الخبير الاقتصادي امين عام جامعة الدول العربية المساعد الاسبق د/ علي عبد الكريم لأخبار اليوم:

لايمكن لحكومة الوفاق ان تنجز برنامج التحول الاقتصادي في ظل انعدام كامل للامن

2012-07-03 23:58:00 حاوره مرزوق ياسين


أكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبد الكريم الامين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية وامين عام مساعد حزب التجمع الوحدوي اليمني ان الاحزاب السياسية اغفلت القضية الاقتصادية و ان حكومة الوفاق تواجه تحديا بفعل تراكمات موروثات ضخمة خلفها النظام السياسي "نظام الفساد المطلق " ووصل الى مرحلة العجز المزمن .
واشار الدكتور على بعد الكريم ان سيلا من المشكلات المعقدة والتاريخية من الصعب تجاوزها مالم تبدأ حكومة الوفاق من الاساس الذي يجب ان يتسم بترشيد الادارة الاقتصادية والمالية وكبح مظاهر الانفاق غير الموجه ومكافحة الفساد .
 ويشدد الدكتور علي عبد الكريم في حواره مع اخبار اليوم على اهمية انجاز الملف الامني باعتباره السبيل الى الاستقرار الاقتصادي.


* ما هي قراءتكم للوضع الاقتصادي الذي يمر به البلد اليوم؟
- الحقبة التاريخية الطويلة التي قطعها شعبنا اليمني بعد نجاح ثورتي سبتمبر وأكتوبر والعمليات التنموية المتلاحقة وما اكتنفها من صعوبات وحروب للأسف تجعلنا نقف أمام مشارف ومظاهر مزعجة لنتائج التنمية التي تمت في هذا الوطن المكلوم، نحن اليوم في العقد السادس من ثورتنا السياسية والتنموية والصورة تعكس بؤساً في الجانب الاقتصادي، حيث أن مؤشرات التنمية التي كان في أمل المرء أن يجد لها صدى إيجابي في تحسن المداخيل في ملامح تعبر عن امتلاك الإنسان لحرية العمل والخروج من فاقة الفقر، إذ بنا نلحظ أن الأمور قد تدهورت إلى حد أن الإنسان يفقد شعوره بالأمان، بالزمان وبالمكان، وكما يقول أحد الاقتصاديين الكبار (أمارتا صن): " التنمية حرية" وإذا لم تكن سبيلاً للشعور بالأمان، عبر الإيمان بحق الاختيار، وحق العمل وامتلاك القدرة على الفعالية والمساهمة في إعادة إنتاج الثروة، ينتفي عندها أي معنى للتنمية وتصبح عجلة التنمية تدور في حلقات مفرغة، تكون من نتائجها وقوع الإنسان في حبائل مزيد من الفقر والبطالة ومزيد من الركود والاستلاب الفعلي لقواعد العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة، هذا هو ما نعيشه اليوم، ويحتاج إلى أن يقرأ جيداً في إطار تفاعلات الثورة لأنه مدخلها كثورة لن تجد صورتها النهائية إلا من خلال الإنصاف الاقتصادي ومن خلال تحقيق حرية التنمية التي يسعى إليها الإنسان، وبالتالي حتى نصل إلى مرحلة نشعر فيها أن الإنسان قد امتلك حريته، فذلك إفساح الطريق للتعبير عن قدراته الكامنة والمتاحة، وهي التي تدفع للسير قدماً في مسار يستغل قدرات المجتمع المادية الكامنة في طاقات الإنسان المحبوسة حتى الآن.
* أمام تركة كبيرة وواقع مقلق من البطالة والفقر والتخلف في البنى الاقتصادية وصلنا إلى أن تفتح لنا حصالات وصناديق تبرعات برأيك ما هي أبرز العناوين التي تعترض حكومة الوفاق؟
- للأسف المرحلة الانتقالية التي قطعنا جزءاً منها هي مرحلة قصيرة لا تمكن من معالجة الإرث الضخم من عهود متراكمة للنظام السابق، وهو نظام يتسم بالفساد المطلق وتدمير الموارد وإهدارها وجعل عجلة التنمية تدور في اتجاه عكس، هذا الدوران العكسي لإدارة الموارد أدى إلى أن الموارد تفقد معناها التنموي والحقيقي، وفي الأساس منه "تدمير قدرة الإنسان"، فعندما يكون النظام يتسم بالفساد المطلق بإهدار الموارد بإدارة فاسدة، وعدم الترابط الجيد بين عناصر العملية الاقتصادية، تظهر على السطح فجوات تؤدي إلى أن المتعاملين مع النظام يفقدون الثقة بالنظام ووسائله لإحداث تنمية، ويجعلون أيضاً الطرف الخارجي يفقد الثقة نهائياً، وأول مسائل الانهيار الاقتصادي هي فقدان الثقة، ففقدان الثقة في أي عنصر من عناصر الإنتاج وفي أي سلطة تكون قراراتك الانسحاب وعدم الإقدام والمبادرة وتتحول إلى حالة من الذعر وعدم اليقين و الوصول إلى هذه الحالة، يؤدي إلى انسحاب المستثمرين والاستثمارات وغيابها، وتؤدي إلى تعطل قطاعات الإنتاج والدخول في مرحلة "عجز المزمن"، فهذا النظام أورث لنا المزيد من العجز في موازين الاقتصاد الوطني، وعجز في ميزان المدفوعات وعجز في الميزان التجاري، وعجز في المعاملات التجارية وكل المكونات التي تشكل حالة من الاطمئنان لأي متعامل في الأمر، وحينما يعيش أي اقتصاد مثل هذه الظاهرة يؤدي إلى فقدان عناصر التماسك ومن ثم التفكك، وتصبح القطاعات الاقتصادية كأن لا رابط لها، هذا يؤدي إلى ظهور حالات من السيطرة لعناصر التخلف في مناحي الاقتصاد بالكامل وتؤدي إلى تدمير القطاعات التي يمكن أن يعتمد عليها في إنتاج حاجة المجتمع من أساسياته.
* حكومة الوفاق هل قادرة على محاربة الفساد؟
- حكومة الوفاق أمامها سيل ضخم من المشكلات المعقدة والتاريخية، والتي من الصعب تجاوزها ما لم تبدأ من الأساس، وهذا الأساس ينبغي أن يتسم بمظاهر تكون معالمه ترشيد الإدارة الاقتصادية والمالية. وثانياً: كبح مظاهر الإنفاق غير الموجة للقطاعات المنتجة، والأكثر ضرورة لإيجاد حالات الاستقرار وإعادة الثقة وأول سبيل في هذا الأمر أن تكون الأمور قائمة على "مكافحة الفساد، شفافية في المعلومات، دقة في الإجراءات، تحسين سياسة الحكومة من وجود المحاور التي تؤدي إلى تآكل وتفاعل السياسات في هذا المجال أو ذاك".
لا يمكن لحكومة الوفاق أن تنجز برنامج التحول الاقتصادي في ظل حالة عدم استقرار أمني كامل، في لب العملية السياسية التي تخوض غمارها حكومة الوفاق الوطني، عليها قدر الإمكان أن تنجز الملف الأمني لأنه السبيل إلى الاستقرار في الجانب السياسي والاقتصادي، دون الوصول إلى ميدان حقيقي في الاستقرار الأمني والاستقرار الكامل يصعب أن تولد حالة تشجع على الاستثمار والاتجاه نحو خدمة القطاعات الأكثر احتياجاً في هذه المرحلة التي يمكن أن تسهم في حل قضيتين تشكلان خطورة أمام ملف الخروج من الأزمة: حلة البطالة المتزايدة، الفقر المنتج من سابق. هاتان الحالتان لا يمكن الدخول في معركة معها ما لم توجد خطة تنموية تمكن من استيعاب المزيد من القوى البشرية التي جرى إهمالها ورميها في المراحل السابقة وأخطر ملف في هذه النقطة هو ملف البطالة المتخلفة والفقر الناجم عن سوء توزيع الثروة أدى إلى استقطاب الجزء الأكبر من الثروات في حيز ضيق فيما تتسع هوة الفقر بين الأوساط المجتمعية. وهذه الأمور ينبغي أن تكون في ذهن من يخططون للخروج من آفاق الأزمة الاقتصادية الخانقة، و إذا كانت المعالجة كما نرى حالياً من خلال طلب المعونات المستعجلة لتغطية العجز في ميزانية الرواتب أو المعونات العينية، فهذا لا يشكل مخرجاً، فالمعونات والجهود الدولية ينبغي أن تركز في إحداث مجالات تنموية تخدم أغراض التنمية بعيدة الأجل وبرؤى وأفكار مدروسة تركز على انتشال قطاع البنية التحتية و مشاكله وتحسين الإدارة الاقتصادية تحسيناً جيداً ومجال الشفافية ومحاربة ا لفساد والعمل على ضبط الجانب المالي من خلال إعادة قراءة الموازنة جيداً تغادر منها حكومة الوفاق كل مساوئ النظام المالي السابق.

  • القضية الجنوبية ذات بعد سياسي ومضمون وطني و اجتماعي وسيادي، والذين ذهبوا إلى الوحدة كانوا يحلمون أسوة بكل أبناء شعبنا بأن البديل التاريخي سيكون أفضل

* كيف يفهم الناس الحديث المجوج عن المنح والدول المانحة والقروض التي تقدم للبلد، وهل ستحقق بالفعل نقلة تنموية؟
- العالم ليس مؤسسة خيرية يعطي الأمور على عواهنها، العالم عندما يتقدم لمساعدة أو مؤازرة أي اقتصاد لمواجهة مشاكل اقتصادية يقوم على منظور خدمة مصالحه ومصالح البلد الذي يتعامل معه، ومن هنا تقوم الرؤية على عنصرين متفاعلين ومن هنا ينبغي على حكومة الوفاق وهي تعد للاستفادة مما أشارت إليه "مشروعات المانحين سواء مؤتمر لندن السابق الذي كرس لخدمة اليمن أكثر من 5 مليار لم يستفد منها هذا البلد قيد أنملة، لسبب أن المشروعات التي كانت تطلب إلى الجانب اليمني تقديمها بشكل مدروس، ومعد جيداً وتحديد الاحتياجات، الفترات الزمنية، وضمان التنفيذ وكل الوسائل التي تدفع لمن سيتولى التمويل أن يطمئن إلى أن ما يوفره من موارد ستذهب إلى خدمة قطاعات تولد خدمة للمجتمع وتضمن إعادة الأموال المستقدمة للمانحين، أما أن تقدم معلومات غير مدروسة ومشروعات غير قائمة على دراسة جدوى اقتصادية أنجزتها بيوت خيرة بالتعاون مع خبرات محلية وإدراك لطبيعة المشكلة والاحتياجات للمجالات الأكثر أهمية والأولويات التي ينبغي التركيز عليها، وما هي عوامل النقص التي يفتقدها العنصر التنموي في جانب الإدارة والرقابة والشفافية، وكل هذه العناصر يبدو أن المانحين لم يكونوا على يقين منها ومن ثم كانوا يترددون. الآن نحن على مشارف مؤتمر الرياض وقد تم أكثر من ذهاب ومجيء للجانب الحكومي ولكن لا نزال نقف حائرين أمام النتائج التي نسمعها، والتطويل في هذا الجانب له أمران لا ثالث لهم، أما غياب عنصر الاستعداد لاستيعاب ما يقوله الآخرون أن الآخرين مترددين عن تقديم ما ينبغي تقديمه لأنهم لم يصلوا بعد إلى الثقة والاطمئنان التي تشعرهم أنهم مقدمون على دعم بلد يمكن الاطمئنان إليه، وهذا يترتب عليه الحسم العاجل لما طرحته المبادرة الخليجية من إعادة هيكلة الجيش والانتهاء من ملف الأمن بأسلوب يعبر عن رغبة حقيقية وتوليد عناصر قوة الدفع لهذه المبادرة، وإذا كانت بقايا النظام تشكل عائقاً أمام الرئيس عبدربه منصور وحكومة الوفاق فعليه جلاء الصورة للأطراف الراعية لكي يمارسوا دورهم باتخاذ الإجراءات التي من شأنها تمكين البلد من الخروج من آثار الأزمة التي يجبرنا النظام السابق وعلى رأسه الرئيس السابق الذي يصر على البقاء الذي يشكل أحد العوائق الحقيقية في هذا الموئل".

  • النظام السابق بقياده صالح يشكل احد العقبات الحقيقية في الملف الامني

* الحكومات السابقة والأحزاب السياسية أغفلت القضية السياسية ولم تهتم بالشأن الاقتصادي عندما ذهبت القضية الاقتصادية بين الأجندات السياسية للقوى؟
- سؤال مهم جداً، وهذا الأمر مرتبط بطبيعة النظام السياسي الذي ساد في المرحلة السابقة وكان سيئاً وأخر بعملية التنمية ودهور من معدلاتها وخلق أرضية خصبة للفساد، ودمر عملية التنمية بمعناها الدقيق الذي كانت ينبغي دوماً أن تبنى على مفاهيم حقوق الإنسان، نحن ندرك أنه لا يمكن الحديث عن أية تنمية في أي نظام سياسي، سواءً في الحكم أو في المعارضة ما لم تقم تلك السياسات الاقتصادية على خمسة مبادئ أساسية افتقدت في مراحل سابقة في برامج الحكومات لأنها لم تكن تسعى إلى إحداث برمجة تنموية بالمفهوم المستدام أو التنمية الشاملة، كانت تسعى إلى خلق تشويهات يطيل من أمدها في المرحلة السابقة، هذه المبادئ التي تحقق عدالة التنمية وحريتها تقوم على مبادئ المساواة وحيث كانت معدومة في حصول المجتمع على حقوق متساوية في الحقوق الاقتصادية بينما طبيعة الأنظمة الفاسدة مظاهرها تتسم بالتمييز، والتمييز الوقح في بعض الأحيان، وأي تنمية بمعنى المشاركة ينبغي أن تفسح المجال لمشاركة حقيقية لقوى المجتمع والقطاعات الرائدة فيه، من القطاع العام إلى التعاوني إلى القطاع الخاص وهناك قضيتان أهملتا إهمالاً حقيقياً ومقصوداً وهي المساءلة والمحاسبة والشفافية في توجيه الثروات التي يتم إيلاجها في ميادين التنمية بالنسبة للأحزاب السياسية وكيف تعاملت مع القضية الاقتصادية في إطار صراعها مع النظام الفاسد؛ للأسف كان منظور الأحزاب يقوم على إعطاء الأولوية للنضال بمعناه السياسي وإيلاء الجانب السياسي في الصراع جل الاهتمام.
ولم يكن للجانب الاقتصادي ذلك الاهتمام بالرغم أن أي نضال سياسي في ظل واقع اقتصادي معقد ونظام كالذي عشناه في البلد كانت ملامح الأزمة فيه تقول المجتمع يزداد فقراً والبطالة تزداد اتساعاً والثروات يزداد تدميرها والاستحواذ بها من قبل قلة، والاقتصاد يسير إلى مزيد من الركود والزراعة نحو الإهمال والصناعة تتحول إلى فتات والإدارة الاقتصادية تدار بأسلوب بائس.

  • إذا كانت بقايا النظام تشكل عائقا امام الرئيس هادي فعليه جلاء الصورة للاطراف الراعية للمبادرة الخليجية ليمارسو دورهم في تمكين البلد للخروج من ازمته .


هذه المسألة هامة كيف عجزت الأحزاب السياسية أن تعكس التقييم ا لحقيقي لدقة الصراع في جانبه الاقتصادي وهو ما عكس ضعف الأحزاب في أدائها في الجانب السياسي وللأسف أقول وبمرارة إن أدائها في الجانب الاقتصادي لم يكن موفقاً. ولأن الاقتصادي بؤرة الصراع والاهتمام. لأن محوره الإنسان، فالناس في البلد لا يريدون كلاماً ولكن يريدون حلولاً لمشاكلهم ونحن اليوم نعجز أن نقدم شيئاً بعد هذا الجهد التنموي الذي بذل والمعونات الدولية الكبيرة التي قدمت حتى أصبحنا في ظلام دامس ولا نجد قطرة ماء ومستشفياتنا مهملة وهذا الواقع الذي نعانيه اليوم يضع سؤالاً على عاتق الحركة السياسية وبالذات أحزاب المعارضة مسؤولية في مستقبلها القادم لتعير القضية الاقتصادية جل اهتمامها لأن السياسة اقتصاد مكثف.
* كانت هناك فرصة مهمة خلال إعادة تحقيق الوحدة بين شطري اليمن لإيجاد مشروع اقتصادي على أنقاض نظامين -إن جاز لنا التعبير- هناك أضرار كبيرة لحقت بالإنسان ربما الذي عاش نظام الدولة الأم الذي أنهار مطلع التسعينات في العالم؟
- للأسف المشروع الحضاري الكبير الذي يتمثل في إنجاز مشروع الوحدة والذي كان ثمرة لنضالات كل الحركات الوطنية منذ الثلاثينيات، هذا المشروع لم تلتقطه أيادٍ أمينة ولم يجد تعبيراً صادقاً ولم يجد وعاء يعيد إخراجه وترجمته بما يحقق آمال وطموحات الناس، فالانتقال إلى مربع جديد نفارق فيه خانات المآسي التي نجمت عن الحروب والصراعات، ولم يتمثل أمانة حقيقية لحل مطالب الذين ذهبوا إلى الوحدة بوعي، أن في مشروع الوحدة يحلمون بواقع جديد، يغادرون فيه ساحات الفقر والبطالة والانتقال إلى الأمام وليس العودة إلى الخلف والذين آلت إليهم مصائر الوحدة لم يكونوا مؤمنين بالوحدة وكانوا يؤمنون بالسلطة والإيمان بالسلطة دون وعي لمتطلبات الذين أوحوا للسلطة بأن هذا هو الطريق الذي نريده، أحدث صراعاً وفراغاً أدى إلى أن العناصر التي كانت تتربص بالمفهوم الاجتماعي للوحدة وبالمفهوم التاريخي للتغيير الذي حملته الوحدة تشن حرباً مدمرة على مشروع الوحدة التغيير وعلى مضمون الوحدة الاجتماعي، وعلى مشروع الوحدة الاقتصادي وأجهض كل ذلك في حرب 94م، والذين تحملوا لواء ما بعد الحرب لم يكن لهم صلة لا من قريب ولا من بعيد وكانوا الأقرب إلى الاستئثار بثروات كانت بعيدة ثم آلت إليهم، وكان ما بعد 94 مزيد من التدمير والاستياء ومزيداً من التشويه لمشاريع التوحد، حتى طبيعة النظام الذي تم إتباعه بعد الوحدة وفي إطار المزاوجة بين نظامين كان التوفيق بين النظامين على قاعدة الاستيلاء للأقوى والأكثر استعمالاً لأدوات التدمير لأن القوى التقليدية لم يكن في وارد بالها ا لذهاب إلى مشروع التقاط ماذا يريد الناس وكان مشروعها من أين سنصل إلى أقصر الطرق لكي نحدث مزيداً من الثروة وتراكمها لصالح القلة، بمعنى أن المشروع الذي أتبع غداة الوحدة والخروج من دور الدولة وتسليم الأمور إلى الاقتصاد الحر أسهم في إحداث معادلات وفجوات دمرت كل الحسنات التي حملها مشروع الشطر الجنوبي ولم يكن مشروع الشوق إلا حاملاً للخواء والدمار.
* في النموذج الألماني، جرى تأهيل ألمانيا الشرقية وما يقارب 415 مليار دولار تدفقت إليها خلال عامين حتى أصبحت ألمانيا وحدة نموذجية في العالم، في اليمن من الشمولية والتخلف ومروراً بأزمة خانقة رافقت المشروع متمثلة في حرب الخليج وعودة العمالة اليمنية كل هذا، كمراقب هل المشروع الوطني جاء مع رفض إقليمي وعربي؟ أقصد غياب دعم المشروع الجديد؟
- أي إشارة إلى العامل الخارجي يكون ذا دور ثانوي، الدور الأكثر أهمية يستمد على مفاعيل القوى الداخلية لأن العامل الداخلي فيه تباين وتضارب وتربص بمعنى أن الذين حملوا مشروع الوحدة كمشروع نهضوي يسعى إلى إحداث تغيير في هذا الجزء من العالم وبالذات في الجزيرة العربية، كانوا يحملون مشروعاً آخر يعتقدون أن ما لدينا من موارد بشرية وأخرى قادرة بحد ذاتها أن توجد البديل التاريخي عما ولده النظامان من مفاسد، هذا الأمر لم يتم التقاطه عمداً من قبل القوى التي كانت تتربص تاريخياً على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، فالتجربة بأبعادها الاجتماعية وملامحها الاشتراكية في بعض الأحيان كان لا بد من العمل على تصفيتها جذرياً وجاءت حرب 94 لتشكل مصداقية في هذا الجانب، فالذهاب إلى الوحدة كان يحمل مشروعاً مغايراً يقوم إلى إسناد قاعدة اجتماعية حقيقية في ظل سوق توسعت وقوة بشرية تمكن من أن تشكل ضمانة مستقبلية وأن تقوم على خدمة القطاع الزراعي أيضاً لديه مؤهلات لخدمة القطاع الزراعي والسمكي باعتباره حاملاً لإمكانيات يمكن أن تشكل ضمانة لاستقرار غذائي، هذه المسألة عمداً لم يتم التعامل معها وكان هم القوى التقليدية أن تحدث فجوات حتى في نظرة الناس للوحدة "فالذين حلموا بالمشروع الوحدوي وجدوا أنفسهم بعد سنوات في وضع أسوأ، فأنت لا يمكن أن تحدث إنساناً انتقل من وضع "حسن" ووجد نفسه بعد أعوام في وضع أسوأ وهذا في اعتقادي يراد من خلاله أن تظل هذه المنطقة ضعيفة وتابعة وهذه الصورة التي وصلنا إليها، وإلا الذين حملوا مشروع الوحدة اليمنية بوعي كانوا يدركون أن خلق السوق الوطنية الواحدة كفيل بأن يكون ضمانة لاقتصاد متكامل مترابط يضخ خيراته للناس وليس لقوى بعينها.
* حزب التجمع الوحدوي كان له موقف رافض لقرار فك الارتباط، وعقب الحرب وصل التضخم إلى 70%، المجتمع الدولي تدخل في مشروع الإنقاذ قلص من دور الدولة ووظائفها وتمخض في ذلك خصخصة القطاع العام، الذي تضرر بفعل السوق الحر، ما مدى خطر الخصخصة دون مراعاة القوى البشرية العاملة في هذا القطاع؟
* برامج الإصلاح التي أجبرت كثيراً من الدول النامية على إتباعها، للأسف طلب من اقتصاديات ضعيفة إعادة تكييف ظروفها الداخلية، مع ظروف العولمة وسياسات الهيكلة والتثبيت، فمشروع الخصخصة وفق الليبرالية الاقتصادية وأن ينحصر دور الدولة في مراقبة الجوانب التنظيمية وحماية الأمن الداخلي والدفاع عن السيادة، ونترك المجالات ا لأخرى وأن ترفع يدها عن تنظيم السوق، بمعنى تحرر الأسعار مباشرة دون أن يحدث معها إعادة تنظيم التفاوت في الدخول ومراعاة الجانب الاجتماعي للمستويات المتدنية في المداخيل للقطاعات الشعبية وهذا أدى في باكورة إحداث التنمية إلى مزيد من الفقر وتذمر القوى العاملة من تلك المصانع التي أعادت خصخصتها وأصبح الوضع الاقتصادي للأسف مضغوطاً بملامح سيئة ما زلنا ندفع ثمنها إلى الآن، كان من ضمنها ازدياد ظاهرة التضخم بمعنى أن الركود يؤدي إلى تعطل القطاعات الإنتاجية، ما فيش إنتاج، ولكن هناك ثروة مالية تدور في المجتمع وإصدار العملة من جراء هذه الصورة ترتفع الأسعار ارتفاعات خيالية فينكمش فيها دخل المواطن العادي انكماشاً حقيقياً فمن كان يستلم ما مقداره 300 دولار جراء التضخم ينكمش هذا الراتب ليصل 100 دولار وهذا الأخير تدهور للمعيشة وهذا التباين وارتفاع معدلات البطالة هي التي شكلت المعول الذي ضرب مفهوم الوحدة في الصميم.
فالآمال تبددت عندما غاب الإطار التكميلي لمكونات الاقتصاد الوطني، ومن الخطأ تدمير المؤسسات الوطنية في عملية الخصخصة بصورة مشوهة.
* ولكن الانفتاح الاقتصادي والسوق الحر بالضرورة كان سيؤدي إلى مآلات ضرب مؤسسات القطاع العام؟ فجاءت الخصخصة كضرورة؟
- هذا الكلام غير دقيق، حينما طرحت مسائل الإصلاح الاقتصادي على اعتبار أن الدولة عليها عجز في مواردها ومن ثم قبل أن تطلب العون من الخارج تعيد ترتيب أوضاعها المالية وتحسين الموارد والإنفاق وهذا الأمر السليم، في كيفية إحداث زيادة في الموارد وتقليص في الإنفاق عبر ماذا؟ هل عبر ضرب المنجزات ذات الطابع الاجتماعي الذي تأسس خلال المراحل السابقة؟ أو أن الأمر يذهب إلى مراجعة أوجه الإنفاق غير الضروري؟ في مسائل الأمن و قضايا الفساد والمحسوبيات وغيرها.. عبر برامج الإصلاح التي قالت بأهمية وضرورة أن يتم خصخصة المشروعات التي تقوم الدولة على رعايتها، لم تكن تميز بين المشروعات ذات الكفاءة الاقتصادية والتي تشكل عبئاً ينبغي معرفة أسباب العبء وهل هي فنية إدارية اقتصادية يمكن معالجتها أو أنها بحاجة إلى أن يتم بالكامل خصخصتها؟ ما تم تخصيصه هي المشروعات التي لها صورة مشرقة ولم يكن ملف التعامل مع مؤسسات القطاع العام والخصخصة بالصورة التي يصور فيها الأمر، والحديث عن هذه المسألة قد أدى إلى أن يتم مراجعة مفهوم الخصخصة من قبل المدرسة التي طرحت الخصخصة، وأعادوا الاعتبار لأن تكون قائمة على أن ما يشكل عبئاً حقيقياً وليس هناك إمكانية لإصلاحه يمكن اللجوء إلى خصخصته، أما باقي القطاع العام التي لديها ميزة وتشكل جزءاً من ثروة المجتمع وأمانه الاقتصادي والحماية للعمالة هذه المسألة تمت مراجعتها في أكثر من تجربة دولية.
* طيب في إطار المعادلة الثلاثية: الدولة، القطاع الخاص، المجتمع المدني، الملفت للنظر غياب دور المجتمع المدني في التعاطي مع الحقوق الاقتصادية، حتى المرحلة الراهنة دور المجتمع المدني ما زال غائباً؟ إلى ماذا ترجعون ذلك؟
- مفهوم المجتمع المدني مضلل ولم يبرز إلا في مرحلة انهيار المنظمة الاشتراكية وفي المجتمع المدني 3 مفاهيم إما أن يكون ذا طابع اجتماعي خدمي وهناك دور متصادم مع الدولة واقتصاد السوق وهذا محارب من قبل الذين يعملون على إبراز الدور الأمريكي أو هناك مفهوم الشريك ويراد له أن يكون تابعاً وهنا دور المجتمع المدني ينبغي أن يكون معززاً لفهم التنمية باعتبارها حرية تؤدي إلى تجريد الإرادات بحيث تمتلك القدرة على تفعيل إرادتها في إحداث تصويب النتائج النهائية للمجتمع وبذلك تكون في غير هذا المفهوم قد لعبت دوراً سلبياً في تنمية القدرة المجتمعية لحرية الإنسان في حق الاختيار وحق الاختيار بداية حقيقية لكي يلعب المجتمع المدني دوراً حقيقياً في مواجهة من يملكون القرار بتوزيع السلطة والثروة وأنا لا أريد مجتمعاً مدنياً ليس قادراً على المواجهة ولا أريده أن يكون خادماً أو تابعاً أو يلعب دور "تجميلي" أو المبرر.
* بالنسبة للنخب الأكاديمية الاقتصادية والبنى التحتية دورها غائب؟
- النخب الأكاديمية مع الاعتذار إذا تم تهجينها في إطار الوظيفة البيروقراطية فقد انتهى دورها، وإذا تم إعلانها في محبس البحث الأكاديمي الغلق بعيداً عن قضايا المجتمع فيتحول دورها إلى دور سلبي والنخبة الأكاديمية كالنخبة السياسية إذا لم ترتبط في إطار الممارسة الفكرية للبنية المجتمعية وتجد نفسها كمشاريع تعبر مصالح الناس فإنها لا تمتلك الإرادة الحرة بأن تكون من أدوات المواجهة، وللأسف طبيعة الأنظمة التي حولت مؤسسات المجتمع، مؤسسات الدولة العلمية إلى توابع للسلطة السياسية ومن يقبل هذا الوضع يتخلى عن دوره الريادي والتغييري والمواجه في أن يكون تعبيراً عن المطالب التي رفعت لواءها الثورة الشعبية الشبابية في هذه المرحلة التي شهدناها خلال العامين في البلد.
* القضية الجنوبية كيف تفهم وتفسرها القوى اللاعبة في المشهد السياسي من منظور اقتصادي؟
- القضية الجنوبية ذات بعد سياسي يقوم على مضمون وطني ومضمون اجتماعي وسيادي، بمعنى أن الذين ذهبوا إلى الوحدة من جنوب الوطن كانوا يحلمون أسوة بكل أبناء شعبنا بأن البديل التاريخي سيكون أفضل، وحينما وجدوا الأسوأ بعد البحث عن دولة وطنية حقيقية الجميع شركاء فيها في السلطة والثروة واتخاذ القرار وهذا لم يتم الآن، كيف يفهم الفرقاء السياسيون الذين يعبرون عن القضية الجنوبية في إطار الإخوة في الحراك ونرجو أن يصاغ أمرهم في توحيد رؤاهم ببوتقة واحدة ورؤية موحدة ليشكل خدمة للقضية التي وصلت إلى احتراب بين مفاعيل شعبية، فالصراع في القضية صراع مع نظام ومع قوى طبقية واجتماعية استنفدت روح الوحدة والثورة وحرمت كل القوام المجتمعي في البلد، ونرجو في هذه المحطة من فرقاء 94م بأن يقدموا صورة أخرى.
الحقبة الضيقة من الزمن الكل ينبغي أن يدرك أن حريته مكفولة في أن يخوض صراعاً مريراً في إطار المؤتمر الوطني القادم وأن يعلو من شأن الحرية في أن يتحول المؤتمر إلى مؤتمر تاريخي حقيقي بأبعاده الاستراتيجية حتى لا يلعب أي طرف مع أطراف بعينها، لكي يحوز على نصيب الأسد على حساب الآخرين ولا يبني طريق المستقبل على الثكنات العسكرية ولكن على مفاهيم وطنية تحقق مشروع الدولة الوطنية الحقيقية والدستورية الذي يكفل الحقوق وضمان أن يجد الجنوب مساحة في مؤتمر الحوار كافية وأن يكون صوته مسموعاً والأذان تصغي إلى كل كلمة يقولها بعيداً عن الاستقطابات وينبغي أن يتجذر المفهوم الوطني اليمني حتى يعود للقضية الجنوبية رونقها، فالذين حملوا لواء الحراك السلمي كان لهم في البداية مطالب معيشية وليس ما وصلنا إليه اليوم، فالإغفال والإغفال المتعمد أدى إلى تصعيد هذا الأمر ونريد أن يكون مؤتمر الحوار مظلة حقيقة يستظل بها الكل وأن يشكل واحة يجد فيها المناخ الذي يسير فيه الجميع بحرية كاملة وبوعي وأن يطرح كل المفاهيم. ولا خير من ذلك، فعندما تطرح توجد الحلول وعند التحليق تؤدي إلى استدعاء ما هو أخطر من طرح الفكرة ونريد أن نبعد عن هذا الحوار الدوران حول التلويح بالقوة والاحتراب وننصح الإخوة في الحراك رفض العنف وأن لا يقطعوا أواصر العلاقات مع الناس في عموم الوطن، باعتبار ذلك أحد الركائز التي ستقوي هذا المشروع ومن يدفعون إلى الاحتراب بين الناس لهم مآرب أخرى لسنا مع هذا الأمر وكان ينبغي إذا وجد مشروع حضاري أن لا نجد هذا الوضع من البطالة التي أنتجتها الحكومات الفاسدة.
أتمنى أن تفسح دول الخليج وبمجال للقوة العملية البشرية بعد تأهيلها ومزيد من دعم القوة الاقتصادية لأننا بلد غني بالموارد ونرجو أن يبادر المانحون ودول الخليج إلى أن يدعموا المسيرة التنموية بديلاً من تقديم الإعانات.
* خلال ما تمر به المنطقة العربية من ثورات ما هي آفاق قيام مشروع اقتصادي عربي؟
- المطلوب لكي نصل إلى هذه المحطة محكوم على إعادة برمجة المشروع الاقتصادي العربي للنهوض التنموي بشكل متكامل وينبغي أن تتحرر الإرادات السياسية في كل الأقطار والوعي يتحول إلى إيمان حقيقي بالضرورة التاريخية لإعادة تدوير الموارد المتاحة في الأسواق العربية والاقتصادات العربية وذلك يتطلب مزيداً من الاستقرار والأمن والثقة وأن تنجح الثورات العربية في أن تخلق على الطريق مشاريع لدول وطنية ديمقراطية حقيقية، غير ذلك سيظل الأمر يحلق بالهواء مع ضرورته.
رغم الاستثمارات التي ستخلق أرضية لقيام هذا المشروع التكاملي تتطلب: عناصر أمن واستقرار ومنظومة قانونية متكاملة متوافقة واختيار العناصر التي تحتل أولوية وأهمية لمناطق ضمن أقاليم أو قطاعات يتم برمجتها أيضاً، الأسواق المالية العربية تعج بالأموال الفائضة ولكن رأس المال يبحث عن الهدوء والأمن والاستقرار.
نرجو أن يشكل المستقبل الواعد بعد انتصار الثورات العربية بالمفهوم الذي تريد وبامتلاك رؤية تقوم على أن المنطقة العربية بحاجة إلى مشروع تحدي تكاملي في الجانبين الاقتصادي والسياسي.
* كلمة أخيرة؟
- أرجو من حكومة الوفاق أن تتجاوز براثين بيروقراطية النظام السابق وأن تتحرر وأن لا تنتج قرارات وسياسات تصب في خانة النظام السابق، فالوقت سريع والناس والعالم يؤملون على أن التجربة اليمنية من الضروريات وعلى حكومة الوفاق أن تعي أن النظام السابق لا يريد لنا أن نخرج إلا على أشلاء سياسات لا تحقق للثورة مكاسب على الأرض.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد