مستشفى عدن العام على سرير الموت

2014-04-25 11:41:16 تقرير/ فهمان الطيار

بشكل عام خالي من الاستثناء أوشكت الصحة في عدن على الهلاك.. وقد سبق الحديث وبعثت الرسائل وصرخت الشكاوى ورفعت التصريحات واعتلت الصيحات وكتبت التقارير وقرأ المسؤول وصمت المختص.. هدوء وما بعده هدوء.. تهاوت في عالم الضياع الصروح الطبية.. كل فترة بسيطة من الزمن يشيع جثمان مستشفى حكومي.. ويغربل للتكفين آخر.. وعلى سرير الموت آخر وآخر.. هكذا الوضع بالنسبة للصحة في عدن يندى لها الجبين ويئن لحالها عابر سبيل..

أما الحديث هنا.. بل هناك حيث يبرز هذا الصرح الشامخ "بلا وجود".. والذي استقوت عليه أيادي العابثين وأكلت وصاله نفوس جشعة.. ارتعدت فرائصه وشاخت من إثر الشمس معالمه.. وعلى شرفات الانتظار احدودبت أيامه.. هو "مستشفى عدن العام" ذاك الصرح الطبي الشامخ.. جثم يصرخ مستغيثاً يطلب نجدة.. وذاك المريض يناديه همساً يقول يا "أملي وحلمي الوحيد يا سكني وظلي أنت.. فيك ينعم جسدي بهدوء الألم وتنزاح عني دواعي السقم.. موال من الآه والحسرة سمعنا.. لكن مجاديف الهمة تكسرت لدى ذوي المسؤولية والمعنيين بالأمر.. والصمت اعتلا ذوي القرار وهذا الصمت خناجر مسمومة تقطع ذلك المريض الذي استعمره الداء ولا يعرف أين الملاذ والشكوى؟!..


لا يوجد شك ولا تظهر أسباب أو تعليلات لتوقف "مستشفى عدن العام" سوى خرافات من الكلام وعبارات مصوغة بلحن جميل مضمونها التبريرات.. ومجملها التجديد والترميم .. نزلت مناقصة رفع تقرير.. هذا هو كل الحديث وليس لديهم سواه حديث.. جف الحبر واحترقت الورق وصاح القلم وحل الندم.. هرمت الحروف وشاخت الكلمات.. سقطت الدموع وتجمعت آهات.. في شأن هذا المستشفى.. لكن المعانة هي "كما هي" لا تغير.. "مستشفى عدن" سنوات من الضياع وميزانية تذهب أدراج الرياح.. وصل الحال بنا إلى وضع غير معقول ولا يعتقل..

بنظرات الغرابة والحياء وقفت "أخبار اليوم" .. في إطلالة على صرح طبي شامخ في محافظة عدن الباسلة عروسة المدن وأم الحضارة والتاريخ.. وقفت وتنسج بحروف الأسى علامات التعجب والاستفهام..؟!! وبكلمات الدهشة والحيرة طافت في أروقة هذا الصرح ألا وهو "مستشفى عدن العام" ونقلت بالجمل والعبارات إليكم واقعا أليما ونهاية سوداء..

ما هذا الصمت؟

كان لـ "أخبار اليوم" لقاء أول مع أحد القامات المثالية والمتجاوبين للنقاش والذي كافح وناضل في مساعدة المرضى وكرس كل جهوده في عدم تعرقل هذا الصرح الطبي وقدم كل ما يستطيع فعله من واجب المسؤولية, لكنه تفاجأ أخيراً بما لا يتوقعه الدكتور/ أحمد الخينة- مدير عام مستشفى عدن (السابق)- لكنه لم يرغب في البداية بالحديث, لكونه لا يريد أن يتحسس أحد من حديثة ولكونه لم يعد مديراً على هذا المشروع الذي صار لعبة مرغوبة استهوتها الأنفس البذيئة لكنه أحب أن يفصح بكل ما يعرفه حول هذا المستشفى وخلال فترة إدارته له بداية حديثه قال:

يجب أن يعاد النظر في مسؤولية مستشفى عدن وأن يكون هناك همة ومراقبة الله في ذلك من خلال تشكيل لجنة لمعرفة ما هي الأسباب والمعوقات الحقيقية التي تقف أمام إعادة فتح هذا الصرح الطبي العملاق، ولماذا لم يتم الانتهاء من المشروع إلى الآن؟.. وأين المتابعون والمعنيون وكل الأطراف المشاركة فيه, أين هم, ما هذا الصمت؟!

وتابع تم إيقاف "مستشفى عدن العام" نظراً لحاجة المستشفى الماسة إلى إعادة تأهيل وبالأخص التكييف المركزي ولكون عدن من المناطق الحارة, لذا من الضرورة أن تتواجد فيه عملية التكييف الذي يعاني منه هذا المستشفى وكان لنا تواصل دائم مع الجهات المختصة أو قيادات الدولة ومن يعنيه الأمر بخصوص إعادة تأهيل عملية التهوية والتكييف في المشفى, لكن الإمكانيات رديئة في ذلك الوقت.

كانت فرحة غامرة

وأردف الخينة" ولوجود علاقة بين اليمن والسعودية طرح الموضوع عليهم بإعادة التأهيل واستمر ذلك الطلب فترة طويلة, فوجئنا بالموافقة, كانت فرحة غامرة لأبناء عدن.. قائلاً" لكن الجماعة استغلوا الوضع وناسبتهم الفرصة للقض على فريستهم مباشرة, حيث تم إيقاف أي تأهيل أو إصلاح أي منظومة للتكييف نظراً لأن المستشفى مقبل على إعادة تأهيل كاملة من السعودية.

وقال" رفعنا العديد من الرسائل والشكاوى إلى قيادة المحافظة عندما وجدنا أن الوضع ازداد سوءا بالنسبة للتكييف في عام (2005)م كان التجاوب أن العمل جاري في التنسيق لتوقيع ورقة التفاهم مع الجهات السعودية الداعمة لإعادة التأهيل.. نظراً للظروف الطارئة التي لا تتيح لنا الانتظار جهزنا بعض الأمور بالتنسيق مع المحافظة والوزارة بحيث توصلنا إلى أن يعطى لنا موقع في داخل مستشفى الشعب سابقاً لتأهيله كمركز طوارئ توليدية ورعاية المواليد وفي منتصف عام (2006م) تم تأهيل المكان وبدأنا العمل فيه.

وأضاف" في قطاع الصحة بعدن تم تشكيلنا فريقا واحدا بقرارات إدارية من قبل مكتب الصحة والمحافظة.. لجنة إشراف تكون بمثابة المشرف والاستشاري, لكننا واجهنا العديد من الصعوبات في طريقنا لأن إدارة المشروع كلفت جهة غير جهة الصحة في المحافظة ونحن لم نعلم بذلك إلا بعد أن التقينا بهذه الجهة المكلفة بالعمل وهي برنامج تطوير مدن الموانئ، بعد ذلك طلب منا أن ننضم إلي هذا الفريق ونشارك في عمل الإشراف ولكن نحن مجموعة في إدارة هذا المشروع فلا يحق أن يتم تقليصها إلي جهة واحدة وتابعة لبرنامج تطوير مدن الموانئ ,الكل قدم استقالته من العمل وأخلى المهمة من عاتقه.

قرار غريب

في تلك الفترة- حين كنت مديراً لمستشفى عدن العام - قدر الاستطاعة حاولنا جاهدين أن نعرف من هي الجهة المسؤولة أمام متابعة مشروع هذا المستشفى, لكن كنا دوماً نجد جهة برنامج تطوير مدن الموانئ كونها جهة مسؤولة على المتابعة.. وأيضا فوجئت بقرار غريب جداً من وزارة الصحة بتعيين مدير للمستشفى وأنا لا زلت معيناً, دون إشعاري ولكن الأمر لم يهمني وكان الإخلاء بهمة كبيرة مني نظراً للتلاعب الحاصل في هذا المستشفى في إعادة التأهيل والأكثر غرابة من ذلك كيف يتم تعيين آخر والمشروع معرقل ومتوقف لفترة طويلة للتأهيل.

الآن نلاحظ بين كل فترة وفترة بروز جهة أخرى تقوم بالتدخل في مهام الإشراف على المستشفى، في الوقت نفسه لم يظهر المستشفى إلى الآن كمستشفى يقدم خدماته، علماً بأن مواطني عدن منتظرون لهذه الخدمات، كما فوجئت بأن هناك لجنة شكلت لتقييم العيادات الخارجية ومركز الطوارئ في مستشفى عدن بحيث يسلم لجهة أخرى غير طاقم مستشفى عدن المتناثر داخل المجمعات والمستشفيات الأخرى، وسمعنا أيضا بأن هناك طاقماً من الإخوة في هيئة مستشفى الجمهورية يقومون بالتقييم ما إذا كانت العيادات الخارجية والطوارئ جاهزة لتقديم خدماتها لأبناء عدن كجزء من المشروع، وأنا استغرب كيف يتم التجزئة في تسليم المشروع؟! علماً بأن المقاول استلم المشروع كاملاً وكان يفترض أن يتم تسليمه بالكامل.

مكان غير صالح للعلاج

خلال البحث في هذا التقرير عن أسباب ومسببات توقف صرح طبي وذهب عالم الضياع ووسط سكون مخزي كان لنا لقاء مع مسؤول طبي حيث بدأ بالقول: مستشفى عدن العام أصبح مكانا غير صالح للعلاج والتداوي فيه وإنما أصبح بيتاً وملاذاً للطيور ومسكناً للفئران والعقارب  ليس هذا غريب علينا, خصوصاً ما توصلت إليه محافظة عدن من تدهور في الوضع الصحي.. اختلالات إدارية ومالية أثرت سلباً على الخدمات الطبية والصحية المقدمة للمواطن سببها غياب الإرادة السياسية للسلطة لانتشال الوضع الصحي المتردي الذي أصبح كابوساً يؤرق المواطنين ويبعث الأسى ويزيد النفس حسرة في غياب الضمير..

وتابع" هذا المستشفى كان حجة إغلاقه هو الترميم وأول مشكلة بدأت فيه هي التكييف لكن الأيادي المتربعة عليه والمتكلفة بقيام هذا المشروع وإعادة الترميم خلال فترة زمنية محددة, لم تعد تسمع لها صوتا.. أغلق المستشفى طوال هذه الأعوام ولا حياة لمن تنادي الكل يريد أن ينهب لأن الضمير الإنساني لا يوجد في هذا الوقت انتهى, أغلق هذا الصرح ووزعت كل كوادره الطبية على المرافق الصحية في المحافظة ومعظمهم في مستوصف الشعب المعروف باسم "الصين" سابقاً .

لا توجد مبررات

وعن التساهل المقصود والتلاعب المفضوح يقول" لا توجد للجميع مبررات في إغلاق المستشفى, فالجهات السعودية- التي تكفلت في ميزانية المشروع- عندما ارتأت التماطل والتلاعب والكل يريد أن يعمل بغرض الاستفادة الشخصية والسرقة قررت إيقاف عمل الترميم إلى حين تتواجد الحلول ويتم العمل بشكل منظم وسليم لأن هذا صالح عام لكل المواطنين وبدلاً من أن تقوم جهاتنا المختصة بالترحيب والشكر وإبراز جل اهتمامها بهذا المشروع الذي بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية والتدقيق فيه والعمل بكل مسؤولية وأمانة إلا أنك تجد العكس تماماً.

كما نسمع أنه- بعد عرقلة وتوقف هذا المستشفى- تم بيع كل أدواته وأجهزته الطبية وأصبح عبارة عن خرابة بدلاً من صرح طبي يعالج كذا حالات مرضية في اليوم.. لكن هناك لعبة من الجهات المسؤولة وهذا الأمر أكيد.. والا ما السبب في هذا الصمت؟ ولماذا توقف المشروع؟ بالرغم من الدعم الكامل من الجهات السعودية.. وأين المهندسون والمشرفون والمقاول؟ أين ذهب الجميع.. وأين مكان الرقابة في هذا الأمر وما هو الدور الذي تقوم به؟ اذا سألت كل يرد المسؤولية على الآخر والجميع مشترك فيها!!.

يأكلون في بطونهم ناراً

وعن توزيع الكادر والميزانية يلحق بالقول" الآن تجد بعد ما توقف "مستشفى عدن العام" تم توزيع كادره الطبي على الصروح الطبية في المحافظة, فأصبحت مزدحمة بالكادر رغم أن الخدمة غير متوفرة والمواطن يشكو من نقص العلاج ومن عدم الاهتمام والا مبالاة بالحالات المرضية والنظافة من جانب آخر أكبر ما تعانيه المشافي الحكومية في عدن وخير مثال على ذلك مستشفى الجمهورية أيضا نقص الأجهزة هذا يعد عائقاً كبيراً بحد ذاته إلى جانب أن الأطباء الذين تم توزيعهم على المرافق الحكومية يتسلمون رواتبهم من ميزانية مستشفى عدن وكأنهم يعملون ببقية المرافق طوعياً والمتربعون على العروش هم بالأول والأخير المستفيدون.. لكن صدقونا أنهم ليسو مستفيدون بالمعنى الصحيح إنما يأكلون في بطونهم ناراً لانهم يأكلون حقا من حقوق الشعب المسكين.

طفح الحراسة والأمن

اقتادتنا خطانا لنزور المستشفى ونعرف أن عليه حراسة وامن أو انه تم نسيانه نهائياً.. لكننا وجدنا هناك بصيص خير.. رجل أمن اسمه صالح مسعد الشوكي- المسؤول الأمني في "مستشفى عدن العام"- خمسيني العمر متواضع طيب مكافح وسط عشة مهترئة لا تقيه من برد الشتاء ولا حر الصيف وكأنه ليس تابعا لحكومة وجهة مسؤولة تلخص كلامه في حرقته الشديدة على هذا الصرح الطبي العملاق..

 وأشار في حديثه عن عدم معرفة سبب توقفه بالرغم أن الجهة الممولة دعمت هذا المشروع لإعادة الترميم وأضاف" انه يحرس بناية خالية من البشر منذ فترة طويلة وانها مهجورة بطريقة مزرية وانه نادم على هذا الصرح الطبي لكونه كان الحاضن الأول لمواطني عدن.

التفتنا لنرى مسؤولي الحراسة ناظم وعبدالله سالم فكان حديثهم شكوى ومعاناة متقاربة في ما أفاض به زميلهم رجل الأمن بل واكثر من ذلك.. الكل ضاق مما آل هذا الصرح, الكل له صرخة حسرة وندم الكل يريد أن يتكلم.. حديث ليس له نهاية عبارة عن هموم وشكاوى من الجهات المعنية والمختصة في صمتها المريب والمخزي.

سؤال حائر إلى الحكومة

إذا تم إغلاق "مستوصف الشعب" البديل لـ"مستشفى عدن العام" ووضع مستشفى البهرة المزعوم مكانه.. فهل سيعود "مستشفى عدن العام".. لاستنشاق رتيباً من حياة جديدة..؟؟!!

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد