ليس ثمة شك في أن الغش في الامتحانات أصبح ظاهرة مستفحلة وضارية. ولها كل عام جديدها من الممارسات التي تتجاوز المعقول والمقبول. وفي ذلك مؤشر قوي وواضح لا على انهيار العملية التعليمية والتربوية فحسب وإنما على انهيار القيم والمبادئ والأخلاق. وعلى نسف معايير التفاضل العلمي وإحلال الفوضى محلها.
وليس ثمة شك في أن كل ذلك يستدعي من القائمين على العملية التعليمية تحركا جادا لوضع معالجات صارمة توقف هذه الظاهرة العبثية وتعيد لمعايير التقويم المدرسي اعتبارها وقدسيتها وفاعليتها في الغربلة والتمحيص. ومالم يتم ذلك فإن مستقبلا مظلما ينتظر التعليم في بلادنا ويحيل المؤسسة التعليمية إلى بؤرة معتمة للتجهيل وصناعة الوهم.
ومن الجميل أن تدرك القيادات التربوية أهمية تصحيح هذا الوضع والبدء بوضع معالجات عملية من شأنها أن تصنع مناخا موضوعيا وصارما للامتحانات. وفي هذا السياق تسعى القيادات التربوية في محافظة تعز حاليا إلى اتخاذ تدابير تجعل امتحانات الشهادة الثانوية المقبلة خالية من الغش لتحقيق التفاضل العلمي. ولتكون هذه الامتحانات مقياسا جيدا لأبنائنا الطلاب ومصفاة دقيقة يعبر المجدون من خلالها إلى التعليم الجامعي بخطى واثقة وقدرات حقيقية غير مغشوشة.
غير أنه من الإجحاف أن تكون بعض هذه التدابير مرهقة للمواطن الذي أصبح يعاني ويلات الحرب وويلات الغلاء. فجاءت ويلات الامتحانات ثالثة الأثافي لتضيف في جعبته غما على غم.
ومن هذه التدابير فكرة أن يختبر أبناء المحافظة جميعهم في قاعات مخصصة داخل الحرم الجامعي وغيره ليسهل بذلك عزل المناخ الامتحاني عن كل الظروف السيئة والممارسات السخيفة.
ومثل هذه الفكرة جيدة من حيث الأساس. لكنها مكلفة بشكل صارخ لطلاب المناطق البعيدة في أقاصي الريف التعزي كمنطقة الزريقة والزعازع وراسن والعلقمة وغيرها والتي يحتاج المسافر منها إلى مدينة تعز إلى سلسلة من المتاعب والتنقلات وإلى ميزانية مالية مرهقة. فكيف إذا أضيف إليها مصاريف الفندق والإقامة لنصف شهر أو يزيد. فهل يدرك القائمون على هذه الفكرة ذلك؟ وهل يعلمون أن غالبية الأسر الريفية تعيش تحت خط الفقر وأن تكاليف الذهاب إلى تعز في حكم الصعب المرهق إن لم يكن في حكم المستحيل.
يستطيع القائمون على هذه الفكرة تهذيبها وتطويرها مراعاة للظروف. من خلال النظر في بدائل أقل كلفة. فربما على سبيل المثال أمكن تنفيذ هذه الفكرة في مراكز المديريات. حيث يمكن توفير الحماية الأمنية المناسبة. وفي ذلك تخفيف للمشقة وتهيئة الظروف لأبنائنا الطلاب في دخول قاعات الامتحانات بنفوس غير مسدودة. وعقول غير مستفزة.