لا يتركون الدراسة ولا يلعبون في ملاهي الأطفال..

يشيبون في شوارع البؤس وأرصفة العمل

2014-10-09 10:24:25 تقرير/ محمد المسيحي

حينما تولي وجهك في هذا الشارع أو ذاك وخصوصا بالمدينة الاقتصادية عدن أو غيرها, يقع ناظرك على طفل يعمل ويكدح وكأنه في الأربعين من عمره.. سواء في مطعم أو بقالة أو بسطة خضار أو سوق الصيد أو في البناء أو النظافة أو بسطة ملابس وغيرها..

والسبب ليس أن هذا الطفل تخلى- بمحض إرادته- عن مرح ولعب وشقاوة الطفولة ودلالها من الأهل والأقارب للطفل, لكن الواقع المرير هو من فرض على هذا الطفل أن يشيب ويكدح ويواجه قساوة الحياة ومراراتها رغم أن عوده لم يقو فإما أن يكون اليتم هو السبب أو الطلاق وذهاب الأب إلى أسرة جديدة ونسيان الأسرة القديمة دون عائل وإما أن يكون الفقر المدقع والظروف المادية هي من جعلت الطفل يواجه مصاعب الحياة بالعمل ليعمل على توفير مصروفات تعينه على مواصلة الدراسة التي عجزت عنها الأسرة, وفي جميع الأحوال تبقى الدولة متخلية عن هذه الشريحة الاجتماعية دون إعانتهم وتغيير من أحوالهم.. فإلى التفاصيل:



جهات غائبة

في بعض الأحيان نلاحظ ملامح اليأس بادية للعيان عند الأسر ممن لحق بهم الفقر وجعلهم يلازمون المنزل كما يلازم المريض فراش المرض، فالدولة لم تكن عوناً لهم ولم تعمل على توفير مراكز للأطفال اليتامى وغيرهم من الشرائح المحتاجة لهذا الدعم ولم تكن قريبة منهم حتى على الأقل بتوفير إعانة تساعدهم حتى على توفير إعانة شهرية وليس فصلية هذه الإعانة قد يستطيعون من خلالها توفير متطلبات الحياة الكريمة تكف عنهم التسول والشحاتة كما أن الأسر الفقيرة بحاجة أيضا إلى زيادة الإعانة الاجتماعية وتحويلها من فصلية إلى شهرية حتى يستطيعون العيش بكرامة.

إضافة إلى ذلك فإن الأطفال في الجنوب يفتقدون ذلك النظام الذي كان سائدا قبل التشطير والذي عملت فيه الدولة على توفير الأقسام الداخلية من أجل أن يسكن أبناء الفقراء ويتغذوا ويتعلموا.. يترك الطفل المدرسة وهو يحب العلم ويتجه إلى العمل لتوفير مصروفات التعليم وهذا شيء مريب في حق الدولة.

وفي جميع الأحوال فإن الألم يعتصر القلوب على هؤلاء الأطفال العاملين في شتى ميادين الحياة, فربما النظرة الأسرية أحايين ترى بأن هذه الأعمال وقسوة الحياة تصنع منهم رجالاً أشداء يستطيعون أن يخدموا أسرهم وأوطانهم, رغم أن الطفل مكانه الحقيقي المدرسة ليتعلم والملعب ليلعب ويلهو ويتذوق طلاوة الطفولة وأريجها.

 لكن الخوف أن يذهب هؤلاء الأطفال للانضمام إلى الجماعات المسلحة والإرهابية فتعمل هذه الجماعات على حشو أفكارهم بالمفاهيم الهدامة والمتطرفة ليطلع هذا الطفل إرهابي بامتياز فيضر نفسه ويضر وطنه, ناهيك عن قبول هؤلاء الأطفال في السلك العسكري والأمني, فهذا مخالف لكل القوانين الدولية الخاصة بحماية الطفولة.

ليس عيباً

الحالة المعيشية هي من فرضت على طلاب دارسين في المعاهد لممارسة العمل وبكل كرامة، فمصعب محمد الزريقي- طالب تخدير في معهد أمين ناشر للعلوم الصحية- دفعته الظروف ومتطلبات الدراسة للعمل على بسطة بيع ملابس.

يقول: الظروف المعيشية الصعبة من جعلتني اعمل لي بسطة لبيع الملابس وللبحث أيضا عن حياة كريمة.. أكثر أيامي أقضيها في العمل الشاق وعند بدء الدراسة يكون العمل متعباً أكثر لأنه يزيد من الإرهاق.

ينهي مصعب محاضراته ليتجه للعمل الذي لا يراه عيبا.. ويضيف" سبب خروجنا للعمل هو الحياة الصعبة التي أرهقت الكثير من الأسر وأيضا ما جعلنا نلجأ للعمل ونحن في هذه الأعمار الهموم وتحمل المسئولية".

ما يتسم به هذا الشاب أنه ذو عزيمة ومثابرة وحب للعلم والعمل فحياته في جهاد لكي يوفر متطلبات الدراسة ويكون حينها من المثابرين والمتفوقين الذين أظهروا أنفسهم رغم الحياة التعيسة إلا أن هناك من يواجهها بصلابة أصلب منها وبكثير.

 

الأمر ليس بغريب على أحد.. حينما نلاحظ أن هناك طفلا أو عددا من الأطفال يعملون لكي تكون أسرهم ذات شرف بما حصد أبناؤهم.. بالقرب من مسجد النور بالشيخ عثمان يقف الطفل وليد بائعاً للعطور.. يقطع المسافات البعيدة من محافظة لحج ووصولا إلى مديرية الشيخ عثمان.

وليد عبده عزّي- لا يزيد عمره عن الثانية عشرة- يقوم ببيع العطور ليساعد والده في مصاريف البيت.. رغم صغر سنه إلا أنه يتحلى بأخلاق عالية ولديه أسلوب راقي في التخاطب في مع المشتريين من الناس.

رغم أنه يعمل, لكنه لم يترك دراسته, فهو في الصف الخامس, ولديه عدد من الإخوان وهو أكبرهم ومن يقوم بجلب المال إليهم.. يغيب عن المنطقة وأهل بيته لبعض من الأسابيع ويعود إليهم بطيب المال فحياته شبيهة بسابقيه.

مصعب ووليد

وتبدو تلك الأعمال- التي يعمل بها كل من الشاب مصعب والطفل وليد- هي النموذج لعشرات الشباب والأطفال بل المئات من الذين تجدهم منتشرين في كل أزقة الشوارع والحوافي والجولات يمارسون أعمالا مختلفة.. مشاهد تدل على حجم المأساة التي يعانيها هؤلاء وسط الظروف المعيشية القاسية التي اعتاد عليها الكثير من الأطفال وذهبوا للعمل وأصبحوا يواجهون حياة مركبة ومعقدة غير قادرين على تحملها بين التعليم والشقاء.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل هناك جهات تعمل على تخفيف المعاناة لدى طالب العلم ومن لجأ للعمل.

قبل الختام

وفي الأخير تبقى عمالة الأطفال ظاهرة غير مقبولة قانونا وشعبيا وكون أسبابها تنحصر في أمور تخلت الدولة عن القيام بها فاضطر هذا الطفل إلى أن يواجه أعباء الحياة وقسوتها بالعمل عندما لم يجد من يعينه ويساعده في مواصلة تعليمة سواء في المرحلة الأساسية أو الثانوية أو الجامعية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد