اليمن من العملة الأجنبية وزيادة حاجة اليمن من السلع الغذائية والوسيطة، جميعها عوامل تكاتفت في هزّ البلد، مشيراً إلى مدى تأثير التدهور الاقتصادي على شريحة الدخل الثابت،وعلى عملية الاستثمار، مشدداً على ضرورة إيجاد معالجات لإخراج اليمن من النفق المظلم الذي تعيشه اليوم..
يشاطره الهم الخبير الاقتصادي والمصرفي أحمد شماخ..ويضيف:إن الخسائر الناجمة عن الأزمة السياسية ربما تفوق ذلك بكثير ولا تقل عن 20 مليار دولار أمريكي.
وأكد أن الحكومة لم تستطع المحافظة على الاستقرار النقدي وخصوصاً منذ أن تعرضت السوق النقدية اليمنية لبعض الاضطرابات خلال الأيام الأولى لبدء الاعتصامات والاحتجاجات, لافتاً إلى أن المالية العامة للدولة تأثرت بارتفاع الدين العام المحلي إلى أكثر من 900 مليار ريال أي (نحو 4 مليارات دولار).
وأشار شماخ إلى أن ذلك يحتم على الحكومة زيادة نشاطها في الحصول على هبات ومساعدات إضافية أخرى عاجلة من مختلف المؤسسات والمنظمات والدول الصديقة والشقيقة, لمواجهة تداعيات الأزمة وما خلفته من انعكاسات خطيرة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمعيشية والإنسانية ومن قلق وخوف وانفلات أمني واختلالات إدارية وفساد مالي وإداري شل الحركة في البلاد بأكملها.
وأوضح أن حجم الاحتياطي النقدي تراجع من 6,9 مليار دولار قبل اندلاع الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام في فبراير شباط الماضي, ليصل إلى 4,7 مليار دولار بنهاية منتصف العام الجاري.
ولفت إلى أن أسباب التدهور المعيشي المتسارع يعود الى أن الاقتصاد اليمني اقتصاد هش ـ وفق التصنيف الدولي ـوضعيف وعشوائي ولا يسير وفق استراتيجيات وإنما على "كف عفريت",حيث تشير التوقعات إلى تدهور مخيف خلال الفترة القادمة في كافة القطاعات وأبرزها السياحية والصناعية التي تأثرت بفعل أزمة الكهرباء وانعدام الوقود.
ونوه شماخ بأن الأخطر من ذلك هو أن هناك حركة تهريب للأموال عبر مسارين هما,الأموال الهاربة وهي تمر بطرق رسمية, والأخرى الأموال المهربة التي تهرب عبر الحدود والتي زادت خلال هذه الفترة سواء كانت لمستثمرين أجانب أو مستثمرين محليين.

الخلاصة
اليمن على وشك الانهيار الشامل، هكذا هو الحال إذا ما انسدت الطرق أمام الوصول لحل سياسي ينهي الأزمة التي تعصف بالبلد،وازداد تمترس الأطراف السياسية وراء مواقفها وعدم القبول بالحلول الوسط،غير مدركين للمآل المرعب الذي يمكن أن تقذف بهم الأزمة إليه،ويزداد ذلك اتساعاً مع استمرار تراوح الأزمة السياسية مكانها وتفاقم الأزمات الحياتية، وتردي الوضع الاقتصادي إلى أسوأ مراحله،حيث ستنتج أزمات مركبة ومتلاحقة تعصف بالمواطنين وتدخل البلد في دوامة المجهول وستدفع بملايين إضافية من اليمنيين إلى خانة الفقر،والمجاعة إذا-لا سمح الله-حدثت حرب أهلية والتي نذر وقوعها قائمة وممكنة في أية لحظة.
ما يعني أن:
المواطنين باتوا على حافة هاوية تهدد معيشتهم ببلوغ قاع الحرمان وأمام كارثة وشيكة.. لهذا يتوجب على الجميع الوقوف بمسئولية إزاء هذه الأزمة الطاحنة التي تعصف بالبلاد والعباد منذ أشهر وإيجاد الطريق الأمثل والطريقة الفضلى للخروج منها بسلامة قبل فوات الأوان..
تنويه
نلفت عناية قراءنا الكرام إلى أننا سنواصل الحديث عن هموم الناس الحياتية بعد عيد الأضحى المبارك.

مراكز دراسية وتقارير اقتصادية تحذر

حذرت مراكز دراسات وأبحاث اقتصادية من أن هذا البلد الأفقر في شبه الجزيرة العربية مهدد بكارثة اقتصادية وإنسانية في غياب تسوية سريعة لأزمته السياسية..حيث اعتبر الأمين العام للمركز اليمني للدراسات الإستراتيجية محمد أفندي أن الوضع الاقتصادي في اليمن أصبح كارثياً، منوهاً بأن الفقر يستفحل والبطالة تضاعفت والخدمات تتدهور، كما ارتفعت أسعار المواد الأساسية بثلاثة أضعاف ما كانت عليه في بداية العام.
وقدر الدكتور/محمد أفندي أن نحو 60% من سكان اليمن البالغ عددهم 24 مليون نسمة أصبحوا يعيشون دون خط الفقر بدخل يومي للفرد أقل من دولار واحد، كما فاقت نسبة التضخم 35%...وحذر من أنه إذا استمرت الأزمة السياسية فستشهد البلاد انهياراً للاقتصاد وستحصل مجاعة خاصة في الأوساط الريفية وستكون كارثة إنسانية.
إلى ذلك قال الأستاذ/أنور عشقي -مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية -إن نسبة النمو الاقتصادي اليمني التي بلغت 4.5% العام الماضي تراجعت إلى 1.5% العام الجاري.
ولفت إلى أن الأزمة التي يعيشها اليمن أدت إلى نفور رؤوس الأموال الأجنبية، مشيراً إلى أن 17 شركة استثمار جديدة فقط استثمرت في اليمن خلال الربع الأول من العام الجاري مقابل 92 في العام الماضي،كما ذكر أن قرابة 500 مصنع اضطرت إلى إغلاق أبوابها في اليمن منذ بداية الأزمة.
وأوضح عشقي أن النشاط في قطاعات البناء والتجارة تراجع بنسبة تراوحت بين 80 و90% كما شلت السياحة تقريباً، لافتاً إلى أن الكسب الذي لم يتحقق في القطاع الخاص يقدر بحوالي 17 مليار دولار منذ مطلع العام.
إلى ذلك
قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني مصطفى نصر "إن الاقتصاد في اليمن يعيش في الوقت الحاضر حالة من التردي، حيث وصلت نسبة الفقر إلى 47 في المائة في الريف، الذي يضم 75 في المائة من سكان البلاد، مؤكداً أنه منذ بداية العام الجاري المصاحب لاندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام، تفاقم الوضع بصورة سلبية، وزاد من حدة ذلك طول فترة التظاهرات، معتبراً أن هذه الخلافات يدفع ثمنها المواطن والاقتصاد الوطني على السواء."
وأوضح نصر أن الإشكالية القائمة اليوم ليست في إغلاق المؤسسات والشركات والمصانع، بل أيضاً في حالة الركود الاقتصادي مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، التي وصلت ما بين 40-60 في المائة للمواد الأساسية، ما ضاعف من أعداد الفقراء وخلق حالة من الركود الاقتصادي وتراجعاً في حركة البيع والشراء.
ويرى نصر أنه في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه في الوقت الحاضر فإن اليمن سيدخل مرحلة يمكن أن نطلق عليها "مرحلة الجوع" التي تتمثل في عدم قدرة الملايين من الناس على الوفاء بمتطلبات الغذاء الأساسية، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 7.5 مليون يمني يعانون نقص الغذاء قبل الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد، وهذا يعني أن مئات الآلاف من الأسر اليمنية قد انضمت فعلياً إلى أعداد الفقراء خلال الأشهر الماضية، أي منذ بداية الثورة.
وتشهد البلاد نقصا حادا في المشتقات النفطية والغاز للاستخدام المنزلي التي تباع اليوم بأسعار تفوق سعرها الرسمي الضعفين، علاوة عن انقطاع مياه الشرب والكهرباء، مما يفاقم الصعوبات لدى السكان.
ولفت مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي إلى أن الارتفاعات السعرية تضع صعوبات في وصول 9 ملايين من اليمنيين الفقراء للغذاء، محذراً مما سيخلفه ذلك من أضرار نفسية واجتماعية مستقبلية لن تتجاوزها اليمن خلال فترة قصيرة.
المركز أوضح في بيان له أن أسعار بعض المواد الغذائية كالقمح والدقيق والسكر والزبادي والحليب ومشتقاته ارتفعت بنسب تتراوح بين 40-60%، فيما ارتفعت أسعار مياه الشرب بنسبة 202% وأسعار التنقلات بنسبة تصل إلى 50%..
وأكد المركز أن أسعار المشتقات النفطية كالبنزين والديزل وصلت مستويات غير معقولة، الأمر الذي أدى إلى زيادة في أسعار جميع السلع والخدمات بنسب متفاوتة، وتوقف كثير من القطاعات الاقتصادية وبعض الأنشطة الخدمية.
ودعا المركز كافة الأطراف لتحمل المسئولية القانونية والأخلاقية تجاه حالة الانهيار التي يتعرض له الاقتصاد اليمني، والحالة المأساوية التي تتعرض لها الأسر اليمنية الفقيرة.
وكانت منظمة أوكسفام البريطانية أكدت في بيان سابق أن الاضطرابات المستمرة فاقمت الأوضاع الإنسانية في اليمن وأصبح الغذاء في اليمن باهظ الثمن.
وقال مدير المنظمة بالوكالة عزيز العثراوي، "إن الاهتمام يتركز على الحركة الاحتجاجية، إلا أننا نخشى من تفاقم احتياجات الأشخاص العاديين الذين باتوا منسيين وسط هذه الخلافات السياسية".
وأكد العثراوي أنه حتى قبل الحركة الاحتجاجية كان هناك سبعة ملايين يمنى يعانون من سوء التغذية "وتفاقمت الأوضاع" بعد بدء الاحتجاجات..
وقال العثراوي إن "الناس يقللون من استهلاك المياه لأن المياه غالية الثمن، فسعر الـ1500 ليتر من المياه كان 1000ريال وبلغ الآن 3500ريال والمياه ليست متوفرة دائماً".
ودعا العثراوي الدول المانحة إلى دعم اليمن فوراً وإلى فتح الأبواب أمام وصول المنظمات الإنسانية إلى السكان المحتاجين..

   شبح المجاعة(2)                                 
يبدو اليوم شبح الفقر وحشاً شرساً ماثلاً في حياة معظم اليمنيين، وتخوفات من مجاعة ماحقة، تغلق على اليمن كله آفاق مستقبله، وتضعه على حافة الهلاك وبالتالي القادم غير مأمون العواقب، أمام تحدي الجوعى، بإشعال النار تحت رغيف الخبز، للحصول على لقمتهم منه، حتى ولو محترقة..فالغذاء ينقص والأفواه تتزايد ومنظر اليأس يقود الفقراء إلى حافة الفاجعة،وتشاؤمية المعضلة السياسية أكبر من أي تفاؤلية تريد أن تفرش بعض الطمأنينة على الوضع المعيشي المضطرب والقلق..حيث تنبت على طرق التفاؤلية أشواك تسبب وخزاً موجعاً، وتمتد إلى وهدة الإحباط في عتمة الواقع المتردي،مبتلعة كل الأمنيات..
ويخشى من أن تصبح الأرض اليمنية مجرد منبع وجداني ملهم لقصائد الندب والرثاء في هذا التنافر بين القلب والعقل والمعدة في الجسم الواحد,بعد أن تناسى الكل العلاقة الجدلية بين قطرة عرق الإنسان اليمني، وبين ذرة تراب الأرض اليمنية التي لم تكن على امتداد تاريخها سوى أرض تعطي سنابل ونبتاً أخضر.
وفي واقعها الكئيب اليوم،تبدو شريحة الفقراء التي كانت مليئة بالتشوقات الإنسانية والآمال المشروعة، خائرة مستلبة الإرادة، عاجزة عن تحقيق ذاتها، والاتجاه بمصائرها نحو مستقبل أفضل,فالجوع يؤدي إلى الحزن، والحزن إلى الإحباط، والإحباط إلى العجز،كما أن الحزن الذي يغلق مشاعر الأفواه الجائعة على الوجع الناخز، يبرز كأشد الظواهر خطورة في حياتها، إذ هو أكثر المعوقات والمؤثرات إحباطاً واستلاباً للإرادة..
يا سادة: اليوم الوطن في بقاعه المترامية يعاني فقراً وجوعاً..حيث مئات الآلاف يقفون في معظم مساحته الخرائطية،منتظرين على حافة قبر المجاعة الجماعية للتساقط فيه.. فالوضع البائس راح يحصد أمانيهم، إلى أن غرس حده الموجع في قلب كل فقير، متغلغلاً فيه، بينما العالم الغني، يطل من فوق مائدته يقرع نواقيس الخطر،من أن الخبز وحده سيكون المشكلة الحادة الرئيسية،في قادم الأيام..يرقب، وكأنه قابل بهذه الحقيقة، وهو يعرف أن الفتات المتساقط الذي يتبجح به لا يعطي للأفواه الجائعة قدراً كافياً في سد رمقها, فالمجاعة تكاد تغرق تلك الأفواه،تحت ثقل هموم الحاضر، وتعزلها عن آفاق الآتي...إلا أن الفرصة لا تزال سانحة لتكفير المتسبب عن خطيئته تجاه هذه المساحة الأكثر فقراً والأكثر اكتظاظاً بالأفواه، والتي تتسع مكاناً وتمتد زماناً يوماً بعد آخر..

همسة
التصحر في العقول السياسية أقسى على الفقراء من التصحر في الأرض اليمنية،فجفاف قطرة الماء ليس بأمرَّ على التربة من جفاف الضمير الإنساني.


أكثَرُ الأشياءِِ في بَلدَتِنـا
الأحـزابُ
والفَقْـرُ
وحالاتُ الطّـلاقِ
عِنـدَنا عشرَون حـزباً
 ونِصفُ الحِزبِ في كُلِّ زُقــاقِ !
كُلُّهـا يسعـى إلى نبْـذِ الشِّقاقِ !
كُلّها يَنشَقُّ في السّاعـةِ شَقّينِ
ويَنشَـقُّ على الشَّقّينِ شَـقَّانِ
وَيَنشقّانِ عن شَقّيهِما ..
من أجـلِ تحقيـقِ الوِفـاقِ !
جَمَـراتٌ تَتهـاوى شَـرَراً
والبَـرْدُ بـاقِ
ثُمّ لا يبقـى لها
إلاّ رمـادُ الإحتِـراقِ !
**
لَـمْ يَعُـدْ عنـدي رَفيـقٌ
رَغْـمَ أنَّ البلـدَةَ اكتَظّتْ
بآلافِ الرّفـاقِ !
ولِـذا شَكّلتُ من نَفسـيَ حِزبـاً
ثُـمّ إنّـي
- مِثلَ كلِّ النّاسِ –
أعلَنتُ عن الحِـزْبِ انشِقاق !





المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد