العاصمة على مرمى "صرخة"

2014-08-23 13:03:26 أخبار اليوم/ وليد عبدالواسع

كان للتصعيد الأخير الذي تقوم به جماعة الحوثيين بالاتجاه نحو العاصمة صنعاء أن زاد من حدة القلق رسمياً وشعبياً, كما هو دولياً.. ومعه بدت المخاوف كثيرة إزاء مختلف السيناريوهات المحتملة؛ الحرب أو جنوح الدولة للسلم وتلبية مطالب الجماعة..

وفي ظل التصعيد الحوثي والتوسع العسكري للجماعة في العديد من مناطق الشمال وعدم اتخاذ تدابير حكومية صارمة لمجابهة ذلك، ربما تفادياً لخوض حرب شاملة معها، يبدو أن اليمن ينزلق تدريجياً نحو حرب أهلية وطائفية, والتسوية السياسية ومخرجات الحوار في اليمن تواجه مخاطر حوثية, في الوقت الذي تعيش فيه القوات الحكومية حالة انقسام كبير في الولاءات..

ومعها باتت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وعملية التسوية السياسية في البلاد تواجه مخاطر حوثية كبيرة قد تصيبها في مقتل. بعد تصدُر جماعة الحوثي المسلحة الواجهة وصارت تطغى بتحركاتها العسكرية على كل القضايا السياسية الأخرى، والتي أصبحت تهدد الدولة علانية..


ترقب حذر

اليمن تترقب بقلق تطورات الوضع مع قرب انتهاء المهلة التي منحها زعيم جماعة الحوثي لإقالة الحكومة وإلغاء الجرعة.. فمع تزايد توافد أنصار جماعة الحوثي على نقاط الاعتصام على مداخل العاصمة يبدو الترقب بانتظار الخطوات التصعيدية التي ستتخذها جماعة الحوثي في حالة لم يستجب لمطالبها.

ونقلت وسائل إعلام يمنية عما اسمته مصادر مقربة من الجماعة قولها أن أولى خيارات التصعيد التي ستتخذها الجماعة ، هي إغلاق مداخل العاصمة صبيحة اليوم السبت في مناطق الاعتصام وهو ما يعني خنق العاصمة تماماً.

فيما الخطوة القامة ستكون بدخول مجاميع كبيرة من أنصار الجماعة وحشد أنصارها في العاصمة لمحاصرة المقار الحكومية وعلى رأسها مقر رئاسة الوزراء والبرلمان بنصب الخيام، ولم تستبعد المصادر أن يكون منزل الرئيس هادي في قائمة المقار التي سيتم محاصرتها. أن حصار المقار سيصاحبه عصيان مدني شامل بالعاصمة ، لشل الحركة في العاصمة تماما من خلال قطع الطرقات الرئيسية وأهمها شارع الستين .

ويتخوف مراقبون من أن تنفيذ مثل هذا السيناريو قد يدفع بالصدام مع قوات الأمن وهو ما قد ينتج عن ضحايا، وقد يشكل ذريعة لانصار الحوثي بالرد على قوات الأمن مما يشكل خطورة كبيرة قد تدفع الجيش للتدخل عن طريق الألوية الرئاسية التي اعلن الاستنفار فيها.

وتبقى كل الخيارات متوفقة بانتظار ما ستخرج به اللجنة التي أُعلن عن تشكيلها، والتي وصلت صعدة قبل يومين على متن مروحية عسكرية.

تفكير قديم

يقول مراقبون إن مشكلة جماعة الحوثي أنه يفكر بإعادة اليمن إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر المجيدة 1962م والسعي إلى بناء دولته الزيدية المستقلة والممتدة من ضحيان إلى سنبان.

ويؤكد المحلل العسكري العميد متقاعد محسن خصروف إن محاولة الحوثي دخول صنعاء ليس من مصلحته لأنه لن يجني منها إلا الهزيمة النكراء.

ويقول أنه ليس من مصلحة الحوثي أو حلفائه محاولة اقتحام صنعاء، وأي محاولة من هذا القبيل لن تكون الحرب فيها في صنعاء فقط، ولكن ستشتعل الحروب في كل مناطق اليمن وسنرى حربا أهلية ومذهبية في معبر، تعز، إب، الحديدة، وباقي كل المحافظات اليمنية من دون استثناء وستفتح ملف حصار السبعين الذي نفذه الإماميون العام 1967 وسيجتمع الجمهوريون من كل أصقاع اليمن للدفاع مرة أخرى عن صنعاء.

ويذهب مراقبون للقول إن الجماعة تسعى للسيطرة على العاصمة صنعاء ، خاصة مع بدء أنصارها اعتصاما على تخومها ، وهو حديث شكك به مسؤولون ، مؤكدين أن الجماعة تسعى لتحقيق مكاسب سياسية. وفق استطلاع للرأي أجراه موقع “الجزيرة نت”، حول تباين الآراء في شأن الأهداف الحقيقية لتصعيد الحوثيين الأخير ضد الحكومة اليمنية.

رئيس تحرير صحيفة “الأمناء” اليومية عدنان الأعجم اعتبر التصعيد الحوثي “محاولة لاستغلال الوضع السياسي المضطرب للانقضاض على العاصمة اليمنية، ومحاولة لإحياء نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح“.

وأكد أن هذا التصعيد “يحمل أجندة خارجية” ضمن الصراع الإقليمي في شبه الجزيرة العربية، مستدلا على ذلك بتصريحات المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم الداعمة للمطالب التي أعلنت عنها جماعة الحوثي.

في حين يستبعد فارس السقاف مستشار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إمكانية أن يتجه الحوثيون إلى هذا الخيار، وقال إن هذا التصعيد “لا يمكن أن يرقى لحجم التهديد بإسقاط العاصمة أو إسقاط الدولة”. وألمح السقاف في حديث للجزيرة نت إلى أن الجماعة تسعى من وراء هذه الاحتجاجات “لتحقيق مكاسب سياسية” تمكنها من الدخول للحياة السياسية والمشاركة فيها بقوة.

رئيس مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد يرى أن خيارات تصعيد الجماعة الحوثية “تأتي في سياق توجهاتها لإسقاط النظام والسيطرة على الحكم”، سواء عبر ابتلاع الدولة بالشراكة في الحكومة دون ترك السلاح وتسليمه للدولة وتفكيك المليشيات، أو عبر إسقاط العاصمة صنعاء عسكريا”. متوقعاً أن تمضي الجماعة في “خيار السيطرة على صنعاء” بأقل التكاليف من خلال إسقاط الحكومة مع رد اعتبار لها بتخفيض الزيادة السعرية بإرجاع ولو كان جزءاً بسيطاً من الدعم الحكومي للمشتقات النفطية، لتحقق بذلك انتصاراً سياسياً وشعبياً مع مواصلة رعاية توسعها المسلح، وفق تصوره.

ويعتقد أن الحوثيين قد يلجؤون في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم “لإسقاط النظام وبدء محاصرة المعسكرات حول صنعاء ومهاجمتها وأخذ السلاح منها بالتوازي مع انتشار مسلحي الجماعة في العاصمة صنعاء لشل حركة المؤسسات الحكومية”.


مواجهة الفوضى

تذهب كثير من التأكيدات إلى أن ما يحدث في اليمن من فوضى يقودها الحوثيون، يحتاج إلى إجراءات حازمة وقانونية للتصدي لتلك الحركة التي بدا واضحا بأنها تحاول فرض إرادتها بالقوة داخل صنعاء.. وفي مؤشر على الهشاشة الحاصلة، بدأت السلطات اليمنية بالبحث عن حلول أخرى تمكنها من مواجهة خطر القاعدة في الجنوب، ومجابهة التمدد الحوثي في الشمال.

وهو ما أوضحته صحيفة خليجية بأن هذا يؤكد إصرار جماعة الحوثيين على العبث بالأمن والاستقرار اليمني. وأن إفشال مخططات تلك الجماعة يحتاج من جميع الفصائل والأحزاب السياسية في اليمن إلى الالتفاف حول حكومتهم الشرعية وتوحيد صفوفهم لتحقيق أهداف المبادرة الخليجية التي رسمت خارطة طريق توافقية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بعيدا عن العنف والتشرذم اللذين لا يقدمان الحلول من أجل يمن مستقر آمن.

وقالت صحيفة عكاظ السعودية إن الأحداث الأخيرة التي يقودها الحوثيون على مشارف صنعاء والشعارات التي يرفعونها لإسقاط الحكومة تحتاج من المجتمع الدولي إلى مزيد من الحزم الذي يتجاوز حدود الإدانة والتصريحات إلى تحرك ملموس يدعم حكومة الوفاق ويعزز احترام القانون وحفظ النظام بعيدا عن الفوضى التي تهدد بإغراق اليمن في المزيد من حمامات الدم والانقسامات والاضطرابات.

وطالبت الحوثيين كحزب سياسي أن يحترموا القانون وأن يضعوا مصلحة اليمن أولاً من خلال الإسهام مع بقية الفصائل والجماعات في حفظ النظام ورسم المستقبل المشرق لليمن من خلال المشاركة السلمية الواضحة في الحياة السياسية.

وهذا- حسب الصحيفة- لن يتم دون الحوار بعيدا عن لغة العنف والشعارات والتهديدات التي وضعت اليمن أمام مستقبل غامض وخطير ينذر بهدم جميع مكتسبات المرحلة الانتقالية ويبدد كل الجهود والمبادرات الرامية إلى احترام إرادة الشعب، وتطبيق القانون وحفظ النظام.

غير أن تصريحات لمندوب اليمن لدى الأمم المتحدة فان مجلس الأمن الدولي سيعقد جلسة طارئة في الـ 25 من الشهر الجاري حول اليمن , وسيصوت على مشروع قرار يصنف جماعة الحوثي (الشيعية) المسلحة - حركة إرهابية ويضع سبعة من قياداتها في قائمة الإرهاب العالمي وفي مقدمتهم عبدالملك الحوثي وصالح هبرة وأبو علي الحاكم وآخرون واسم الرئيس السابق في حال ثبوت تورطه في التخطيط مع الحوثي .

وأكد مصدر دبلوماسي غربي بالعاصمة اليمنية صنعاء أن سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن يتدارسون الدعوة لجلسة عاجلة بخصوص اليمن يتم من خلالها إدراج أبرز القيادات الحوثية ضمن قائمة الإرهاب الدولي وفقاً للقرار 2140 لمجلس الأمن الصادر تحت البند السابع بخصوص اليمن وبناءً على طلب سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية لما تمثله جماعة الحوثي من تهديد أمن واستقرار ووحدة اليمن.

وأضاف المصدر أن قائد جماعة الحوثي "أنصار الله" السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي والقائد الميداني لمليشيا جماعة الحوثي أبو علي عبد الله محمد بن يحيى الحاكم وكذلك رئيس المكتب السياسي للجماعة صالح هبرة سيكونون في طليعة المشمولين بقائمة الإرهاب الدولية.

وأشار أنه في حال صدور القرار لا يستبعد استخدام القوة لمواجهة العناصر الإرهابية من قبل الحكومة اليمنية وحلفائها في الحرب على الإرهاب بما في ذلك طائرات بدون طيار أو عمليات كمندوز خاصة.

الخارجية البريطانية اعتبرت دعوة زعيم جماعة الحوثي المسلحة / عبدالملك الحوثي إلى مظاهرات مكثفة بصنعاء للمطالبة بتنازلات سياسية والتهديد بإجراءات تصعيدية إذا لم تلبى هذه المطالب, تجعل الوضع في اليمن متقلباً مع استمرار الاضطرابات والاشتباكات العنيفة, وما يزال خطر تصعيد العنف والفوضى قائم.

غير أن مجلة الإيكونومست البريطانية ترى بأن الكثير من اليمنيين ممن يشاطرون الحوثيين في مشاعرهم بشكل واسع, يرون أن الحكومة الحالية ضعيفة وفاسدة وغير فعاله, حريصون ألا ينجر البلاد الهش إلى صراع ويخشون أن يكون عبدالملك الحوثي على استعداد لنقل المعارك إلى صنعاء.


حفاظاً على ماء الوجه

بحسب محللين، ستقتصر مهمة الدفاع اليمنية في ظل التوسع الحوثي, في الحفاظ على العاصمة صنعاء، وحفظ ما تبقى من ماء وجه الدولة، بعد حرف جماعة الحوثي لبوصلة الحرب ضد الإرهاب. ويرى مراقبون أن السلطات اليمنية لن يكون بمقدورها مقارعة أخطر جماعتي عنف في البلاد في وقت واحد.

وفي مؤشر على الهشاشة الحاصلة، بدأت السلطات اليمنية بالبحث عن حلول أخرى تمكنها من مواجهة خطر القاعدة في الجنوب، ومجابهة التمدد الحوثي في الشمال. فقد بدأ الرئيس اليمني “عبدربه منصور هادي” الاستنجاد برجال القبائل المحيطة بالعاصمة صنعاء، وعقد اجتماعات متوالية معهم لتشكيل ما يشبه “الطوق الأمني القبلي” الذي سيحمي العاصمة من السقوط في أيدي جماعة الحوثي صاحبة الخبرة في إسقاط المدن.

ويقول محللون إن جماعة الحوثي تبحث دائما عن ذرائع توسعية من أجل الإطاحة بالمحافظات والاستيلاء عليها، وأنها تتخذ من “تغيير الحكومة” ذريعة لدخول العاصمة، مثلما كان تغيير محافظ محافظة عمران سببا رئيسيا لدخولها محافظة عمران وإسقاطها في أيديها.

ومنذ التحاق الحوثيين بمؤتمر الحوار الوطني الذي جمع اليمنيين لقرابة العام (مارس/ أذار 2013 – يناير/ كانون الثاني 2014 ) تتحاشى السلطة مواجهة جماعة الحوثي بشكل مباشر، وفق تحليلات صحفية, حتى لا تكرر أخطاء النظام السابق الذي شن عليهم ستة حروب في معقلهم بصعدة، لكن محاصرتهم للعاصمة صنعاء بمجاميع مسلحة، تمهيداً لدخولها، يبدو أنه سيغير من اللهجة الرسمية تجاههم..

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد